أميركا ما بين خطاب أوباما بالأمس.. ورحيل نيل أرمسترونج الأسب

أميركا ما بين خطاب أوباما بالأمس.. ورحيل نيل أرمسترونج الأسبوع الماضي، ماذا نقرأ ونتعلم..؟

الطيب الزين
[email][email protected][/email]

بالفعل أميركا بلد المنجزات العظيمة، أقول هذا الكلام ليس تزلفا ولا حبا ولا طمعا في حق الإقامة الدائمة فيها، ولا في جوازها، لكن إحتراما وتقديراً لشعبها وثقافته وحضارته وديناميكيته، المعبرة عن حياته وحيويته. ربما لا يوافقني الرأي من ينظرون للأمور من زاوية ضيقة، أو من يرون الأمور بعين واحدة، طرة أو كتابة، أبيض أو أسود، هؤلاء، قد لا يرون في أميركا سوى الماضي الملطخ بالعنصرية، والذي ما زالت بصماته بادية للعيان، في أكثر من صعيد، في مسرح حياتها اليومي، حتى يومنا هذا، أو الحروب التي خاضتها في خارج حدودها، والتي خلفت ملايين الضحايا، ولعل آخرها غزوها للعراق، كل هذا صحيح، لكن الأصح هو أن هذه التجاوزات التي حدثت لا تعبر عن أميركا المجتمع والحضارة والثقافة، بل عبرت عن فترات مظلمة ومواقف وتصرفات معزولة ومنبوذة لشريحة من المجتمع الاميركي سواء إن كانت تلك الشريحة إجتماعية أو سياسية، وليس عن روح الثقافة والحضارة الاميركية، التي قدمت للبشرية الكثير من المنجزات والمخترعات التي أفادت البشرية، حيث يعجز المرء في عدها أو حصرها، ولعله من الجدير ذكر البعض، منها إختراع مكيف الهواء، كان لإمريكي، وهكذا السيارة التي تسير بالبنزين، والسفينة البخارية، وفرامل الهواء المضغوط، والطائرة بدون طيار، وطائرة العملاقة بوينغ 707 والسيارة، وإشارات المرور الضوئية، والسيارة الكهربائية، والمكوى الكهربائية والقطار الكهربائي والمكنسة الكهربائية والسيارة، والميكرفون، والتلفزيون والغسالة والكمبيوتر وماكينة عد النقود، وماكينة صناعة الزجاج، والتخدير الحديث في العمليات، والآلة الحاسبة، والحاصدة، والحبر السائل، والنايلون والمخرطة والآلة الطابعة والرافعات العملاقة، هذا قليل من كثير،ولعل ابرزه رحلة أول رجل لسطح القمر، التي قام بها نيل أرمسترونج، الذي رحل الأسبوع الماضي، والذي برحيله تكون الإنسانية، قد فقدت واحداً من أشجع الرجال، كونه أول إنسان تطأ قدماه سطح القمر، ذلك القمر الذي شبه الشعراء العرب حبيباتهم، به وهو يتلألأ بهاءاً وضياءاً في الليل حينما تكون السماء صافية، هناك بعيداً عن كوكب الارض، فكم تساءل المرء مع نفسه، عن طبيعة الشعور الذي كان عليه، نيل أرمسترونج وهو يهبط على سطح القمر لأول مرة، هل كان يفكر في أسرته، زوجته وأطفاله، وأصدقائه وزملائه؟ هل كان خائفاً من رحلة العودة الى كوكب الارض..؟ كيف كان شعوره وهو ينظر الى كوكب الأرض وهو على سطح القمر..؟، حتماً إنه لم يكن خائفاً، لأنه تسلح بالعلم والمعرفة، والأمل والطموح، لذلك كان يملؤه الشعور بالفخر والإعتزاز وقد حقق ليس حلمه فقط، بل حلم البشرية كلها، بهبوطه على سطح القمر في 20 يوليو 1969، التي تابعته في أغلب أنحاء العالم في تلك اللحظة التاريخية عبرالتلفزيون والراديو وسمعت، نيل أرمسترونج يقول: كلمته الشهيرة، وهو على سطح القمر ?That?s one small step for man, on giant leap for mankind.” “هذه خطوة واحدة صغيرة لرجل، لكنها قفزة عملاقة للبشرية” وبالفعل كانت قفزة عملاقة للبشرية ومنذ ذلك الحين كانت هناك 5 بعثات مأهولة إلى القمر بنجاح، كان آخرها قبل 40 عاما. قام بها رائد الفضاء يوجين غاقرين آخر رجل يمشي على سطح القمر في عام 1972 وكلها كانت لها نتائج علمية كبيرة، خدمت البشرية في أكثر من مجال، هذا على صعيد الفضاء. أما على صعيد كوكب الأرض فقد خطت