السودان.. أمسيات قروية تتحدى العولمة

يحزم سامي الجمري حقيبته صباح كل خميس مودعاً العاصمة الخرطوم في اتجاه قريته الوادعة «الكسمبر» بولاية الجزيرة وسط السودان، ليقضي فيها جانباً من ذكريات رمضان التي أخذتها منه مشاغل الحياة، فهو يعمل كل أيام الأسبوع في العاصمة الخرطوم كسائق مركبة للمواصلات العامة، ليعود محملاً بالقصص والحكايات التي يسردها لتجمع السمر الذي يلتئم في كل أمسية من أمسيات رمضان بعد صلاة التراويح.

وهي عادة ظل مواظباً عليها لما يقرب عن عشرين عاماً ومثلها سكان القرية الذين ينقسمون إلى أجيال، فالشباب لديهم مجلسهم والشيوخ والأطفال.

وفي مجلس الشباب يوزع الجمري الأدوار بين المتحدثين كما يقوم بدور النقاش في قضايا تهم الشباب وفي غالبها تهتم بالعمل والمشاريع التي تنتظرهم كشباب تجاه القرية، والنظر إلى المستقبل. ولا تخلو الجلسة من استعراض المواهب التي يتمتع بها البعض في الإنشاد والشعر والغناء في غالب الأحوال.

ويعلق الجمري بشأن الاختلافات في أمسيات رمضان بين أجواء المدينة والقرية ويقول: بعض ملامح المدينة بدأت تزحف نحو القرية خاصة مشاهدة التلفاز في الأمسيات إذ تظل الغالبية تهرع نحو الشاشة لمتابعة المسلسلات وبرامج السهرات ولم تعد المنازل تخلو من جهاز تلفزيون، إلا أن تقليد ليالي السمر ظل على مرّ الأيام يحافظ عليه الأجيال جيلاً بعد جيل، وتبدأ الجلسات بعد صلاة التراويح ويعلن

لها أثناء الإفطار (الذي يجمع كل أهل القرية في باحة المسجد).

واعتبر الجمري أن جلسات السمر تجيء في أحيان بمثابة حفلات استقبال للقادمين إلى القرية، والذين طالت بهم الغربة في العاصمة أو الذين يسافرون خارج السودان، وتتزامن إجازاتهم مع الشهر الكريم لتمتد حتى عيد الفطر في موسم العودة الميمونة واللقاء الجامع لأجيال من الآباء والأبناء.

محمد غلامابي الموظف بوزارة العمل يحرص علي العودة خلال رمضان إلى قريته (ود الجمل المغاربة) غرب مدينة الحصاحيصا وسط السودان لقضاء معظم ايام رمضان بين الأهل والأسرة، مبيناً في حديثه أن متعة الصوم في القرية( لا تدانيها متعة) إذ يتميز بالحميمية والألفة ودفء الأهل والعشيرة، ويختلف طعمه عن المدينة التي يحس الانسان فيها بأنه غريب. وقال ان مظاهر العولمة لم تطمس كثيرا من العادات والتقاليد.

مشاكل وحلول

وترسم جلسات السمر ملمحاً من ملامح رمضان إذ يتنادى سكان القرية ليطرحوا مشاكلهم (في مجالس أنس لا تنتهي الاّ في وقت متأخر) وفي أحيان تمتد حتى السحور وصلاة الفجر، يستمع فيها الناس إلى الغناء والمديح والأناشيد الدينية ويحكون عن تفاصيل حياتهم وتجاربهم، كما أن الصبية يلعبون ألعابهم الشعبية التي تجري تحت ضوء القمر، وهي مساحات لا تتوفر في ليل المدينة اللاهث دائماً في رمضان أو غيره من الأيام، ويورد محمد بعض المشاهد الخاصة بالألعاب ويقول (أصبحت الألعاب الشعبية في مجتمعنا تسير نحو الاندثار خاصة مع وجود الألعاب الحديثة التي تظهر على سطح الواقع).

ويقول محمد إن حرصهم على ليالي السمر (جنبنا كثيراً من سلبيات العولمة) والاستفادة من الوقت للتواصل مع الآخرين، وخلق برامج طبيعية تفوق ما يسمى بخيام رمضان لكن هذه الجلسات لا يحدها حدود الوقت أو الرسميات التي نراها في الخيام التي تقام في المدينة.

مؤكداً أن هذه الجلسات التي امتدت لسنوات جعلت من رمضان في القرية سمة مميزة يتفوق بها على كل الأماكن.

أما في غرب السودان فلا يختلف الحال كثيراً إذ يشير خالد الشيخ أن منطقة بارا الواقعة في الشمال الشرقي بولاية شمال كردفان تحيط بها نفس الأجواء القروية في طبيعة ساحرة تضفي عليها أجواء رمضانية بسيطة تجعل الناس يتجمعون في الأمسيات خارج منازلهم ويعقدون جلسات عامرة بالأنس والمرح، في برنامج يتنوع بين الترويح والترفيه والروحانيات حتى وقت متأخر من الليل ليعودوا إلى ديارهم وهم اكثر سعادة بشهر رمضان المعظم.

البيان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..