و يسألونك عن أراضينا المهددة بالغرق

د. عثمان حسن عثمان

معارضتنا للسدود لا علاقة لها بمعارضتنا للحكومة، فذاك أمر آخر. معارضتنا للسدود لها أسباب جوهرية من أهمها حرصنا على الحفاظ على تراثنا و هويتنا. عندما نقول هويتنا و تراثنا يفهمنا البعض بصورة خاطئة و يعتقدون أننا نحن النوبيين عنصريون ونرفض الآخر ولا نقبل سوانا و لكن هذا عكس ما ننادي به. أنا شخصياً أرى و أكرر مراراً وتكراراً أن الحضارة النوبية حضارة سودانية بإمتياز و لكل سوداني أن يعتز بها و يعلن بصوت عال أن السودان يحتضن حضارة عمرها أكثر من سبعة آلاف عام ولم يبدأ تاريخنا عند (دخول) العرب السودان كما يُراد لنا أن نفهم ونحن جميعًا لنا جذور عميقة في أرضنا و لإستحالة وجود النقاء العرقي في أي بقعة في العالم نقر و نعترف بحدوث تلاقح عرقي و ثقافي في ما يُعرف بالسودان الآن فنحن السودانيين نتاج تلاقح نوبي أفريقي عربي. أنا أنادي كما ينادي غيري كثيراً أن وحدتنا سداها و لُحمتها هي اعترافنا و إقرارنا بوجود هذا التنوع العرقي و الثقافي.
أرجع لموضوع المقال و أذكر المناطق الأثرية المهددة بالإغراق جراء سدود الدمار المقترحة من حكومة السودان و الممولة من المملكة العربية السعودية. وإذا ما قدرت لهذه السدود أن تقام فكأننا اقتُلعنا من جذورنا و فقدنا أصلنا وصرنا ” كالمُنْبَتَّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى”. ففي كل بقاع الأرض يتمسك الناس بجذورهم و تراثهم و يتفاخرون بها فمن لا تاريخ له لا مستقبل له. و بما أننا في السودان قد حبانا الله بتاريخ عريق قدم للإنسانية حضارة ضاربةً في القدم فيجب أن لا نفرط فيها و نغرقها لإنتاج قدر متواضع من الكهرباء تتناقص بمرور الوقت و ليس أمر كهرباء السد العالي ببعيد فألإطماء في بحيرة السد أصبحت عائقاً كبيراً أمام إنتاج ذات القدر الذي كان السد ينتجه في سنواته الأولى و ها هم الآن يُعانون من انقطاع الكهرباء المستمر ويفكرون في بديل آخرمستدام. و مثال قريب آخر هل سد مروي وضع حداً لمشكلة الكهرباء بالسودان؟ هل أحس المواطن السوداني بتحسن الكهرباء؟ و لن أسأل هل أحس بانخفاض في سعرها؟
أمثلة للمناطق الأثرية المهددة بالإغراق:
هذه أمثلة فقط و ليست كل المناطق الأثرية المهددة و لن أتحدث عن إغراق الأراضي الخصبة و المنشآت كالبيوت و المدارس و الشفخانات والمساجد و فقدان مراتع الصبا و قبور أقاربنا و أحبائنا و التأثيرات السالبة الأخرى مثل التبخر و الذي يؤدي إلى ضياع كميات هائلة من مخزون المياه و الأمراض المعدية التي قد تسببها مياه بحيرة السدود. و لن أتطرق إلى الآثار الإجتماعية و النفسية السيئة من جراء الترحيل القسري للسكان من أرض أجدادهم.
قرية عمارة
تقع قرية عمارة جنوب وادي حلفا بحوالي 177 كيلومتراً. وتضم قرية عمارة بالضفة الغربية العديد من المعابد و التي تغطيها الرمال و تحتاج لمجهودات جبارة للكشف عنها ويوجد بها أيضاً معبد الملك نتكاماني الذي شيده في نهاية القرن الأول قبل الميلاد و من المستحيل إنقاذ هذه الآثار قبل قيام سد دال.

