أخبار السودان

ماذا تعرف عن النصف الظلي في شخصية منصور خالد؟

عبدالرحمن الامين
[email protected]

مدخل :

عرفت الدكتور منصور خالد عن قرب منذ أن هاجرت للولايات المتحدة للإستزادة بدراسة عليا ، ولمواصلة العمل كمراسل أولا ، ثم مديرا ، لمكتب جريدة السياسة الكويتية بواشنطن التي كنت قد إنضممت للعمل بها فور تخرجي من الجامعة عام 1977 . أما هو فجاء بعد أن نفض يده عن نظام جعفر نميري وإرتحل عن السودان في 1978 زميلا في معهد ودرو ولسون للباحثين العالميين في واشنطن . حضورنا لهذه المدينة كان متزامنا وصادف البدايات الباكرة من عام 1979 . طيلة هذه العقود كان حصادي المهني من اللقاءات والحوارات الصحفية لقاءاً يتيماً أجريته بالخرطوم عندما أوفدتني “السياسة” لتغطية المصالحة الوطنية بين جعفر نميري والصادق المهدي وحضور الأخير للسودان في عيد الاضحي – نوفمبر 1977 . بعد اللقاء ، كان من المفترض أن ألتقيه والراحل الدكتور حسن الترابي في مناظرة مباشرة أعددت لها بإتقان ، إلا أن الدكتور الترابي إتصل معتذرا في آخر لحظة . المهم ، مابين تلك التواريخ الغائرة واليوم ، مرت سنوات طويلة منذ تعرفي علي الرجل . سنوات حفلت بالكثير وزادت من كثير وتغير خلالها الكثير . أهم محطات اللقيا التي جمعتنا كانت معارضتنا لديكتاتوريتين ضاريتين ، عمل منصور خالد السياسي في إحداهن ثم إنشق عنها ، وصادم الثانية الي أن إعتزل الصدام وخلد للأرشفة والكتابة ، بينما ظل الصحافي علي حاله مع من تنكبوا الطريق الطويل .

تلقيت ضمن كثيرين من خلصاء وأصدقاء الدكتور منصور خالد، دعوة كريمة لتكريمه والإحتفاء به من اللجنة القومية ” الاهلية ” التي إبتدرت هذه الإحتفالية المُستحقة . فالشكر لهذا الرهط الكريم الذي أحس بهذه الضرورة ، والشكر أجزله للمُحْتفي به الذي أشار عليهم بدعوتي ، مع كُثّر آخرين ، فكلف اللجنة التنسيقية بضرورة إرسال دعوات شخصية بإسمه لهم.
تمنيت الحضور ويقيني أن الصديق العزيز ، الذي خَبَر الزحف مابين المطرقة والمقصلة والسندان كل السنوات مابين 1978-2005، سيتفهم الضرورات الموضوعية التي أجازت لي الغياب . ولأن أجندات الإحتفالية لا تحتمل تسجيل موقف سياسي ، أو التذكير بمرارات ماثلة ، فلربما سيكون ملائما البوح ببعض من الذكريات الخاصة . وليذكر من يقرأ هذا المقال ، أن كل حرف فيه خرج بولادة قيصرية حرجة ، فهذه مكنونات شخصية حبستها لسنوات عددا ، وتعانق الضوء ، اليوم ، لأول مرة . أكتب هذه الحلقات النادرة بقرار شخصي إذ إرتأيت أن هذا هو أنسب ماأشارك به بنمط مغاير من الكتابة غير الذي ألفته من كتابات توثيقية وتدوين. وهو أيضا غير ما تطرقت له الأوراق التي قُدِمت في الإحتفالية . لذلك ، لن أناقش بشكل محوري فكر منصور خالد ، ولا أطروحاته أو فلسفته أو تجربته في العمل العام ، فهذه مهمة يقوم بها بهمة كثيرون ممن يتناولون الشأن العام . وبالتالي فإن تعرضي لبعض تلك الجوانب ، إذا ماتمّ ، فلن يكون متعمقا ولن يتعدي حدود العموميات المحضة . فقد قررت أن أنصرف لشئ آخر فيه أركز فيه أكثر علي بعض الملامسات الخاصة بما تهيأ لي من فرص تعرّفت فبها علي بعض جوانب الوجه الآخر لمنصور خالد ، أو قل شخصية هذا الرجل الواقعة في النصف الظلي . ففي عتمة هذه الظلال الخاصة تنعدم الرؤية إلا لمن ظفر بمصباح المرافقة اللصيقة . هناك تتوافر عوالم مما لا يعرفه الناس وهو ، بداهة ، ما يمكن أن يزيد من حصيلة المعلوم عن الدكتور منصور وربما أسهم في فهمه أكثر.

لا أدري لماذا وكيف تقاصرت حكمة أهلنا عن إستثناء التكريم من رازحات الموت ، فكَرّهوا عبارات الشكر والعرفان إلا بعد الرحيل الي دار الخلود ؟ كيف فات عليهم التفريق مابين تعداد المناقب أمام فاعليها إستحسانا وبسطاً لقيم الإقتداء ، وبين الصمت عليها لحين بلوغ الأجل كتابه ؟ لماذا حسبوا كل شكر نعي ، وكل تذكر لجميل مرثية ؟ نحمد الله أن متعك يادكتور برداء العافية لتجلس عملاقا شاخصا بين أحبابك ، مكتمل هندام المَخِيط والذهن ، تستمع ليومين متتاليين لتقريظ من أحبوك كزينة فكرية متفردة ، يُخبرون الدنيا بشأنك ، يمجدون سيرتك ويشكرون رفقتك ?ويظل الفارق بين المرثية الرصينة وكلمة الشكر المفذلكة مرهون بكيفية تصريفنا لفعل الماضي . إذ يتعين دوما الانتباه لتفعيلات الماضي فتصبح مضارعا مستمرا ليتفايض الفرح ، ونعترف أن تلكم مهمة لغوية شاقة – تماما كمشقة كتابة هذا المقال الجيّاش بذكريات وجدانية غدت فعل ماض ساقط .
خلال هذه الحلقات الثلاثة من البوح الشخصي سأحكي بلا تسلسل مسبق للوقائع أو مرئياتي الذاتية ،. سأترك الروايات والاحداث تتساقط من الذاكرة ، بدون ترتيب أو تبويب . سيكون معياري في إفساح الاولوية مرهونا بدرجة إلحاح الوقائع وتزاحمها علي الدماغ ، تماما كما الحال في بوفيهات الطعام التي تشترط ?السيرفس? بأولوية الحضور .

تساؤلات سرمدية : من هو منصور خالد

لا أعرف سودانيا واحدا نفذ فيه مثقفو بلدنا مبدأ ( الرجل العام ملك عام ) وجعلوه مادة لأحاديثهم ، قدحا ومدحا، مثل الدكتور منصور خالد . فلو كان الخيال وبعض من الحقيقة هما خميرة الاشاعة ، فإن كثيرا من الناس جعلوا الحديث عنه ، والانشغال بأخباره ، مادة لإجتماعياتهم بترخص تام طُوِي عنه القيد . وذهب غلاتهم فحمِّلوه أوزارا ليست من صنعه ونسبوا له أفعالا ماسمع بها إلا منهم ، وصحح أخرون معلومات عنه بخزعبلات أفدح ، باذلين تحليلات تسبح في فضاءات الخيال الشاطح . إذن ، لابد وأن من شئ “ستليثي” مغاير يفعله منصور ، أو يصدر منه كإشارات كهرومغناطيسية تحجز له هذا الحيز الدماغي الوافر في مخيلة هذه الكتل الآدمية ! هل لأن منصور خالد كان وزيرا ؟ لكن ماذا عساك أن تقول وقد كان آخر يوم دوام له كوزير بوزارة الخارجية هو يوم السبت الموافق 10 سبتمبر 1977 ، أي قبل 38 عاما و8 أشهر ؟ وماقولك عن بلد غدا الإستوزار فيها في يُسر دخول مسجد الحي يوم الجمعة ، لا يحتاج لأئ قدرات أو كفاءات ؟ هل ياتري لأن منصور خالد يصدح كمغنٍ بما يطلبه هو ، ولا يكترث بالمستمعين ؟ لكن ومابالك بهذه الشريحة التي لا تنفك تخاشنه وتتقصّده بالشتم ليلا وتقرأ كتبه صباحا وتتسقط أخباره ضحي وماينفكون يرددون إتهاماتهم له كمحفوظات مدرسية ؟ لماذا يُلقِي مرضي الرّمد السياسي القبض علي ظِله كل مرة ، ودونهم العدو الحقيقي الذي سرق قوتهم ودمر حيواتهم ؟ تحضرني كمثال زيارتي للسودان بعد سقوط نظام الطاغية جعفر نميري في 1985، وكانت الاولي منذ ثمانية أعوام . دعاني نقيب المهندسين لزيارته وكان عضوا بلجنة التحقيق مع رمز الفساد الاول في العهد المايوي ، الراحل الدكتور بهاء الدين ادريس ، والتي ترأسها المحامي الراحل الدكتور سليم عيسي عبدالمسيح . سألتهم إن كانوا تحصلوا علي البيّنات الدامغة التي نشرها الدكتور منصور في حلقات بصحيفة القبس الكويتية ثم وثقها في كتابه الأشهر ( السودان داخل النفق المظلم -قصة الفساد والاستبداد ) ، أجابوني بالنفي وسألوني لو كان من سبيل لأمدهم بنسخة منها ، فأهديتهم نسختي الوحيدة وغادرت الخرطوم . بعد أيام حضر د. منصور للسودان . وفجأة ،إنفضّ سماسرة الانتفاضة عن حلقات ?دلالتهم? ومكايداتهم لدق جرس البلطجة علي رقبة منصور خالد بإيعاز وبمبادرة متحمسة من رئيس لجنة الدفاع عن ذات اللص المايوي الموقوف !!طالب الراحل المحامي عبدالوهاب بوب ، ومعه وزير العدل الانقاذي فيما بعد، الراحل عبدالعزيز شدو، بالقبض علي منصور بإعتباره ( أحد رموز مايو ) وأكبر المتآمرين علي الديموقراطية !! تناسوا أن فيهم ، ومن بين دعاة القبض عليه ومحاكمته من تقرفص علي كرسيه الإداري وتخشّب في قطار مايو حتي وصوله آخر محطاته في أبريل 1985 ! إنتصبت سكاكين الشبيحة والبلطجية طويلة تطالب برأس منصور وماشفع له مغادرته لذات القطار منذ 7 سنوات أو فضحه ، ولأول مرة ، بالوثائق فساد نميري وزمرته ، وتغافلوا حقيقة أن زيارته للسودان تمت بالتنسيق مع النائب العام ، عمر عبدالعاطي ، لتمليك الأجهزة العدلية أدلة إفتقدتها لتقيم بها الحجة والدليل علي فساد جعفر نميري في محاكمات أعلنوها وغابت معيناتها الثبوتية !! غض النظر عن الحيثيات ، تتبدي براعة منصور خالد أنه ظل ، وبعد 40 عاما من الإستوزار ، مايسترو فرقة قوامها نفسه فقط ، إن نطق حرص الناس علي متابعة قوله بأكثر من حرصهم علي مؤتمر صحفي يعقده وزير الخارجية الماثل !! ظل رجلا صمدا ، هو العازف والفرقة يلعب علي وترياته منفردا ? ون مان باند ? ، لا لجنة مركزية تسائله ، ولا رئيس حزب يستدعيه ويصرفه ، ولا لجان قطاعية نسق معها . سَمِه طائر السياسة الطليق له قاعدة جماهيرية ضخمة من القراء تتشكل من ألوان الطيف ، لكنها قاعدة بلا برامج وبلا إلتزام بل وبلا حد أدني ?يجمعها يراع منصور وتستطلع رؤاه ،ولا شئ غير ذلك? ولو جاز السؤال ، عن من هم هؤلاء ، فإنهم حتما مريدوه ومعارضوه ، في آن ، إذ أن الرجل لم يجهِّز في عمره حملة انتخابية ولم يترشح في دائرة، ولم يخض لا إنتخابات ولا حتي خور أبوعنجة !

