أنْ تكون قاضياً جميلاً في زمن قـبـيح

اسماعيل التاج

طارق طه الأمين، مازال قاضي مديرية في الخدمة بحكم الحق والعدل. وبحكم الواقع، قاضي معزول بموجب مراسيم الإنقاذ التي ابتدرها في القضائية جلال علي لطفي وسار على نهجه عبيد حاج علي، حافظ الشيخ الزاكي وجلال الدين محمد عثمان. اسوأ من مروا في تاريخ رئاسة القضاء السوداني، وانحنوا ما شاء لهم الانحناء لتمرير سياسات الانقاذ في الفصل التعسفي في داخل القضاء نفسه. القضاء السوداني الذي كان قبل الانقاذ ملاذاً للسودانيين في مواجهة عسف واستبداد السلطة التنفيذية صار كرباجاً ليس لجلد خصوم الانقاذ من السياسيين فحسب، بل لتشريد كل من تطاله شبهة عدم الانتماء للحركة الاسلامية في القضاء السوداني نفسه. وبدأ تفريغ القضاء من الكوادر المؤهلة واستبدالها بآخرين لا ملكات ومهارات لهم سوى التسبيح بحمد الانقاذ. ففقد القضاء هيبته وطاله فساد التعيين بموجب الولاء مما أدى إلى انحطاط القضاء السوداني بصورة لا مثيل لها وفقد مصداقيته عند المواطن العادي قبل الخصوم. صارت قاعات المحاكم مكاناً للحديث عن جواسيس رئيس القضاء أكثر من التعاطي مع السوابق القضائية والمرافعات والقوانين المقارنة. وصار نفوذ رئيس القضاء مبنياً على التخويف والترهيب أكثر من الاحترام والاستقامة. قضاة قليلون ظلوا متمسكين بقيم القضاء السوداني وينافحون عنها رغم قلة عددهم داخل قضاء السودان.

فضاعت العدالة وسقط العدل على مداخل أبنية قضاء جميلة المظهر، خاوية المحتوى.
ومدني مدينة لا تعرف الملل ولا تعرف البكاء.
في زمن ما قبل الإنقاذ، صرامة قضاة من أمثال مولانا عبد المجيد إدريس علي، عبد الإله زمراوي، طارق سيد أحمد، يحيى فضل صباحاً، تبددها بشاشة ذات وجوههم بمجرد انتهاء يوم العمل. ووسط هذا كانت هنالك الابتسامة حاضرة دوماً، والضحكة لا تفارق وجوه مولانا موسى النيل المكاشفي، طارق طه الأمين، العركي الشيخ الريح. وبين هذا وذاك من قبيلة المحامين تسمع هرولة الباشا، وضجة مجدي سليم، وسخرية جكنون، جدية عمر سربل، جدال عمر حسن هاشم، واستثنائية حسن حسين، مرشد الدين، أحمد نقد، عمر عبد الجليل …. فتوقن أنَّ البلد بخير. وتزداد يقيناً أنَّ العدل تحرسه مواقف هؤلاء مجتمعون: لا فرق بين قاضٍ ومحامٍ مع الاحتفاظ بحدود الاحترام المتبادل والمسافات المعلومة. وفي ظل الإنقاذ بات العداء مستحكماً ومستفحلاً بين القضاة والمحامين بفعل ممارسات قضاة الانـقـاذ العدائية تجاه المحامين.

طارق طه الأمين، كان قاضي مديرية بمدينة مدني في النصف الثاني من الثمانينات. أنيق الملبس، جميل الدواخل، لا تبارح الضحكة محياه. طالته يد الانقاذ بالفصل التعسفي. ضاقت به الدنيا، ولم يضف بها. التقاه مولانا طارق سيد أحمد، زميله سابقاً بمحكمة مدني، يوم الثلاثاء 15 ديسمبر 2015، في بحري.
كان اللقاء موجعاً ومؤلماً.
فكتب طارق سيد احمد واصفاً لحظة اللقاء:

