قراءة في أحداث واشنطن ونيويورك .. باراك حسين أوباما.. والسودان (3-5) اا

راي 2

قراءة في أحداث واشنطن ونيويورك .. باراك حسين أوباما.. والسودان (3-5)

رباح الصادق

الأحداث تتسارع، والمساحة الأسبوعية لا تفي بما نريد التداول حوله، لذلك قارئي الكريم سنحاول الاختصار من جهة، وتتابع المقالات حتى نغطي الأحداث النيويوركية وقد انتقلت منصة التدويل للخرطوم مع وفد مجلس الأمن الزائر للبلاد، ثم أمامنا رتلٌ من القضايا التي لا بد من بحثها وقد جدول للتسجيل للاستفتاء ليبدأ في 14/11 القادم أي بعد نحو شهر، لكننا قد لا نختصر كثيرا اليوم ونحن نتحدث عن باراك حسين أوباما ودلوه حول الشأن السوداني. في هذا المقال نركز على ما جاء حول الاستفتاء، وفي القادمة نواصل حول خطابه والقضايا الأخرى الواردة فيه بإذن الله.
ولنضع إطارا للتداول حول أحداث واشنطن ونيويورك، فقد أوضحنا في المقالين الماضيين ونحن نرصد ما حدث بالجمعة 17/9 إن كلا الطرفين السودانيين: السيد سلفا كير والأستاذ علي عثمان محمد طه خاطبا الولايات المتحدة بخطاب يمكن وصفه بأنه حزبي ينطلق من مصلحة خاصة لحكومة الجنوب أو الشمال الذي يحكمه الحزب المعني. السيد سلفا يحتاج أن تدعم أمريكا والعالم من ورائها حكومته التي قطع بأنها ستستقل بعد الاستفتاء وأن تقف في وجه الشمال الذي يعرقل مسيرتهم نحو الاستقلال. والأستاذ علي يحتاج أن تصمت أمريكا عن اتهام رئيس البلاد وتتوقف عن عزل الحكومة وملاحقتها لكي يجري الاستفتاء بسلاسة ويتم الاستقلال المنشود ويعترف بذلك الشمال. أما أمريكا التي سنتطرق للسانها الناطق في أوباما اليوم فإنها لها حساباتها الخاصة.. صحيح إنها تتحدث باسم مصلحة السودان وشعبه، ولكن من المعروف أن مصلحة أمريكا تعلو على كل شيء، ولا نقول هذا لنندب حظنا أو لنعيب على أوباما وغيره الانطلاق من مصلحة بلاده ولكن لنؤكد أهمية الوعي بهذه الحقيقة، لنعرف كيف يجب التعامل مع المجتمع الدولي، للانطلاق من أرضية المصالح المشتركة حيثما كان ذلك ممكنا، وتحاشي التبعية وخدمة مصالح الآخرين لنيل مقابل حزبي، وتوضيح أن خطاب حكام البلاد الآن يعمي عينيه عن مصلحتنا كبلد، ويخدّر فقط بعض النخب التي تحرص على مصالحها ولو كانت فوق جثة الوطن!
أمريكا لها حسابات في قضية السودان عديدة. فهناك حساب النفط الذي لأجله حصل التغيير في سياستها في 2001م حينما أوصى مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية بأن تدخل الولايات المتحدة بثقلها في عملية السلام السودانية، ولأجله حملت أمريكا عصاها وجزرتها وخاضت مفاوضات السلام في ميشاكوس ونيفاشا وناكورو وغيرها من الضواحي الكينية وهي تحفّز وتحكّم وتقدم المقترحات، و»تورور» للمناكفين، وتربت على كتف من يسمع الكلام! وتدخلت أمريكا كقابلة (بتعبير الرئيس سلفا كير) لولادة بروتوكول أبيي والذي نص على لجنة من الخبراء مالوا كل الميل ضد حكومة الشمال في خطة لا ينكر أن النفط كان وراءها، حتى فرفرت حكومة الشمال وكان ما كان من أمر التحكيم الدولي الذي أعطى حكومة الشمال ما تيسر من نفط أبيي وأعطى جماعات دينكا نقوك ما تيسر من أرض أبيي، ولم يهم أحد أن يضرب المسيرية طبول الحرب! ولأمريكا