أزهري محمد علي يطل عبر “مسامرة في أشعار الغناء السوداني”

أقامت ندوة العلامة عبد الله الطيب الإثنين الماضي “مسامرة في أشعار الغناء السوداني ” استضافت فيها الشاعر أزهري محمد علي وذلك بقاعة الشارقة، وقد أقامت ندوتها رقم (431) والتي أتت تحت رعاية شركة زين للهاتف السيار، وتتبع أزهري تاريخ شعر الأغنية السودانية والتطور الفني الذي ظل يضطرد في سياقاته الزمانية والمكانية معبراً عن وجدان الشعب، إلى جانب المطربين إبراهيم خوجلي ود. ياسر مبيوع اللذين قدما فواصل لحنية غنائية كأمثلة للمراحل الفنية التي تطورت عبرها الأغنية السودانية حسبما ذكر مقدم الندوة .

وذكر الشاعر أزهري محمد علي أن الغناء لازمة أصيلة في وجدان شعبنا منذ القدم معبراً عن تنوعه الثقافي عبر تراتيل الكنائس وأماديح المداح في المسيد.. وحتى الغناء في الأنادي، وقال إن الأم السودانية تهدهد طفلها في مهده بالغناء، والغناء تتمثله في أدب الهمبتة عند الطيب ود ضحوية وشعراء الهمباتة، وفي فن الدوبيت، ومثلت تجربة أغنية حقيبة الفن مرحلة مهمة في تطور شعر الأغنية السودانية الذي عبر من سالف الأزمان عن تطور شعر الأغنية السودانية وتعبيره عن قيم المجتمع ومثله العليا حاضاً على مكارم الأخلاق قريباً من نبض المجتمع بعيدا عن السلطات السياسية والاجتماعية، مشيراً إلى أن شاعر الحقيبة وظف ذكاءه والتقاطه الحاد للمشاهد والصور والأحداث في رؤاه الجمالية وهو ينتج ? في أنموذج الشاعر صالح عبد السيد أبو صلاح ? مع شعراء آخرين “حاول يخفي نفسه ” و”شوف العين قالت ده..لا لا “.

وذكر أزهري أن أشعار الحقيبة حافظت في سياقها الزماني على إنتاج صورها الجمالية وعلى المحافظة على القيم المجتمعية بعيداً عن سطوة السلطة السياسية قريبة من نبض الجماهير، وبذا نهض شاعر رطاني فصيح مثل خليل فرح مقدماً وطنياته واجتماعياته الباذخة مستخدماً أدوات الفن ومن بينها أداة الرمز في أيقونته الخالدة “عازة في هواك” في مجابهة الاحتلال الثنائي الإنجليزي المصري .. هذه النغمة من نغمات البطولة والفروسية تبدت من قبل في ديوان الشعر الغنائي السوداني في مقطع الشاعرة شغبة المرغومابية ? من شواعر السودان في حقبة الغزو التركي المصري للبلاد- تحث ابنها حسيناً على خوض سوح الوغى منافحة عن الشرف والكرامة قائلة:

يا حسين أنا أمك وانت ماك ولدي

دقنك حمست جلدك خرش ما فيه

بطنك كرشت غي البنات ناسيه

لاك مطعون لسان الطير تفصد فيه

وفي حديثه عن الشاعر عبد الرحمن الريح باعتباره أحد شعراء الحقيبة الذين واكبوا باقتدار الشعر الذي انتجته حقبة ما بعد الحقيبة.. تحدث مقدم الندوة الشاعر أزهري محمد علي عن حي العرب أحد الأحياء العريقة في العاصمة الوطنية أم درمان.. ذلك الحي الذي رفد الأغنية السودانية بأسماء هي ملء السمع والبصر من أمثال الشعراء عبد الرحمن الريح وعبيد عبد الرحمن وسيد عبد العزيز وأحمد عبد الرحيم العمري والطاهر إبراهيم وسيف الدين الدسوقي والفنانين أحمد حسن جمعة وعبد العزيز المأمون وميرغني المامون وإبراهيم عوض.

