ترياق عنصرية بعضنا لبعض ..

ترياق عنصرية بعضنا لبعض ..

سيف الحق حسن
[email][email protected][/email]

مشكلة العنصرية التي تقعد خالفة رجل علي رجل في ظهر مجتمعنا المستلقي من أخطر المشاكل تفاقما و التي حتما ستتفجر يوما ما في المستقبل إذا لم تردع وتوأد قبل إنفجارها. ففي كل يوم يتصاعد زفير العنصرية بسبب ما يستنشق من زفارات تقبع وراءها صحف صفراء وأيادي حمراء وقلوب سوداء. وإن كانت لهذه العلة جذور ماضية إلا أن للإنقاذ المشئوم يد عليا في إستفحال هذا المرض حيث تعمل كنافخ الكير فيها لتشعيلها ولغرض التفرقة للإستفراد بكرسي السلطة.

من واجب كل واحد منا أن يبدي حلا. وهنا لا أريد سرد لهذه المعضلة كما خط الأستاذ عاطف نواي في مقاله الأكثر من رائع عن هذه المشكلة: عُنصرية العرب تجاه السودانين وعُنصرية السودانيين تجاه بعضهم البعض.

إن هذا الفعل البغيض الذي يعني إحتقار الإنسان لأخيه الإنسان والتكبر عليه وإذلاله و الحط من قدره لإستصغاره وإهانته، شهدته البشرية من قديم الزمان وجاءت الأديان وآخرها الإسلام لتضع إطار الخلق والمفهوم الذي يمكن أن يخلص البشر جميعامن هذه الفتنة مع ترقيهم وتطورهم.

وكما المعلوم، الشعوب الأفريقية عموما هي الأكثر معاناة من غيرها في العالم إكتواءا بهذه النار وبتسليط الهجمات علي مجتمعاتها صارت أو إنتقلت العنصرية إلي ان تكون وقود قابل للإشتعال فيما بينهم حتي قال أحدهم Black community is full of envy أو مجتمع السود مليئ بالحسد، بالرغم من الحنية والعطف التي تتمتع بها مجتمعاتهم عن غيرهم مقارنة بالبيض. فنجد الغرب المادي والجادي الذي ليس لديه كثير من المشاعر والعواطف بذل خطوات حثيثة في تجاوز عقبة العنصرية. فبعد أن جلبوا قديما الأفارقة عبيدا صارت لهم الآن حقوقهم وشاركوهم في بناء الدولة بدون تمييز في كل المرافق. ولعلهم أدركوا سر التنوع والإختلاف وأنه قوة فعمدوا إلي إستقطاب مختلف البشر من شتى أنحاء العالم بنظام الهجرة Lottery وبذلك أصبحت دولهم عالم و شعوبا وقبائل تتعارف ومتعايشة بمفهوم الحرية والمساواة في دولة، ومن يخرج من هذا السياق ويحتقر أخيه الإنسان فإن القانون يعاقبه ويجرمه. وقد كانت هناك محاكمات كثيرة ولعل أخرها كان محاكمة لاعب فريق شيلسي الإنجليزي لكرة القدم جون تيري بتهمة إساءته العنصرية الى انطون فرديناند لاعب كوينز بارك رينجرز. وفي إطار دولة القانون هذه وضعوا أرجلهم في أول سلم التقدم والرقي.

أؤيدك بأن الحل هو ذهاب طغمة الانقاذ ودولة تعاقب التعدي عل خلق الله وفي دولة الحرية والديمقراطية والقانون التي ستشكل الماعون الذي يمكن ان ينصهر فيه الجميع رغما عن أنف العنصريين المتكبرين. ولكن في هذه المظلة ستظل فيها منابر داعية إلي هذا الفكر البغيض النتن. لذا يجب أن تكون هنالك جهود مكثفة لتوعية الناس. ففي أوربا مثلا كانت لدي حركات الاصلاح الديني والاجتماعي والسياسي دور النضال ضد طغيان الكنيسة والحكم الاقطاعي وأنظمة الحكم المطلق وبالتالي تطورت القيم وبدأت تبرز مفاهيم إنسانية جديدة تحتل مكانتها ويعظم شأنها مثل الحكم علي أساس مبدأ الدستور والحكم الديمقراطي ومبدأ المساواة بين المواطنين وسيادة القانون ومفهوم المواطنة. وبالتالي تتلاشى كل الأفكار الفاسدة.

