العودة الحقيقية لكينز وإطلالة الربيع العربي

العودة الحقيقية لكينز وإطلالة الربيع العربي

طاهر عمر
[email][email protected][/email]

مشكلة الدول العربية اليوم مركبة سياسية وإقتصادية . فإطلالة شمس الربيع العربي محاولة جادة لإيجاد نظم حكم تتماشي مع العصر وفي نفس الوقت تشغلها الأزمة الإقتصادية التي تشغل العالم بأثره . فالمعركة من اجل الحرية والكرامة ذات تكاليف عالية ودائما يحول جبار الصدف ما بين الشعوب وأقدارها كما يقول فردريك نيتشه . فجبار الصدف الذي يحول مابين العرب وحريتهم وكرامتهم اليوم قبولهم المرعب للخطاب الديني المرعب . فحال العرب اليوم كحال السائر في نومه . العرب اليوم ينشدون الحرية والكرامة ويؤمنون بخطاب ديني منغلق لا يمكن أن تخرج من تحت عباءته الحرية والكرامة .
منذ كان فسابقا أيام الإمبراطورية الرومانية والفارسية والحروب فيما بينهما كان العرب يعملون كحماليين وشيَاليين للجانبين أي كانوا يعملون كمرتزقة للفرس والروم قبل ميلاد السيد المسيح بقرون . فأنظر لحال العرب اليوم ألم يعمل العرب كحماليين وشياليين للفرس والروم الي الآن ؟
أنظر للنظام السوري و حزب الله في لبنان والنظام العراقي والحوثيين في اليمن وأخيرا الي الهامش العربي في السودان ألم يعملوا كمرتزقة وحمَاليين وشيَاليين للفرس ؟
الهامش العربي في السودان دخل الي ساحة الإرتزاق كمقلد للعرب كدأب أبناء الهامش العربي في السودان كمقلديين بارعيين . ألم أقل أننا نفتقر دوما الي روح المبادرة ونسعي دوما في البحث عن ولي أمر ؟
هاهي إسرائيل تضرب إرتزاق الإنقاذ للفرس في اليرموك . وتحرر شهادة حماليين وشياليين ومرتزقة للهامش العربي في السودان .
أما المرتزقة من العرب الي الروم اليوم فهم أصحاب الصناديق السيادية . فعندما أطلت الأزمة الإقتصادية برأسها لم يتواني عرب الصناديق السيادية في مساعدة الروم لإنقاذ النظام المالي الفاشل وإطالة عمر الأزمة الإقتصادية . وسترتد عليهم بخسران مبين . وأول من يدفع الثمن هم السعوديون وعرب الخليج أصحاب الصناديق السيادية . النظم العربية السياسية نظم بالية لاتحترم الحريات وإقتصادها خارج النموذج لمفهوم الإقتصاد . فالصناديق السيادية لا تجلب لها أي سيادة . أما نحن في السودان فليرد الله غربة بعانغي العظيم وتاهارقا كبوصلة فقدها عرب الهامش.
في ظل الأزمة الإقتصادية يتخلَق العالم ليولد من جديد . فشمس التبادل الحر قد شارفت علي المغيب . ففي الأيام الأولي للأزمة الإقتصادية هناك من رأي شبح ماركس يتأبط رأس المال . إلا أن الإختناقات التي تصيب النظام الراسمالي تقول أن العائد هو جون ماينرد كينز تحت رعاية الأحزاب الإشتراكية الأوروبية ولكن هذه المرة بنبرة قوية تشبه القرارات الثورية كما يقول إيمانويل تود في مقارنة بين مجئ فرانسوا ميتران 1981 وفرانسوا هولاند المنتصر علي خطاب اللا عدالة الذي جسده ساركوزي . ففي ظل حكم ساركوزي أصبحت الأوليغارشية التي تمثل نسبة 1% ضد الأغلبية من الشعب التي تمثل نسبة 99% هي المستفيدة من النظام المالي الفاشل . وهذه النسبة تتطابق مع الأجواء التي عاشتها فرنسا عشية الثورة الفرنسية عام 1789 وهذه الأجواء تساعد فرانسوا هولاند علي إتخاذ بعض القرارات التي ترقي لدرجة الثورية فيما يتعلق بمسألة الضرائب علي الأغنياء والتحكم علي النشاطات البنكية وتخفيض الديون .
