"الاتحادي" و" حزب الترابي" السودانيان يتحدثان عن استنساخ "أبوجا"..لحكومة تدافع عن "وثيقة الدوحة" لسلام دارفور ومعارضوها يتحفظون

تباينت آراء القوى السودانية عن وثيقة الدوحة لسلام دارفور التي تم التوقيع عليها من جانب الحكومة وحركة التحرير والعدالة، والتي تشمل سبعة محاور هي: التعويضات وعودة النازحين واللاجئين، واقتسام السلطة، والثروة والوضع الإداري لدارفور، وحقوق الإنسان والحريات الأساسية، والعدالة والمصالحة، والوقف الدائم لإطلاق النار والترتيبات الأمنية النهائية، وآلية التشاور والحوار الداخلي وآليات التنفيذ .

تفاؤل وتشاؤم

على الرغم من الترحيب الدولي والإقليمي الذي حظيت به الوثيقة، فإنها لم تسلم من تحفظات القوى السياسية التي رأت فيها ?اتفاقاً ناقصاً? لا يحقق السلام النهائي المنشود، بل ذهب البعض إلى ?إن الجبل تمخض لعامين لينجب فاراً?، وشككت تلك القوى في قدرة الاتفاق على الصمود، وأشارت في الخصوص إلى تجارب سابقة فشلت فيها مبادرات ووساطات واتفاقيات ثنائية إطارية جرى إبرامها بين حكومة السودان وبعض الحركات المسلحة في دارفور، واستندت إلى إخفاق اتفاقية أبوجا، كمرجعية لكل الاتفاقات التي تلتها، حيث كانت تعدالاتفاقية الأقوى والأشهر، والتي حوت بنودها كل حلول الأزمة التي استمرت لقرابة ثمانية أعوام .

وفي المقابل، ترى جهات حكومية وقطاعات دارفورية في الاتفاقية، مخرجاً لاحتقان طال على الأرض، كما طالت المباحثات على طاولة الدوحة . ويشيرون إلى أن التوقيع يرتقي، على الأقل، بالمفاوضات إلى مرحلة جديدة، بعيداً عن الدوحة، رغم أن الاتفاق سيدخل حيز التنفيذ فوراً وفي مدد زمنية جرى تحديدها تحت إشراف لجنة دولية برئاسة قطر، وستعقد اجتماعاً في الدوحة كل ثلاثة أشهر للوقوف على ما تم إنجازه على الأرض، وهو الأمر الذي سيبقى على الدوحة لمرحلة أخرى .

كما يعد البعض التوقيع عاملاً إيجابياً للاستقرار في الإقليم شرط الجدية وصدق النوايا والبعد عن الأجندة الداخلية والخارجية والابتعاد عن المصالح الحزبية والقبلية .

ويؤكد أصحاب الرأي المتفائل هذا، أن الاتفاق الأخير يحرسه مؤتمر مايو الذي حمل اسم الدوحة أيضاً واستصحب رؤى أصحاب المصلحة، فضلاً عن أن الاتفاق الأخير رحبت به دول غربية وعربية وإفريقية .

ويراهن البعض الآخر، على مقدرة المجتمع الدولي والوساطة العربية الإفريقية الدولية في الضغط على الحركات الرافضة من أجل الانخراط في ركب السلام، خاصة تلك التي لها وزن سياسي وعسكري . ويشيرون إلى آلية أخرى لا تقل أهمية، وهي تشجيع الحركات ببروتوكولات إضافية، بالاتفاق مع الوساطة وآلية التنفيذ، تضاف إلى الاتفاقية الأم التي لا يمكن فتحها والتفاوض بشأنها من جديد، وإنما بالإمكان إضافة ملاحق لها، باعتبار أن الاستجابة لمطالب تلك الحركات في بروتوكولات منفصلة يوفر الأرضية المناسبة لصمود الاتفاقية، ويؤكد المتفائلون أن الاتفاق قابل للنجاح وهو الأقرب لإرساء السلام في دارفور .