عبري:
تقع عبري جنوب وادي حلفا بحوالي 170 كيلوميتراً و لم يتم التقيب فيها بعد لكن توجد المناطق الأثرية في المنطقة المعروفة بأمير عبدالله و في الضفة الغربية. و هذه الآثار تعود لعهود ما قبل التاريخ و العهد المسيحي و التركي.
جزيرة صاي
تقع جزيرة صاي جنوب وادي حلفا بحوالي 180 كيلومتر وتبعد عن مدينة عبري جنوباً بحوالي 9 كيلومترات و تُعرف هذه الجزيرة بجزيرة المعلمين لكثرة عدد المعلمين بها من الإبتدائي وحتى الجامعة و لا تكاد تخلو منطقة واحدة في السودان لم يدرس فيها معلم من هذه الجزيرة. تقوم بالتنقيب عن آثار جزيرة صاي جامعة ليل الفرنسية University of Lille . أثبت التنقيب وجوداً بشرياً في هذه الجزيرة منذ 215000 سنة و بذلك تكون من أقدم البقاع المأهولة بالسكان ليس في السودان فحسب بل في العالم. توجد في صاي قلعة يرجع تأريخها إلى الدولة المصرية الحديثة كما توجد بها معابد و جبانات تعود إالى عهد كرمة و دولة نوباتيا. و توجد بها أيضاً آثار مدينة فرعونية تحت جدران قلعة يعود تاريخها ألى العهد العثماني. عند دخولك جزيرة صاي من الضفة الشرقية تشاهد بقايا كاتدرايئة ما زالت أعمدتها قائمة شاهدة على ما كان يتمتع به سكان صاي من فن المعمار. تُعرف بقايا الكاتدرائية هذه محليا ب”تِنقِلِن قُوسِي”. ومما يجدر بالذكر أن علماء الآثار ما زالوا بعيدين عن إكتشاف معظم هذه الآثار. و يجري الآن بناء متحف جزيرة صاي لعرض آثارها علماً بأن آثار صاي منتشرة في بريطانيا و ألمانيا و فرنسا و قليل منها في المتحف القومي.
صادنقا
تقع على بعد 250 كيلو جنوب وادي حلفا تقريباٌ بالضفة الغربية. تعود أثارها للدولة المصرية الحديثة. شيد فيها أمندفيس الثالث معبداً لزوجته الملكة تي كما توجد بها بعض المدافن التي تعود للعصر المروي.
صُلب
تقع قرية صلب بالضفة الغربية حوالي 220 كيلو جنوب وادي حلفا. يوجد بها معبد أمينوفيس لللإله آمون رع والذي بناه عام 1400 ق.م. يقع المعبد على أعلى تل من الجرانيت، وقد أقيم هذا المعبد إهداء لأمون رع إله الكرنك، ولذكرى مؤسسه الثالت، ويعتبر حتى اليوم أهم آثار مصر في الأراضي النوبية.
كرمة
تقع مدينة كرمة حوالي 240 جنوب وادي حلفا. كشأن كل المناطق الأثرية ما زال التنقيب مستمراً فيها. تُعتبر كرمة من أقدم المدنيات جنوب الصحراء. من أهم آثارها الدفوفة الغربية و الشرقية و أشهر عالم آثار ارتبط اسمه بآثار كرمة هو العالم السويسري شارل بونيه Charles Bonnet و الذي أشار إلى أقدمية الحضارة النوبية على المصرية. يوجد في كرمة متحف للآثار تم افتتاحه عام 2008.
لو أولت أي حكومة وطنية هذه الآثار إهتماماً لصارت المنطقة النوبية اليوم قبلة للزوار و مركزاً لجذب السياحة و لأنتعشت الحياة الإقتصادية بها ولكن بدلاً عن ذلك تسعى الحكومة الحالية لطمرها بمياه السدود لتنتهي إلى الأبد و نفقد تاريخنا التليد ولن تكون لحياتنا معنىً بعد دفن حضارتنا.
هذه لمحات سريعة عن بعض المناطق المهددة بالغرق كتبتها بالإستعانة ببعض المواقع في الشبكة العنكبوتية و بعضها من الذاكرة و لا يُعتبر ما جاء في هذا المقال بطبيعة الحال بحثاً علمياً إنما قصدت من ورائه إلقاء بعض الضوء على تلك المناطق التي تهددها السدود المقترحة و ما يمكن أن نفقدها إلى الأبد إذا ما قُدرت لهذه السدود أن تُقام و لكن ما دمنا أحياء فلن نسمح بقيامها فباطن الأرض خيرٌ لنا من ظاهرها إذا فقدنا تراثنا و تاريخنا. و في الختام أقول نعم الأرض النوبية مقدسة يا سيادة الرئيس و الموت دفاعاً عنها شه