” خرجت اليوم من محكمه بحري وفى طريق عودتي جلست أشرب قهوة لدى بائعة قهوة. سمعت من الجانب الآخر صوت ينادي بإسمي. التفت فاذا بي أرى رئيسي في محكمه مدنى طارق طه الأمين الذى احالته الانقاذ للصالح العام على هذه الحالة الواضحة في الصور. جلس معي وكان واضحاً أنه يعانى من خطب ما في احدى رجليه لصعوبة شاهدتها في حركته. ورغم هذه المعاناة كان مولانا طارق طه باسماُ وضاحكاً. استغربت بائعة الشاي جلوسي معه، وبعد تعريفي به أصرت أن تكون قهوته على حسابها..
تجمع بعض المحامين ووصفوا الحالة بأنها من افرازات الانقاذ. لم يتوقف سيل محاميي بحرى من القدوم اليه والسلام عليه وقد تذكر بعضهم . كانت لحظه رهيبة انفجرت والكل كان بسب ويلعن السبب: الانقاذ”.
حالة قاضي المديرية مولانا طارق ? والتي تسبب فيها رؤساء قضاء من أمثال جلال محمد عثمان صاحب الحظوة والنفوذ في لجان المؤتمر الوطني واستشارياته ? وعبيد حاج علي الذي لم يستنكف الظهور بزي الدفاع الشعبي، ليست بمعزل عن حال الوطن الذي لن يـرَ عافية في ظل حكم متجبر متسلط ومستبد. فإذا كان ذلك هو حال قاض، فما بال مفصولي الخدمة المدنية.

استعادة هيبة القضاء السوداني ودوره هي أولى خطوات بناء وطن يسع الجميع. وطن يتمتع فيه الجميع بحقوق متساوية. ولن يتم ذلك في ظل قضاء صار ظلاً لسلطة تنفيذية غاشمة.

اصلاح الوطن يبدأ بإصلاح القضاء.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مولانا إسماعيل … ولى زمانكم … حيث كان العدل … الامان … الثقه
    أين من قضاة اليوم الذين يعملون بنظام الكوميشن في القضايا لتحقيق عائد مادي من ذلك حلال بلال حسب شريعتهم التي إبتدعوها … يتقاضون نسبة من الحكم على ست العرقي .. نسبة من الغرامه التي تدفعها .. وهي لله …
    قاضي يملك مزرعة دجاج ويبيع البيض في السوق
    وآخر يملك ابقار ويبيع اللبن لاصحاب البقالات .. ؟
    عجبا…
    كان القاضي زمنكم لا يختلط بالآخرين إلا في مجال محدود حفظا للهيبه وتجنبا للتأثر بالمجتمع مما قد يؤثر في قراراته إن عرض عليه أمرا ما …
    هؤلاء لا يعرفون الإنسانيه .. ولا حقوق العاملين …
    أقرب مثال مدير الحج والعمره الذي أدين بالثابته أمس تكلمت مع أحد موظفي حكومة سنار قال لي أنه نزل إلى عمله وكأن شئ لم يحدث ؟
    إدانة في جريمة تخل بالشرف …
    ومن مجاهد
    ومدير الحج والعمره …
    لا والأسوأ انه قما بإيقاف كل من شعر انه كان سعيدا بالقبض عليه من العمل وكان هذا المكان الذي يعمل فيه ملكاًلوالده .
    عليهم اللعنه

  2. قرأت ما كتبه الاستاذ / طارق سيد أحمد عن مولانا / طارق طه الأمين ، فامتزجت في دواخلي مشاعر السخط على هذه الحثالة الوضيعة ( أعني الكيزان ) الذين لا تحوي نفوسهم غير الحقد والكراهية ، هؤلاء الغرائزيون لا تحركهم غير غرائزهم الاولية وقد غابت في نفوسهم قيم المروءة والشهامة والنبل ، امتزجت مع مشاعر الألم والعجز إزاء ما يصيب خيارنا من هذه الفئة ..
    لقد تعاطفنا جميعا مع مولانا وساءنا ما حل به ، ولكن هل هذا يكفي ؟ لم لا يتنادى زملاؤه وأصدقاؤه لعمل إيجابي نتجاوز به عتبة الشفقة والأسى .. أعني أن نخصص لمولانا دخلا شهريا يفي حاجته وحاجة أسرته وذلك باقتطاع جزء يسير من كسبنا ..
    أرجو ألا يبدو هذا العون كصدقة في عين مولانا ، بل هو حق له علينا نستوجبه على أنفسنا، تقديرا له واحتراما لذواتنا ..