منصور خالد قارئ نهم وكاتب ذو شهية مفتوحة للورق والأقلام . من مسلماته أن المعرفة هي الغذاء الروحي والقراءة هي الغذاء الذهني وكليهما يمثل القوالب الضاغطة التي تطبع رؤي الافراد وتشكل مسارات تفكيرهم ، فالجوهرة ليست سوي فحمة حجرية ماكان لها أن تتلألأ لو لم تتعرض لضغط التشكيل .

قد يُفاجأ الناس إن علموا بأن كل ماخطه الرجل من كتب ومؤلفات ، منذ رحيله عن السودان في 1978 وهجرته لأمريكا ، كان إما في فندق أو في جوف طائرة تداعب هامات السحاب . ذات مرة ، في منتصف الثمانينات ، هاتفني من الباحة الخارجية لمطار جنيف . كان منزعجا وإن لم تغادره سخريته المعهودة ، وهو يحكي لي تعرضه للتو لسرقة أتت علي كل ماكان يحمله من أموال وبطاقات إئتمانية هرب بها اللصوص اللذين شغله أحدهم بالحديث بينما ذهب الاخر بالغنيمة . قال بسخرية تلهج ببعض من إمتنان ( برضو كويس ، علي الاقل خلوّا لي الشنطة الكبيرة بتاعت الكتب والاوراق) وقد قصد (فعلا) إعلان فرحته ، فهذه الشنطة الكبيرة وماتحويه من قصاصات ، ظلت دوما ، قدح تخمير عجينة الكتاب القادم. ويالها من عجينة مُكلِفة ، ففيها حصيلة ساعات طويلة من الأسفار وعبور الأطلنطي شدا للرحال لمكتبة الكونغرس لتجميع معينات الكتابة الوثائقية من مراجع وكتب ومذكرات و قصاصات بحثية مصورة !!!

موقف في المنصة الاخلاقية: مابين صلاح أحمد إبراهيم ومنصور خالد

أتقن منصور عبر سنيه في المحفل العام السيطرة علي نقطة الضوء المشعة في منتصف الدائرة ، وعَلِم أنها بقدر ما جلبت له من صيت يدغدغ التواضع ويُفْرِح الخاطر ،إلا أنها أسرجت ، أيضا ، جحافلا من خصوم تنوعوا مابين مخاصم في الرأي ، وأضعافهم ممن ناهضوه حسدا وغيلة ، والعياذ بالله ! أكثر ماكان يستهويني طريقة تعامله مع الامر وقدرته علي فرملة مايعتلج بدواخله من غضب ، فيبدو غضبه مُفرغا من اللهب بل وعاديا جدا ! في حضرة أي موقف عام يُعكِّر صفاؤه هرج الخصوم ، يهرب منصور سابحا في هدوئه المُتَعمّد ، بلا أي اثر للأدرانانيل Adrenaline في عروقه وهذه صفة لازمة للاعبي البوكر : وجه منبسط ومنفرج أمامك كقرص البانكيك ، بلا توترات أو نتؤات ?وحسن إصغاء ومتابعة يحسده عليها من به صمم .

أضف عندك : منصور مستمع ممتاز!
كان يوما في أخريات شهر مايو 1993 وقد خرجت لتوي من فريضة الحج لا أدري ماذا حدث بالعالم من حولي لأسبوع كامل ، ففي تلكم الايام لم نعرف يعد الجوال المحمول ولا الانترنت . وصلت لفندقي بجده وهاتفت الزميل الصديق السر سيداحمد عن مستجدات الانباء . صعقني بنبأ وفاة الشاعر الكبير الاستاذ صلاح أحمد إبراهيم ، رحمه الله منذ أيام ! هزني النبأ ورجف له قلبي ليس من باب الحزن فقط ولكن لأمر أخر ماعلمه سواي والدكتور منصور خالد . فصلاح ، الشاعر المرهف وصاحب القلم الرشيق كان أحد القامات السامقة ، بل والنادرة جدا ، في الأدب والكتابة السياسية في بلادنا . توفر علي قلم كنت ، كغيري من الالاف ، أحرص علي متابعته إسبوعيا في مجلة الدستور البعثية التي صدرت في لندن آنذاك . بيد أن قلمه الرشيق ماترك لدكتور منصور خالد من جنب للإتكاء ، فقد ظلت سياط كلمات صلاح تجلده ، ولسنوات ، بلا رحمة ولا شفقة ولا هوادة . وصلاح إن قدح شطح ، وإن ذم جرح وإن هجأ أدمي . ظل قائما علي منصور لايغادره أبدا في سلسلة حلقات جمعها الناس وحرصوا عليها بأكثر مما تابعوا مفاصلته العلنية الأشهر مع الراحل عمر مصطفي المكي وعنوانها الموسوم ? إرم السيف يامسيلمة فشرف المبارزة قاصر علي الشرفاء ?. كان صلاح أديبا فطحلا وأمدرمانيا قحا ، سَمِّه صعلوكاً أدبياً ظريفاً ! له مفردات لا تتوفر عليها في سوق الكتابة ، فهي صنيع منْسجِه الخاص من بلاغة وظرف و تريقة وخيال آخّاذ . تأمل بيت الشعر الذي يهجو فيه زميله في حنتوب جعفر نميري وستفهم بعضاً مما نرمي اليه ، هجا صلاح النميري قائلا ، ( أنت بَغْلٌ تغلّب فيه نصف الحمار ) ويالها من ?هاتريك ? في الذم والهجاء إذ جمع ثلاثية منقصات هي كرش البغل وقبحها ، وتغليب بلادة الحمار في نميري بإنقاص النصف الحصاني في المشاركة التهجينية ، اما رمزية عدم قدرة البغل علي الإنجاب فكانت الضربة الكبري تحت الحزام ، ولا نزيد !! تخصص صلاح في منصور وعنوّن سلسلة مقالات هجومية أسماها ( منصور خالد ، دينكا بور ) متوافقا مع خط المجلة ، المعادي تماما لمناصرة منصور خالد لأفريقية السودان وإنجذابه لحركة قرنق ( ترأس تحرير مجلة الدستور القيادي البعثي شوقي ملاسي بميزانية سمينة من عراق صدام حسين الذي أنكر علي السودان أفريقيته تماما ولم ير فيه الا العرب والعروبة والتعريب ) . صال صلاح وجال ومنصور مستكينا ، يرجع بعد كل جولة الي ركنه في الحلبة راميا يديه بلا قفاز ?ولا رصيد من نقاط. تساءل الناس ، كل الناس ، عن سر هذه الاستكانة وأحار صبره من وصلوه بالسؤال ، وكنت من هؤلاء! قال لي باقتضاب أن لصلاح يوما سيأتي . كان يفوق في صبره علي هذا الأذي ، وحُلْمه المتحمِّل لنكران الجميل ، ماكان يرويه عن والده الافتراضي رئيس وزراء السودان السابق ، المرحوم عبد الله بك خليل(1956-1958) . يروي منصور الذي عمل سكرتيرا لعبدالله خليل أن صحفيا شهيرا في ذلك الزمان تخصصت صحيفته في شتم حكومة عبدالله بك والتنديد بسياسته . إلا أن ذات الصحفي كان دوما أول الحضور لمجلس شاي المساء في منزل رئيس الوزراء الذي كان يؤمه العشرات من أصدقائه . يحضر الرجل وينزوي ، ?يشفِّط? الشاي ويستمع للموضوعات المطروحة ويسجل كل شئ في ذاكرته .وبعد فترة يودع المجلس وينطلق لصحيفته ليخرج مانشيت اليوم التالي خبرا من ذات الجلسة ?مهاجما عبدالله خليل بضراوة ! إحتار أصدقاء عبدالله بك في أمر الرجل وفاتحوا سيد الدار بغضبهم بل وسأله أحدهم إن كان يقرأ مايكتبه هذا الصحفي ، كان رد البيه صاعقا في حلمه ( اللي بكتبو في جريدته هو أول شئ بقراه في الصُبح مع القهوة ?انتو زعلانين ليه – عشان بيشتمني ؟ طيب لو هو عشان يعيش لازم يشتمني ، ماتخلوا الناس تعيش ؟) ?. وياله من درس !