حسابات إضافة للنفط متمثلة في جماعات الضغط المؤثرة على الرأي العام، وبعضها اللوبي المسيحي الذي ينادي بدولة الجنوب المستقلة كجزء من بشريات الكتاب المقدس، والكوكس الأسود الذي يقف مع الجنوب الأفريقي قبالة الشمال العربي، وكوكس دارفور الذي له علاقة بهذا وذاك، والذي صعّد من مسألة دارفور لتصير قضية رأي عام، ولوبي الحريات.. هذه اللوبيات ورضاها جزء لا يتجزأ من خطة أي رئيس أمريكي خاصة في دورته الأولى حيث يطمع بالتجديد.
الشاهد، إن اسم أوباما (باراك) مشتقٌ من البركة، فاسمه لدى البعض بركة، ولدى آخرين مبارك. وبحسب روبيرت كورنويل في مقاله بصحيفة الإندبندنت (المستقل) في 5 أكتوبر 2010م فإنه انتخب رئيسا تحفه بشائر أداء عظيم ككيندي أو كروزفيلت، ولكنه هبط من ذلك العلو ليتم تشبيهه على نحو متكرر بكارتر الذي يعد من أفشل الرؤساء ولم تكن رئاسته إلا كبيضة ديك، لم تتجدد، وإن كان من أفضل الرؤساء السابقين فنشاطه كرئيس سابق يقدمه مؤلفا وصانع سلام وحلال مشاكل. أوباما بحسب ذلك المقال المعنون (هل أوباما كارتر جديد؟) يواجه محنة أمام انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر القادم، وقد تنزع البركة من عهده الروزفلتي الكنيدي المأمول ليسقط فعلا في خيبة كارتر!.. أوباما إذن لا يستطيع التلاعب فيما يخص الرأي العام، وهذه نقطة هامة ونحن ننظر لخطابات أوباما الأخيرة، ولحديثه عن السودان.
في يوم الأربعاء 22/9 ألقى أوباما خطابه التاريخي الأول له أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، كان خطابا طويلا تحدث فيه عن منجزاته كرئيس في تسعة أشهر. صفقت الجمعية العمومية للأمم المتحدة لأوباما دستة صفقات:
o مرة حينما ذكر أنها المرة الأولى يخاطب الأمم المتحدة باعتباره الرئيس رقم 44 للولايات المتحدة.
o وحينما قال إنه في أول يوم له كرئيس أوقف إجراءات التعذيب للمعتقلين في جوانتنامو.
o و حينما قال إن أمريكا في عهده دفعت فواتير الأمم المتحدة وانضمت لمجلس حقوق الإنسان.
o وحينما قال: (إننا سنسعى لتحقيق سلام دائم في السودان من خلال تقديم الدعم لشعب دارفور وتنفيذ اتفاق السلام الشامل، بحيث نضمن السلام الذي يستحقه الشعب السوداني.)
o وست مرات وهو يتحدث عن سلام الشرق الأوسط.
o وحينما قال إن اضطهاد الأمم للأمم والطغاة للأفراد ليس مقبولا.
o وحينما قال إن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون دائما مع حق الشعوب في تقرير مصيرها.
قد يقول قائل إن قلب أوباما هو في الشرق الأوسط، وإن السودان لا يجد حظا، ولكن من منا ينكر أهمية الشرق الأوسط على كل ما عداها بفعل اللوبي الإسرائيلي ومكانة إسرائيل في السياسة الأمريكية؟ أن نكون واحدا من دستة مواضع تهم أمريكا والعالم يعني درجة من الأهمية لا تنكر!
أما في خطاب أوباما أمام الاجتماع الوزاري الخاص بالسودان فتظهر الأهمية، واللغة المختلفة، تحدث بركة ابن عمنا حسين كأنه واحد منا! حضور أوباما في اجتماع وزاري نفسه رسالة قوية بالاهتمام، وفي ثلاثة عشرة دقيقة رسم أوباما المعاني التالية:
تحدث حول أهمية القضية السودانية لحياة الملايين وهل سينعمون بالسلام أم ينزلقون في حمامات الدماء. وكذلك للأفارقة جنوب الصحراء، وللعالم. وعن اتحاد العالم كله على ضرورة تنفيذ اتفاقية السلام الشامل تنفيذا كاملا. وأن يُجري استفتاءا الجنوب وأبيي في موعدهما (9 يناير 2011) وتحترم النتيجة. البداية بمسألة الاستفتاء بالطبع ليست اعتباطا، إنها تخاطب مخاوف الجنوبيين (الذين يهتم بإرضائهم أصحاب اللوبيات طرا، وكذلك أهل النفط الذين لهم في تلك البلاد صولجان).
أشار أوباما لمجهودات إدارته بمطالبة زعماء العالم العمل من أجل السلام في السودان، لأعمال السفيرة سوزان رايس، ومبعوثه الخاص غريشن، ومساعدة إدارته في إنهاء النزاع بين السودان وتشاد، وعملها في تحسين الأوضاع الإنسانية، وقيادتها لجهود تحويل الشعبي لتحرير السودان لقوة أمن محترفة. وعملها مع بعثة الأمم المتحدة في الجنوب في مساعدة حكومته في مجالات الغذاء والمياه والصحة والزراعة. ومجهوداتهم لضمان إجراء الاستفتائين وفق المخطط لهما عبر زيارة نائبه بايدن للتأكيد على وجوب احترام نتيجة الاستفتاء، ولقاءات وزيرة الخارجية كلينتون مع القادة السودانيين لنقل توقعاتهم بوضوح، ولزيادة وجودهم الدبلوماسي في الجنوب من أجل المساعدة في الاستفتاء وحفزهم الآخرين على ذلك.
قال أوباما مستطردا: «ولكن لا أحد يستطيع فرض التقدم والسلام على أمة أخرى. وفي نهاية المطاف، بإمكان القادة السودانيين وحدهم التأكد من إجراء الاستفتائين وتحقيق السلام في السودان». وأشار مرتين لخيارين أمام قادة السودان: الخيار الأول هو التحلي بالشجاعة والسير في تنفيذ ما اتفق عليه، أو النكوص عن ذلك، ويجب عليهم اتخاذ القرار فورا إذ لا يحتمل الأمر التأجيل مشيرا لتأخر التحضير للاستفتاء وقد تبقت مائة يوم وأزيد قليلا. وقال مرة ثانية: «هنالك مساران أمام القادة السودانيين: مسار الذين يفرطون في مسؤولياتهم ويجب أن يعاقبوا بالمزيد من الضغوط والعزلة الأعمق. ومسار القادة الموفين بالتزاماتهم ومن شأن ذلك أن يؤدي لتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والسودان، بما في ذلك دعم التنمية الزراعية لجميع السودانيين، وتوسيع التجارة والاستثمار، وتبادل السفراء، وفي نهاية المطاف العمل على رفع العقوبات». وطالب المجتمع الدولي بدعم القادة السودانيين الذين يتخذون الخيار الصحيح! إنها الجزرة والعصا وفقا لما ينتج عن القرار الصعب!
مسألة القرار الصعب هذه كانت أيضا مفاد مقولة الدكتور خالد التجاني النور في مقاله بعنوان (ما بعد نيويورك.. حان وقت القرار الأصعب) ذلك المقال حري بمداخلته في أفكار كثيرة نيرة ولو خالفنا بعضها، وهو يقطع فيه أن لقاء نيويورك لم يكن فقط لتهدئة الخواطر بين يدي استحقاق تقرير المصير، مشيرا لثقل المشاركة لحد الرئيس أوباما نفسه، والرسائل الهامة الواردة في الخطابات المنشورة، وما رشح عما دار في الغرف المغلقة، مؤكدا أن الاجتماع أجلى بوضوح وقوف المجتمع الدولي عمليا مع خيار الانفصال وعلى ضوء ذلك- قال خالدٌ- فإن (الجدل المتطاول حول الانفصال أو الترويج للوحدة في الساحة الداخلية لم يعد ذو جدوى)..(فالانفصال كسب غطاءاً دولياً ولم يعد مجرد احتمال وارد، ومن الأفضل أن تركز القيادة السياسية السودانية جهودها على التعامل مع هذه المعطيات الجديدة بواقعية أكثر، ولم يعد المطلوب بعد الآن التفاوض بين الشريكين حول ترتيبات ما بعد الاستفتاء، المطلوب بوضوح هو التفاوض حول ترتيبات ما بعد الانفصال). وأشار لإعلان مجلس الوزراء عقب اجتماعه يوم الخميس (30/9) إلى أنه (خلص إلى أن الرسالة السياسية التي خرج بها الاجتماع الدولي بنيويورك هدفت إلى تهيئة الأجواء الدولية لانفصال جنوب السودان)