والحل الجذري لهذه المشكلة في تقديري يجب أن يكون متكامل بحيث يكون ديني، وأخلاقي، ومجتمعي، وسياسي.
ولكن في المقام الاول تأتي المسئولية الفردية لأخلاق الشخص والتي تدريجيا تنعكس بأن تكون مسئولية المجتمع ككل. ولا أيخفى علينا أن ظواهر البوبار والقبلية والعصبية و اللامبالاة بالفقراء ونصرة الضعفاء هي كلها من ثمرات العنصرية.
والسؤوال الذي يجب أن نطرحه هنا عن الطريقة التي يمكن أن يرقى بها الفرد ومن ثم المجتمع للفهم الذي يحلحل هذه المشكلة جذريا وتنطفئ به هذه النار.

في رأيي ان إلتزام كل فرد منا بالدين هو أول الخطوات. الدين ينهى عن السخرية وإزدراء الغير وتحقير خلق الله في الأفعال. ((ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ..)) [الحجرات: 11]. فهذه السخرية والإحتقار للآخر في أفعاله فما بالك أن تحتقر إنسانا علي لونه أو شعره أو هيئته التي خلقه الله عز وجل بها في أحسن تقويم. أليس هذا والعياذ بالله يؤدي للإستهتار بخلقة أحسن الخالقين.
ولقد حثنا رب العزة بأن نتعارف ونتزاوج؛ ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا..)) [الحجرات: 13]. والرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا فرق بين عربي و لا أعجمي و لا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى، وكلكم لآدم وآدم من تراب). والتقوى في القلب لا يعلمها إلا الله وذلك كي لا يخرج كل منافق ومتنطع بأنه تقي ويميز نفسه عن بقية الخلق.

وهنا ورد بخاطري هنا القول الشائع في مجتمعنا وهو: تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس!. فهل تعلم أن هذا حديث ليس له سند أو صحة كما عرفت أنا أيضا مؤخرا. كانت لدي تساؤلات في مخيلتي، كيف يمكن أن يتناقض حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع آية. لهذا احذروا من تناول أحاديث عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم ليست صحيحة.
وإن كان لهذا الكلام جزء من الصحة فبالتأكيد معنى العرق هو الخُلق والدين والأخلاق وليست خلقة الله سبحانه وتعالى، كما ورد عن حديثه صلى الله عليه وآله وسلم في حديث فأظفر بذات الدين.

للأسف تتفشى كثير من المقولات بإسم الدين والتى لا نتحرى عنها ولو أمعن فيها الواحد فإنها تهتك بمجتمعنا وتمزق نسيجنا وتهدم أخلاقنا وتضيع تديننا من دون أن نشعر.

وفي تقديري أن خلق التواضع هو لب ثمرة الحل. فعلي كل واحد يرى نفسه أحسن من أخيه الإنسان أن ينظر إلى نفسه أولا وضعفها ويضع نفسه مكان الآخر ويوجه إحتقاره أو طريقة التعامل إلي نفسه، فهل يقبلها.

أما المقام الثاني لتعطيل مفعول هذه القنبلة هو الحل السياسي. وهو قيام دولة القانون التي تحفظ حقوق المواطنة. وهنا أود أن ألفت نظر المعارضين عن مفهوم دولة القانون أو المواطنة، بأن الشريعة الإسلامية لم تجرم وتضع حدا لتجارة الرق والعبودية، وإنما الإنسان بإرتقاءه وضع القانون الذي يكفل لأخيه الإنسان كرامته. القانون الوضعى فى أصله وجذره قلب الشريعة الإسلامية وهو يعمل بالمصلحة للأمة. فالحقيقة ان الشريعة الإسلامية مثلا لا تمنع تجارة العبيد والنخاسة وشراء الجوارى وما ملكت اليمين، لكن القانون الوضعى هو الذى أوقف تجارة العبيد. فهل سنطبق الشريعة ونعيد تجارة العبيد والجوارى كما تنادى بها الكويتية المطيرى ونرجع زواج ملكة اليمين كما فعل ذاك الأفاك المصري، أم نسلم بأن القانون الوضعى طبق مقاصد الإسلام فى الحرية حين جرم العبودية بالقانون؟!.

فالدين وضع القيمة الثابته وهي النهي عن العنصرية وإحتقار الإنسان لأخيه الإنسان ومن خلال وحي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لا فرق لعربي علي أعجمي ولا أبيض علي أسود إلا بالتقوي، وكلكم لآدم وآدم من تراب، إرتقى البني آدم.

إذا عرفنا معني أن نكون متدينين بالعقل أولا ثم سلوكا وأخلاقا لصرنا من أرقى الأمم. ولكن للأسف مجتمعنا لا يعرف من التدين إلا مظاهره. ومظاهر التدين والإمساك بالقشور تأتى دائما كغطاء للفساد والاخلاق المفسدة وكل أنواع الموبقات و الهلاك.

