جرد حساب ربع القرن الاخير من استقلال اضاعته الانظمة الديكتاتورية

فى هذا اليوم، الأول من يناير 2016 يكمل السودان حسابيا 60 عاما من استقلاله، ظل منها في قبضة الأنظمة الديكتاتورية (6+16+ عمر النظام الحالي حتى الان) اي حوالي 48 عاما.
في 30 يونيو الماضي، اي قبل نصف عام، اكملت الإنقاذ 25 عاما يوم بيوم وليلة بليلة وساعة بساعة وبذات القدر اكملت قوى سياسية نفس ربع القرن في معارضتها للنظام. كلا المسيرتين مرتا بمنعطفات وتطورات مهمة أثرت فى بنيتيهما واداؤهما مدا وجزرا، فما الحصاد على الجبهتين؟ وهل حان أوان جرد حساب الحكم والمعارضة معا؟

# لنبدأ اولا بجرد حساب النظام الحاكم:
بدأت سلطة الإنقاذ عن إماطة اللثام عن وجهها منذ وقت مبكر كاشفة عن ارتباطها بالجبهة الاسلامية القومية كتنظيم عقائدي خطط ودرب للانقلاب بعد تقييم متكامل لمجريات الصراع السياسى أبان الديمقراطية الذى كانت تشير حيثياته لغير صالحها كلية.
استلمت الجبهة الاسلامية السلطة بعلم الحكومة الديمقراطية التى لم تدافع عن شرف تمثيلها ناهيك عن الدفاع عن الديمقراطية .
السؤال ماهو الحصاد بعد زراعة نظام ديكتاتوري قمعى تربع على سدة الحكم 25 عاما ونيف.
* سياسيا:
1- صادر النظام الحريات العامة وبنى أسوأ سلطة ديكتاتورية شمولية ثيوقراطية عرفها تاريخ السودان.
2- فصل الجنوب وفقد السودان ثلث سكانه ومساحته و70%من ثرواته البترولية والطبيعية.
3- اشتعال أطراف البلاد بالحروب والأزمات بسبب غياب التنمية المتوازنة وانتهاج سياسة الحلول الأمنية العسكرية لحل المشكلات ذات الجذر التنموية الاقتصادى.
4- اتباع نهج فى السياسة الخارجية ادى إلى عزلة البلاد كليا ومحاصرتها بجملة من القرارات الدولية وتدخل فى الشأن السودانى واتتهاك للسيادة لم يشهد له السودان مثيل بالقدر الذى أصبحت معه مشاكل البلاد تناقش فى مطابخ السياسة الإقليمية والدولية.
5- ان النظام الفيدرالي المستند إلى التوازنات القبلية والجهوية بعيدا عن هدف المشاركة الشعبية، ادى إلى اثارة الصراعات القبلية بشكل غير مسبوق.
6- اتبع النظام كافة الوسائل لتفتيت القوى السياسية والنقابية وقوى المجتمع المدنى وعمل على شق صفوفها لتكريس هيمنة الحزب الواحد.
* اقتصاديا:
1- التدهور الاقتصادي المريع أوصل البلاد إلى مرحلة الانهيار الاقتصادى (تعويم العملة/ضعف الانتاج/….الخ).
2- تدمير كل مؤسسات القطاع العام وتصفيتها بشكل ممنهج (مشروع الجزيرة/القطاع الصناعى/الشركات الحكومية/سودانير/….الخ) .
3- انتهاج سياسة التحرير الاقتصادى التى أدت إلى افقار الشعب السودانى وجعلت غالبيته تحت خط الفقر.
4- انهيار الطبقة الوسطى فى المدن والمراكز الحضرية مما ادى إلى انقسام طبقى فى المجتمع ما بين فئة تنعم بالسلطة والامتيازات وأخرى تعيش تحت خط الفقر.
5- بروز ظاهرة الفساد المالى والسياسى بشكل غير معهود.
6- انهيار الخدمة المدنية بسبب سياسات التمكين والولاء بدل الكفاءة والخبرة والتأهيل مما ادى إلى تسييس الوظيفة العامة.
7- ارتفاع معدلات البطالة وفي نفس الوقت هجرة العقول والكفاءات.
8- فقدان المواطن لأبسط مقومات الحياة الحرة الكريمة من ملبس ومأكل وعلاج وتعليم وخدمات بسبب ضعف دخل الفرد.
9- الصرف البذخى السياسى والامنى والإعلامي والادارى على مؤسسات النظام.