  3. صديقى اسناعيل التاج

    تحية طيبة
    وشكرا على هذا المقال

    الا اننى اعتب عليك في ادراج اسم عبدالمجيد ادريس من ضمن الأسماء التي ذكرتهم والذين وصفتهم بالصرامة في العمل والبشاشة عند انتهاء العمل وادخلته ضمن قضاة آخرين محترمين ، ربما تعرف ولا تعرف ان أسوأ من خدم في القضاء في مدنى هو عبدالمجيد ادريس في زمن الإنقاذ ، لقد عاث في البلد تكبرا وعنجهية مدعوم ومسنود بخلفيته الاخوانية ودعما من الدولة المتجبرة ، وكان معروف للعامة وللخاصة انه من لجنة الأربعين التي تحكم ودمدنى وله سلطة على الامن وهو المسؤول عن كل افعالهم في بداية التسعينات ، بل انه كان يعمل مثل الشرطى يأمر بتسور المنازل والميوز ويقوم بالكشات على محترفى المهن الفقيرة في الشوارع وانا شخصيا لى حادثتين معه وهو كان قاضيا فقد اقتادنى الامن اليه بعد اعتقال دام أيام طويلة تخللها تعذيب وعسف فصار يتحدث معى حديثا سياسيا وعن المعارضة وحادثة أخرى ذهبت برفقة اهل ضحية من ضحايا الامن اليه ودلونا ان المسؤول عن الامن في ودمدنى هو عبدالمجيد ادريس وكان ضحية الامن أصابه مرض داخل الاعتقال ولكن عبدالمجيد لم يرق قلبه ولم يأبه ، ثم يا اخى ان له حادثة مشهورة في ودمدنى فمن المعروف ان عبيد حاج على عندما كان محاميا في ودمدنى له عداء مع عبدالمجيد ادريس ولما تم تعيين عبيد حاج على رئيسا للقضاء حلف بالطلاق انه لن يترك عبدالمجيد في ودمدنى وبالمقابل حلف عبدالمجيد بالطلاق انه لن يغادرها واصبح هناك مأزق ولما كان عبدالمجيد هو ابن الإنقاذ المدلل وهو احد اذرعها القمعية في القضاء وفى الامن فتفتقت عبقرية الإنقاذ بأن حولت عبدالمجيد من القضاء الى وزارة الثقافة وزاصبح مديرا لوزارة الثقافة ( طبعا بطبعة امنية ) وظل في ودمدنى حتى انتهت فترة عبيد حاج على في رئاسة القضاء ثم بعد ذلك اعيد رئيسا للجهاز القضائى في ودمدنى ثم بعد ذلك نقل الى الخرطوم رئاسة القضاء نائبا لرئيس القضاء وظل حتى اليوم يمارس دوره المعهود والمعروف عنه في تخريب القضاء والعدالة

    ولذلك اعتب عليك في ادراج اسم هذا الشخص في زمرة القضاة المحترمين وبالطبع ان مجايلوه في الدراسة في جامعة الخرطوم كلية القانون يعرفون عنه التشدد والتعصب وانه كان في احدى المظاهرات اشهر السكين في وجه الطلاب

    مع تحياتى

  4. مقال رائع يا مولانا إسماعيل التاج. ما قل ودل . أرجو ألا تغيب كثيراً وتحرمنا من كتاباتك الرائعة.

  5. القضاء مؤسسة قوميه لا يجوز انتمائها لحزب او طائفه وكذلك الشرطه والجيش والاجهزه الامنيه والعدليه ومتى انتمت الى حزب او طائفه او فئه فقدت حياديتها ففشلت وعم الظلم وانهارت الدولة وتشظت وبرزت الديكتاتوريه والفرعونيه والفساد وسؤ الاخلاق
    ومازال السودان بخير فهنالك الكثير من القضاة النزهاء العادلين وهم صمام الامان حتى لاتقع السماء على الارض ومع ذلك هنالك من القضاة من يصدر احكاما تغضب الله والشعب
    وقضاؤنا مازال بخير وارى في رئيس القضاء ونائبه هذه المره خيرا كثيرا ولكن عليهم المواجهه ولا تاخذهم في الحق لومة لائم وان يدركوا بانهم يواجهون افسد من مشى على الارض بشهادة منظمة الشفافيه العالميه
    والله من وراء القصد

  6. ما اثار انتباهي في هذا الأمر ليس فقط ما فعلته الإنقاذ بالقاضي بل مافعله المجتمع السوداني ؟ اين الأهل والاقارب من رجل كهذا؟ هل وصل المجتمع هذا الدرك من الانحطاط ليترك بعض الناس ذويهم من ذوي الحاجات بهذه الطريقة المزرية؟

  7. اضم صوتي الي ماكتبه الاخ Mustafa Mohd. Ali و أزيد عليه ان نحاول علاجه ورفع شكاوي والمطالة بالتعويض المادي والمعنوي والتكفل علاجه وان كان خارج السودان والمحاسبة ولا شك بان زملاء المهنة سوف يقومون بالواجب

  8. ولماذا لم يثرك مافعلته بك الانقاذ ي ( ميمان )؟ هذا استعباط منك
    فالذى فعلته الانقاذ فى المجتمع السودانى هاهى نتيجه امامك والتى
    جعلتك تتساءل فى عبط عن الاهل والاقارب والنخوة والشهامة ووووووو
    دا كلو انتهى! أصحى يا بريش

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..