حوادث الوفيات والتهريب في ازدياد التعدين.. احتجاجات مستمرة بسبب استخدام “السيانيد”

الخرطوم: جمعة عبد الله
في السنوات القليلة الماضية أصبح التعدين التقليدي يشكل مصدر دخل سريع لقطاع واسع من العمالة، وهو وعلى رغم سهولة الولوج لعالم المعدنين فهو لا ينطوي على مخاطر كبيرة في جانب الخسائر، حيث لا يحتاج لرأسمال وهو ما يمكن ان يقال ان التعدين عمل على درجة من المضمونية سيما وأنه لا يكلف سوى المجهود الشخصي للمعدنين دون تكبد أي تكاليف مالية تذكر، تعداد المتجهين لهذا النوع من التعدين مضي في تزايد مضطرد عاما بعد آخر فشكلت مناجم التعدين التقليدي بولايات البلاد المختلفة مصدر جذب للعديد من الشبان الذين تبدت لهم ابواب الثراء العريض مفتوحة علي مصراعيها، فجني الأرباح من الاشتغال في التنقيب عن الذهب أمر للحظ دور كبير فيه فقد تفلح جهود أحدهم في العثور علي كتلة من الذهب وبين ليلة وضحاها يتغير واقعه نحو الأفضل.
مخاطر ومحاذير
ولكن العمل في التعدين محفوف بالمخاطر، ذلك أن إشكالات عديدة تمسك بخناق القطاع وتحد من قدرة الدولة لترقية وتطوير القطاع بأفضل شكل ممكن، فعلي سبيل المثال يعتبر التعدين التقليدي هو الأكثر إقبالا ويضم شريحة ضخمة من العاملين، إلا أنهم يعملون في ظروف تفتقر للأمان، وليس أدل على ذلك من حادثة وفاة عدد من المعدنين بإحدى مناطق التعدين بالولاية الشمالية بمحلية حلفا أثر إنهيار البئر التي يعملوا عليها ولم تفلح جهود إنقاذهم، كما أن قضية إستخدام السيانيد ظلت طافية علي السطح بشكل لافت حيث ترفضها المجتمعات المحلية بدعوي ضررها علي صحة الإنسان والبيئة.
ويقول سفيان أحمد أحد العاملين بمناجم التنقيب بمناطق أبو حمد على حدود البلاد الشمالية إن بعض المعدنين أسعفهم الحظ سريعا بالحصول على كميات مقدرة من الذهب فغيرت واقعهم ووضعهم الاقتصادي وأصبحوا من أصحاب الأملاك، مشيرا إلى أن التعمل في التعدين يعتمد بنسبة كبيرة علي الحظ مذكرا بوجود بعض الحالات من زملائه خدمهم الحظ بشكل سريع وباعوا كميات الذهب التي حصلوا عليها بمبالغ طائلة، غير أنه أشار إلى أن العمل بالتعدين التقليدي محفوف بالمخاطر لافتا إلى وجود عدد من المعدنين لم يحصلوا على شئ وهو قول يتسق مع إشارته في بادئ الأمر عندما قال أن للحظ دور كبير في هذه الناحية.
دور للحظ
أما عبد الرحيم الذي يعمل في أحد مناجم الذهب بكردفان فيقول إن قطاع التعدين التقليدي أسهم مؤخرا في اجتذاب عدد كبير من العمالة، ويعزو السبب في ذلك إلي رغبتهم قطاع واسع من الشباب من مصدر سريع للدخل وهو ما يتيحه لهم العمل في التعدين التقليدي، إلا أنه أشار إلى أن الربح من هذه المهنة لا يبدو مضمونا على أي حال، فقد تجد شيئا أو لا تجد والأمر يتوقف على الحظ وعوامل أخري، مشيرا إلى معوقات عديدة يعاني منها العاملون في المجال مثل تأخر الحصول على مردود من المهنة وصعوبة العمل فيها مع بيئتها الطاردة والرهق الذي يلازمها وقال ان بعض المعدنين يعانون في الحصول على جرعة ماء للشرب بالإضافة إلى عملهم في ظروف وصفها بالصعبة.
