التنورة.. رقصة دينية تراثية انتقلت من تركيا إلى الدولة الفاطمية

الرقصة انتشرت في منطقة تركيا عندما كان لكل شيخ طريقة صوفية مكان لاستقبال الفقراء والمحتاجين والدراويش ويُقام بها حلقات الذكر.

ميدل ايست أونلاين

القاهرة ـ من وكالة الصحافة العربية

حالة روحانية تراثية

تتميز مصر بتراثها الشعبي الأصيل الذي حافظت عليه على مر العصور، ويتمثل ذلك في الموروث الثقافي والحكايات والأشعار والأساطير والأمثال، كذلك الفنون الحركية مثل الرقص الشعبي، والذي يعد من أشهر هذه الموروثات، فيزخر التراث المصري بالعديد من الرقصات الشعبية والتي تعبر عن عادات وتقاليد كل مدينة.

فنجد أن الرقص في مدن ومحافظات الجنوب يختلف عن رقص أهل الريف، فعلى سبيل المثال يشتهر أهل الصعيد برقصة “التحطيب”، أما مناطق الأودية والواحات فهي تتميز برقصة “الحجالة”، كما تحتفظ المدن الساحلية بطابع خاص، حيث تشتهر فيها رقصة “البمبوطية” المستمدة من أجواء البيئة المحلية، فضلا عن رقصة “التنورة”، والتي تعد من أبرز الرقصات التراثية لأهل مصر، فلكل منطقة رقصتها الخاصة التي تعبّر عن شعبها وأصولهم.

تعتبر رقصة “التنورة” من أهم الرقصات الشعبية التي يشتهر بها التراث المصري، والتي تعود أصولها إلى الصوفية، وتلقى رواجا كبيرا لدى المصريين والأجانب، ويقبل على تعلمها الصغار والكبار، فقد أصبحت طقسا من طقوس الاحتفالات في كثير من المناسبات. وهي تعد رقصة إيقاعية جماعية تؤدى عن طريق حركات دائرية نابعة من الحس الإسلامي الصوفي.

ويرى الكثير من مؤديها أن الحركة في الكون تبدأ من نقطة وتنتهي عند النقطة ذاتها، ولذا يعكسون هذا المفهوم في رقصتهم فتأتي حركاتهم دائرية وكأنهم يرسمون بها.

تم استقطاب هذه الرقصة من الأتراك في القرن الثالث عشر، وتشير الكثير من الأبحاث إلى أن أول من قام بهذه الرقصة الفيلسوف والشاعر التركي الصوفي جلال الدين الرومي.

انتشرت رقصة التنورة في منطقة تركيا عندما كان لكل شيخ طريقة صوفية مكان لاستقبال الفقراء والمحتاجين والدراويش ويُقام بها حلقات الذكر، وكان يطلق عليه اسم “تكية”، وكانت من أشهرها تكية الشاعر جلال الدين الرومي، حيث كانت تُقام به حلقات الذكر بما لا يقل عن 40 فردا بملابس مختلفة الألوان والأشكال، وكانت لهم طريقة خاصة في ملابسهم وحركاتهم الدائرية التي كانت تبدأ بترديد لفظ الجلالة “الله”، مصطحبة بآلات موسيقية، ومع بداية الدولة الفاطمية انتقلت الرقصة إلى مصر وبدأ الفنان المصري في تأسيس فن شامل عن التنورة بإضافة الروح المصرية والآلات الشعبية مثل الربابة والمزمار وتصميم زي مميز جعل هناك تفاعلا أكبر بينها وبين الجمهور المصري والأجنبي.