10- التدمير الممنهج لمؤسسات الدولة المنتجة (الجزيرة/السكة حديد/ النسيج/……الخ).
* اجتماعيا:
1- بروز الظواهر الاجتماعية السالبة وتراجع القيم والمثل بفعل الأزمة الاقتصادية والحروب والنزوح.
2- انعدام مؤسسات الرعاية الاجتماعية وغياب دورها فى المجتمع.
3- تنامى ظواهر الرشوة والفساد الأخلاقي فى أوساط مؤسسات الدولة.
4- بروز ظواهر لم يعرفها المجتمع السودانى كالاعتداء الجنسي على الأطفال والاغتصاب وغيرها.
5- ضعف البنية الاجتماعية والتفكك الأسرى والمجتمعي وتصاعد معدلات الطلاق للغيبة والاعسار وغيرها.
* امنيا:
1- تحول الدولة إلى دولة بوليسية بامتياز تدار بعقلية أمنية تستبيح الحقوق وتنتهك الحرمات.
2- انعدام الأمن فى كل ولايات السودان الحدودية.
3- تقوية جهاز الأمن على حساب الأجهزة الشرطية والجيش.
4- تدريب مليشيات تتبع للحزب الحاكم ولاجهزة آمنه تقوم بقمع اى تحرك شعبى ضد النظام.
5- إجازة قانون للأمن الوطنى يبيح الاعتقال والتحقيق والاختطاف وكافة وسائل القمع دون توجيه تهمة.
* الصحة العامة:
1- تدهور النظام الصحى بالبلاد وانعدام الرعاية الصحية ومجانية العلاج.
2- تشريد الكفاءات الطبية وهجرتها بحثا عن لقمة العيش.
4- تنامى وفيات الأطفال والأمهات بسبب غياب الرعاية الصحية الأولية وانعدام الدواء.
5- تنامى معدلات أمراض الإيدز والفشل الكلوي والتهاب الكبد الوبائى والسرطانات.
5- انخفاض ميزانية القطاع الصحى لصالح قطاعات سيادية وأمنية.
* التعليم:
1- التدهور المريع فى بنية التعليم وضعف المناهج وغياب التخطيط.
2- انسحاب الدولة كليا عن دعم التعليم وضعف ميزانيته وإفساح المجال للتعليم الخاص.
3- الانهيار وإلتدهور فى مخرجات التعليم العام والعالى بشكل لافت.
4- التوسع الأفقي في التعليم على حساب التوسع الراسي (التأهيل والتدريب).
5- عدم ربط التعليم باحتياجات التنمية وحاجات المجتمع.
5- إلغاء مجانية التعليم وتكريس طبقيته بارتفاع كلفته.
6- هجرة الكفاءات فى مجال التعليم العام والعالى بمعدلات عالية جدا.
تلك ملامح عامة من مسيرة نظام فاشل امتدت لاكثر من ربع قرن من الزمان ولايدرى أحد إلى متى ستستمر وهى حتما خصما من مسيرة التطور الوطنى والتقدم العام فى البلاد التى كان ينبغي أن تكون قطعت مراحل للإمام لأجل بلورة مشروع وطنى سودانى يضع البلاد على خطى المستقبل.
فماذا يمكن أن يقال ويكتب، بذات الصراحة، فيما يتعلق بمسيرة المعارضة فى مواجهة النظام الحاكم على امتداد اكثر من 25 عاما؟

# لا شك ان جرد حساب ربع قرن ونيف للقوى السياسية التي عارضت انقلاب الانقاذ يجب أن يبدأ مع تشكيل أول تحالف لها.
الشاهد انه ما ان بدت ملامح وهوية النظام تتضح، ومع شروع المعارضة للنظام في تنيظم صفوفها بشكل سريع رغم حملة الاعتقالات التى طالت كل القوى السياسية، اثمرت حصيلة الاتصالات بين القوى السياسية عن تكوين التجمع الوطنى الديمقراطى كجبهة معارضة ضمت حينها 11 حزبا و51 نقابة مهنية وعمالية وقعت على ميثاق التجمع فى 21 أكتوبر 1989. ولعل أبرز ميزات التحالف الوليد حينها، الاتى:
1- أنه لأول مرة تتشكل جبهة معارضة للنظام عقب استلامه للسلطة بأشهر قليلة (أربعة اشهر) الامر الذي لم يحدث ابان دكتاتورية عبود ولا تلك الاسوأ منها ديكتاتورية نميرى.