مشكلات عديدة
العديد من مشكلات قطاع التعدين التقليدي تحدث بمناطق التعدين حيث تدفع المحليات بشكاوى من تعدد مناطق البحث عن الذهب عن أراضيها، وهو ما خلق إشكالات اجتماعية واقتصادية متعددة، وليس آخرها ما كشفت عنه محلية دلقو بالولاية الشمالية عن فقدها لـ50% من عائدات التعدين بالمحلية لهذا العام بعد إنفاذ قانون التعدين الاتحادي.
وكان معتمد محلية دلقو بالولاية الشمالية د. عبد الكريم عبد الرحمن قال لـ”الصيحة” إن ظهور التعدين بمحليته ودخوله في الموازنة أسهم في ارتفاع إيرادات حتى العام 2014م، غير أنه أشار لتراجع الإيرادات بنسبة 25% هذا العام بسبب قانون التعدين الإتحادي، وكشف عن تأخير توريد نصيب المحلية من الشركات العاملة، مشيرا إلى أن تأثير دخول وزارة المعادن في عامي 2014 و2015م كان محدودا لكنه تفاقم وأثر سلبا على المحلية هذا العام، وقال إن الوزارة الإتحادية تسببت في هذا الأمر بعد حصولها على 50% من إيرادات الذهب فيما تقتسم المحلية النصف الباقي مع الولاية 25% لكل طرف، وقال إن المحلية كانت تأخذ 50% قبل القانون الجديد الذي قال إنه سلبها الحق في منح تصاديق التعدين، منتقدا عدم وجود حساب منفصل لكل محلية مما يجعلهم بعيدين عن الإجراءات المالية، وقطع بأن خروج عائدات التعدين التقليدي من ميزانية المحلية أقعد بها كثيرا وقلل من قدرتها على تقديم الخدمات التنموية لمواطنيها.
السيانيد.. قنبلة موقوتة
لعل أكثر سليبات التعدين هي ما يعرف باستخدام مادة السيانيد في استخلاص مخلفات الذهب وبعدد من الولايات نشبت العديد من الإشكالات تمثلت في رفض المجتمعات المحلية لمصانع تستخدم السيانيد، ولعل ولاية جنوب كردفان هي الأكثر تضررا من هذا الأمر، حيث يرفض الأهالي قيام هذه المصانع جملة وتفصيلا فيما تؤكد حكومة الولاية على اهتمامها باشتراطات السلامة والحد من أضرار السيانيد عبر جعل المصانع العاملة بعيدة عن مواقع سكن المواطنين، ولا يزال الرفض حاضرا لقيام مصنع للذهب بكادقلي، رغم نجاح حكومة الولاية في الحصول على موافقة من القيادات الأهلية الذين أبدوا تفهمهم لخطوة حكومة الولاية الرامية لإنشاء مصنع للذهب بالمدينة، وقبل نحو شهرين قال المك محمد رحال مك كادقلى إن لقائهم بوالى جنوب كردفان تم فيه تنوير وفد مكوك الإدارة الأهلية بإجراءات قيام مصنع الذهب بكادقلي، وشرح أهميته في دعم اقتصاد الولاية والاقتصاد القومي والمحلي، مشيرا إلى أن التحفظات السابقة على كانت خشية من عدم اتخاذ المصنع المقترح للتدابير الوقائية للمواد المستخدمة فى استخلاص الذهب نظرا لخطورتها، وقطع بانتفاء تلك التخوفات بعد تنويرهم بكل الاحتياطات التي تم اتخاذها وأضاف، تعرفنا على أن قيام المصنع يأتي في إطار مشروع قومي يهدف للاستفادة من هذه المصانع في تطوير موارد تعدين الذهب وزيادة الدخل القومي، وأشار رحال إلى دور المصنع في التنمية المحلية وزيادة دخل الفرد ودعم موارد الولاية وأثره في الحركة الإنتاجية والاقتصادية بكادقلي مثمنا جهود حكومة الولاية في الارتقاء في التوسع في المشروعات الإنتاجية واهتمامها بتعدين الذهب.
