يا فرعون من «فرعنك»؟

غادة السمان

حضرت في مدينة فينيسيا احتفالات عدة (في الكرنفال السنوي) فيها حيث يتفننون في ارتداء الأقنعة الباذخة.. لكنني لم أجد من هو أكثر مهارةً من بعضنا كعرب في هذا المجال.
فالكثير من الساسة العرب يرتدون «أقنعة حب فلسطين» والدفاع عن الأرض المحتلة وهم في حقيقة الأمر نسوا «القضية» التي مات شهداء حقيقيون من أجلها وتحولت اليوم في معظم عالمنا العربي إلى مناسبة جنائزية خطابية أخرى..
ذكرى قرار تقسيم فلسطين (1947)، الذي رفضه جيل قبلنا! وصار حلم بعضنا!
ذكرى وعد بلفور!
اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني! ذكرى هزيمتنا كعرب في حرب 1967.. (والتواريخ) التي نتذكرها تطول وتمر كذكرى شاحبة لكننا (خطابياً!) نتذكرها. كأننا نقدم كفّارة عن النسيان وحقيقة الأمر ان فلسطين لم تعد للأسف الشغل الشاغل للعرب وإلا لتوحدوا كأصابع اليد الواحدة.
صار الشغل الشاغل: سني، شيعي، داعشي، ديمقراطي ـ أصحاب الفيل، أصحاب الذاكرة العروبية القومية، إلى آخره..

فلسطين؟ هل تذكر هذا الاسم؟

كتبت قبل عام تقريباً «لحظة حرية» بعنوان يعني «تذكروا فلسطين»، وشعرت بعدها بالذنب وظننت أنني ظلمت «ذاكرة الإنسان العربي» ولكن يبدو أن الكثيرين يشاركونني مدلول رأيي الحزين هذا..
يكتب فهد الحمود: قبل أعوام مضت كانت القضية الفلسطينية هي قضية العرب والمسلمين الأولى. ويضيف: ولكن ومع تغير الاحداث ومرور الزمان أصبح الانسان العربي منشغلاً بهمومه ومحيطه..
يكتب زياد الدريس: «أعتقد ان معظم العرب اصبحوا مشغولين عن فلسطين وعن قضية فلسطين واصبح الاهتمام بها اقل مما كان عليه في سنوات ماضية لسبب بسيط وهو ان قضية فلسطين كانت قضيتنا الوحيدة فقد كنا نجتمع حولها ونتكاتف من أجلها ونتابعها اما اليوم فأصبحت لدينا قضايا كثيرة ومتعددة».
يكتب فاضل العماني: «القضية الفلسطينية هذه القضية المركزية الكبرى لم تعد كذلك فيما يبدو، حيث خف بريقها وفقدت وهجها وتعرضت للكثير من الانزواء والتواري والإهمال خلال الثورات والاحتجاجات العربية المتتابعة مما شكل صدمة كبرى لكل المناصرين والمدافعين عن هذه القضية المحورية»?

غصة في القلب

يكتب د. حسين المناصرة: «وان كانت فلسطين هي قضية العرب الأولى لعقود خمسة تقريباً فإنها لم تعد كذلك».. ويذكر الأسباب والنتيجة واحدة.. يكتب محمد محمود البشناوي انه «تبقى لفلسطين مكانة لدى الجيل (الألفوي) العربي وإن كان تفاعله معها بحجم اقل مما كان سابقاً بحكم انشغاله مع يوميات طاحنة من الصراع الداخلي».
يكتب موسى حوامدة: «تعيش القضية الفلسطينية اليوم أسوأ فترة تمر عليها ففي الوقت الذي كانت فيه قضية العرب الأولى وقضية العالم الإسلامي والمعسكر الشرقي والعالم الحر في النصف الأخير من القرن العشرين صارت اليوم في مرتبة أدنى على أكثر من صعيد».
وتقول دانيا عاصم: «يثير الحديث عن القضية الفلسطينية الكثير من الشجون ويترك غصة في القلب لأنه في عالم يطالب بالحريات وحقوق الانسان والعدالة تقف تلك المفاهيم وكأنها لا تنطبق على الفلسطينيين».
ويكتب بيسان عرمان: «الصراع العربي/الإسرائيلي لم يعد يشغل الحيز الأول في قضايا الشباب العربي». واختم بقول الاديبة حنان بيروتي: لا بد من التمسك بثوابت الوجود الفلسطيني.
(هذه الأقوال مستقاة من محور لـ»المجلة العربية» ـ السعودية ـ بعنوان هل نسي العرب قضيتهم ـ العدد 484 ـ رئيس التحرير: محمد عبدالله السيف).

