فى ذكرى نكبة 30 يونيه .. الشعب يقرر (ختام المهزلة)

فى ذكرى نكبة 30 يونيه .. الشعب يقرر (ختام المهزلة)

سهل آدم
[email][email protected][/email]

تستعيد ذاكرة السودانيون اليوم السبت الثلاثون من يونيو الحدث الأكثر شؤما وفجيعة فى تاريخ بلادهم وهو استيلاء الانقلابيون اللئام على السلطة وتقويض الشرعية الدستورية والارادة الشعبية فى 1989 قاطعين بذلك الطريق امام التطور الديمقراطى ، سيما وان البلاد كانت على بعد نحو (8) أشهر فقط من اجراء ثانى انتخابات تعددية حرة وشفافة على التوالى كان يمكن ان تقود الى كسر لانهائية الدائرة الخبيثة المفرغة (انقلاب فثورة شعبية فحكومة انتقالية فانتخابات فانقلاب) ، او هكذا كانت صيرورة الاشياء وحتميتها ، وتعقب ذكرى انقلاب الانقاذ الكارثى بنحو تسعة ايام ايضا زكرى اليمة للشعب السودانى وهى مرور عام على انفصال جنوب السودان ، الحدث الذى كان نتاجا طبيعيا لسوء سياسة الانقلابيون واجهاضهم اتفاقية نيفاشا التى كانت بمثابة الفرصة الوحيدة والأمل الاخير لبقاء السودان موحدا وفق ترتيبات مغايرة وتغيرات محورية فى بنية الدولة وطبيعة الحكم ، وبلا شك فقد توافرت الآن قناعة عميقة وايمان راسخ فى ضمير الشعب بأن استمرار هذا النظام المجرم ، بايدلوجياته وشخوصه ، لن يبقى على وطن اسمه السودان ، هذا الادراك الواعى بكارثية المحنة ومأساوية الآتى وحده ليس كافيا ، انما يستوجب استشعار المسؤلية (الشخصية) وتحمل الواجب الوطنى بالعمل المشترك المخلص والمثابرمن أجل (انقاذ) الوطن الممزق الدامى من نظام الانقاذ وتفادى سيناريوهات افدح تظل دائما محتملة ومرشحة بقوة كاستمرار حالة الحرب والتشظى والافقار المتعمد والازلال الممنهج فى ظل نظام قمعى طغيانى يعرف انه أتى بالقوة ، ويظن كذلك ان القوة نفسها ستضمن له الاستمرارية رغما عن اراداة الشعب.
انه من الاهمية بمكان فى زكرى كارثة انقلاب الانقاذ ان نستدعى بعقل مفتوح افعال هذا النظام منذ مجيئه ونستعيد كل الممارسات التى تمت لننتهى بطبيعة الحال الى خلاصات وحيثيات تحتم علينا جميعا العمل المخلص والصادق لاسقاط هذا النظام وافساح المجال للاستعاضة عنه بنظام ديمقراطى تعددى ليبرالى يؤسس للدولة المدنية ، دولة المواطنة المتساوية وحكم القانون ، دولة العدالة والمساواة والشفافية والمسائلة والفصل بين السلطات وحكم المؤسسات دون اختزال السلطة فى شخص بزعم انه صار (رمز السيادة) وتأليهه واكسابه فى بعض الاحيان قداسة دينية وروحانية على انه (الراعى او الخليفة المبايع او امير المؤمنين او وكيل الله فى الارض) ، وتبرير كل افعاله ، بغلوائها وطيشها ، فجورها وابتزالها ، فى سياق مشروع عقائدى رخيص يرتكز على التطويق والتطويع القسرى والايغال فى محاولات تجهيل وتسطيح الناس والباس الباطل ثوب الحق ، استنادا على خطابات عاطفية رخيصة وتسول لمشاعر الناس وغير ذلك من الحيل والخدع المستهلكة والمكرورة ، ان نظام الانقاذ الذى تسبب فى تقطيع وتجزيئ السودان بداية بانفصال جنوب السودان بعد ان (أرغم) مواطنى جنوب السودان على تبنى خيار الانفصال ، بكل مرارته على شعبى الشمال والجنوب ، بداية بالحرب الدينية التى شنها النظام بضراوة على الجنوب ممانعا تقديم تنازلات تعالج اساس القضية السودانية