اللاجئون السودانيون مآسي مضطردة

خالد فضل

ها هو عام آخر ينقضي , نستقبل عاما آخرا بالتحية المعهودة , كل سنة والجميع بخير , ولكن سجل عام آخر ينطوي ومأساة السودانيين في ازدياد , حال غالبية الشعب في الداخل تغني عن السؤال فالملاييين منهم مسجلون في خانة النزوح الداخلي , في اقليم دارفور وحده ما يقارب الأربعين معسكرا حول البلدات والمدن الرئيسة بالاقليم تستقبل كل حين أفواجا من النازحين الجدد بسبب أعمال العنف المختلفة التي تجتاح الاقليم المنكوب بالحرب الأهلية منذ 2003م , وهي حروبات تناسلت من صلب حرب الحكومة الاسلامية ضد الجماعات المتمردة في الحركات السياسية المسلحة الى حروبات بين القبائل التي تقطن الاقليم في نزاعاتها حول الموارد والسلطة والمراعي ومناجم التعدين عن الذهب وحيازة الأراضي , وفي كل للحكومة يد سلفت , ودور مشهود بالدعم والتشوين لبعض القبائل ضد الأخرى , وفي سياق منهج واضح لتفتيت النسيج الاجتماعي في الاقليم وضرب مكوناته بعضها ببعض , في اتساق مع خطة الاسلاميين الحاكمين لضمان سيطرتهم على الحكم والتي لا تدوم الا عن طريق تفتيت كل مكونات المجتمع السوداني وجعلها تقع تحت نارين , التربص والحرب والحذر والشكوك فيما بينها , واللهاث من أجل لقمة العيش وتأمين البقاء على قيد الحياة بأي طريق , وهما تدبيران مما أورده ميكافيللي في كتابه الأمير عندما كان ينصحه باتباع سياسة فرّق تسد بين مكونات مجتمعه وجعله أي ذلك المجتمع يجري ويلهث وراء تأمين ضروريات حياته في حدها الأدنى مما يصرفه من التفكير في شؤون الحكم وممارساته .