2- لأول مرة تنتظم النقابات جنبا إلى جنب فى تحالف سياسى مع القوى السياسية فى السودان لإسقاط نظام شمولي قمعي حيث كانت فى الفترات السابقة تعمل كظهير داعم لنضال القوى السياسية بتصعيد القضايا المطلبية وتلعب دورها كمجموعات ضغط لإسقاط السلطة الحاكمة كما حدث لنظامي نوفمبر 58 ومايو 69 .
3- كان الميثاق يمثل نقلة نوعية فى أدواته ووسائله النضالية ويتضمن برنامج للنضال اليومى وتنظيمات على مستوى المدن والأحياء.
4- كان برنامج التجمع وميثاقه يشكلان خلاصة أهداف النضال الوطنى لمرحلة مابعد الاستقلال.
5- تضمن الميثاق رؤية واضحة لتشكيل سلطة انتقالية من مثلت الأحزاب والنقابات والمؤسسة العسكرية تعمل لمهام محددة بعد استعادة الديمقراطية.
6- اعتمد الميثاق خط الإضراب السياسى والعصيان المدنى كأداة لإسقاط النظام وفق ميثاق الدفاع عن الديمقراطية الذى وقعته الأحزاب السياسية فى الفترة الديمقراطية الأخيرة.
7- حوى الميثاق برنامجا سياسيا متكاملا لحل مشاكل البلاد ويؤسس لديمقراطية راسخة.
هكذا كانت ولادة التجمع الوطنى الديمقراطى ولادة أصيلة المنبع والجذور ومرتبطة بقوى التغيير الحقيقية ولكن للأسف لم يقدر للتجربة ان تستمر بذات الأصالة التى لازمت الولادة وقد تنازعتها الأزمات والمشاكل والتداخلات الى ان انفض سامرها باتفاق القاهرة مع النظام الذى بموجبه دخل التجمع شريكا ضعيفا فى السلطة التشريعية ودخلت من قبله الحركة الشعبية بموجب نيفاشا.
ان تجربة التجمع الوطنى كجبهة معارضة فشلت فى بلوغ أهدافها بإسقاط النظام لعدة أسباب:
1- نقل مركز ثقل المعارضة من الداخل للخارج بعد خروج قيادات ذات تأثير وثقل سياسى لاسيما فى الحزبين التقليديين الأمة والاتحادي.
2- تهميش دور الداخل والاتكاء على العمل الخارجى الذى كان ينبغى ان يكون سندا إعلاميا داعما لنضال الداخل لا بديل له.
3- انتهاج سلسلة من التجاوزات في العمل الجبهوى الذى مفترض ان يتسم بالمرونة والتوافق لا الإقصاء والخلاف.
4- بروز أمراض الديمقراطية (الكتل التاريخية والاوزان) بعقلية أضرت بعمل التجمع واقعدت قدراته.
5- فقدت النقابات قوتها القاعدية من خلال استهداف النظام لها بالتشريد والفصل والطرد من الخدمة باستعارة مصطلح الصالح العام وكل ذلك ﻻجل تمكين عناصر الانقلابيين وحزبهم.
6- انتهاج التجمع لخط سياسى يزاوج بين العمل المسلح والنضال السياسى اضر بفاعليته على الجبهتين.
7- دخول الحركة الشعبية بثقلها العسكرى والسياسى إلى التجمع كان للاستقواء المتبادل ولم يحدث تقدم لصالح معركة الشعب.
8- ضعف قيادة التجمع وزعامته التقليدية، فقدانها للكاريزمية وعدم تمتعها بالعقل الاستراتيجى اضر بالعمل المعارض كثيرا عكس ماكان ايام نميرى حيث كان لكاريزما الشريف حسين أثر كبير بخلاف السيد محمد عثمان.
9- عدم الاستعداد للعمل العسكرى المقاوم وارتهاناته وتبعاته أضعف التجمع وجعله ظل لفعالية الحركة الشعبية.
10- إهمال العمل الداخلى وتأثير فعالية العمل الخارجى بتقدم علاقات النظام مع دول الجوار.
11- عدم وجود ضوابط تحكم عمل التجمع وتوازن القوى فيه وتدير الخلافات وسط أطرافه، كان بمثابة قنبلة موقوتة كامنة.
12- تعرض التجمع لضغوط الدول المضيفة كان خصما من تحركه وفعالته.
13- الابتزاز المستمر الذى كان يمارسه رئيس التجمع (بالمال) قتل عمل التجمع.
14- بعد دخول الحركة فى مفاوضات ثنائية مع النظام تحول التجمع الى جبهة تنسيق سياسى لا جبهة معارضة.
