مقالات سياسية

صمتاً جميلاَ

مهدي رابح

بعض الاصوات تستنكر تضامن كثير من الاخوة و الاخوات مع الشعب الفرنسي في محنته بدعوي ان هذه المحنة لا تقارن مع المحنة السورية او اليمنية او حتي السودانية و بدعوي ان تاريخ فرنسا الاستعماري الدموي ، و هو حقيقة لا جدال فيها ، لا يجيز للمسلمين او العرب أن يعبرو عن حزنهم لما حدث من استهداف لمدنيين ابرياء دون تمييز بين ابيض او اسود او مسلم ام مسيحي … محض قتل جبان و حاقد

و انا اري ان خطأين لا يصبحان صوابا ابدا .. و ان كان المقام مقام مقارنة وهو بالتأكيد ليس كذلك فان العبرة تكمن في ادراك البون الشاسع بين عالمين … عالم يتبني مبدأ الحرية و الديموقراطية و حقوق الانسان و رغم جرائم كبيرة في ماضيه و أخطاء قاتلة في حاضره لكنه يمارس النقد و التطوير الذاتي علي اساسه و عبر مؤسسات تبذل جهدها في ارساء اسس العدالة و استقلال القضاء و حكم القانون و التبادل السلمي للسلطة و حرية المعتقد و حرية التعبير و القائمة تطول ….

الا يجب ان نتسائل كما تسائلت السيدة ميركل : لماذا يلجأ ( المسلمين و العرب ) الي دول مثل فرنسا و بريطانيا و المانيا ،بدلا عن اللجوء الي مكة ؟؟ … بدلا من ان ان نبصق علي وعاء ظل يوفر ملاذا لملايين المسلمين الهاربين من لظي التخلف و الظلم في بلادهم ( الاسلامية ) ؟

و بين شعوب اخري هاربة تدفن رؤوسها في الرمال هربا من مجابهة الحقائق المريرة لتاريخ و حاضر لا يقل دموية … حيث توجه سيوف طغمة حكامها الفاسدين نحو صدور مواطنيها قبل الاعداء .

و علي نطاق اوسع الهروب و عدم الاعتراف بخلل بنيوي في مفهوم الالتزام و التدين المعاصر و هي نتاج لتشويه كثير من التيارات الفقهية و بالتحديد السلفية للدين الاسلامي السمح و تاثير ذلك بصورة جلية في مناهج تعليمية عفي عليها الزمن و تسببت في وضع بذور العنف و نبذ الآخر في الاجيال الصاعدة ، ثم من بعد ذلك شيدت حائطا عازلا ضخما من المحرمات و نظريات المؤامرة البائسة حول ذلك النبت المشؤوم ، نحصد منه الآن ثمارا داعشية أو شبيهة لها في معظم الاحيان ،
يعزز تلك الحالة الرسائل الجاهزة ، الملقنة و المكررة التي يرسلها كثير من الشيوخ نصف المتعلمين من منابرهم المختلفة… و الذين لم تسعفهم طاقتهم الذهنية و الابداعية لبذل مجهود اكبر في التجديد .
كما يعززها بصورة اعمق صمت مثقفينا الذين يرزحون تحت تهديد مقصلة الارهاب المعنوي و الجسدي للفكر المتحجر ، و الذين لم تسعف الشجاعة السواد الاعظم منهم للخروج من عبائة شيوخ اجتهدو و مضو في سبيلهم قبل قرون خلت … و توارو آثروا السلامة عوضا عن دعم محاولات التطوير بصورة واضحة بينما سار البعض الاخر مع التيار ، اما بسبب الكسل او ان ذلك ، في بعض الدول ، مهد لهم طريقا للسلطة أو الثروة و مسحة من القداسة الكاذبة .
اري ان من الحكمة و اللياقة اولا التعبير عن الاسف و الحزن لما حدث للضحايا الذين سقطوا في شوارع باريس ، و فيهم لمن لا يعلم من المسلمين عدد كبير ثم التنديد بما اقترفه هؤلاء المجرمين حاملي لواء الفكر التكفيري المشوه أو علي اقل تقدير احترام حرية الآخرين في التعبير عن حزنهم و ربما تضامنهم مع اخوتهم في الانسانية في محنة بهذه الوحشية
او ربما فقط الصمت الجميل ، فهو في هذه الحال بالفعل من ذهب .

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..