ما الذي نقوله للشهداء؟

(ترتفع معنوياتنا) حـــــين نقرأ د. فايز رشيد معلناً: أثبـــــت الزمـــــن ان الأجيال الجديدة من الفلسطينيين اكثر تمسكاً من كل الأسلاف»..
ونصلي كي يصدق قوله وكي نقول ذلك للشهيد غسان كنفاني ورفاقه الشهداء الكثر اذا حضروا لعتابنا? وأتمنى ان تتم المصالحة الفلسطينية من الورق إلى الواقع (على حد تعبير سليمان الشيخ) واعتقد ان الانقسامات ترف لم يعد يحق لنا ممارسته.. و»الشعب الفلسطيني ليس وحده من يدفع الثمن، وثمة الملايين من العرب مثلي الذين ما زال يحز في نفوسهم هذا الاقتتال الداخلي والعدو سعيد يزداد غياً..
لقد فقدنا توازننا السياسي كعرب منذ اليوم الذي فقدنا فيه عمودنا الفقري القومي: القضية الفلسطينية أو كدنا?
المثل الشامي القديم الذي كانت جدتي تردده يقول:
ـ يا فرعون من فرعنك؟
ـ ما لقيت من يردني!!?
والصهيونية لم تجد من يردها

إذلالنا بكعب حذاء!

ما مناسبة كل ما تقدم؟ إنه الشعور بالمذلة من اللغة الفوقية العدائية الإستعلائية الإستخفافية «الترامبية» التي خاطبت بها نيكي هيلي (ممثلة U.S.A في الأمم المتحدة) كل من يوجه انتقاداً لإسرائيل.. أي العرب جميعاً وكل من يجرؤ على التضامن معهم ومع الحق الفلسطيني الرافض لإجرام يهدم البيوت ويسرق الأرض ويسجن أصحابها او يقتلهم..
لا جدوى من الرد عليها «بلغة الحذاء» الذي قد نرميه في وجهها..
فالرد الحقيقي يكون بلحظة صحو عربية قومية نوجه فيها اسلحتنا نحو العدو الحقيقي? بدلاً من التهام بعضنا بعضاً وبمباركة من العدو!
فضعفنا يغري الست نيكي وأمثالها بإذلالنا.
وأحزنني أيضاً ان مجلس الوزراء الإسرائيلي وافق على بناء مستوطنة أولى في الأراضي الفلسطينية بالذات في اليوم ذاته الذي يوافق «عيد الأرض» لدى الفلسطينيين أي في 30 آذار.. بالله عليكم ألم تتعبوا مثلي من هذا الإذلال لنا؟ الأراضي الفلسطينية؟ أليس كل شبر في إسرائيل المحتلة هو من «الأراضي الفلسطينية»؟
ومعذرة من القراء الذين واعدتهم على اللقاء في «لحظة حرية» هذا الأسبوع، ولكن ضربة حذاء «نيكي هيلي» على رأسي ورؤوس العرب كلهم وكل متضامن مع الحق الفلسطيني استفزتني..
وإلى اللقاء مع القراء في الأسبوع المقبل.

القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..