للغصون الأعالي في الريح خفق الشراع.. رمزية التبلدي

كردفان – صديق الدخري
مثلما انبتت أرض السودان النخيل والقمح والصمغ، وأخرجت من جوفها نفطا وذهبا، فإن رمالها أنبتت شموخا يسمى (التبلدي) واختيار التبلدي لرمال كردفان منبتا له لم يكن محض صدفة، إذ (يسوي) من نفسه مستودعات مياه يخزنها في موسم الأمطار الشحيح ليقابل بها الصيف الجاف.
غذاء للناس
ومثلما التبلدي حوض للمياه، فإن في ثماره غذاء للناس وعلاجا، لذلك احتلت ثمار التبلدي في وجدان السودانيين مكانا سامقا، وأصبح عصيرها أشبه بالمشروب السحري والروحي.
ألف عام
واشتهرت شجرة التبلدي بضخامتها وطولها الفارع، إذ يصل ارتفاعها إلى (25-30) مترا وسمك جذعها (11) مترا، ودائما ما تكون عارية من الأوراق إلا في فترة الخريف، حيث تكتسي بالخضرة والجمال، وهي من الأشجار المعمرة، وقد (يعيش) بعضها ألف سنة، لذا أطلق عليها (شجرة الحياة).
وقد برعت المجموعات الرعوية في ديار الكبابيش والحمر في ابتداع فكرة تخزين الماء في جذوع التبلدي، بفتح فوهة من أعلى الجذع إلى أسفله بطريقة هندسية معينة تسمح بدخول الدلو أو (الجردل) الذي يتم (نشل) الماء به كما يمكن توسيع الفوهة من حين إلى آخر.
قنقليز
وحين تتجمع المياه حول أو بالقرب من الشجرة يقوم الناس بتعبئتها في تجاويف الجذوع وتخزينها حتى الصيف، وتتميز المياه المخزنة بالعذوبة والنقاء لأن التبلدي يحوي مواد حافظة طبيعية، إلى جانب أن أوراق التبلدي تستخدم غذاء للإنسان والحيوان، ولحاها يستعمل في عملية تجليد العناقريب، ومن ثمارها التي تعرف (بالقنقليز) يعصر مشروب رائع حلو المذاق، ويعتقد أنه علاج لبعض الأمراض.
شعار للولاية
شكلت شجرة التبلدي رمزا أصيلا في كردفان، فصارت شعارا لولايتها الشمالية كما لها دور مهم في تاريخ السودان، ومن منا لم يسمع بقصة تبلدية (البروجي) الشهيرة، التي لا تزال تعد مكانا للاجتماعات والجوديات والمحاكم الشعبية ومضيفة للزوار وصالونا للأفراح وسرادق للأتراح، هذا فضلا عن أنها تمثل غطاء نباتيا ضد الزحف الصحراوي ما يشكل توازنا بيئيا لا نظير له

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..