إنتظرت ماسيكون عليه أمر منصور مع صلاح . توالت السنوات وأنا علي رصيف الانتظار الي أن إتصل بي يسألني عن برنامجي الصيفي ذات عام فأخبرته بمهمة إستشارية لثلاثة أشهر في جده للمشاركة في إصدارة متخصصة للمجموعة السعودية للأبحاث هي صحيفة (الاقتصادية) التي ترأس تحريرها الزميل السعودي الاستاذ محمد التونسي . أوصاني بالاتصال وأنا في طريقي لجده عبر القاهرة بمن سيوصل لي أوراقا هامة كلفني بقراءتها والتعليق عليها بسرعة لأنها جزءا من باب هام في كتاب علي وشك أن يدفع به للمطبعة . هفوت كعادتي ، لأقرأ ما خصني به رغم عدم علمي بالموضوع . وصلت جده وفي شنطتي نصف باب خصصه بالكامل لصلاح أحمد إبراهيم ! نعم ، نصف باب مكتمل الحواشي والمتون والشهود المرجعيون . لا أذكر أن مرّدتني القراءة وحبستني بمحض ارادتي في فندقي ، هجرا وتملصا من دعوات جموع من الأهل والأصدقاء بمثل مافعلت أوراق منصور في مرافعته التأريخية علي إتهامات صلاح له عبر سنوات طويلة . في كل كتابات الرجل ، غض النظر عن موقفك منها ، تتجلي قدرته الفريدة في نقل الناس من محطة إنتظارهم الراهنة ، الي فضاءات لم يطأؤها. فحروفه قيثارة طرية العود تطربك سمعاً ، وتطيّب أذنك بعذوبة الإختيار والتناغم النصي ، وترتاح عيناك عند تراكيب المعاني ومعمارها ، فلا تبرحها وتعيد إستهجائها وتأملها مرتين وثلاثة لئلا تفقد أي من ممكنون متعها فلا تدري كيف طوّع الأدب ليزحم به مفردات السياسة ، أو مزج علوم الدين بالدبلوماسية ، أو حاضر عن التنمية والبيئة وهو رجل قانون !

بيد أنه في هجمته علي صلاح كان عنيفا ودمويا وثأريأ لأقصي الحدود ، ماترك من سر إلا وفضحه ولا من مستور إلا وكشفه .
تساءلت ?. وقد مات صلاح ، ماذا تراني سأفعل بهذه المادة المفعمة بالقنابل العنقودية سريعة الانشطار ، هل سأسلمها للناشر حسب الاتفاق ؟ أم كيف سأتصرف مع صاحبها الذي أستعجلني بالفراغ منها إرسالها بسرعة للناشر المصري وبخاصة أنني سأغادر بعد يومين للقاهرة ؟؟ إتصلت بسكرتيرة منصور أستعلم عن رقم الهاتف الذي تواجد فيه . نسيت أبجديات الاتصال الدولي كالتدقيق بمعرفة بلد الهاتف ، ومن ثم مضاهاة فروقات الوقت . كان لُبْي وكل شئ فيّ مشغول بمالآت الاوراق وقد أنفتح باب الاحتمالات عريضا ولابد من كلمة فاصلة من صاحب الشأن . اتصلت . جاءني صوته متحمالا كسولا من النوم ، اعتذرت وسألته عن مكان وجوده فكان علي بعد 6 ساعات من جده بالعاصمة البرازيلية ريو دي جانيرو يحضر قمة الأرض . دخلت توووش في الموضوع ( صلاح أحمد أبراهيم توفي قبل يومين ..سأغادر للقاهرة بعد يومين ماذا أفعل بالاوراق ) ؟ صمت قليلا وسمعت 4 كلمات إنتفضن بمذعورات بلا نوم أو كسل ، ( معقول!! لا ياخ ?لا ياخ ..ياسلام ) لم أجب بشئ سوي أن كررت بأن الموت خطفه قبل يومين واردفت ( مااذا أفعل بالاوراق؟ ) لم يتلكأ وقال بإنجليزية مجيدة
Just discard them . He is not going to be here to defend himself . Please , just totally forget the papers you have
(فقط تخلص منها . لن يكون موجودا للدفاع عن نفسه . أرجوك أن تنسي الأوراق التي لديك تماما).
هذه المنصة الاخلاقية الرفيعة ، لا تحتاج لشرح ، فلعمري أن بلوغها والوقوف علي أرضيتها فيه شرف لا ينعقد إلا لرجال علموا قيم العلو والسمو .

منصور عبدالله خليل ? و الإنتصاف للأحياء

إن سألت منصور خالد عن دور عبدالله خليل في حياته باغتك فورا ( كان بمثابة الاب لي !) . فمنصور لا يعرف غمطا لحقوق الناس ، أو نكرانا لجمائلهم ، فقد عرفته مهتبلا للسوانح ، وفي كثير من الاحيان صانعا لها ، للتعريف بعرفان قديم ، فيُضخِّمه مهما صغر فيتراءي كتوهج مجرات السديم . يردد قوله عن عبدالله ?بك? فورا وبلا لكلكة أو حرج ، فيقدمه علي أسرته ، وأسرته – لله درها- هي درة التاج الأمدرماني المُرّصع بجدوده أخيار العمراب ، سلالة وديدة بنت الشريف حمد الدنان . ولا شك أن إسهاب منصور في التعريف بسجايا المرحوم عبد الله بك خليل يجمع مثوبتين : صدقة جارية للراحل الكبير وقيمة إنسانية رفيعة للمادح الذي ظل يتصدي بهمة منتصفا لمن ظلموه بقالةٍ ، أو موضحا الخلل لمن إنتقصوا حقه . كان هذا ديدنه مع من يقدحون في سيرة الغائبين بجهل وتقحُّم ، فينتصب محاميا ساعيا بالعدالة للأموات من ظَلَمتُهم الأحياء .
في سبتمبر 2012 كتبت خاطرة عن الدكتور فرانسس دينج ونشرتها في هذا الموقع . كانت خاطرة مفعمة بذكريات متلاطمة يوم أن رأيت د. فرانسس في التلفاز يسلم أوراق إعتماده للأمين العام للأمم المتحدة سفيرا لجمهورية جنوب السودان المنشطرة حديثا عن خريطة وطن موحد ألفناها فرسمناها بدقة في اليقظة أو المنام . في المساء كانت شاشة بريدي الالكتروني تشع برسالة من الدكتور منصور أهميتها الخبرية بالنسبة لي أنها تدحض فورا ماظللت أسمعه من حسد منصور ومكايداته وكرهه بل وغيرته من فرانسيس ، جاء في جزء من رسالته الانجليزية
( Francis is a noble man who had been misunderstood by some and misprised by many duds who hardly measure up to his stature)
(فرانسس رجل فاضل أُسيئ فهمه من قبل البعض ، ولم يقدر قيمته كثير من الرجال الذين فشلوا في بلوغ قامته) . هذا ديدن منصور مع أصدقائه
بل وحتي خصومه المبادرين للنيل منه ظل حظهم من معاملته الاحترام والتوقير . من هؤلاء نذكر الوكيل الاقتصادي بإحدي الوزارات . إستقدمه د.منصور للعمل سفيرا بالدرجة الأولي بوزارة الخارجية تطلعا للإستفادة من معارفه الإقتصادية ودربته في التخطيط . غير أن الرجل كان مسكونا بفكر عروبي متطرف من النوع الذي يُعْمي الأبصار عن حقائق بديهية مثل ان السودان بلد أفريقي سكانه في الأصل زنوج وأفارقة أتت اليهم بعض القبائل ذات الجذور العربية !! فلو سمعت هذا الوكيل مفاخرا ومتحمسا لعروبة السودان ، لظننت أن المتنبي كان من مواليد كادوقلي وهاجر مع جده الي أرقو ليستقر به المقام في ? فريق فنقر? بحي العباسية ، ولحلفت أيمانا مغلظا أن سيف الدولة إنتقل من دولة الخلافة في مدينة زالنجي وسكن طوكر !!! كان الوكيل العروبي لا يرمش له طرف ولا يحس بالخجل وهو ينكر علي أهلنا الاخيار في هذي البقاع السودانية الأصلية حقهم في الإحتفاء بمواطنتهم السودانية وثقافاتهم المتميزة رغما عن عدم عروبتهم . وبرغم كل ذلك ، فإن نقد الرجل العلني لوزيره المتمسك بالهوية الهجين للسودان ، لم يكلفه إنتقاصا في الحقوق أو يتسبب في تشفٍ إداري أو قطع للرزق . فعلي العكس تماما ، فقد خصه منصور بترفيع راتب وزخٍ من ترقيات مستحقة . ولعلنا نذكر هنا أن إنجذاب منصور لزنوجة السودان كانت في أساسها متوازنة ومعافية من غلواء الافريكانية المنغلقة علي نفسها أو المتنطعة والمتربصة بالاخرين فيما يعرف بالتعنصُر العكسي (Reverse Racism ) . أسأل ملفات الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الافريقية السابقة عن بسمارك الدبلوماسية السودانية ونجاحه في الخروج بمنظمة التحرير الفلسطينية من الانغلاق العربي- العربي الي سوح العمل الأفريقي . أسأل كيف هندّس ،أولا ، ثم أمّن حصول المنظمة علي أول مقعد بصفة عضو مراقب بالقمة الأفريقية بالصومال في 1974 ! فيومها نزل ممثل منظمة التحرير في القاهرة ، جمال الصوراني ، يتبختر خطوة بخطوة وكعب بكعب يقود وفده الفلسطيني من درج طائرة سودانير الرئاسية ضيوفا علي القمة مرافقين من ” خرطوم الصمود العربي ” وفد السودان برئاسة النميري ووزير خارجيته. أصاب الذهول اسرائيل علي هذا الاختراق الدبلوماسي لقارة بكر كانت تهيمن عليها بسطوة تجارية وعسكرية منظورة ، وغير منظورة ، إذ إحتكرت تجارة الالماس والذهب والسياحة والبترول وغذّت حلفائها الافارقة بالمساعدات العسكرية والتقنيات الزراعية والهندسية السخية . كثيرون لا يعلمون أن العلم السوداني يوم أن رفرف في سراي الخرطوم عام 1956 ، كان العلم الاسرائيلي يرفرف في سماء أكرا ( غانا) في ذات العام ! بل وتتالي صعود اعلام نجمة داؤد في بضعة كبريات العواصم الافريقية منها أثيوبيا ، جنوب افريقيا ، الكاميرون ، ساحل العاج ، أفريقيا الوسطي كينيا وانجولا والكونغو وغيرها .
لم يقف جهد خارجية منصور عند حد الفسلطينيين .بل تمكن من إستحداث وتنفيذ فكرة أول قمة رئاسية عربية أفريقية مشتركة في الجزائر عام 1975 وهناك قال قولته الأشهر التي جهلها العالم العربي وسقطت من مخيلة الافارقة ( أفريقيا هي الامتداد الاستراتيجي للعالم العربي ففيها يعيش ثلثي العالم العربي ، بل هي الموطن الجغرافي الأكثر أكتظاظا بالعرب من بلاد العرب التأريخية) .