15- كان لمواقف حزب الأمة المتذبذبة من جيبوتي إلى تهتدون اثر فى ارباك المعارضة عامة.
تلك هى مجمل أسباب ومع غيرها أدت إلى فشل تجربة التجمع الوطنى منذ العام 1989 إلى العام 2005.
وبعد العام 2003 وماتلاه دخلت مشكلة دارفور كجزء من الصراع السياسي حول السلطة والثروة وتشكلت حركات دارفور رافعة مظالم الإقليم إلى أعلى سقوفاتها مطالبة بإسقاط النظام وظلت أجزاء منها تفاوض النظام وشاركته السلطة وظلت تعمل منفردة دون تنسيق سياسى وعسكرى وبدأت بحركتين إلى ان انتهت إلى فسيفساء سياسي وعسكري لم يفلت من أتون التوازنات القبلية والجهوية.
بالرغم من المطالب العادلة التى تعبر عنها حركات دارفور وتعامل النظام معها باولويات الحسم العسكرى الذى فاقم المشكلة بتشريد سكان الاقليم باللجوء والنزوح، الا أنها لم تستطع تحقيق انتصار حاسم لصالح إسقاط النظام فى الخرطوم. وينطبق هذا التقييم بالمقابل على الحركة الشعبية قطاع الشمال والتى شكلت مع حركات دارفور تحالف عسكرى وسياسى تحت اسم الجبهة الثورية، ومع ذلك لم يتجاوز دورها إنهاك النظام وإضعافه عسكريا وسياسيا فى حرب عصابات لاتنتهى بنصر حاسم.
وعلى مستوى المعارضة بالداخل، قبيل انفصال الجنوب، تشكل تحالف قوى الإجماع الوطنى على أنقاض التجمع الوطنى الذى انتهت مرحلته دون بلوغ أهدافه فى إسقاط النظام.:وكان لزاما على التحالف الجديد لكى يستمر ويتفاعل مع الحركة الجماهيرية المتصاعدة ان يتجاوز عثرات تجربة التجمع الوطنى ويتجاوز سلبياتها. وبرغم من أن تركيبة قوى الإجماع أكثر تمثيلا لقوى المعارضة السودانية الا أنها عانت من معوقات كثيرة شلت قدراتها والجمت من مقدراتها على قيادة تغيير حقيقى لصالح أهداف الشعب وتمثلت الاخفاقات فى:
1- عدم قدرة التحالف على قيادة حراك جماهيري واسع لإسقاط النظام.
2- هنالك خلل تنظيمي لازم بنية التحالف وعملها فى عدم القدرة على حشد قواعدها خلف أهدافه.
3- اعتمد عمل التحالف على المعارك السياسية الإعلامية دون العمل المنظم لمعارك مطلبية وتنفيذ وقفات احتجاجية لمراكمة الفعل الثورى.
4- ظل الشارع على الدوام متقدم على القوى السياسية فى فعله (سبتمبر/المناصير/الجريف/الحلفايا/الخ).
5- عدم الثبات فى الخط السياسى للتحالف ما بين خط الانتفاضة والعصيان العام والإضراب ومغازلة المعارضة المسلحة والتفاوض مع النظام مما اربك قاعدته وشق صفوفه.
6- يعانى التحالف من عدم وجود أسس وضوابط للعمل الجبهوى تساعد على كيفية تجاوز الخلافات داخله.
7- ظل خلل الهيكلة والأوزان واحد من منقصات عمل التحالف برغم عدم استناده على دواعى وجيهة.
8- عدم امتلاك التحالف لبرنامج عمل يومى للنضال جعل عمله يعتمد على ردود الأفعال.
9- انعدام عقلية المبادرة وتناسل الصراع السياسى داخل منابر التحالف افقده الكثير من التعاطف الجماهيرى.
10- عدم تحول التحالف إلى قوة جماهيرية ملموسة فى الحى والشارع والمدينة والقرية يقدح فى جديته وأهميته.
خلاصة القول أن النظام باقى بتوازن الضعف وانعدام المبادرة السياسية وتشتت الجهد المعارض وكل مبررات سقوطه الذاتية والموضوعية متوافرة ولكن من يشتغل عليها ليحقق التغيير المنتظر؟ ان الرهان حاضرا ومستقبلا على الشعب، فهل ينهض لفعل التغيير؟ ﻻ شك في ذلك، ولكن يبقى السؤال: متى وكيف؟ الله اعلم…

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..