الدولة التي نريد

الدولة التي نريد

اسامة على عبد الحليم
[email][email protected][/email]

هذا المقال مجتزأ من مداخلة عامة قدمتها فى حوار مع مجموعة من المهتمين بالشأن العام من السودانيين بالخارج اختصرها بالنقاط ألتالية
اولا :- بالرغم من أن الدولة السودانية الشمولية فى اغلب تاريخها لما بعد مرحلة التحررمن الاستعمار كانت دائما تتبني مسار التطور الاقتصادى الرأسمالي الا انها لم تنتبه ابدا الى خطل هذا التوجه الذى يستلزم بالضرورة حركة سياسية حرة لاستكمال الشكل العام لتطور الفكر الليبرالي فى المجتمع , والذى يعتبر وسيلة فى ذاتها لتبرير سلطوية طبقة معينة لنهب البلد, ومع ذلك فقد اختارت النخب التي تسلطت على الشعب السوداني منذ مابعد الاستقلال هذا الوجه الغريب الذى يحاول استنساخ التجربة الغربية فى الحكم بشكل مشوه دون اى مراعاة لمستويات التطور السياسي والفكري بين هنا وهناك , ودون اى اهتمام بمصالح الشعب السوداني فى النهوض لتاسيس الدولة المدنية الديمقراطية عبر انجاز مهام مابعد الاستقلال التي كان من شأنها ان تنقلنا مراحل بعيدة فى التطور السياسي والاقتصادى وان تخرج البلد من كثير من الازمات التي مازالت تتفاقم كل يوم
ثانيا :- نحن نعيش اليوم فى عصر الديمقراطية والحريات المدنية , ولذلك فان مسالة السلطة باعتبارها المبرر الوحيد لشرعية الحكم هي مسألة قد تجاوزها التاريخ, ويعتبر توماس هوبز هو اول من اسس لهذا الاتجاه الرامي حسب تصوره الى حماية الفرد وضمان ملكيته , ولكن المعضلة فى تصور هوبز انه يري بضرورة التزام السمع والطاعة بالنسبة للمواطن امام بطش الدولة , فلا يحق له مثلا ان يخرج على الحاكم او ان يقاومه الا فى حالة الاخفاق فى توفير الامن , وهذا تصور متخلف لكن يمكن فهمه من خلال السياق التاريخي الذى نشأ فيه
ثالثا :- قال جون لوك فيما بعد ان الوظيفة الاساسية للدولة هي حماية الثروة والحريّة. و لذلك فواجب الشعب تغيير الحكومة القائمة أو تبديلها حين تفشل فى ذلك . ووفقا للوك فأن القانون هو الذي يقرّ السلطة ،لأن السلطة ليست مطلقة كما ذهب الى ذلك هوبز, فهي مقيدة بحكم الأغلبية ، ومسالة السلطة المطلقة قال به أرسطو وأفلاطون ايضا !
رابعا:- ان الدولة اللبيرالية القائمة الآن فى كل العالم هي دولة نشأت بعد انهيار الاقطاع فى اوربا , وقد استمرت كدولة راسمالية متبينة للفكر الليبرالي الذى يقدس الفرد ويقصي الدولة عن نشاطه الاقتصادي , ولكن هذا الطابع الفرداني اظهر اسوأ ما فى الانسان من توحش وحيوانية وانانية على حساب المجتمعات , هو الذى ادي لقيام الحركات الاشتراكية بممارسة نضال رافض لهذه التجربة القبيحة والتي كان من شأنها ان تؤدي بالتجربة الانسانية برمتها فى التطور , ومع نجاح الاشتراكية فى تحقيق كثير من المكاسب لانسان اوربا والغرب عموما , ظهر الاتجاه نحو تخفيف حدة الاستقطاب سيما فى ظل الخوف الكبير من قفز الحركات الرادكالية نحو الحكم هناك , خصوصا فى ظل وجود الاتحاد السوفيتي وقتذاك ,ما ادى الى سيادة هذا الشكل التلفيقى المسمي بحركة الليبرالية الجديده, والتي تعتمد على الخصصة , وتشريد العمال , طرح بدائل اجتماعية خفيفة وعير مقنعة, مع نثر الكلام حول الحرية وحقوق الانسان والديمقراطية ووالخ
خامسا :- على مستوى السودان , نحن لم نكن جزء من هذا التطور التاريخي لموضوعة الدولة المدنية الديمقراطية لاسباب معروفة, والدولة السودانية التي تحكمت فيها نخب الرأسمالية وشبه الاقطاع بالتبادل مع العسكر كانت دائما غير وطنية ولا علاقة لها بالانسان البسيط , ومنحازة دائما لمجموعة من النخبة , وممثلة للبرجوازية و طفيلية غير منتجة ثرية بمقدرات الشعب المنهوبة .اضافة الى كونها عميلة للغرب, وهذا حال اغلب دول العالم الثالث لما بعد مرحلة التحرر الوطني منذ الستينات وحتي الآن!
سادسا :- ان اكبر الاخطاء التي يقع فيها ديمقراطيو اليوم هي الاستجابة الدائمة لممثلي حركة اليبرالية الجديده فى البحث عن نظام ديمقراطي ليبرالي, يضمن حريات الناس فى القول والتعبير خصوصا , بمثل مايضمن لهم استمرار الخوف والجوع وسيادة الرأسمالية وتسلط النخبة المحظوظة التي تملك كل شىء, وتجعل من فكرة الانسان الفرد باعتباره كائنا مقدسا من حقه ان يعمل كل شىء دون ان يتاح له اى امكانيات للتطور فى منحي من المناحي الا حقه فى الثرثرة التي لاتغني من جوع ولا تؤمنه من خوف!
سابعا:- الدولة التي علينا ان نبحث عنها هي الدولة المدنية الديمقراطية التي تمثل جميع شعوب السودان , وتعيد توزيع الثروة والسلطة على اسس ديمقراطية, دولة العدالة الاجتماعية , مهمتها الاولي ان تعيد تحقيق مكاسب الانسان البسيط الذى حققها عبر نضالاته القديمة فى اكتوبر وابريل ., ذلك السوداني الذى لاعلاقة له بالاستثمار الاجنبي , ولايفهم كيف يمكن يكون الدولار مرتفعا فى السودان بينما ينخفض باستمرار فى العالم! دولة تضمن له مجانية العلاج والتعليم كحق من حقوقه وليس منه من السلطة, دولة تضمن له الخبز بمثل ماتضمن له الحرية
الدولة التي نريد هي الدولة المثقفة بثقافة الكومبيوتر, وتكنلوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي, المخترقة لتعدد المرجعيات المتبنية لقيم الانسانية العليا , المنحازة للفقراء , النافيه لواقع الفردانية المقيته, دولة الحداثة ومابعدها المتجاوزة للحرس القديم و التي تتعاطى مع الواقع المتحرك السريع ، المستوعبة لمدى اهتزاز هذا الواقع الواقع الذى تغيرت مفاهيمه وانساقه التى استقرت كثيرا والذى لن يستقر به شىء مجددا الا عبر حركة تحليلية علمية ناقدة و جادة ومختلفة

الكاتب مدون فى
[url]http://tamlat.blogspot.com/[/url]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..