شذرات من أحاديث: الموضوعية وعمود الخارجية ودعمه للشباب

الحديث عن موضوعية التقييم ، وركون منصور خالد لهذا النهج العلمي المستير لابد وأن تُقرن بصفة لصيقة به وهي خروجه عن المألوف وتمرده علي القالب الجاهز . الصفتان لا يمكن إسقاطهما علي مواقف دون أخري إذ يؤخذان في المُجمل . فمثلا ، هذه الموضوعية هي التي جعلته يدخل في معركة مفتوحة مع ديوان شؤون الخدمة ، في منتصف السبعينات ، عندما قرر أن يجعل الكفاءة والجهد أساسا للترقيات في وزارة الخارجية وألغي معيار الاقدمية وزحف الصف الذي يستثقله الوثّابون من المثابرين ، ويستميت فيه الكسالي عديمي الخيال المهني . فكراهيته للمألوف ، ومعاداته للرتابة يتبدي واضحا في المظلة التي حشر فيها فريقا صغيرا قوامه 18 دبلوماسيا شابا من وزارة الخارجية وأسقطهم خلف خطوط المسطرة الإدرية ليتقدموا الصفوف ! وقديما قيل أن الخروج عن المألوف من النِّعم التي لا يتوفر عليها سوي المبدعين ممن يتمطي أفقهم فيسبق رؤاهم ، فيستأمنوا المجهول ويتنكبوا سكة الإبداع غير هيّابين . رقي الوزير بضعة نفر من ?شباب? الخارجية مستحسنا جهدهم المبذول في البحوث والتقارير الراتبة التي دفعوا بها للوزارة من بلدان تمثيلهم ( اذكر من هؤلاء الدبلوماسيين الافذاذ ممن سموا بأولاد منصور ، الصديق العزيز الدكتور عطاالله حمد البشير ، الامين العام السابق لمنظمة الايقاد الذي قفز عبر زانة الانجاز ? المنصورية ?من منصب السكرتير الثاني متخطيا منصب السكرتير الاول ليصبح مستشارا . حدث هذا دون أن يري الوزير الدبلوماسي الشاب أو يتعرف عليه شخصيا بل تعرف عليه من أبحاثه وتقاريره مثله وبقية ” أولاد منصور ” النجباء ! أما الكفاءة التي ميزت عطاالله فقد شهدنا عليها نحن حفنة من الطلاب والطالبات السودانيين المبتعثين لجامعة الكويت حين أشرف علينا هذا القنصل ، آنذاك ، متحملا مسؤولية المستشار الثقافي ) .
منصور واحد من زمرة نفر قليل يثقبون بالونه محيطهم ويغادرونها بجرأة للسباحة في فضاءات بلا أسقف وبلا كوابح . ويجد في الريادة بعض من نفسه وإن حدثني مرة أن الشخص المسكون بالزعامة والرئاسة هو ? شخص معتوه ?.? الأول ليه ؟ الثاني مالو ؟? قالها مستنكرا ومتحديا . ورغم كل ذلك ، فقد بني له رصيدا شخصيا في قائمة ( هو أول من ) في دنيا براءات الإختراع اسودانية : فهو أول من بني منزلا فيه نصف بيزمنت في الاستقبال ، فينكشف باقي المسكن أمامك ، لكنك لن تري شيئا ! وهو أول من خاصم ? ابوسبعين ? وغيره من الاعلاف وتربية منتجات الكلسترول من لحوم وألبان ، ليخصص مزرعته في سوبا لتنتج زهورا إستوائية للتصدير لأوروبا ! وهو أول من يفكر حاليا في بناء مكتبة ديجتال مجانية لطلاب العلم علي الطراز الغربي الحديث مكتملة الأثاث والكتب وكافة المعينات وتقنيات البحوث ، بطوابق متعددة في بيته ?الموروث ?الملاصق لمسجد جده في حي الهجرة بأمدرمان تطل علي 3 شوارع . من منا فكر في التنازل عن داره ليقيم عليها مكتبة ، في ارض أجداده المتوارثة وفي حي سكني يجعلها متاحة لطلبة العلم من كل السودان .. ومجانا ؟
وثمة كلمة عن هذه المكتبة بالذات ، ومالها من دلالات أُخر .
لتنفيذ التصميم الهندسي لمكتبته ، تجاوز دكتور منصور كل بيوت الخبرة الاستشارية العملاقة بالخرطوم ، وإختار مكتبا هندسيا سودانيا صغيرا ومغمورا لكنه مُشرِّف القدرات ، ولا يقل عن مستويات بيوتات التصميم العالمية . عهد لهم بتصميم مكتبته المجاورة لمسجد جده الشيخ محمد عبدالماجد في حي الهجرة . الدلالة الأهم في الإختيار هي أن مؤسس وصاحب هذه المكتب هو المهندس المعماري ?الشاب? محمد عبدالحميد بخيت خريج جامعة الخرطوم دفعة 2001 وحاز علي الماجستير من سويسرا ، منحه د.منصور ثقته رغم أن محمد من مواليد عام 1978 ، أي العام التالي منذ أن ترك منصور آخر وزارة وهاجر للخارج !
لست ترانا بحاجة لإستخلاص دلالات هذا الإختيار إذ تتجلي فيها واحدة من مزايا الرجل وسعيه الدؤوب لكسر الحواجز مع الأجيال الجديدة ، وبالذات فئة الشباب ، بمنحهم ثقته التامة لإثبات قدراتهم .

هذه الروح الشابة التي لا تشيخ قال عنها في موضتها وشارلستونها الراحل عمر الحاج موسي يوم أن بايع النميري لرئاسة جمهورية ( جئنا اتنين الف مندوب وهنا في هذه القاعه جلسنا قيافه بعافيتنا وسلامتنا . جئنا من عاج وحجل وسديري وقفطان وملفحه وعبايه ومنصور خالد ) . إنها روح من عجينة ماعُرف عن نجم محطة ABC News ، المذيع الامريكي ? ديك كلارك ? ، الذي بموته في 2012 شغر لقب ? أكبر شاب في أمريكا ?America oldest teenager . سيظل هذا التواصل مع الأجيال اللاحقة أحد العلامات التجارية الخاصة بمنصور خالد ، فهو تواصل جامع لايستثني مهنة أو شريحة عمرية أوجندر أو عرق ، بل وأحيانا تجد بعض من يتواصل معهم في تضاد كيميائي محير مع آخرين في ذات دائرته ، فيشيب شعرك ! أنها صنعة منصور الفريدة وكيفية تخيّره للاصدقاء .