غير أن التجارب السابقة، والكم الكبير من الاتفاقات حول أزمة دارفور، يدفع كثيرين إلى التحذير من الضمانات، حيث لا يوجد ما يشير إلى آليات محسوسة، أو فاعلة آنياً، بل يركن الجميع إلى مستقبل الأيام لمعرفة صمود الاتفاق من انهياره .

ويؤكدون انه ليس هناك سوى الصبر لمعرفة نتائجه على الأرض . ويجمع كثير من المراقبين على أن الضامن الأكبر في هذا الخصوص، هو الحكومة السودانية التي يقع عليها العبء الأكبر في عملية التنفيذ، بجانب تعزيز مناخ الحريات وتحقيق الاتفاق السياسي الشامل في السودان في المرحلة المقبلة . وينبه المراقبون إلى أن أهمية الاتفاق تأتي من أنه الخيار الوحيد المتاح لتحقيق السلام في دارفور بعدما ارتضاه المجتمع الدولي والمجتمع السوداني والدارفوري خصوصاً .

ويشير المراقبون، إلى إن إعادة حيازة الأراضي للنازحين واللاجئين وتعويضهم على نحو عاجل وكاف عن الخسائر والأضرار التي تكبدوها أثناء فترة التشرد، وعدم حرمان أي فرد أو مجموعة من أي حقوق تقليدية أو تاريخية في الأرض أو في الحصول على الموارد المائية، هي دافع للقبول الشعبي بالاتفاق والتمسك به، خاصة أن الوثيقة تشدد على ذلك، وعلى احترام كامل الحقوق وتوفير الحماية والمساعدة أثناء العودة الطوعية أو الدمج المحلي أو إعادة التوطين .

القوى السياسية

بعض القوى السياسية تحاشت الدخول في تفاصيل الاتفاق، فهي ترى أنه مجرد ?مسكّن? لأزمة دارفور قبل اشتدادها من قبل الفصائل الرافضة في المرحلة المقبلة وتتهم الحكومة بالتكريس للاتفاقات الثنائية عوضاً عن مخاطبة جذور الأزمة وتلبية مطالب أهل دارفور .

ورفض السكرتير العام للحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد إبداء رأيه في الاتفاق، وقال إنه لم يطلع حتى الآن على الوثيقة .

وصف الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة محمد عثمان الميرغني الاتفاق بأنه نسخة ثانية من اتفاق أبوجا، ويقول القيادي بالحزب علي السيد إن الاتفاق لا يختلف عن أبوجا، ويضيف أن الحكومة ظلت تتشبث بالحكم عن طريق الاتفاقات الثنائية، وتوقع ابتلاع المؤتمر الوطني الحاكم حركة التحرير والعدالة وجعلها جزءاً من النظام .

أما حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي، فقد ذهب مباشرة إلى رفض الاتفاق واعتبره غير ملبٍ لمطالب أهل دارفور .

وقال نائب الأمين العام للحزب عبدالرحمن الغالي، إن عملية السلام شابتها عيوب أساسية، مثل استمرار مسلسل اتفاقات مصيرها الإخفاق وتغييب أصحاب المصلحة الحقيقيين . أضاف أن الحكومة مثل من أضاعت شيئاً في الظلام وتبحث عنه . وذكر بأن رئيس الحزب الصادق المهدي ظل يحذر من خطورة تداعيات أزمة دارفور، ويطالب الحكومة بالتعامل بجدية معها، ويرى أن البلاد مطالبة بمخاطبة المتفجرات الاجتماعية والتظلمات الجهوية في دستورها القادم، حتى لا تكون سبباً في تقويض السلام الاجتماعي في السودان، ويصف مفاوضات الدوحة بين الحكومة والحركات المسلحة بدارفور بأنها علاقات عامة .

وحذر حزب المؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي من أبوجا ثانية، وأكد أن الاتفاق يأتي في وضع دستوري غير شرعي ويحتوي على بنود ?هلامية? عوضاً عن العدالة والمصالحة . ويشدد المسؤول السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر على أن الاتفاق سيكرس لأبوجا ثانية، على الرغم من أن الوضع العسكري على الأرض لحركة تحرير السودان جناح مناوي آنذاك كان أفضل من حركة التحرير والعدالة حالياً . أضاف الاتفاق لا يساوي الحبر الذي كتب به .