فى الجنوب ، لقد قاد النظام حربا هوجاء زاعما انه مأمور بذلك من الله وأن الملائكة تحارب الى جانبه للدفاع عن (الدين) ، والدين براء ، وحتى بعد انجاز اتفاق السلام فى 2005 ، فان النظام لم يكن مخلصا فى تطبيق الاتفاقية وقاوم بشدة كل التدخلات الحيوية التى كان يمكن ان تؤسس للدولة التعددية فارضا سيطرته واستيلائه غير المبررين على كل اجهزة الدولة عبر مشروع (التمكين) اللعين وما رافقه من اقصاءات واحالات لما سمى زورا (الصالح العام) فضلات عن التصفيات الشهيرة وصعود الموالين والمحاسيب حتى اتى زمان تتم المفاضلة بين الناس ليس على اساس انتماءاتهم الايدلوجية او الدينية فحسب بل وفقا لانحداراتهم الجهوية والعرقية لتضيع قيم المواطنة والكفاءة وكانت المحصلة هى خراب كل اجهزة الدولة وفسادها وفشلها، وليس من عجب الأ يذكر السودان فى كل تقارير المنظمات الدولية عالية الصدقية الا تابعا ومرادفا لكل من (العراق وافغانستان والصومال) ، فشلا وفسادا ، وحتى فى كل مؤشرات الشفافية والشعور بالامان او الرفاه او حرية التعبير لاينفك تتابع السودان مع تلك الدول نظيراته فى قائمة الأسوء دائما فى تلازم لانهائى ، او هى حالة (التعيس وخايب الرجا) كما يقول السودانيون.
وتبدو المحنة الماثلة الآن دارفور المكلومة والتى أودى الصراع فيها بحياة أكثر من (300) الف شخص وفقا لتقديرات الامم المتحدة ، او (10) الف شخص كما يعتقد رأس النظام ، فضلا عن مليونى نازح ولاجئى ممن هجروا قسرا ، ولاتزال الازمة الانسانية فى الاقليم والتى تصنف على انها الافدح فى العالم تراوح مكانها فى ظل تطاول معاناة المهجرين والفوضى الامنية التى يعيشها الاقليم الذى تحول لمسرح كبير للمليشيات المسلحة فضلا عن التغييرات الديمغرافية باحلال المستوطنين المستجلبين فى اراضى السكان الاصليين ، ويعيش الاقليم اوضاعا امنية فالتة بتنامى العنف واعمال النهب والترويع والقتل والاغتصاب المنتظمة ، فى حالة من اللاقانون والتقاضى عن الانتهاكات ، ولاتزال الحكومة حتى الآن تمانع الحلول الممكنة للازمة ومنها اعادة دارفور اقليما واحدا حتى يتمكن الناس على الاقل من احتواء التقطيع الذى مارسته الحكومة فى العرى والاواصر الاجتماعية بين مكونات دارفور بحيث قسمت الناس الى (عرب وأفارقة) متجاوزة أرث كبير من التساكن وتاريخ حافل من التداخل والترابط الاجتماعى بسياسات التفريق ولاتزال تصر على ذلك باقرار زيادة ولايات جديدة فى دارفور مفصلة على قبائل بعينها مما يفاقم الاستقطابات العرقية فى الاقليم ، وقد ادت ارتدادات أزمة دارفور لأن يكون الرئيس السودانى هو اول رئيس حاكم يطلب للعدالة الدولية فى سابقة فريدة ، كما حدت مذكرة التوقيف الصادرة بحقه من تحركاته وبالتالى فأن السودان لن يمثل على مستوى رئاسى فى قمم الامم المتحدة وغيرها من المحافل والتجمعات المهمة ، وسبق ان رفض القادة الافارقة فى قمة الخرطوم 2006 ان ينال الرئيس السودانى رئاسة الاتحاد الافريقى رغم ان اعراف الاتحاد تتيح تلقائيا تولى الدولة المستضيفة رئاسة الاتحاد ، علما بأن السودان ابدى كرما بالغا وحفاوة حارة لاستضافة القمة ببناء (40) فيلا على النيل الازرق تجاوزت كلفة انارتها فقط حجم الانفاق على الصحة والتعليم مجتمعين ، كما اصدر مجلس الامن (16) قرارا حول دارفور وحدها وواجه السودان عزلة دولية بسبب ازمات الجنوب ودارفور وعلاقاته بالمنظمات والانظمة المصنفة على انها خطر على السلم والامن الدوليين او راعية للارهاب مثل ايران وحركة فتح والجهاد وتنظيم القاعدة سابقا ، واللافت ان السياسة الخارجية التى تبناها السودان لم تكن تراعى ابدا المصالح الوطنية انما فى احايين كثيرة تنساق وراء التعاطف الايدلوجي مع تيارات الاسلام السياسى الراديكالى ، وقد دفع الشعب السودانى كلفة ذلك غالية من حصار اقتصادى وحتى التشديد على المواطنين السودانيين فى الخارج والقيود المفروضة على التحويلات المالية وفى لحظة من اللحظات ساءت علاقة السودان حتى مع كل جيرانه عدا افريقيا الوسطى تقريبا وافتقر النظام الى اى حليف دولى قوى حتى ظهور النفط الذى قاد لتشبيك العلاقة مع الصين العضو الدائم فى مجلس الامن والدولة ذات التوجهات البراغماتية وهى حليف ليست لديه اية علاقة بمفاهيم الديمقراطية او حقوق الانسان فى تعاملاتها مع دول العالم الثالث ولاتمثل تلك الموضوعات شواغل رئيسية لديها.
فى الجانب الاقتصادى لاتخفى على احد منهجية الافقار المتعمد والتجويع التى مورست على الشعب السودانى )ان حزمة السياسات الاقتصادية الرعناء والمنحرفة التى تبنتها الانقاذ منذ سنيها الاولى قادت الى اختلالات وتشوهات عميقة اصابت عافية الاقتصاد السودانى ودهورت الاوضاع المعيشية للمواطنين ، وبحسب دراسة غير محدثة لصندوق التمية الزراعية (ايفاد) تمت فى العام 2002 فأن عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر وفقا لمعيار البنك الدولى (أقل من دولار فى اليوم) زهاء (20) مليون شخص ويعيش 85% من سكان الريف تحت خط الفقر ، واذا تجاوزنا التعريف التقليدى للفقر الذى يركز على مستوى الدخل والحرمان من الموارد الى تعريف اشمل يعنى بمدى تحقق الحياة الكريمة واللائقة ومقوماتها من سكن ملائم ونظام تعليمى كفؤ وقدرة على ممارسة الحقوق المدنية والاجتماعية والسياسية لوجدنا ان النسبة ترتفع الى حدود خيالية ، وفى اثناء ذلك بلغ الدين الخارجى نحو (35) مليار دولار أى ان نصيب كل فرد فى السودان من الديون قبل الانفصال حوالى (9) آلاف دولار ، وهو وضع قاد لحرمان السودان من اى فرصة للاقتراض ، وتبع كل ذلك الارتفاعات المتوالية فى مؤشرات التضخم ومع كل يوم تتردى الاحوال المعيشية لسوء الادارة والتخطيط ومن ثم الفساد فى ادارة الموارد المتاحة ، وخلف ذلك حالة العوز العام والفقر المدقع الذى حرم معظم المواطنين حتى من خدمات العلاج والتعليم اذ انه وباعتراف وزير التعليم فأن 35% ممن هم فى سن التتلمذ لايجدون فرصة للدراسة مع تنامى معدلات الاصابة بالامراض المتوطنة ، وشهدت حقبة الانقاذ الكارثية انهيار كل المشاريع القومية والمشغلة لقطاع عريض من السودانيين مثل مشاريع الزراعة المروية والآلية والسكة حديد والنسيج والصناعات التحويلية المرتبطة بالزراعة ، وتبع ذلك سيطرة القطاع الخاص الموالى والمتصافق وطبقة الاثرياء الطارئين الجشعين على ادوات الانتاج ورأس المال ، ولم تكون لهؤلاء الحاصلين على معاملات تفضيلية ومتهربين من الجمارك والضرائب أى مساهمات وطنية ، حتى انهم لم يخدموا ابناء البلد وسارعوا الى استقدام العمالة الاجنبية.