ويقول محمود عيسى، مدير فرقة التنورة للفنون التراثية: الفرقة بدأت عملها منذ عام 1988 مع الراقص “بندق” الذي شاهده فاروق حسني، وزير الثقافة وقتها، وأعجب برقصته فقرر أن تقوم الوزارة برعاية هذا الفن، مشيرا إلى أن رقصة التنورة عبارة عن فن صوفي له طابع مميز وفريد من نوعه، تقوم على الحركات الدائرية وتنبع من الحس الإسلامي الصوفي، فهي تعتمد على الرموز بشكل كبير، فعندما يدور الراقص حول نفسه فكأنه الشمس يلتف حول الراقصين الذين يرقصون بآلات الإيقاع من خلال الدوران المتعاقب للتنورة والذي يرمز إلى تعاقب الفصول الأربعة، وعندما يرفع الراقص يده اليمنى إلى أعلى ويده اليسرى إلى أسفل فهذا يرمز إلى الصلة بين الأرض والسماء، وعندما يدور حول نفسه كأنه يتخفف من كل شيء للصعود إلى السماء، أما عندما يفك الرباط الموجود حول جزعه فهو يشير إلى رباط الحياة.

ويوضح عيسى على الرغم من الرموز الدينية التي تعبر عنها رقصة التنورة، وما تحمله من أفكار إسلامية، إلا أنها اكتسبت روحا شعبية جلبت السعادة والبهجة لدى المجتمع المصري، وظهر ذلك من خلال تنوع إيقاع الموسيقى بين البطيء والسريع، بالإضافة إلى تنوع واختلاف الألوان التي تعبر عن القيم التشكيلية المصرية، كما أن النصوص الدينية التي يتم ترديدها أثناء الرقصة تعبر عن تخيلات المصري للحياة والكون ولا ترتبط بالطقس الديني المباشر وإنما بالفن الشعبي الجماهيري، لافتا إلى أن عنصر الوراثة يلعب دورا مهما في رقصة التنورة، فالكثير من مزاولي الرقصة توارثوها عن آبائهم وأجدادهم لكي يكونوا امتدادا لهذا الموروث الشعبي والحفاظ عليه من الاندثار.

وعن دور المرأة في رقصة التنورة، يشير عيسى إلى أنه منذ أن بدأت رقصة التنورة في العصر الفاطمي وهي تعتمد على الرجال فقط عبر مجالسهم الصوفية والدينية، ويقتصر دور المرأة على المشاهدة مع الجماهير، سواء في المهرجانات الدولية أو المحلية، وفي الوقت الحالي بدأت المرأة تمارس رقص التنورة، لافتا إلى أنه على الرغم من قلة عددهن إلا أنهن يقدمن عروضا استعراضية في غاية الجمال، فقدرة الفرد على الرقص تختلف باختلاف قدرته على الدوران والتوازن.

وبدوره، يوضح جمال عبدالرحمن، المسؤول بفرقة التنورة، أن جميع الفنانين الذين يعملون برقصة التنورة توارثوها عن آبائهم وأجدادهم، حيث كانوا يقومون بإحياء احتفالات الطرق الصوفية بالمناسبات الدينية والموالد، حيث تأسست أول فرقة تنورة عام 1988 وكانت تابعة لهيئة قصور الثقافة، وأقيمت عروضها على مسرح قبة الغوري، ثم انتقلت العروض إلى وكالة الغوري الموجودة حتى الآن، والتي تقدم العروض يومي السبت والأربعاء من كل أسبوع منذ إنشائها، مشيرا إلى أن الفرقة تضم 55 عضوا مقسمين ما بين عازف وملحن ومنشد وراقص وغيرها.

وتابع: الفرقة قدمت عروضها لرقصة التنورة في أكثر من 30 دولة حول العالم، لافتا إلى أن من أهم المميزات التي يجب أن يتحلى بها راقص التنورة، أن يكون له حس فني عال، لأن الرقص يصاحبه إنشاد ديني، ويجب عليه أن ينقل هذا الإنشاد بإحساسه إلى الجمهور المتلقي، والذي يغلب عليه الطابع الأجنبي، فالتنورة عبارة عن حالة روحانية تراثية تنقل الإنسان بأحاسيسه إلى عالم آخر من الهدوء والسكينة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..