دفاع حكومي

لكن الحكومة ترى غير ذلك، وإن لم ترفض بعض المحاذير التي أطلقتها القوى السياسية الأخرى . فقد أقرت الحكومة بعدم تفاؤلها بإيفاء المجتمع الدولي بتعهداته المالية تجاه تنمية إقليم دارفور، إلا أنها راهنت على أن إرادتها السياسية وحركة التحرير والعدالة ودولة قطر، كافية للالتزام بدفع مستحقات السلام . وتوقعت استمرار الدول المعادية للسودان في دعم الحركات المسلحة التي رفضت الانخراط في العملية السلمية .

ويقول الناطق الرسمي باسم الوفد الحكومي لمفاوضات الدوحة عمر آدم رحمة إن المبالغ التي رصدت لصندوق التعويضات تقدر ب300 مليون دولار، على الرغم من أن ما فقد لا يمكن تعويضه لأنه يقدر بالمليارات .

ويبدو رحمة واثقاً وهو يضيف إن مبلغ 200 مليون دولار تم تخصيصها لمشاريع التمويل الأصغر بضمانات ميسرة، بينما التزمت دولة قطر بإنشاء بنك لتمويل مشاريع البنية التحتية برأسمال ملياري دولار وتخصيص مبلغ 225 مليون دولار للتنمية الاجتماعية لاستهداف تنمية المرأة الدارفورية في المقام الأول .

ويدافع رحمة عن الاتفاق، ويقول هنالك خلاصات ومكاسب تضمنها الاتفاق وكل هذه الحركات أتيحت لها الفرصة للانضمام إليه لكنها تعنتت لأسباب شخصية لأن اختلافاتها ليست إيديولوجية، ويشير إلى أنه لا يستبعد دعم دول معادية للسودان، للحركات المسلحة الرافضة للانخراط في العملية السلمية، بيد أن رحمة يستعبد في الوقت نفسه دعم دولة الجنوب الوليدة للحركات المسلحة الدارفورية ويقول إن ما يربطها بالشمال أقوى من أي دولة أخرى .

ويكشف رحمة بعضاً من المخاوف التي أثارتها القوى السياسية، حين ينفي أيلولة منصب نائب الرئيس لزعيم حركة التحرير والعدالة التجاني السيسي، ويقول ليست هنالك التزامات مكتوبة في الوثيقة بشأن منصب نائب الرئيس، لكنه يؤكد تولي التحرير والعدالة رئاسة السلطة الانتقالية لدارفور بجانب منصب وزير اتحادي ووزيرين للدولة و6 وزراء في المستوى الولائي . كما ينفي رحمة وجود جوانب سرية بوثيقة الدوحة، ويقول إن الحركة سلمت الوثيقة ?كلمة كلمة?، ولا يوجد بند أو جملة واحدة مدسوسة عليها، وهي واضحة ليس بها أي نوع من الغموض، ومتاحة بمحاورها كافة لكل الحركات وفي الجانب الحكومي أيضاً، يشير غازي صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية مسؤول ملف دارفور إلى أن الاتفاق دليل قاطع على أن التفاوض السلمي هو المفتاح الحقيقي لحل المشكلات، ويقول الاتفاق ثمرة ما زرعناه خلال عامين ونصف العام لحقن الدماء ورفع المعاناة عن أهل دارفور .ولا يحفل غازي بالمخاوف الكثيرة وهو يستند إلى الالتزام التام للحكومة لإنزال بنود الاتفاق على أرض الواقع والتعاون مع آلية التنفيذ والمتابعة إلى أن يتم الفراغ من آخر بند في هذه الاتفاقية وصولاً لأهدافها وغاياتها .