الحضارة الأميركية خطوة كبيرة وجبارة، إنتصرت فيها على ماضيها العنصري، وحققت حلم، الزعيم الاسطورة مارتن لوثركنج، حينما قال ” أنا لي حلم، انه في يوم، هذه الأمة ستنهض وتعيش المعنى الحقيقي لعقيدتها، أن كل الناس خلقوا متساوين”. وأن يعامل أبنائي على أساس تصرفاتهم وأفعالهم وليس على أساس لون بشرتهم، وبالفعل حيوية الثقافة والحضارة الأميركية جعلت ذاك الحلم واقعاً، ففي 20 يناير من عام 2009 إنتخبت الولايات المتحدة الاميركية أول رئيس من أصول أفريقية، وصحيح أن إنتخاب باراك أوباما، ليس معناه وضع حد للعنصرية في المجتمع الاميركي، لكنها بكل المقاييس تعتبر خطوة متقدمة تحسب للثقافة والحضارة الأميركية، إذ أن أغلبية الشعب الاميركي إنتخبت رئيسا أسود ومن أصول أفريقية، وهذا دليل صحوة ونهضة وعافية في مجتمع كان قانون التمييز العنصري فيه، لا يسمح للإنسان الأسود أن يجلس في مقاعد الحافلة وهناك إنسان أبيض واقف، هذا القانون العنصري قد عصته ناشطة الحقوق المدنية روزا باركس عندما رفضت التخلي عن مقعدها في باص عمومي لشخص ابيض. ومنذ ذلك اليوم إنطلقت حملة مناهضة التمييز العنصري وسط السود، ومناصريهم من البيض حتى تكللت تلك النضالات بالغاء قوانين التمييز العنصري، وهكذا تواصل الحضارة الإنسانية في أميركا مساعيها للقضاء على ثقافة التفرقة العنصرية والتمييز والإستبداد والتغول على حقوق الآخرين تحت ذرائع العرق والدين، وقد أكدت التجربة الأميركية على صدق النظرية التي تقول: إن أفضل وسيلة للبقاء هي التماسك الإجتماعي، وأفضل طريقة للإبداع هي الحرية الفردية، التي أتحات لكل فرد في أميركا، أن يحقق ذاته وأن يعتمد على نفسه، وأن يحس بمسؤولياته تجاه ذاته وتجاه غيره، وبهذا يتحقق الإلتزام وتتنوع القدرات ويتكاثر الإبداع وتتزاحم المبادرات ويصب كل ذلك في الصالح العام. فأميركا عبر تماسك إتحادها ممثلاً في ولاياتها الواحد والخمسين، وكفالتها الحرية لكل فرد فيها، كان لها ما آردات، فلولا هذه الحرية الفردية لما عرف الشعب الأمريكي قدرات رئيسه باراك أوباما المتميز بالوعي والثقافة العالية والذوق الرفيع والكارزيما اللافتة، وقد جسد ذلك في مواقفه وسياساته وخطاباته لاسيما خطابه الأخير في الأول من أمس، قاطعه الحضور بالتصفيق المتواصل واحيانا بالدموع وقد نال رضى أغلب الأميركيين، لاسيما الفقراء منهم، والطبقة الوسطى، وكذلك قادة الجمهوري الديمقراطي، وعلى رأسهم بيلكلنتون، الذي في عهده حقق الإقتصاد الأميركي استقراراً وازدهاراً كبيراً، الذي اشاد بسياست وإنجازات أوباما، حيث قال عنها إنها تفوق خطاباته، وهكذا فعلت ميشيل أوباما التي أفاضت، في التعريف برفيق دربها،وجددت حبها له أمام الملأ، الذي جمعته مظلة الديمقراطية، التي تعتبر أعظم إبتكارات الإنسانية إذ بواسطتها تجاوزت المجتمعات الديمقراطية شرور الصراع والحروب المدمرة من أجل السلطة، عبر آلية التداول السلمي للحكم وحمت نفسها من إحتمالات الحروب الأهلية ووقت حياتها من ظهور الطغاة،إن الديمقراطية ممارسة إنسانية راقية تتكفل بحماية حقوق الإنسان وتحفظ له كرامته، إنها تتأسس على أولوية الإنسان الفرد والإعتراف بحق الإختلاف وتؤمن بالمساواة أمام القانون كما أنها تملك داخلها آلية رائعة لتصحيح الأفكار والممارسات والاوضاع فجدل الأفكار والوضوح والشفافية والنقد وصراع الإتجاهات يحقق العدالة ويعري الأخطاء ويكشف الزيف ويمنع التلاعب ويحول دون الفساد. فهل نقرأ تجارب الشعوب الحية ونتعلم منها كيف نغادر محطة الإستبداد السياسي، والإنغلاق الثقافي..؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..