وفي ستينيات القرن الماضي شهد شعر الغناء نقلة هائلة مع تجربة الفنان محمد وردي وهو يؤدى نصوصاً فنية تتضمن مضامين حداثوية وجمالية عالية في مقدمتها أعمال الشاعر محمد الطيب الدوش “بناديها ” و”الود” و”الحزن القديم ” وأعمال ذات لونية مغايرة للسائد والمألوف في تاريخ الأغنية السودانية مثل “جميلة ومستحيلة ” لمحجوب شريف و”قلت أرحل” و”من غير ميعاد ” للتجاني سعيد جنباً إلى جنب مع النص الفصيح . ثم ظهرت نصوص أخرى تحولت إلى أعمال لحنية وغنائية رفدت تاريخ الأغنية السودانية مثل “الساقية ” للدوش والتي صدح بكلماتها الفنان حمد الريح و”حروف للعزيزة ” للشاعر سعد الدين إبراهيم، وقد تغنت بها عدد من الأصوات وقيمة هذه الأغنية فضلاً عن جمالياتها الطاغية أنها عبرت بصدق عن تغير المجتمع الإيجابي في نظرته الإيجابية تجاه قضية المرأة العاملة ومن أمثلة التحول الغنائي الحداثي أغنية ” حكاية عن حبيبتي ” التي التقى فيها فنياً كل من سعد الدين وأبو عركي البخيت.

واعتبر أزهري محمد علي في مسامرته تلك أن الفنان مصطفى سيد أحمد هو فنان استثنائي في تجارب الغناء السوداني وهو يصدح بنصوص أكثر من خمسة وستين شاعرا مترعة بالفرادة والجدة واستشهد أزهري بنصوص الفنان مصطفى سيد أحمد المغناة لمشروع الفنان الذي يحمل على عاتقه رسالة الوعي والاستنارة مبشراً بقيم الحرية والسلام والعدالة الاجتماعية، ومثل أزهري بأغنية “نورا” لمحمد الحسن سالم حميد، وهي من الأغنيات التي حملت مضامين جمالية عالية.

وحكى أزهري حكايات بالغة العذوبة وتفيض بالمشاهد الإنسانية عن من أسماهم أصحاب المشاريع العظيمة من المبدعين الراحلين مصطفى سيد أحمد، ومحجوب شريف وعمر الطيب الدوش وحميد، وعن تجربة محمود عبد العزيز أشار أزهري إلى أن الحوت من أكثر أصوات الفنانين الشباب تأثيرا على الأجيال الجديدة مضيفاً بأن محمود عبد العزيز فنان حقيقي حافظ بما امتلك من مواهب فنية مقدرة على أرث الأغنية السودانية المملوء حد الثمالة بالرصانة والنأي عن الإسفاف ومجانبة الابتذال .. ذلك الإرث الذي حمل همه بمسؤولية فنية عالية شعراء وملحنون ومطربون وموسيقيون مبدعون وجمهور واعُ مضيفًا بأن القهر الذي تعرض له محمود عبد العزيز من قبل السلطة السياسية حيناً ومن المحاكمات الظالمة له أحياناً من بعض أفراد المجتمع إلا أنه بفنه وتمرده وقلقه كان يعبر بصدق عال عن حسه وحس أبناء جيله والمنعطفات ? ذات الطابع السياسي والاقتصادي والاجتماعي ? التي كانت تتشكل هنا وهناك، وشدد أزهري على ضرورة إعادة قراءة الفنان في سياقه الزماني حتى تتم قراءته قراءة منصفة وموضوعية، وبهذا نستطيع أن نحاكم بعض أغنيات زماننا هذا، مشيرا إلى أغنية “قنبلة ” مشيرًا الى ضرورة قراءتها في سياقها الذي أنتجها وهو راهن أنتجته تحولات وحدثت فيه نقلات سياسية واجتماعية كبيرة، مشيراً الى الحروب التي استعرت في عدد من الولايات وعلو أصوات العنف مما كان له الأثر غير المستغرب في أن يشبه الشاعر حبيبته بقنبلة توشك أن تنفجر ويصور يديها بالكلاشينكوف لتنحسر بعيداً اغنياتنا المتسامحة أمثال أغنيات “مالي والهوى ومسامحك يا حبيبي”.

هذا وقد ختم الشاعر أزهري محمد علي الندوة بباقة من ورود شعره الناضرة وسط تصفيق حاد من الجمهور الذي اكتظت به القاعة:

زولة حنونة

بي ريحة المطر مسكونة

عاجبني السمار الفيها

سميتا انكسار الضو

سماني البحر مجنونا

الصيحة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..