هذه الخطوات تضع فرانسوا هولاند في مصاف واحد مع روزفلت أيام الكساد العظيم 1929ولم يلام روزفلت علي قراراته الثورية لأنه كان ابن الأرستقراطية . أما وعد فرانسوا هولاند بالعودة لإقتصاد الإنتاج فهذا يحتاج لجيل كامل كما يقول إيمانويل تود كاقتصادي يدعو لنظام الحماية .
يري الإقتصاديون أن فرانسوا ميتران عام 1981 جاء بخطاب إشتراكي قوي وكانت وصفته تقوم علي التأميم ورفع الأجور والضمان الإجتماعي .فلم يستطع تحقيق وعوده الإنتخابية ووجد نفسه مضطرا لتطبيق إشتراكية فرنسية تستطيع التعايش مع النيولبرالية وفقا للمسرح العالمي . أما اليوم مع فرانسوا هولاند أن الدولة لا تستدين من الأوليغارشية بل ستفرض عليهم الضرائب . وسيتحكم فرانسوا هولاند في النشاط البنكي .
يري المراقبون أن فرانسوا هولاند وبسبب ضغط الطبقات العليا والوسطي سيتأخر في إنزال وعوده الإنتخابية ولكن سيحققها مثلما إضطر شارل ديغول بسبب ضغط الطبقة العليا للكذب في تصريحه الشهير “ستظل الجزائر فرنسية ” أحتاج الشعب الفرنسي لأربعة سنوات ليستوعب فكرة إستقلال الجزائر . سيتأخر فرانسوا هولاند بسبب التركة التي ورثها من معلمه الأكبر ميتران وهي أن اوروبا أفق تعمل فيه فرنسا وكما يقول إيمانويل تود كانت أيدولوجية أوروبية ضد الماركسية . لذلك يري المحللون أن أسباب قيام العملة الأوروبية قد زالت .
ولكن إنهيار العملة الأوروبية ربما يجعل إيطاليا تعود الي الفاشية واليونان الي عصر الجنرالات وأسبانيا الي عهد فرانكو . وهذا ما يؤخر فرانسوا هولاند في إنزال وعوده الإنتخابية . يقول إيمانويل تود أن فرنسا اليوم علي حافة الهاوية وعلي فرانسوا هولاند أن يرجع الي تاريخه الروماني .فاما أن يكون عملاق يستطيع إنقاذ فرنسا و إما أن يصبح قزما ستضيع فرنسا من بين يديه . لذلك عودة كينز مع فرانسوا هولاند ستكون منقوصة مالم تكن سياساته النقدية كاملة المعالم وفقا لجون ماينرد كينز . وبالتالي يستطيع الإنتصار علي الأوليغارشية . وهنا سيكون أنتصر بعض الشي لماركس “إن الأغنياء يحبون الدولة ذات المديونية العالية لأنها تضمن لهم حقوقهم” فغياب السياسات الحقيقية لجون ماينرد كينز ووجود الأوليغارشية أدي لتفكيك إقتصاد الإنتاج في أوروبا وبالتالي النمو المضطرد للإقتصاد الصيني .
فالعودة الكاذبة لكينز كانت مع فرانسوا ميتران فجاءت بإشتراكية سيطرت عليها الأوليغارشية فأغرقت الحكومات بالديون وسيطرت علي البنوك .وهذه فرنسا كمثال من ضمن الدول الأوروبية في ظل الأزمة الأقتصادية .
نعود للدول العربية وإطلالة الربيع العربي في سبيل البحث عن الحرية والكرامة مثلما ضاعت وعود فرانسوا ميتران عام 1981كرفع الأجور والتأميم وإمتيازات إجتماعية أخري وجاءت إشتراكيته إشتراكية يسيطر عليها الأغنياء أي الأوليغارغشية . نجد اليوم أن الربيع العربي يسيطر عليه خطاب زائف يسعي نحو ديمقراطية زائفة تحت نير الأوليغارشية الإسلامية . مثلما إختطفت الأوليغارشية المجتمعات الأوروبية وسيطرت علي البنوك وخلقت دول ذات مديونية عالية .فبسبب فشل النخب وعدم المقدرة لنقل المجتمع الي الحداثة سيطر خطاب الإسلاميين في مجتمع كاسد .
مثلما فشلت محاولات ميتران بسبب تخوفه من الماركسية وإضطراره للتعايش مع أوليغارشية فاسدة . سوف يفسد الإسلاميون الي حين الربيع العربي .
بسبب قبول المجتمع العربي لخطاب الإسلاميين ستتأخر إطلالة الحرية ولكن لفترة لن تطول مثلما وعد ديغول بأن الجزائر ستظل فرنسية وكان يعلم أن ذلك مستحيل . اليوم يرفع الإسلاميين شعار الإسلام هو الحل وقد رأوا فشل نماذجهم في إيران والسودان وغزة .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..