وتشكك الخبيرة الاقتصادية والمحاضرة بجامعة الجزيرة، د. إيناس إبراهيم في قدرة الذهب على سد فجوة النفط، رغم إشارتها بأن البلاد باتت في موقف وصفته بالمتميز في مجال إنتاج الذهب، ورهنت مقدرة وزارة المعادن على استقطاب التمويل اللازم بضمان الذهب، بضبط سوق التعدين في المقام الأول، وشددت علي أهمية مكافحة التهريب، وقالت إن كميات كبيرة من المنتج تهرب للخارج مما يحول دون الاستفادة من عائداتها، وأشارت إلى أن التهريب الذهب ينطوي علي خسائر مذدوجة، أجملتها في فقد الإيرادات من العملات الصعبة التي يمكن الحصول عليها عبر التصدير، بالإضافة إلي فقد الكميات المهربة دون فائدة.
جذب الاستثمارات
اتساع حجم المتعاملين بالتعدين التقليدي أتى كنتيجة طبيعية للتقديرات الرسمية التي تؤكد على وجود كميات ضخمة من المعادن على باطن الأرض لم تستغل بعد بشكل جيد وأسهمت هذه التقديرات في جذب العديد من الشركات العالمية للاستثمار في المجال ومؤخرا أبدت شركة (هوريزوم) التركية المتخصصة في مجال استخراج وتصنيع الذهب رغبتها الدخول في الاستثمار في قطاع التعدين بدخولها في شراكة مع شركة أرياب للتعدين السودانية وكشفت وزارة المعادن حينها ان شركة أرياب استخرجت منذ العام 1991 (81) طناً من الذهب من موقع واحد ولفتت إلى أن الشركة بدأت استكشاف جديد في موقع آخر من مواقع الشركة بواسطة شركات جنوب إفريقية وإسترالية أثبتت وجود (1300) طن من النحاس و(140) طن من الذهب و(3000) طن من الفضة إلى جانب (700) ألف طن من الزنك وأشارت إلى أن هناك مشروعين لتطوير الشركة واستخراج هذه الكميات التي يمكن ان تكون اضعاف الكميات في المساحة الأخرى وتركت الوزارة الباب مفتوحا للاستثمار في قطاع المعادن مع توفير كافة الضمانات لا سيما وأن قطاع المعادن يحتاج للقيمة المضافة لأنها تصدر خاما وتحتاج للتصنيع المحلي لتعظيم قيمة هذه المعادن بالاضافة للحاجة الى بدائل لاستخلاص الذهب بدلا عن الزئبق المستخدم.
استفادة محدودة
للخبير الاقتصادي ميرغني ابن عوف رؤية تؤكد على أن عائدات النشاط التعديني يمكن أن تسهم في رفد الخزينة العامة للدولة بحوالي 50% من الموارد ويؤكد ابن عوف في حديثه لـ”الصيحة” أن جزءا كبيرا من هذه النسبة يأتي من التعدين التقليدي لافتا إلى أن افتقار البلاد للخطط والدراسات في هذا الجانب أدي لعدم الاستفادة المثلى من المعدن الأصفر ما تزال قاصرة ولم تنجح في بلوغ المرام منها لافتا إلى أن الكميات المنتجة من الذهب لا تذهب جميعها للحكومة بل للشركات صاحبة نصيب وافر منها عازيا سبب اتجاه المعدنين لتهريب الذهب من مواقع الإنتاج رأسا لأسواق خارجية إلى فرض السلطات لرسوم وضرائب متعددة عليه كما أنها لا تبتاعه من المنتجين بأسعار مشجعة وهو ما يدفعهم للبحث عن مشترين يدفعون أكثر وشدد على أهمية وضع سياسات تشجيعية للإنتاج والشراء بأسعار مجزية حتى تتدفق جميع الكميات المنتجة تقليديا من المعدنين في يد الجهات الحكومية، مشيرا إلى استفادة العديد من المعدنين من التعدين التقليدي في تغيير وضعهم الاقتصادي للأفضل نظرا للأرباح الهائلة التي يتحصل عليها من ينجح في الحصول على سبيكة ذهب.
الصيحة