في ظني ،( أكرر ، ظني أنا وليس قوله هو ) أن منصور يتعامل مع الناس مستعينا من قواعد الدبلوماسية بركنين ، أولهما الغموض البناء Constructive Ambiguity ، فلا يعرف المُخْتار شيئا عن سبب إختياره أو درجة قربه من الرجل الأسطورة ، فيفرح وينطط . وثانيهما ، في ظروف شح الخيارات لمن هم أقرب لتفضيلاته ومزاجه ، فإنه غالبا مايعتمد علي نظرية ?غياب البدائل? ، فيختار الأقرب وليس الأمثل وبشكل يعزز رضاه ، علي الاقل نفسيا ، فيركن الي حقيقة أن من إختارهم أمتله ضرورات وظروف قلة المعروض . في الحالين ، يكون هو الكاسب الأوحد ،فمن جهة يعنقد المُخْتار أنه من خلاصة الخلصاء من ذوي الحظوة ، فيتركه منصور يهنأ بهذا الإعتقاد فلا ينتقص منه ولا يُكدر فرحته ، فيحصد مقابل هذا علي ولاء مستدام . هذا فيما يتصل بغالبية الناس المتحلقين حوله . بيد أنه لا يتردد في الجهر بتفضيلاته إن إختار خاصته في ظروف طبيعية فتراه مسرورا ضمن دائرته الضيقة جدا والمحدودة العضوية من الأصدقاء . من هذه التفضيلات المعروفة عنه كانت علائقه بالراحلين الرشيد عثمان خالد ، صفيه الأقرب وسنأتي عليه في الحلقة القادمة ، والرائد فاروق حمد الله الذي أعدمه النميري مع الرائد هاشم العطا والمقدم بابكر النور في يوليو 1971 . فرغم تعامل منصور مع كل الاخرين من أعضاء مجلس قيادة الثورة بعد إعدام فاروق إلا أنهم جميعا ، وفي مناسبات متفرقة ، سمعوا منه عن صلته الوشيجة بفاروق عثمان حمدالله .

****خاطرة ****
تعطر صباحي بقصيدة جديدة من روائع شاعر الثورة والأرض ، الاستاذ هاشم صديق
ينشد بحنجرةٍ ثاكلة :

وآآآ ضيعة
الوطن الجميل.
………
أسمعني
يا شعبي الجميل
( مافيش بديل )
ما بتبقي لافتة
ومستحيل
الدنيا قامت وإزدهت
ثورات وإبداع
من بدايل
ومن مثيل
البديل إنت وأنا
رفع العزايم
للسَما
إبداع (خلاص)
مارق يجدد
مِنَنا
من عقولنا
ومن قلوبنا
ومن وجعنا
وذُلنا
تبقي البدايل
مُمكنة .
………
نحصد ثمار
( صبراً جميل )
……….
أعتذر من قلبي
لي خيلاً برك
جوة الشَرَك
وإتهدأ
من حِملو التقيل .
وأعتذر بي عقلي
لي شَرَف الحروف
ولي أسي
الشِعِر الأصيل .
للدراما
بقت قُمامة
للغُنا الأصبح
( سقوط )
معني وعلامة
للنِضال
ما عندو صفاً
أو رجال
لي ( بكارات ) البلد
إتهتكت
وإتمزقت
بإغتصاب
أهل الإمامة .

نواصل الحلقة 2 في الاسبوع القادم بمشيئة الله

لمطالعة تقارير الكاتب السابقة بإرشيف الراكوبة أضغط علي هذا الرابط
http://ara.alrakoba.net/articles-action-listarticles-id-88.htm

تعليق واحد

  1. لقد أنصفت رجلاً ظلمه الناس كثيراً ويستحق الإنصاف ولكنه هذا هو السودان المنكوب

    “الكُل في السودان غير مكانه،، المال عند بخيله والسيف عند جبانه”

  2. الاخ الكريم / عبدالرحمن الأمين

    هذا المقال يستحق يستحق الكثير … لا أدري ان اصف احساسي به الآن ، اشتريت كتاب حوار مع الصفوة وأنا في عمر الرابعة عشر ، ولا أتمنى وأدعو الله ان يحفظ منصور خالد من كل شر .. فعلا رجل …امة كاملة في شخصة… وفكرة … وصبرة ….ولنا عودة للكتابة عن هذه المقال …

  3. منصور خالد قامة كبيرة حقا..وكتابتك عنه تحسب لك قبله ، فهو لم يعد صاحب جاه ولا سلطان ..
    بس انا زعلان جدا يكونوا عندنا صحفيين بالمستوى الرفيع ده ن وصناعة الاعلام في السودان يسيطر عليها انصاف اميين رمم ، ناس الهندي وضياء الدين والطيب مصطفى وبعض الاوغاد وبائعي الذمم..

  4. سأقول لك يا أستاذ ما يلي :
    أفدتنا و امتعتنا ، و ريحة نفسياتنا، هذا عني و عن كل المعجبين بمنصور خالد و مقدراته التي لم تجد ما يسعها في فضاءات بلادنا العزيزة .

  5. المبدع عبدالرحمن الأمين..
    لغة رصينة ومفردات قمة الروعة وقبل ذلك المضمون غني ومشوق عن المفكر دكتور منصور خالد.. التحية.

  6. الحبيب عبدالرحمن

    سلام

    أعطوني اسما سودانيا قدم للسودان مثلما قدم منصور. حادثة التخلص من رده
    علي صلاح أحمد إبراهيم لا تخرج الا من رجل حليم.

    سلام

    مودة.

  7. مقال رائع عن رجل عظيم . حقا ان منصورخالد مفخرة للسودان .
    أيضا أحسنت ياأستاذ عبدالرحمن الامين فمثل هذا المقال الفخيم لا يكتبه إلا صحفي متمكن من حرفته
    أيضا الشكر علي هذه القصيدة الجميلة للاستاذ هاشم صديق … لعنة الله علي الكيزان وعلي أوغاد الامن وعلي رأسهم التافه الحقير محمد عطا

    [email protected]

  8. تحية وسلاما استاذنا العظيم عبدالرحمن الامين.. لله درك فقد أثلجت صدري برصين مقالك ونضيد حرفك في حق رجل قامة سامق كنخل بلادي.رجل باسق ادبا وعلما وخلقا وحلما واتزانا ورصانة. وهو ثناء صادف اهله في زمن عز فيه الرجال وفي ازمان بيئسة عز فيها الوفاء وضاعت بوصلتنا بعد ان صار الغراب دليلنا.واصدقك القول كلما اقرأ لك مقالا تنتابي سكينه غير معهوده واعلم ان السودان لم يزل بخير.واستسمحكم لأستصرخكم وكل الحادبين علي السودان ان تهبوا لتكوين (طريق ثالث) واعني بها كيان سياسي مستقل وجامع لكل اهل السودان يخطط له ويتقدمه ويقوده امثال قاماتنا الدكتور منصور خالد ومولانا سيف الدوله وشخصكم الكريم استاذنا عبدالرحمن ومن علي شاكلتكم من الشرفاء المسكوننين بحب وهموم الوطن بكل اطيافه وسحناته واعراقه ودياناته والمتشربين لثقافاته والحافظين لتاريخه وهويته وارثه الحضاري والحادبين علي جعله وطنا مفخرة لبنيه وعلما بين الامم… لن اجافي الواقع ان قلت ان كل ما تمور به ساحتنا السياسيه اليوم من احزاب وهيئات وكيانات سياسيه لم تلبي اشواق وتطلعات السواد الاغلب من شعبنا العظيم هذاان لم نقل انها خذلتنا تماما بسلبيتها وبلادة حسها الوطني وتماهيها مع عصابةالانقاذ..وبات اغلبنا اليوم يشعر بحالة غربة سياسيه وتوهان وفقدان بوصله تام فلا الانقاذ تمثلنا وحاشا لله ولا الاحزاب علي قدر طموحات وتطلعات الشعب ولا هي علي تحديات المرحله.فالانقاذ جاثمه علي صدر الوطن قتلا وتقطيعا وتنكيلا وتشريدا ومعارضة اليوم لا حول لها ولا قوه بل ليس في مقدورها حتي الدفاع عن نفسها ناهيك عن الدفاع عن ارث وانسان السودان.ما احوجنا واحوج وطنكم لأمثالكم.
    ملاح بشير ملاح
    [email protected]

  9. منصور خالد ذكي موهوب ومحظوظ غامض وكاريزمي هو من تلك الشخصيات التي لم تعد الانسانية تنتج مثلها الا كل “فين وفين” ! ولا انسي ان اضيف هو ايضاوسيم شكلا وموضوعا

  10. بسم الله الرحمن الرحيم

    الأخ الرائع الأستاذ عبد الرحمن الأمين

    بقدر روعة المقال ، و موضوع المقال ، بقدر ما زدت من آلامنا و حسرتنا من مدعي العمل الصحفي ، و شتان ما بين القمة و القاع.

    نحمد الله أن أعادك هذا المقال ، للساحة الشعبية ، التي هي أحوج ما تكون للشرفاء الوطنيين من أمثالك.