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. حتى اذا لم توجد هذه المواقع المهمة فان ضفاف النيل المسكونه من سنوات بعيدة في عمق التاريخ فيها الأثر الانساني المتوارث القديم ما يعطي باحسحاس الوجود القديم للمنطقة والتعلق الروحي وأغراق المنطقة سيدمر الاحساس بهذا الأثر والتعلق الوجداني بالماضي والتاريخ والتراث وسيهيم سكان هذه المنطقةفي الأرض كهيمان اهالي حلفا ولن تقبلهم اي مكان آخر وأذا قبلتهم فبهويات جديدة نرفض رفضا بااااتا هذه السدود وعلى اهالي المنطقة ترك معداة الحكومة من خلال هذه القضية وليدعو الحديث ويقوموا بعمل جدي عاجلا
    النقطة الثانية ان كاتب المقال يمحي والتراث والنبي ويزور من حيث لا يدري ,, فالاسماء التي جاءت في قلب المقال مكتوبة بطريقة عربية وهي كالآتي :: ساي ن آرتي/ جزيرة ساي، سلب ولي صلب / ساد ن انقا وليس صدنقا، تنقل ن كسى وليس تِنقِلِن قُوسِي/ امارا وليست عمارة/ ابر وليست عبري

  2. يجب ان يعلم الاخ كاتب المقال بان سد مروي قد اضاف الف ميقاواط للشبكه القوميه ولكنه وحده لن يحل مشكلة السودان لاننا نحتاج الى اكثر من عشرة الاف ميقاوط وكل انتاج السوداني الحالي لا يتجاوز الاربعة الاف ميقاواط اما موضوع الاثار هذه المنطقه ليست اكثر اثارا من منطقة السد العالي الذى كان له اسهاما مقدرا في نهضة مصر كفايه يا اخوانا استغلال قضية السدود واهدار فرصه تاريخيه لاعمار المنطقه لن تتكرر مره اخرى مع ان معظم هذه المناطق شبه مهجورة

  3. علي النوبيين اكثر واقعية وهو البحث عن بدائل للعمل السلمي البحت في حال اصرار الحكومة علي قيام هذه السدود لان في قيادة البلد عجول يتقدمهم تور هائج لاتفقه معني للحضارة بل دولة قطر العربية تعلم وتعي اكثر منهم
    فماتقومون به الان يتناسب مع دولة فيها مؤسسات ,,,

    تكوين لجان دولية تجوب الارض لاشراك المنظمات الدولية والدول بما فيها السعودية وتنوير القطريين بالمخططات المصرية التي تستثمر في ضعف الحكومة امر مهم جدا ..

  4. تقول انك ليس عنصري وانا لا اعرف من اي منطقة لكن يبدوا انك من حلفا لانك تقول انها تبعد عن حلفا ويفترض ان تقول تبعد عن دنقلا لانها عاصمة الولاية الشمالية لذلك لن تفحلوا ابدا طال ما ان هناك اناس بهذه الافكار رقم اني اتفق معك في كل الذي كتبته واقف معك فيه الى اخر قطرة في دمي

  5. ناس الحكومه دايرين يمسحوا اي ارث تاريخي بالسودان ويبدا التاريخ من تاريخ استيلائهم علي السودان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..