مسيرة مبدع.. ظل الموسيقار حسين ?بطري? ملازماً لآلة الكمان لأكثر من خمسين عاماً منح خلالها السودانيين أعذب الألحان

الخرطوم ? أحمد محمد السنوسي
القامة حسين عثمان أحمد المعروف في الأوساط العلمية والفنية بحسين بطري قمة علمية وظاهرة إبداعية وفنان حتى النخاع، والدخول إلى عالم (البطري) يحتاج إلى حضور كبير، خاصة إذا علمنا أن الرجل من الذين يسيطر عليهم التواضع الذي يميز العلماء الهاربون من الأضواء، كنت قد التقيته لأول مرة في مارس من عام 2011م، فتحدث لي عن ذكرياته في ألمانيا التي سرقته من السودان لفترة من الزمن، فتذكرت يومها بعض العبارات التي قالها الزعيم الخالد إسماعيل الأزهري في ذكرى رحيل الشاعر العبقري الفذ التجاني يوسف بشير (ابحثوا عن العباقرة والمبدعين في البيوت المنزوية عن الأضواء).
لكن الدولة ممثلة في المؤسسة الثقافية الكبرى وزارة الثقافة والإعلام تجاهلت (البطري) كما تجاهلت العديد من المبدعين، وأعتقد أنها لم تعلم حتى الآن بمرض (البطري) وإصابته بشلل تام جعله يلزم داره دون أي حراك.. وقد سعدت بلقاء الأستاذ بطري مرة أخرى، حيث أهدى كتابه الشائق حول (تربية الأرانب)، الذي يعد إضافة للمكتبة السودانية ومساهمة أصيلة لموضوع لم يجد حظه من الاهتمام في السودان، وقد تحدثت عن الكتاب في مقال نشر بإحدى الصحف قبل خمس سنوات، وفي آخر لقاء لي بالرجل قبل مرضه وإصابته بالشلل مؤخراً، كنت قد أجريت هذا الحوار الفني مع الموسيقار حسين بطري الذي يعد هو العازف السوداني الوحيد الذي يستطيع أن يغني وهو يعزف على آلة الكمان التي صحبها أو صحبته لأكثر من خمسين عاماً.
قلت له: دعنا ننتقل بك من حسين بطري العالم البيطري والمترجم إلى حسين بطري الموسيقار الذي صاحب آلة الكمان لأكثر من خمسين عاماً فأجاب:
ما بطال.. البداية كانت مع آلة الصفارة التي اشتريتها بقرشين من حق الفطور.. وأنا في (تانية كُتَّاب). أما عن آلة الكمان فأستاذي الذي تعلمت على يديه العزف هو الأستاذ طه بشير طه شقيق البروفيسور الزبير بشير طه والي الجزيرة الأسبق.. وفي عام 1961م تلقيت كورساً في الإذاعة السودانية أنا والعازف الشهير محمدية، وهو من أبناء قبيلة الفلاتة.. وقد صاحبت بالعزف العديد من كبار المطربين السودانيين وعلى رأسهم حسن عطية، ورمضان حسن والخير عثمان والكاشف، وكان من زملائي في تلك الفترة المرحوم عثمان أبوبكر ومحمود جادين وعوض الله جابو.. كما رافقت حسن عطية في العديد من رحلاته الفنية إلى سوريا وألمانيا وإنجلترا وعزفت أيضاً مع الفنان الراحل عثمان الشفيع وأحمد المصطفى الذي كان دائم الحضور لود مدني، وكان يقيم مع عزت أبو العلا في منزله الذي تحول الآن إلى فندق النيل بشارع النيل، وأذكر تماماً نقابة الفنانين التي أنشأها الشاعر المجيد الراحل مبارك المغربي الذي كان مأموراً لسجن مدني.. وقد توقف نشاط النقابة بعد رحيل مبارك المغربي من مدني، فتحولنا إلى نادي السكة الحديد، حيث تعرفت على بعض الفنانين الذين أصبحوا من أعلام الفن الغنائي في السودان ومنهم الفنان محمد الأمين الذي رافقته بالعزف كثيراً وساعدته في وضع بعض الألحان، وقد واجهت مضايقات كثيرة بسبب تعاوني مع ود الأمين.