ولم يغفل غازي الإشارة إلى ضرورة مراجعة استراتيجية سلام دارفور، التي تعتمدها الحكومة لحل الأزمة، رغم تأكيده أنها عالجت الكثير من القضايا، ويقول من المنطقي أن يكون توقيع الاتفاق مبرراً لإعادة النظر في الاستراتيجية، فلكل مرحلة أولوياتها وأهدافها، ويؤكد أن الأولوية القصوى في الوقت الراهن لتعزيز الأمن وتحقيق العدالة، لأنه من دونهما لن يكون تقدم حقيقي في بقية المحاور .

ومثلما حذر زميله آنفاً من دعم دول معادية للسودان، للحركات المسلحة الرافضة للانخراط في العملية السلمية، يؤكد غازي ضرورة تعاون الجيران الإقليميين مثل تشاد وإفريقيا الوسطى لدعم الجهود الكبيرة الجارية بتكاتف جهودهم لتحقيق السلم والأمن الإقليمي من أجل إعادة توطين النازحين واللاجئين .

من جانب آخر، يشير المراقبون إلى أن الاتفاق أغفله رغم أهميته، وهو الاستفتاء الحكومي في الإقليم والمعلن في يوليو/تموز الجاري، ولم تشر حتى الآن أطراف الدوحة إلى حدوث تفاهمات جديدة على صيغة توفيقية أو في مصيره، فليس هناك ما هو معلن لتحديد موعد جديد يلغي تدابير الحكومة لإجرائه في يوليو، على رغم إعلانها مراجعة استراتيجيها لسلام دارفور، والتي تنص على الاستفتاء .

الحركات الرافضة

نقل عن رئيس ?حركة تحرير السودان? عبد الواحد محمد نور، كمثال صارخ لرفض الحركات المسلحة ذات الوزن للاتفاق، قوله إن الحركة ترفض اتفاق الدوحة الجزئي الذي يضاف قائمة الاتفاقيات الجزئية التي أثبتت إخفاقها .

ويشير إلى اتفاق أبوجا المنهار، ويقول إن اتفاق الدوحة عبارة عن توقيع يضاف لقائمة التوقيعات التي تنتهي بانتهاء المراسم، ويدعو النازحين واللاجئين، وأهل دارفور إلى رفضه ومقاومته، ويؤكد أن المطلوب الآن هو الأمن ونزع سلاح المليشيات، والعمل معاً لإسقاط النظام .

ولا يبتعد رفيقه مني أركو مناوي رئيس حركة جيش تحرير السودان، عن ذلك الموقف، حين يؤكد أن الاتفاق لن يحقق أبداً سلاماً على الأرض، ويشير إلى أن الأمم المتحدة اعتبرت مخرجات مؤتمر أهل المصلحة أرضية للتفاوض، وليست وثيقة نهائية، ويلفت إلى أن هناك مؤامرة على القضية تمت في المؤتمر، ويتشبث مناوي الذي كان يتقلد منصب مساعد رئيس الجمهورية وفقاً لاتفاقية أبوجا، بمنصب نائب رئيس الجمهورية باعتباره حقاً مستحقاً لإقليم دارفور، ويستند إلى أنه بعد انفصال الجنوب، فإن سكان الإقليم أصبحوا يمثلون الأغلبية بنسبة 60% من إجمالي ما تبقى من السودان .

وفور توقيع الاتفاق، يعلن بيان صادر عن ?حركة جيش تحرير السودان? قيادة الوحدة برئاسة عبدالله يحيى أحمد وحركة جيش تحرير السودان القيادة الميدانية بقيادة الجنرال آدم بخيت، عن توحدهما وحدة اندماجية كاملة، تحت مسمى حركة تحرير السودان قيادة الوحدة برئاسة عبدالله يحيى، إن الخطوة تأتي في اتجاه توحيد قوى المقاومة المسلحة تجاه المسار الذي تمضي إليه قضية إقليم دارفور الذي يعاني مشكلات خطرة تهدد كيانه، ويقول أحمد تقد كبير مفاوضي حركة العدل والمساواة بزعامة خليل إبراهيم ?نحن ضد أي اتفاق جزئي لا يحقق مطالب أهلنا في دارفور? .

الخليج

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..