ثم سأل النور: (ماذا ستفعل قيادة المؤتمر الوطني بعد هذا التطور الحاسم؟) هل ستواصل في عقليتها نفسها عديمة الجدوى والتي تركت البلاد (تواجه مصيراً مجهولاً)..(أم تدرك أخيراً أنه لم يعد من مناص من اتخاذ القرارات الصعبة؟).
بيد أننا نجرؤ على اتخاذ مسار تفكيري مختلف. إننا نعتقد إن المؤتمر الوطني كان يعلم سلفا إن المجتمع الدولي يقف في أي مشاكسة بين الشريكين ضده ومع الحركة الشعبية، وقد قالها كرته المحروق علانية وبالواضح في فلاديلفيا، ويعلم بأنه مثلما «ماص» الحديث عن الانتخابات لتكون مجرد طبخات لتمديد الشمولية فإن الثمن المتوقع من المجتمع الدولي الذي صمت عن تلك الطبخة هو أن يموص الحديث عن الاستفتاء ليكون مجرد طبخات لانفصال الجنوب ويصمت هو عن ذلك، وهذه بتلك! كان ذلك كامنا في تصريحات المجتمع الدولي حول الانتخابات بدون مواربة!
إننا نؤيد الأستاذ خالد في أن الاجتماع صرف عليه ليس فقط أموالا بل وخططا ومرجو منه الكثير ليس مجرد التهدئة، وإن كنا زعمنا بداية أنه اجتماع تهدئة محض، ثم أثناء البحث عرفنا أنه حتى لم يهدئ شيئا، ولكن كانت وراءه أغراض صفقة لا نعتقد أنها أبرمت، الصفقة المطلوبة كانت الوصول لتسوية بين الطرفين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية أو لحلول وسطى كما أشار أوباما، وقبله قالتها كلينتون، السيد سلفا لم يرد صفقة من أي نوع يريد أن تستقل دولته ويعطى بتروله وكان الله يحب المحسنين.. أما المؤتمر الوطني فكان يريد أن يعقد صفقة ويصل لتسوية ليس مع الحركة الشعبية التي لا يأبه بها ولا بمن خلّفها كما يقول أهلنا المصريون، ولكن أن تكون التسوية مع أمريكا التي لم يدن عذابها ولا ضرابها بعد! مضمون هذه الصفقة هو: ليخلي المجتمع الدولي شأننا في دارفور وليركز على الاستفتاء وسنعطيه الانفصال وفوقه الاعتراف.. لم يكن هناك جديد في اجتماع نيويورك من هذه الناحية، ولكن الجديد أن أوباما كما ظهر في خطابه قال للمؤتمر الوطني حول صفقته (ومفادها الصمت عن الرئيس ودارفور مقابل الانفصال)..لا. وقال لسلفا، تراجع وتوصل لتسوية (أحبب عدوك هونا) لتحصل على حقك في الانفصال!
إننا سنناقش بقية كلام أوباما في الحلقة القادمة بإذن الله، وسنناقش أيضا أدلتنا على أن المؤتمر الوطني لم يفاجأ بمسألة الانفصال وغطائه الدولي هذه في نيويورك.. لم يفاجأ البتة.
فابقوا معنا كما يقول أهل الفضائيات، بإذن الله.
وليبق ما بيننا

الاحداث

تعليق واحد

  1. يعطيك العافية… كتابة مسؤولة.. تحليل مسبك… حس سخرية رصين… باختصار المقالة تحيط بفكرتها من جميع نواحيها و لا تترك القارئ في حالة ترقب للاشارات الموجودة بها..

    لك كل التقدير والاحترام..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..