لقد سجلت اوضاع الحريات وحقوق الانسان ترديا غير مسبوق فى تاريخ السودان الذى مرت عليه دكتاتوريات لكنها لن تقترب فى فداحتها من هذا النظام ، الذى اول ما احكم قبضته على السلطة عمد الى تعطيل الصحف وحظر النشاط السياسى ومصادرة دور الاحزاب ، الى ان بلغ به المدى درجة حظر الانشطة السياسية فى الجامعات واركان النقاش ، لقد مورست اشكال من القمع والبطش على الخصوم السياسيين كبيوت الاشباح سيئة الذكر وروايات التعذيب السادى المنقولة عنها ، كما شهدت الحريات الاعلامية بدورها اتساقا مع مناخ السيطرة والاستحواز انتهاكات بالغة وذلك للمداراة على سوءات النظام المفضوح ، ومحاولة التستر وانتاج صور زهنية جيدة لنظام شمولى غير محترم.
اننا لن نعيد كثيرا التذكير بفعائل نظام الانقاذ وآثامه ، فالكل بها عليم ، وهى مما لا يحتاج الى تبيين ، لكننا نحث شعبنا العظيم ألا ييأس من التغير ، او يقنط من ان ارادته ستنتصر رغم تطاول أمد الفجيعة ومرارتها ، ولنستلهم ارادة التغيير والقدرة عليه من تاريخنا الذاخر بأرث الثورة على الطغاة بجانب التحولات الاقليمية التى أتت على ديكتاتوريات عتيقة فى المنطقة ، تداعت بكل جبروتها وبوليسيتها ، ان الواقع المؤلم الذى يمر به السودان يفرض تحركا مسؤلا من كل افراد الشعب ، فكن انت التغيير لانك تستطيع بعمق انتمائك للوطن وتطلعك لآت جميل ومستقبل مختلف، يجب الا نكتفى بأن نحلم بمستقبل تتحقق فيه الكرامة والحرية والرفاه فذلك يحتم علينا ان نعمل جميعا من أجله ونكون مستعدين للتضحية ايمانا بعدالة مشروعنا ، لنجعل من زكرى النكسة دفعة تعبوية ومعنوية اضافية للكفاح من أجل استعادة الوطن ، يجب ان نستمر فى تصعيد النضال (السلمى) ضد نظام الانقاذ وليكن كل شارع فى هذا السودان (ميدان تحرير) وان تتزامن مع ذلك الاضرابات والعصيان المدنى لارغام النظام على الاستجابة لارادة الشعب والتنحى طوعا والأ فأن الشعب سيقرر (ختام المهزلة).

تعليق واحد

  1. اللهم لانسلط علينا بزنوبنا من لايخاغك ولا يرحمنا انهم منافقين واشبه باليهود ويحبون المال حبا جماويكنزون الزهب والفضه وبقدرة عزيز تكوى بها جباههم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..