فعن نفسي ما أزال أؤؤمن بطرح د. جون قرنق وهو بأن سر التمكن في مزج السودانيين بشتي إختلافهم في بلد يسعهم هو سودانيتنا. ولذلك إذا أردنا يجب أن نعبئ أنفسنا حول فكرة السودان الجديد بغض النظر عن انتماءاتنا الجهوية والدينية والعرقية لكي يكون لنا مستقبل نستطيع فيه أن نعيش في وطن.

لن تنتهي هذه المعضلة بين ليلة وضحاها، ولكن أكرر لك أن خيط الحل يقع كمسئولية علي عاتقك الفردي أنت أولا. وأذكر نفسي دائما بأننا إذا تدبرنا وتفكرنا فيما نقرأه من سورة الكهف كل يوم جمعة لعرفنا قيمة العلاج الناجع القيم الذي يمكن أن ننجو به من هذه الفتنة. وهذا ما سأسرده لك في المقال القادم إنشاء الله.

تعليق واحد

  1. وهو: تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس!.الذي قصده -ص- هو التحذير من زواج الاقارب مخافة انتقال امراض الوراثة كما روي بعض الثقاة…في رأييي ان القوانين الصارمة هي الترياق المناسب للعنصرية وفي ظل حكم ديمقراطي

  2. لك الود اخى سيف .. حديثك حديث العارفين لافض الله فاك .. ربنا استر واجيب العواقب سليمه طالما
    امثال ربيع والخضر والجاز واسماعيل والبشير والمنعول الطيب مصطفى هم من يحكمون البلد

  3. هذا من أجمل وأرقى المقالات الاتي تطرقت للعنصرية والجهوية والطائفية …. وأجمل ما فيه … هو أن يدرك المرء بأن الدين .. هو المعاملة …. وأن الرسول بعث من أجل إتمام مكارم الاخلاق …. وإن الشر لا يمكن أن يقود الى الامان … وإن الشر يبدأ من المرء لينتهي اليه ….. وأن جميع الاديان والكتب السماوية .. تدعو الانسان لأحترام الانسان الآخر … أما ما يعتقده البعض من القبائل .. بأنهم أكثر القبائل عزة … فليعلموا أن العزة لله جميعها … وليس لهم …. وإن الله جعل للإنسان الدين .. من أجل تقويم نفسه … من الباطن … وليس من الخارج ,,, بمظاهر التدين .. التي تغفي داخلها البغض والاحتقار للغير …. إن التمييز المبني على العنصرية القبلية أو اللونية .. وليس على الاخلاق والتدين الحقيقي … يذهب بنا الى المهالك …. ولنا في الهوتو والتوتسي عبره …. ولنا في البوسنه والهرسك عبرتين … ولنا اليهود والعرب ثلاثة عبر … ولنا في قصة فرعون وبني اسرائيل أربعة عبر … ولنا في جنوب أفريقيا العبرة التي يجب أن نتخذها نواة نبذ التعصب والتطرف القبلي .. ونزرعها في مجتمعاتنا العربية بصفة عامة … والسوداني بصفة خاصة …. ولك كل التحية يا أستاذ سيف الحق … وما قلت إلا الحق

  4. والله يا أخوانا موضوع العنصرية في السودان أصبح شئ خطير ويجب التصدي له بكل صرامة فقد تحولت نفوس السودانية في الفترة الأخيرة بشكل غريب فظهرت العنصرية والتعالي والكبر والأنانية بشكل مخيف في المجتمع السوداني مما ينذر بوقع دمار كبير وعقاب جماعي وربنا يكضب الشينة

  5. هكذا أنت دائما يا صديقي سيفا يمشي بين الناس بالحق اخترت الموضوع فكان خيار العارفين بسقم ووجع وطنك ثم شرحت وابنت فلم تغادر ولله الحمد من “متردم” جزاك الله عنا كل خير وأصل سعيك الحميدجعله الله في ميزان حسناتك

  6. فعلا العنصريه هى الافه التى تهدد مجتمعناوستذهب بوحدته اذا لم نعمل عاجلا لمكافحتها
    فى اعتقادى ان مؤججو العنصريه هم الاميون فى قبائل الشمال والوسط والمتعلمون فى بقية السودان ولكليهما القانون اولا هو الرادع وثانيا بث ثقافة تقبل الاخر ولاعلامنا خصوصا المرئى فرصه لوقف كرنفال الحفلات المستمر والالتفات الى قضايا حقيقيه تهم المجتمع ونخطى اذا ظننا ان دفن الرؤوس فى الرمال وتجاهل المشكله سوف يحلها لابد من العمل الجاد والمتواصل لاننا فعلا مهددون بالفناء بسبب هذه المشكله

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..