هذه صورة مختصرة جدا عما يدور في دارفور , ومثلها في اقليم جنوب كردفان (جبال النوبة ) وفي اقليم النيل الأزرق في أقصى جنوب شرق البلاد حيث النزوح لمئات الآلاف من المواطنين وتشريد آلاف الأسر بعضها لجأ الى دولة جنوب السودان والبعض لجأ الى دولة اثيوبيا , وحسبك من خيارات عصية ووقائع مفزعة , ففي دولة جنوب السودان اندلع القتال الأهلي بين فرقاء حزب الحركة الشعبية الحاكم وسادت إثر ذلك عصبة القبلية والتناحر الإثني بين اثنين من أكبر القبائل في تلك الدولة , الدينكا والنوير , وقبع اللاجئون السودانيون في معسكر( بيدا) الواقع في عمق مناطق القتال بين حجري الرحى , فالفريقان المتناحران في جنوب السودان لا يتورعان عن ارتكاب الفظائع , لا يعصمهما عاصم من قانون دولي انساني أو وازع من أدبيات حقوق الانسان , وفي بلدهم تنتظرهم فرق المليشيات الحكومية وعناصر الاستخبارات تترصد حركتهم لجعلهم كعصف مأكول . هذه مأساة أولية يعيش فصولها الآف السودانيين اللاجئين الى دولة جارة كانت الى ما قبل اربع سنوات جزء من خارطة البلاد الكبيرة . ليس بعيدا عن الأوضاع في دولة ج السودان , تتفاقم الأوضاع في جمهورية افريقيا الوسطى التي تعتبر هي الأخرى مقصدا للجؤ السوداني الفظيع . خاصة من اقليم دارفور , ففي تلك الدولة ساد العنف وحدثت المذابح على خلفية النزاع والانقلاب على السلطة وتورط حركة سيلكا فيها , وهي حركة يشتبه في انتمائها لتنظيمات الاسلام السياسي النشطة في أواسط وغرب افريقيا وتجد الدعم والتأييد من نظيراتها في المشرق العربي حكومات وفصائل , ثم في دولة تشاد المتداخلة بشريا وجغرافيا مع دارفور حيث تسؤ أوضاع اللاجئين يوما بيوم , وتلعب سياسات الأنظمة في الخرطوم وأنجمينا الدور الأكبر في تجدد مآسي اللاجئين , فكلما يحدث تقارب وتبرم صفقات بين البشير وادريس ديبي ينعكس الوضع على اللاجئين تضييقا ومعاناة وضغوطا , وفي ليبيا بعد سقوط نظام القذافي لم تجد الحكومة السودانية حرجا في التصريح على رؤوس الاشهاد أنّ منسوبي الحركات المتمردة في دارفور يساندون كتائب القذافي مما أثار حفيظة الفصائل الليبية التي كانت تقاتل تلك الكتائب فوقع اللاجئون السودانيون مرّة أخرى بين فكي الفصائل الليبية المتناحرة من جهة , وما ينتظرهم وراء حدود بلدهم إن هم جازفوا بالعودة الى موطنهم , وفي اثيوبيا الجارة الشرقية تتلبد سحب العنف ويسود التذمر في أوساط قومية الأرومو المتاخمة لحدود النيل الأزرق في السودان حيث الحرب بين قوات الحكومة السودانية ومليشياتها وقوات الجيش الشعبي لتحرير السودان , وبالنتيجة لجؤ آلاف السودانيين الى اثيوبيا التي لا يأمنن أحد من اتساع رقعة التململ بما لا يستبعد نشوب القتال الأهلي بين الحكومة وجبهة الأرومو , وبالطبع في ظل أوضاع قلقة كهذه تتحول حياة اللاجئين الى كوابيس مفزعة .

هذا مسح سريع لحالة لجؤ السودانيين الى بعض دول الجوار وما يكتنف بقائهم من مخاطر جمّة , وفي مصر قبل سنوات قليلة وفي وسط القاهرة سقط عدد من القتلى والجرحى في حادثة ميدان مصطفى محمود عندما داهمت قوات الأمن المصري تجمعات المعتصمين من طالبي اللجؤ السودانيين أمام مكتب الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة , مات من مات من شباب وشيوخ وأطفال ونجا من نجا باعجوبة , لتزداد موجات الهرب عبر سيناء صوب دولة اسرائيل عساها تكون أرأف بحالة السودانيين الذين ضاقت بهم بلادهم على رخابتها , وحقا ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضييق ! وأخلاق الرجال ترجمتها هنا ( حكومات البلدان), وفي اسرائيل محطة لجؤ سوداني أخرى موجعة لمن شبّ وشاب على نبرة مقولة (العدو الصهيوني) بل مطبوع على جواز السفر السوداني (صالح للسفر الى كل الأقطار عدا اسرائيل) , هكذا وجد اللاجئون السودانيون في اسرائيل ملجأ بعد أن ضيّق الاسلاميون البلاد الراسعة وحولوها الى أصغر من مستوطنة اسرائيلية في صحراء النقب , وهاك يا معاناة اللجؤ رغم أن الحال أفضل من بقية البلدان , ربما يغبطهم رصفاؤهم الذين فرّوا عبر بلدان غرب افريقيا حتى استقروا في قلقهم بمعسكر كريسان على شواطئ الاطلنطي بدولة غانا , أولئك اللاجئين السودانيين , وكلهم تقريبا من دارفور يعانون من الجوع والأمراض وتدني الخدمات والمعاملة الفظة الغليظة حتى في مصائد الأسماك في مياه المحيط كما تقول بعض التقارير الاخبارية في نعت أحوالهم , تعساء عددهم حوالي 400لاجئ سوداني بغانا لم يتم اعتمادهم كلاجئين بعد منذ 2004م , تعذّر عليهم نيل صفة لاجئ رغم قساوة الوصف !