    المقال حوى وقائع ، و تحليلات ، و رؤى شخصية ، في قالب أدبي رفيع ، و رغم دسامته ، إلا إنه في حدود إمكانيات جميع المستويات.

    و أجمل ما في الأمر ، إنه من القلب ، كما عودتنا في جميع كتاباتك.

  11. الاخ عبد الرحمن الامين ،اشكرك جزيل الشكر لهذا المقال الجميل والرصين في محتواه، نحن اجيال اصغر عمرا، ولكن بمقالك هذا وجدنا ذلك الخيط الرفيع الذي ظللنا نبحث عنه طيله حياتنا، وقد ناشدت عده مرات عبر الركوبه ببث مقالات عن هذه الشخصيه. واليوم اصبحتم فاتحه خير.
    الاخ عبد الرحمن ،لقد أخترت الكلمات المناسبه ،بالرغم من إني عجمي من جبال النوبه ، ولكن من خلال دراستي وفهمي المتواضع اقول عفارم عليك.
    لا أعلم عن منصور خالد الكثير،معرفتي به كمطّلع ،شارك في الحكومه المايويه، ومن ثم علاقته بالدكتور جون قرنق ، ومن أعماله عرفت هو من اسس مدرسه وزاره الخارجيه السودانيه كهيكليه تنظيميه ، التي يشاد بها في الماضي ، عندما كانت الكوادر كوادر وليس صعاليك اليوم. لقد وصفته بالشخصيه الاسطوريه بثقافته ، اتفق معك تماما ، لأنه يدخل في مفهومي لمعني المثقف ؛هنالك سؤال يتردد عليّ دائما، هل لدينا مثقفين في السودان؟؟ كان ردي دائما لا يتعدوا الاثنين بالمائه. فما هو تعريف المثقف حتي تكون لنا قاعده مشتركه ،عندما نتحدث عن المثقف ؟؟ هو ذلك الشخص الذي نال قسطاً من التعليم وحوّل تعليمه لخدمه البشريه . وهذا مايفرق بين خالد منصور والترابي الذي اضّر بالبشريه، فالترابي متعلم وليس مثقف.
    خالد منصور لقد استفاد منه الشعب السوداني سوي في خدماته او مؤلافاته ، لم يضر احد ،مثله يعتبر كبوصله لإخراج السودان من الازمه التي نعيشها. خطر في بالي تشبيه اتمني أن يعزرني منصور خالد عليه. كل بقايا احزاب السودان تتصارع من اجل السلطه وكأننا في سقيفه بني ساعده، وخالد منصور يمكن أن نشبهه بسعد بن عباده ،الذي ترك السقيفه وهاجر الي الشام.

  12. ربنا يحفظك ويزيدك صحة وعافية يا استاذ عبدالرحمن..
    دكتور منصور خالد قامة مجيدة وأحد اهرام بلادي.. ولكن السؤال الذي يحيرني فعلاً هو لماذا شارك في حكومة الديكتاتور النميري سبع سنين؟ مع ان تلك الفترة بعد اتفاقية اديس هي افضل سنوات السودان ازدهارا وسلاما..

  13. شكرا استاذ عبد الرحمن على هذا المقال الرفيع المليء بحنكة الصحفي وحكمة السياسي فقد ولجت بنا فراديس هذه اللغة الجميلة مع ربط محكم وموثق وصادق بوقائع الحياة ، متمنيا من الله تعالى أن يحفظ لبلادنا رموزها وانت منهم وأن يرفع عنها الغمة التي تغشاها الآن أمة قوية عزيزة الجانب عصية على الإنهزام

  14. نحن لسنا مغرمين بالنيل من الاموات او من الشيوخ ان بلغوا ارذل اعمارهم. لكن حتى لايظننا البعض اننا ننسى فقد ذكرناها مرارا ان هذا الجيل =ويشمل هذا منصور والترابي والصادق المهدي واخرين- فقد اعطاهم الوطن كل ما رغبوا فيه، تعليما في احسن جامعات العالم في بريطانيا وفرنسا وامريكا، ووظيفة وصلوا لمقاعد الوزارة والحكم وهم في ثلاثينيات اعمارهم. بالله عليك من من ابناء هذا الشعب اليوم يمكنه التطلع والطموح ل 10٪ من هذه الفرص التي وصلوا لها . لكن للاسف كانت الاعيبهم في السياسة سببا في تأخر هذا الشعب وبؤسه.

  15. هل بالضرورة لكي نمتدح منصور خالد أن نذم نميري .. من أتي بمنصور للخارجية .. استشهادك بخطبة عمر الحاج موسى التي ذكر فيها بروحه الأدبية “.. جئناك .. وسديري ومنصور خالد.. ” كاف الخطاب هنا كانت لجعفر نميري الواتحد ده .. هذا في حفل تنصيبه رئيسا للجمهورية بعد الاستفتاء .. “الجزيرة قالت نعم بنسبة كدا وكردفان قالت نعم بنسبة كذا.. كيف تجتزئ من خطاب أساسه الإشادة بنميري قطعة خاصة بمنصور ما وردت إلا لأنه ممن ساندوا نميري .. هل صار نميري سيئا بعد أن غادر منصور .. وهو ديدن الساسة دائما.. لمن كنت وزير نميري كان كويس ولمن مرقني كان بطال؟ دا منطق.. كلامك أدبيا متماسك ولكن يعوزه التماسك المنطقي يا شيخنا.. نميري هذا الذي أنكره الجميع وصار سبابه بمثابة التذكرة لدخول نادي المثقفين .. ساندته بل أشرفت على ميلاد حركته كل قوى اليسار السوداني .. الشيوعيون والاشتراكيون والعروبيون ومن شاكلهم ..وشاركت معه في مرحلة أخرى أعتى قوى اليمين .. حرب الأمة ..قطب الأمة عديل مثلا كان حاكما لكردفان والأخوان المسلمون ..ترابي دا كان مستشاره ونأئبه العام .. كيف يتملص الجميع ويقولون ولله لا بنعرفه ولا شفناه وهو يتحمل كل شيء .. أهذه هي الأخلاق التي تحاضرنا عنها والوفاء الذي تتنبر علينا به يا سيادة الكاتب .. إن كنت في نيويورك أو في أي حته برضه نحن لينا عقول ,, وحضرنا وسمعنا وشفنا.. ما تاكلوا راسنا بالباطل ساكت وما بتقدروا إن حاولتم .. سلامي

  16. الاخ الحبيب عبر الشبكة عبد الرحمن والحمد لله انك ما زلت نيلا صافيا سلسالا كعهدنا بك ادامك الله بصحة وعافية ارجعتنا لزمن القراءة الجميلة الرصينة ولمنصور الكنز مطلا منه انت بيراعك المكنوز محبة وعلم ومفرده وحكمة ومهنية قرات لمنصور باكرا حوار مع الصفوة وانا صبي واعدت قراءته وهو بمكتبتنا بالمنزل وواصلت المتعه فيكتاباته وتوثيقه نختلف او نتفق يبقي منصورا من كنوز الوطن وعلي ذكر انصافه فقد قرات له في مقال عام 1978 بصحيفة علي ما اظن انصافا لعمي الدكتور سوار الدهب احمد وكان مديرا لمعهد الكفاية الانتاجية واذكر ما قاله تماما قال (لو كنا نقرا لما يكتبه الدكتور سوار الدهب احمد عيسي في الصناعة لما احتجنا لخبراء من الخارج ) ونقلت هذا لعمي ونحن بالسيارة في نفس اليوم الي مستشفي سوبا فرد قائلا (سبحان الله يبدو ان هذه البلاد لا يقرأ فيها الا منصور خالد )مواصلا (هذا بحث قدمته لرئاسة الجمهورية ولكل وزير في مجلس الوزراء نسخه ويبدو لم يقرأ الا منصور هذا رجل مهيب وكنز ) نعم منصور باحث عميق ومنصف شكرا لك في انتظار باقي الحلقات علي احر من نار العاشقين بعد فرقه وشوق شكرا مثني وثلاث ورباع هندسيا ومستويا

  17. كنا نتوقع معرفة اشياء اخري نجهلها عن القامة دكتور منصور لكنه وبصراحة ومع تقديرنا واحترامنا للاستاذ الامين لم ياتي بجديد -تنازله عن انتقاد الشاعر صلاح بعد موته اوموضوعه مع د.فراسيس اشياء عادية في الخلق السوداني وكنا نتوقع معرفة المذيد من شخص صديق لصوق لفترة طويلة للانسان العالم السوداني الذي فقط من بنات افكاره المفيدة الكثيرة للسودان جامعة الجزيرة..

