حسن خليفة العطبراوي … إنسان ما اعتيادي.. الغناء بين العاطفة والوطن

الخرطوم- علاء الدين ابو حربة
حسن خليفة العطبراوي اسم فخيم حد (الهجمة) كلما ذُكر اسمه ينتابك إحساس أنه أحد ضباط الجيش العظام، فاسمه وغناؤه ارتبطا بالنضال وبعطبة مدينة الحديد والنار التي عشقها وأحبها، فأبت نفسه فراقها رغم الإغراءات، تكريم أسرة الراحل حسن خليفة العطبراوي من قبل حكومة نهر النيل في العام 2012م أتاحت لنا فرصة قضاء يومين بين أسرته وجيرانه، وكانت لنا جولة داخل ذلك المنزل الذي تفوح منه راحة النضال والإبداع وحفاوة وكرم أسرته بمثابة ذلك الكرم الفني العظيم الذي وهبه للشعب السوداني، نلقي بصيص ضوء على حياة هذا المبدع علنا ننير جزءاً من تاريخه الثر، ونعلم أن حياة العطبراوي تمثل موسوعة فنية وطنية تحمل في دواخلها الكثير وتزامنا مع احتفالات البلاد بأعياد الاستقلال عسى أن تحتفي به الدولة كشخصية للاحتفالات في هذا العام.
سبع صنايع وحظ عظيم
هو حسن خليفة محمد الفضل ولد بعطبرة 1919م، ودرس الابتدائية بعطبرة الشرقية، وبدأ حياته الفنية 1935م بترديد أغاني الحقيبة، وأول أغنية خاصة به كانت أغنية الشادن المحجور 1942. له حوالي مائتي أغنية وأناشيد وطنية أشهرها (غريب بلدك، لن يفلح المستعمرون، أنا سوداني، لن أحيد). ومن الأغاني العاطفية الخفيفة (ضاعت سنيني، ما منظور نسانا، يا زاهي ما تزورنا، القلوب مرتاحة، مالك ما اعتيادي، عتاب)، وهو شاعر مجيد كتب عديد القصائد الغنائية.
تزوج العطبراوي من فاطمة محمد إسماعيل ورزق منها بابنه خليفة، وبعد أن توفاها الله تزوج من أم الحسن عطية ورزق منها بابنتين، عمل في بداية حياته في مهنة التمريض ثم مصنع الزرائر، ثم سافر إلى مصر في عام 1938م وعاد في عام 1940م ليمتهن مهنة الجزارة التي طالما اعتز بها
مع عبدالعزيز داؤود
شكل في بداية حياته ثنائياً مع عبدالعزيز محمد داؤود، ورغم استقرار الأخير في الخرطوم فإن أواصر الصداقة بينهما امتدت حتى وفاة أبوداؤد، لكن العطبراوي عاش كل حياته في عطبرة فتشرب مبادئ الوطنية وعشق السودان، وأصبحت عطبرة كل حياته حتى أنه يقول (إذا عاشت الأسماك خارج المياه سأعيش خارج عطبرة). حمل لواء الأغنية الوطنية الصريحة متخطياً بها جدار الرمزية الذي كان يسورها به المستعمر، وأصبح يجهر بالقول أمامهم .
كرسي العطبراوي
عشق عطبرة وأهلها وبادلوه حباً بحب حتى أن كل سكان المدينة يعرفون موقع منزله، إذ خالط جميع أهلها وانحاز للطبقة البسيطة وكانت علاقاته في سوق عطبرة أعمق ما تكون مع الجزارة وزنك الخضار، فكان يصحو صباحاً ويتجه إلى سوق عطبرة على صهوة دراجته الهوائية ليتجه إلى دكان صديقه العزيز (أحمد القوصي) ليجد أنهم قد أخرجوا له كرسيه المعهود أمام الدكان، فيقضي معظم يومه هناك، ويعود مساءً إلى داره، أما الغريب فإن كرسي العطبراوي هذا يخرج كل صباح ولا يجلس عليه غير العطبراوي حتى وإن كان العطبراوي مسافراً فإن الكرسي يخرج أمام الدكان، ولا يجلس عليه أحد.
رغم هلاليته غنى للمريخ
قومية ووطنية العطبراوي تظهر بجلاء في كل أغانيه، حيث تناول قضايا الوطن كافة، فغنى للموردة والتحرير وللمريخ عندما حصل على كأس مانديلا، وكتب أغنية لمريخ عطبرة، ولم تمنعه من ذلك ميوله الهلالية، كان يحب الاطلاع ويهتم بقراءة (سلسلة الهلال) يبحث عن كل ما هو جديد، وقد قام بتلحين أغنيات من عيون الشعر العربي للأمير عبدالله الفيصل والشاعر السوري عمر أبو ريشة حتى قصيدة أنا سوداني وجدها منشورة في الصحف، وهي للشاعر عمر عبدالرحيم (من رفاعة)، فقام بتحلينها وغناها قبل أن يرى شاعرها، عرف قيمة الحرية مبكراً، فكانت كل أفعاله وأقواله تدعو إلى الحرية التي حمل لواءها ليكون قائداً للرأي من خلال أغانيه كما غنى للجيش وللسلام، وظلت أغانيه خالدة تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل.
رفض عرض الرئيس نميري
قاد العطبراوي النضال ضد المستعمر، وشارك في ثورة النقابات بعطبرة، وغنى (يا غريب يلا لي بلدك) أمام المفتش الإنجليزي بالدامر، فكانت سببا في الحكم عليه بالسجن لسنوات، ولكن تحولت بعد تدخل أعيان عطبرة إلى عدة أشهر قضاها بسجن عطبرة، خرج بعدها لمواصلة ركب الكفاح ضد المستعمر، لم تخل مناسبة رسمية في مدينة عطبرة من وجود العطبراوي، وظل قاسماً مشتركاً لكل ما يفرح الوطن بل، وتعدى الأمر عطبرة ليكون حضورا في العديد من المناسبات الوطنية في جميع أنحاء السودان، ظل دائما يرفض التكريم وظل يرفض كل الإغراءات التي قدمت له لمغادرة عطبرة والهجرة إلى العاصمة، فقد رفض عرض الرئيس الأسبق نميري بالهجرة إلى الخرطوم

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..