وفي النرويج حيث مظنة الرفق بالحيوان ناهيك عن الانسان , صفّدت السلطات هناك حوالي 20 سودانيا من طالبي اللجؤ ونسّقت مع حكومة السودان الاسلامية التي لا تأبه أساسا بشئ اسمه حقوق الانسان , وسافر فريق من الشرطة السودانية الى أوسلو لإعادة أولئك التعساء من الهاربين الى النرويج بحجة عدم استيفائهم شروط منح حق اللجؤ في جنان الشمال الأوربي , أعادوهم الى لظى التحقيقات الأمنية والمتابعة والمراقبة والحرمان من أدنى الحقوق , لقد فرّوا من ويل حكومتهم , ولكنهم يا لسؤ الحظ لم يستوفوا شروط بلد لجؤهم فأعيدوا خاسرين الى لهيب الوطن الافتراضي , وفي الأردن , قبيل أيام بدأت أفواج طالبي اللجؤ تترى الى مطار الخرطوم 800من السودانيين تقول السلطات الأردنية أنّهم غير مستوفيين لشروط واجراءات طلب اللجؤ , وشكلوا ضغطا على مكاتب الأمم المتحدة في عمّان مما استوجب تصفيدهم ونزعهم بالقوة من معتصماتهم تلك الى الطائرات المتجهة صوب الخرطوم , وفي الخرطوم أفادت بعض التقارير الى تعرّض عشرات منهم للاعتقال والتحقيقات الأمنية من جانب السلطات السودانية , فتأمل في هذا الواقع المؤسف لشتات مواطني بلد موسوم في الجغرافيا والتاريخ بالعراقة وفيوض الموارد الطبيعية , ومشهود في دفاتر البشرية بالعزة والكرامة , فانظر كيف انقلبت أحواله رأسا على عقب في خلال ربع القرن الأخير عندما سيطر على مقاليد الحكم فئة الاسلام السياسي
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. صورة مأساوية وسوداوية كلون بشرتنا الذي ننكره هكذا تعاملت منظمات الامم المتحدة في كل الدول مع السودانيين خاصة بهذه الفظاعة علينا أن نقاتل في بلادنا فنقتل أو نقتل في بلادنا معززين واللجوء لغير الله مذلة ومن لا يقاتل من اجل حقوقه يقتل او يذل ويهان تلك هي القاعدة الان اما المنظمات وخير المنظمات فهو حكر للبيض وليس للسود فيه نصيب تلك القاعدة هي الواقع شئنا ام أبينا فأنظروا لفرق تعامل الدول والمنظمات اتجاه اللاجئيين السودانيين والسوريين ستجدون الفرق شاسع ويفضل طبعا مع اللون أن لا يكون مسلم .