  18. كنت أعتقد أنني سوف اصبر حتى أفرغ من قراءة الحلقات الثلاثة لهذا المقال البديع عن الرجل القامة ، أمدّ الله في ايامه ومنّ علينا بمعاصرة أطول مدة من تلك الأيام البدائع، قبل أن أبدي حوله أي ملاحظات، لكنني وجدت في المقال ما لم أستطع معه صبرا، فرأيت أن أعبّر عن ذلك بخاطرة عابرة سريعة . منصور شخصية مجهرية ونقطة ضوء مشعة في مركز الدائرة، يضفي حتي على كتابات من يهاجمونه ألقا وبهرجا، فما بالك بمثل هذا المقال بكل ما فيه من وهج وصدق وحقائق عاشها ولمسها الكاتب فعكسها بعد أن فحصها وتبينها وتأكد منها بمصابيح المراقبة اللصيقة. أكثر ما أعجبني في هذا المقال هو أن كاتبه كتبه بنفس طريقة الدكتور منصور، وبأسلوبه المتفرد، وبمعطيات استشفها من نصفيه الظلي والمضيء، وردّ عليه بضاعته كما يفعل أهلنا السودانيون عند رد الهدية والتحية بأحسن منها، فقد جاء المقال من شاكلة مقالات الدكتور منصور، نفس الملامح والشبه والقدلة ذاتها ومشيته. سطّر الكاتب الجزء الأول من المقال فأوفى وأصدق واستعرض جانبا من التراث المنصوري كحالة عامة لرجل عام أعطى فأجزل العطاء في الشأن العام مع قدرة مدهشة على المحافظة على كل ما يتسم به عالمه من خصوصية وذاتية، ومِلك مشاع رغم تماهييه وانسجامه في عالمه الفردي ، وكتاب مفتوح تحتاج قراءته لتبصًر ولمفاتيح تفتح البصيرة رغم أسلوبه السلس البسيط الذي لا يخرج عما يعرف بالسهل الممتنع. شكرا للكاتب الذي نجح في أن يحملنا لنطل معه على عالم منصور الرحب بكل فضاءاته الصافية وحواراته الصفوية مع النخب، خاصة وعامة، وغوصه في الأنفاق، مظلمة ومضاءة، فمنصور قامة سامقة تستحق أن نشكر الله عليها ونسأله أن يمد في أيامه ويمتعه بالصحة والعافية، ونحن سننتظر على أحر من الجمر بقية الحلقات، فلا بد من أن هذه البداية الجمرة ستعقبها جمرات.

  19. منصور خالد من الشخصيات السودانية ذات الأثر والتأثير الكبير في عالم السياحة والعلم والأدب ولذلك يتهرب أمثال المرحوم الترابي من مواجهته ومبارزته أمام الجمهور لأنهم يعرفون قوته وسعة علمه. الرجل ظل يدافع عن الشخصية الحقيقية للسودان كدولة أفريقية معظم أهلها من هذه القارة مع وجود البعض منهم منتمياً الى العروبية ولو نصف كم لذلك كرهه بعضهم على نحو ما كان يفعل المرحوم صلاح ابراهيم والأن الدكتور علي عبد الله ابراهيم هذا الشيوعي المتورك الذي ضاع بين شيوعيته المفقودة وعروبيته الموهومة. وقد ظللت وما زلت معجباً بمساهماته الكبيرة وما قدمه لبده ولشعبه من خدمة لا تقيم بثمن للحد الذي علقت عليه آمالاً في ان يتفضل على شخصي الضعيف بكتابة تقديم لأول كتاب ألفته في السياحة وأعطيته نسخة منها في الخرطوم عام 2005م غير أنه ربما أهمل المسودة وعرفت فيما بعد أنه لا يذكر أنه استلم مني تلك النسخة وهو ما أصابني بصدمة كبيرة خصمت الكثير من التقدير الذي كنت أكنه للرجل حيث لم أتةقع منه مثل هذه المعاملة لكتاب شباب كان عليه الاهتمام بهم وهو من قال إن الحركة الشعبية هي أكثر من ساهم في نشر اللغة والثقافة العربية في جنوب السودان فإذا به يهمل مساهمات شباب هذا الجزء من الوطن. المهم أن الكتاب طبع فيما بعد ونشر في معرض القاهرة الدولي للكتاب أواخر عام 2006 وفي معرض مسقط الدولي للكتاب أوائل عام 2007م ولله الشكر.

  20. … التحية للصديق د. عبدالرحمن الأمين الصحفي والكاتب الصادق . ليس لي قول أو تعقيبا على ما كتبت وسؤالي دائما لماذا أختفيت فترة من الكتابه في الراكوبة ومنذو ألتقيت بك بالرياض بالسعودية بفندق الريف بالملز لو تذكرت ذلك فأني قارئ نهم لمقالاتك الشيقة الذاخرة بالتحليل العميق لكل أمر تناولته في مقالاتك وتقديري لك

  21. الاخ العزيز / عبدالرحمن الأمين

    انت في طليعة كتابنا وصحفيينا اصحاب الموهبة الفريدة في الكتابة والصياغة والتآليف . واهمها امتلاكك المعرفة والتحلي بالامانة ..
    نشكرك علي تسليط الضوء علي د. منصور خالد الرجل المناضل الذي وهب شبابه وعمره من اجل الوطن الواحد لكل السودانيين .. هنالك من الحقائق مانجهلها عن منصور خالد ولكنك تؤكد بالوقائع عن اصالة الرجل وحلمه واخلاصه من اجل بلده .. انه مفخرة لنا جميعا ورمزا وطنيا نعتز به .. وشكرا لك علي هذه الامانه النادرة من شخصك في حق علم من اعلام البلاد . والحمد لله ان ماخاب ظننا في الرجل ابدا ونسآل الله ان يمد في عمره ويمنحه الصحة ..

  22. هذا المقال الرائع هو خير رد علي تخرصات وأباطيل أنصاف المثقفين والحاقدين علي إنجازات الدكتور القامة الوطنية الشامحة منصور خالد عبدالماجد . شكرا أيها الكاتب القدير علي تعريفنا ببعض ما خفي علينا من جوانب تنطق بالنبل والصفاء في شخصية هذا الرمز الوطني العملاق .هزني نبل هذا الرجل وتسامحه مع صلاح أحمد ابراهيم عندما أخبرته بوفاته ، فهذه هي أخلاق العلماء . لقد ظل كثيرون يحالون النيل من الهرم منصور ويرمونه بحجاره نقدهم وحقدهم بلا جدوي أمثال مُدعي المعرفة الحقير د عبدالله علي إبراهيم الذي ظل يذم منصور خالد بادعاءات وفبركات بلا دليل ومنها مشاركته في حكومة مايو ناسيا أن حزبه الشيوعي بكامله أسهم في إنقلاب نميري بل ونسي دفاع منصور المستميت عن الحزب الشيوعي وتنديده في كل كتاباته بقرار طرد الحزب من الجمعية التأسيسية . والادهي والأمر أن هذا العبدلله علي ابراهيم عندما وجد نفسه باطلا متعطلا في جامعة أمريكية لا يزيد راتبه فيها عن 3 ألف دولار شهريا سعي للعمل مع الكيزان وهرع للسودان لبناء مجد متوهم له وقرر مشاركتهم الحكم وإضفاء شرعية علي حكمهم فنزل الانتخابات في عام 2010 فسقط سقوط الدحش في الزريبة ولفظوه كما نبصق سفه التمباك بعد تؤدي غرضها و”تسيح” في الفم .
    أدام الله عليك نعم الصحة يادكتور منصور وتبا للكيزان والأمنجية وكل من إشتراهم الحقير محمد عطا وزبانيته أمثال عبدلله ابراهيم وأمثاله

    [email protected]

  23. الأستاذ / عبدالرحمن الآمين
    تحياتي وتقديري
    حمدالله على السلامة وعوداً حميداً للكتابة الراتبة في راكوبتنا الوارفة الظلال، التي تسع الجميع على إختلاف مشاربهم وإنتماءاتهم وهي سودان مصغر .
    معروف عنك دوماً إنتقاء الموضوعات بعناية فائقة وهذه ميزة غير متوفرة للكثير من الكتاب وهي قيمة مضافة إلى كم المزايا الأخرى التي لديك.
    شكراً لمقالك الضافي عن الموسوعة السودانية الحيّة دكتور منصور خالد
    ملاحظة : نحن في إنتظار السلسلة الوثائقية التي وعدتنا بها في مقالاتك السابقة المخصصة لجمهورية الإستواء الإسلامية ( منظمة سند الخيرية نموذجاً ) .

  24. منصور خالد قارئ نهم وكاتب ذو شهية مفتوحة للورق والأقلام . من مسلماته أن المعرفة هي الغذاء الروحي والقراءة هي الغذاء الذهني وكليهما يمثل القوالب الضاغطة التي تطبع رؤي الافراد وتشكل مسارات تفكيرهم ، فالجوهرة ليست سوي فحمة حجرية ماكان لها أن تتلألأ لو لم تتعرض لضغط التشكيل .

  25. الاخ عبد الرحمن، اعتقد ان مسؤوليتكم عظيمة اليوم في نشر ما كتب الدكتور منصور خالد عن صلاح احمد ابراهيم، لقد خرج الامر ” دون رجعة ” لحقوقنا نحن كشعب ووطن تعرض للاذلال والمهانة وارتكبت في حقهما الكثير من الجرائم ولا زال يسعي الي اين الحقيقة ومن المسئول

  26. كنا نتوقع معرفة اشياء اخري نجهلها عن القامة دكتور منصور لكنه وبصراحة ومع تقديرنا واحترامنا للاستاذ الامين لم ياتي بجديد -تنازله عن انتقاد الشاعر صلاح بعد موته اوموضوعه مع د.فراسيس اشياء عادية في الخلق السوداني وكنا نتوقع معرفة المذيد من شخص صديق لصوق لفترة طويلة للانسان العالم السوداني الذي فقط من بنات افكاره المفيدة الكثيرة للسودان جامعة الجزيرة..