حديثك المتكرر عن حسن عطية وبعض المطربين القدامى يدفعنا إلى التوقف عندهم قليلاً.. حسن عطية.. عائشة الفلاتية.. رمضان زايد.. أحمد المصطفى.. بشير عباس? الخ.
حسن عطية وأحمد المصطفى تركا أثراً كبيراً في حياتي الفنية ومواقف لن أنساها وكذلك الشاعر مبارك المغربي الذي لا زلت أذكره كلما مررت بموقع منزله الذي كان بملجة الخضار القديمة. أما عن عائشة الفلاتية، فهي امرأة عظيمة التقيت بها في القاهرة، وهي التي قامت بوضع (الحنة) على يدي ورجلي في زواجي عام 1966م وتمتاز الفلاتية بالجدية والأناقة.. ولا أنسى شقيقتها (جداوية) أفضل امرأة عزفت على آلة العود في السودان.. أما رمضان زايد وهو شلكاوي من أبناء ملكال، فهو فنان مبدع بحق وظاهرة إبداعية لن تتكرر في السودان، وهو إلى جانب هذا يعد أحسن (عامل بياض) في السودان، وكان (رجل حبوب) ومتواضعاً جداً.. وكان لا يشرب في بداية حياته الفنية غير الشاي.. أما الموسيقار بشير عباس، فكان معنا بحي القبة بود مدني مع أسرة عشرية، وقد عمل بمشروع الجزيرة، وكان والده يعمل صرافاً بمصر..
من هو الفنان أو المطرب السوداني الذي تستطيع أن تقول عنه إنه فنان مثقف جداً؟
الفنان عبد الكريم الكابلي.. والموسيقار العاقب محمد حسن رحمه الله.. هذا الرجل ثقف نفسه لدرجة أن اهتمت به الدولة وابتعثته لدراسة الموسيقى في مصر.. ومن الفنانين المثقفين جداً الأستاذ عبد الله عربي والموسيقار المبدع الراحل محمدية المولود ببورتسودان.
*وماذا عن الحركة الفنية الآن وما رأيك في الأصوات الشابة الجديدة؟
الحركة الفنية عموماً مزدهرة ولكنها لم تكن في مستوى الأجيال السابقة التي لن تتكرر أبداً.. معهد الموسيقى قدم خدمة عظيمة للفن، ومدني قدمت من قبل من خلال موسيقى النيل الأزرق محمد آدم المنصوري وجمعة جابر.. ومحمد خاطر وإسماعيل عبد الرحيم الذي كان يستعين به معهد الموسيقى.. أما عن الأصوات الشابة التي تملأ الساحة الآن، فهي نشاذ وهرجلة لا أكثر.. وفي مدني أستطيع أن أقول إن ثنائي الجزيرة قدم أعمالاً كبيرة وراسخة في وجدان المستمع السوداني.. وأنا سعيد جداً بأنني أحفظ كل أغاني الفنانين الكبار المعروفين.. ويزعجني أن الفنان الحقيقي الأصيل لا يستطيع في هذه الأيام أن يجاري الأصوات اللاهثة وراء العدادات.. وأخيراً هذه رسالة نوجهها لوالي الجزيرة الدكتور محمد طاهر أيلا والمبدعين والمثقفين بولاية الجزيرة وأهل الفن والإبداع في السودان.. ادركوا الموسقار حسين بطري الذي يصارع المرض منذ أكثر من عامين، وكذلك الفنان محمد سيد أحمد الذي لم يحظ حتى بمجرد زيارة من المسئولين القائمين على أمر المؤسسة الثقافية التي تغرد خارج السرب وتدعي أنها ترعى المبدعين، فيا عجبي!!

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. وكان لا يشرب في بداية حياته الفنية غير الشاي….وبعد ذلك تحول الى شرب ال…ربنا يديك الصحة والعافية…اما موضوع الاهتمام بالمبدعين من قبل الدولة فنصيحتى لكل مبدع ان ينسى وكفى

  2. وكان لا يشرب في بداية حياته الفنية غير الشاي….وبعد ذلك تحول الى شرب ال…ربنا يديك الصحة والعافية…اما موضوع الاهتمام بالمبدعين من قبل الدولة فنصيحتى لكل مبدع ان ينسى وكفى

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..