  2. فى الاردن بالذات الوضع يختلف اذ يتفق الاردنيين مع الكيزان المجرمين اتفاقيه الله اعلم تكون من الاتفاقيات المتعارف عليها فبينهم اتفاقيه امنيه كما يدعون ويكذبهم الواقع فلا يوجد اردنى واحد سواء كان معارض او مجرم يلجا الى السودان بينما السودانيين بحكم التضييق والقتل يلجأون الى اى مكان وهنا تنتفى صفة التبادل ويبقى الاتفاق الحقيقى محبوس فى الملفات السوداء السريه فلى تجربه شخصيه مع الحكومه الاردنيه تثبت ما اقول فقد كنت فى احدى الدول الاوربيه مطارد من جهاز مخابرات الكيزان الفاشل وكنت فى طريق عودتى من هناك اتخذت طريق الاردن (ترانزيت) حيث لا يوجد شركة طيران تعمل فى تلك الدوله او تسير رحلات الى الحرطوم وكان على ان اقضى 14 ساعه فى الاردن لحين مواعيد الرحله الى الخرطوم ولاحظوا اننى عابر فقط ولم اقعد عندهم او اطلب لجوء وفى مطار الملكه علياء بدت تحصل لى اشياء غريبه اول شى فى كونتر الجوازات حيث حجز ضابط الجوازات وثيقة سفرى وطلب منى الانتظار الى ان خلص من كل المسافرين الذين كانوا معى وظروفهم مثل ظرفى يعنى كلهم لديهم رحله اخرى وعددهم كان حوالى 25 راكب وطلب منى الضابط الانتظار الى ان يعرض الوثيقه الى من هو اعلى رتبه منه وصعد بالوثيقه للطابق التانى وجاء بعد نصف ساعه واخبرنى انه على ان اترك الوثيقه عندهم فى المطار اذا كنت اريد الدخول او انتظر 14 ساعه فى المطار انا فقط من دون الركاب فوافقت للتعب الكثير الذى كنت اعانيه جراء المطارده المستمره اكثر من عام فختم لى على ورقه عاديه وذهبنا الى الفندق المفروض نقضى فيه الفتره الى حين مواعيد سفرنا الفندق اسمه ( فندق الترانزيت) بالقرب من المطار دخلت الفندق بالورقه التى معى من الجوازات وذهبت الى غرفتى وكانت فى الطابق التالت (لاحظ التالت) فوجدت عند المدخل اردنى (بوضى قارد) وانا افتح فى الباب كان يرمقنى بنظرات التخويف تلك فسخرت منه ودخلت الى غرفتى وبعد ساعه نزلت الى صالة الاستقبال للعشاء لانهم نبهونا له بالتلفون فوجدت نفس الشخص بنفس النظره وبادلته نفس السخريه وذهبت وبعد العشاء خرجت الى بهو الفندق لادخن فلحق بى سودانى مع العلم لم يكون موجود ساعه وصولى ودقيقتين اتعرفت على هويته الاستخباريه القديمه المعفنه التى عفا عليها الزمن وبدت المضايقات وعينك ما تشوف الا النور من ناحيتى وكل مااصعد الى الغرفه او اذهب الى بهو الفندق اجد واحد منهم بنفس الاسلوب الى ان جاءت مواعيد الرحله وبعد ان جاءت البصات لنقلنا من الفندق الى المطار ركبت فى اول حافله وما كان من الامنجى الا ان ركب خلفى وقد كنت اقصد هذه الحركه واول ما اتحركت الحافله بسرعه نزلت منها اذ انى كنت قريب من الباب وركبت الحافله البعدها وفى المطار كانت المفاجأه التانيه فقد تركونى امام الكاونتر ساعتين وكل مااذهب لهم واسألهم ماذا يحدث او هل عندى اى مشكله يقولوا لى اصبر لدرجة انى اخر راكب يصعد الى الطائره المتجهه الى الخرطوم وكانت الخطوط الاردنيه وخلفى مباشره صعد اتنين من عناصر المخابرات احدهم الذى كان يلاحقنى فى الفندق *** فماذا نسمى هذا؟؟؟؟؟؟

  3. والاغرب من مواقف الدول والمنظمات الانسانية نحو اللاجئين من بني جلدتنا هو موقف السودانيون أنفسهم فأقرب مثال هذا المقال بموقع الراكوبه منذ أمس ولا يوجد تجاوب حتى من قراء الراكوبه اتجاه واحده من أهم قضايا الشعب السوداني فما بالك بالبقية من الشعب فلا حياة لمن تنادي يا خالد فضل .

  4. بسم الله الرحمن الرحيم

    اعزائي محرري الراكوبه الشرفاء .. بني وطني الكرام .. السلام عليكم .. كل عام وانتم بخير .. اسأل الله ان ياتي العام الجديد ووطننا بخير .

    لقد وصل الانشغال بالمعايش للخرطوم وتخطي دارفور .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..