  27. كنت أعتقد أنني سوف اصبر حتى أفرغ من قراءة الحلقات الثلاثة لهذا المقال البديع عن الرجل القامة ، أمدّ الله في ايامه ومنّ علينا بمعاصرة أطول مدة من تلك الأيام البدائع، قبل أن أبدي حوله أي ملاحظات، لكنني وجدت في المقال ما لم أستطع معه صبرا، فرأيت أن أعبّر عن ذلك بخاطرة عابرة سريعة . منصور شخصية مجهرية ونقطة ضوء مشعة في مركز الدائرة، يضفي حتي على كتابات من يهاجمونه ألقا وبهرجا، فما بالك بمثل هذا المقال بكل ما فيه من وهج وصدق وحقائق عاشها ولمسها الكاتب فعكسها بعد أن فحصها وتبينها وتأكد منها بمصابيح المراقبة اللصيقة. أكثر ما أعجبني في هذا المقال هو أن كاتبه كتبه بنفس طريقة الدكتور منصور، وبأسلوبه المتفرد، وبمعطيات استشفها من نصفيه الظلي والمضيء، وردّ عليه بضاعته كما يفعل أهلنا السودانيون عند رد الهدية والتحية بأحسن منها، فقد جاء المقال من شاكلة مقالات الدكتور منصور، نفس الملامح والشبه والقدلة ذاتها ومشيته. سطّر الكاتب الجزء الأول من المقال فأوفى وأصدق واستعرض جانبا من التراث المنصوري كحالة عامة لرجل عام أعطى فأجزل العطاء في الشأن العام مع قدرة مدهشة على المحافظة على كل ما يتسم به عالمه من خصوصية وذاتية، ومِلك مشاع رغم تماهييه وانسجامه في عالمه الفردي ، وكتاب مفتوح تحتاج قراءته لتبصًر ولمفاتيح تفتح البصيرة رغم أسلوبه السلس البسيط الذي لا يخرج عما يعرف بالسهل الممتنع. شكرا للكاتب الذي نجح في أن يحملنا لنطل معه على عالم منصور الرحب بكل فضاءاته الصافية وحواراته الصفوية مع النخب، خاصة وعامة، وغوصه في الأنفاق، مظلمة ومضاءة، فمنصور قامة سامقة تستحق أن نشكر الله عليها ونسأله أن يمد في أيامه ويمتعه بالصحة والعافية، ونحن سننتظر على أحر من الجمر بقية الحلقات، فلا بد من أن هذه البداية الجمرة ستعقبها جمرات.

  28. منصور خالد من الشخصيات السودانية ذات الأثر والتأثير الكبير في عالم السياحة والعلم والأدب ولذلك يتهرب أمثال المرحوم الترابي من مواجهته ومبارزته أمام الجمهور لأنهم يعرفون قوته وسعة علمه. الرجل ظل يدافع عن الشخصية الحقيقية للسودان كدولة أفريقية معظم أهلها من هذه القارة مع وجود البعض منهم منتمياً الى العروبية ولو نصف كم لذلك كرهه بعضهم على نحو ما كان يفعل المرحوم صلاح ابراهيم والأن الدكتور علي عبد الله ابراهيم هذا الشيوعي المتورك الذي ضاع بين شيوعيته المفقودة وعروبيته الموهومة. وقد ظللت وما زلت معجباً بمساهماته الكبيرة وما قدمه لبده ولشعبه من خدمة لا تقيم بثمن للحد الذي علقت عليه آمالاً في ان يتفضل على شخصي الضعيف بكتابة تقديم لأول كتاب ألفته في السياحة وأعطيته نسخة منها في الخرطوم عام 2005م غير أنه ربما أهمل المسودة وعرفت فيما بعد أنه لا يذكر أنه استلم مني تلك النسخة وهو ما أصابني بصدمة كبيرة خصمت الكثير من التقدير الذي كنت أكنه للرجل حيث لم أتةقع منه مثل هذه المعاملة لكتاب شباب كان عليه الاهتمام بهم وهو من قال إن الحركة الشعبية هي أكثر من ساهم في نشر اللغة والثقافة العربية في جنوب السودان فإذا به يهمل مساهمات شباب هذا الجزء من الوطن. المهم أن الكتاب طبع فيما بعد ونشر في معرض القاهرة الدولي للكتاب أواخر عام 2006 وفي معرض مسقط الدولي للكتاب أوائل عام 2007م ولله الشكر.

  29. … التحية للصديق د. عبدالرحمن الأمين الصحفي والكاتب الصادق . ليس لي قول أو تعقيبا على ما كتبت وسؤالي دائما لماذا أختفيت فترة من الكتابه في الراكوبة ومنذو ألتقيت بك بالرياض بالسعودية بفندق الريف بالملز لو تذكرت ذلك فأني قارئ نهم لمقالاتك الشيقة الذاخرة بالتحليل العميق لكل أمر تناولته في مقالاتك وتقديري لك

  30. الاخ العزيز / عبدالرحمن الأمين

    انت في طليعة كتابنا وصحفيينا اصحاب الموهبة الفريدة في الكتابة والصياغة والتآليف . واهمها امتلاكك المعرفة والتحلي بالامانة ..
    نشكرك علي تسليط الضوء علي د. منصور خالد الرجل المناضل الذي وهب شبابه وعمره من اجل الوطن الواحد لكل السودانيين .. هنالك من الحقائق مانجهلها عن منصور خالد ولكنك تؤكد بالوقائع عن اصالة الرجل وحلمه واخلاصه من اجل بلده .. انه مفخرة لنا جميعا ورمزا وطنيا نعتز به .. وشكرا لك علي هذه الامانه النادرة من شخصك في حق علم من اعلام البلاد . والحمد لله ان ماخاب ظننا في الرجل ابدا ونسآل الله ان يمد في عمره ويمنحه الصحة ..

  31. هذا المقال الرائع هو خير رد علي تخرصات وأباطيل أنصاف المثقفين والحاقدين علي إنجازات الدكتور القامة الوطنية الشامحة منصور خالد عبدالماجد . شكرا أيها الكاتب القدير علي تعريفنا ببعض ما خفي علينا من جوانب تنطق بالنبل والصفاء في شخصية هذا الرمز الوطني العملاق .هزني نبل هذا الرجل وتسامحه مع صلاح أحمد ابراهيم عندما أخبرته بوفاته ، فهذه هي أخلاق العلماء . لقد ظل كثيرون يحالون النيل من الهرم منصور ويرمونه بحجاره نقدهم وحقدهم بلا جدوي أمثال مُدعي المعرفة الحقير د عبدالله علي إبراهيم الذي ظل يذم منصور خالد بادعاءات وفبركات بلا دليل ومنها مشاركته في حكومة مايو ناسيا أن حزبه الشيوعي بكامله أسهم في إنقلاب نميري بل ونسي دفاع منصور المستميت عن الحزب الشيوعي وتنديده في كل كتاباته بقرار طرد الحزب من الجمعية التأسيسية . والادهي والأمر أن هذا العبدلله علي ابراهيم عندما وجد نفسه باطلا متعطلا في جامعة أمريكية لا يزيد راتبه فيها عن 3 ألف دولار شهريا سعي للعمل مع الكيزان وهرع للسودان لبناء مجد متوهم له وقرر مشاركتهم الحكم وإضفاء شرعية علي حكمهم فنزل الانتخابات في عام 2010 فسقط سقوط الدحش في الزريبة ولفظوه كما نبصق سفه التمباك بعد تؤدي غرضها و”تسيح” في الفم .
    أدام الله عليك نعم الصحة يادكتور منصور وتبا للكيزان والأمنجية وكل من إشتراهم الحقير محمد عطا وزبانيته أمثال عبدلله ابراهيم وأمثاله

    [email protected]

  32. الأستاذ / عبدالرحمن الآمين
    تحياتي وتقديري
    حمدالله على السلامة وعوداً حميداً للكتابة الراتبة في راكوبتنا الوارفة الظلال، التي تسع الجميع على إختلاف مشاربهم وإنتماءاتهم وهي سودان مصغر .
    معروف عنك دوماً إنتقاء الموضوعات بعناية فائقة وهذه ميزة غير متوفرة للكثير من الكتاب وهي قيمة مضافة إلى كم المزايا الأخرى التي لديك.
    شكراً لمقالك الضافي عن الموسوعة السودانية الحيّة دكتور منصور خالد
    ملاحظة : نحن في إنتظار السلسلة الوثائقية التي وعدتنا بها في مقالاتك السابقة المخصصة لجمهورية الإستواء الإسلامية ( منظمة سند الخيرية نموذجاً ) .

  33. منصور خالد قارئ نهم وكاتب ذو شهية مفتوحة للورق والأقلام . من مسلماته أن المعرفة هي الغذاء الروحي والقراءة هي الغذاء الذهني وكليهما يمثل القوالب الضاغطة التي تطبع رؤي الافراد وتشكل مسارات تفكيرهم ، فالجوهرة ليست سوي فحمة حجرية ماكان لها أن تتلألأ لو لم تتعرض لضغط التشكيل .

  34. الاخ عبد الرحمن، اعتقد ان مسؤوليتكم عظيمة اليوم في نشر ما كتب الدكتور منصور خالد عن صلاح احمد ابراهيم، لقد خرج الامر ” دون رجعة ” لحقوقنا نحن كشعب ووطن تعرض للاذلال والمهانة وارتكبت في حقهما الكثير من الجرائم ولا زال يسعي الي اين الحقيقة ومن المسئول

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..