هل تستقيم الديمقراطية مع سلطة الفقهاء المطلقة؟ا

كمال الذيـــب

عندما‮ ‬يتحدث الطائفيون‮ -‬خاصة ممن‮ ‬يستندون في‮ ‬فكرهم وقراراتهم ومواقفهم إلى المرجعيات الدينية المقدسة‮- ‬عن الديمقراطية،‮ ‬لا نستغرب من طبيعة هذه الفارقة بين من‮ ‬يربط سلطة الديني‮ ‬بالسياسي‮ ‬فحسب،‮ ‬وإنما نستغرب حقاً‮ ‬من جعل القرار الديمقراطي‮ -‬الانتخاب أو الاستفتاء‮- ‬مقيداً‮ ‬بمباركة وموافقة أو عدم موافقة الفقيه‮ (‬سواء أكان ولياً‮ ‬أم‮ ‬غير ولي‮)!!. ‬بما‮ ‬ينفي‮ ‬في‮ ‬النهاية الديمقراطية أو‮ ‬يفرغها من محتواها‮.‬ هذه المفارقة ناجمة عن خلط‮ ‬غريب بين المفاهيم والقيم،‮ ‬وإذا كان بعض الإسلاميين مايزالون إلى اليوم‮ ‬يعتبرون الديمقراطية لعبة وبدعة لا تجدر بنا الثقة بها أو اللجوء إليها،‮ ‬فإن التيارات الجديدة والتي‮ ‬أحست أن لها بعض الكثرة العددية ارتأت في‮ ‬الديمقراطية وسيلة نافعة للوصول إلى الهدف كمطية للوصول إلى السلطة والتمكن من السيطرة على المجتمع،‮ ‬وبعد ذلك‮ ‬يمكن ركوب أي‮ ‬مطية أخرى،‮ ‬طالما أن الهدف قد تحقق،‮ ‬ولدينا في‮ ‬المثالين السوداني‮ ‬والإيراني‮ ‬خير مثال،‮ ‬فالأول وصل فيه الإسلاميون إلى السلطة عبر انقلاب عسكري‮ ‬أطاح بحكومة منتخبة ديمقراطياً،‮ ‬وقد رأينا كيف قادت سلطة الإنقاذ البلاد إلى الحروب الدائمة،‮ ‬والتي‮ ‬انتهت بكارثة تقسيم السودان على أساس طائفي‮.‬

والمثال الثاني‮ ‬وهو المثال الإيراني‮ ‬حيث وصل الملالي‮ ‬إلى السلطة عبر ثورة،‮ ‬ولم‮ ‬يتم استخدام الديمقراطية إلا كآليات شكلية للسيطرة على المجتمع والتحول تدريجياً‮ ‬إلى ديكتاتورية دينية‮ – ‬عسكرية‮ ‬يحكمها تحالف من الفقهاء والحرس الثوري،‮ ‬أما ما بقي‮ ‬من الديمقراطية فهو مجرد هيكل عظمي‮ ‬بدون حياة والذي‮ ‬يمنع التداول السلمي‮ ‬على السلطة ويمنع أي‮ ‬حراك ديمقراطي‮ ‬مستقل عن سلطة وهيمنة الفقهاء،‮ ‬حيث‮ ‬يتم تكفير وتخوين أي‮ ‬حركة خارج هذا الضبط والربط العنيف الصارم،‮ ‬وفي‮ ‬ظل هكذا‮ ”‬ديمقراطية‮”‬يتم إعدام المعارضين واعتبارهم جواسيس وعملاء للغرب،‮ ‬ومنع التظاهر الحر وحتى الأنشطة الثقافية والفنية والسينمائية وغيرها‮..‬ وإذا كنا نتفق على ضرورة جعل الديمقراطية في‮ ‬المجتمعات الإسلامية محاطة بسياج من القيم الدينية،‮ ‬فإنه لا‮ ‬يمكن القول بأننا ديمقراطيون ونتكئ في‮ ‬ذات الوقت على سلطة الولي‮ ‬الفقيه في‮ ‬الشأن السياسي‮ ‬على سبيل المثال بما‮ ‬يعني‮ ‬في‮ ‬النهاية انتفاء الإرادة الشعبية الحرة،‮ ‬أي‮ ‬الديمقراطية في‮ ‬أهم تجلياتها‮.‬ لقد أصبحت الديمقراطية ضرورة ملحة لا‮ ‬يجادل في‮ ‬أهميتها اثنان،‮ ‬بل لا نغالي‮ ‬إن قلنا أن أي‮ ‬عمل سياسي‮ ‬أو تحرك شعبي‮ ‬أو تكتل حزبي‮ ‬إذا لم‮ ‬يضع في‮ ‬أولوياته ترسيخ قيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان،‮ ‬فإنه لا‮ ‬يحظى بالقبول في‮ ‬ظل انتشار المصطلح الجديد القديم،‮ ‬ولكن من الواضح أن القليل منا‮ ‬يعود بالديمقراطية في‮ ‬مفهومها الليبرالي‮ ‬إلى جذورها الصحيحة والحقيقية،‮ ‬وهي‮ ‬أن الديمقراطية لكي‮ ‬تنجح وتنتشر فلابد لها من مدنية الدولة بمعنى الفصل بين الدين والدولة على مستوى المؤسسات وعلى مستوى الأنظمة والقوانين باستثناء ما له علاقة بنظام الأسرة لارتباطه بالضرورة بالمنظومة الدينية،‮ ‬حيث لا‮ ‬يمكن الأخذ بالديمقراطية دون الأخذ بمدنية الدولة فالممارسة الديمقراطية تعني‮ ‬ببساطة شديدة‮: ‬المشاركة الشعبية في‮ ‬اتخاذ القرار،‮ ‬وحتى تكون هذه المشاركة حقيقية وفاعلة لابد من توافر شرطين اثنين هما‮: ‬المساواة الكاملة في‮ ‬الحقوق والواجبات على أساس المواطنة بغض النظر عن الفوارق الدينية والعرقية والسياسية والجنسية،‮ ‬والثاني‮ ‬هو ضمان حرية الفرد الكاملة في‮ ‬الكلام والتعبير والتنظيم والعمل السياسي،‮ ‬فالديمقراطية هي‮ ‬حرية الفرد في‮ ‬التعبير والكلام وهي‮ ‬حق الآخر في‮ ‬الوجود وحريته في‮ ‬العمل والتعبير‮.. ‬هي‮ ‬المساواة بين الجميع دون تمييز،‮ ‬هي‮ ‬نسبية الحقيقة‮: ‬أي‮ ‬الاعتراف المسبق باحتمال خطأ الذات الذي‮ ‬يقابله احتمال أن‮ ‬يكون الآخر على صواب‮… ‬هي‮ ‬حق الأقلية في‮ ‬أن تتحول إلى أكثرية‮.‬ فبدون هذين الشرطين لا‮ ‬يمكن القول بوجود ديمقراطية حقيقة‮.. ‬لأن الدولة كيان مدني،‮ ‬وبهذا المعنى تكون ملكاً‮ ‬للجميع ومن أجل الجميع،‮ ‬وذلك أرقى أشكال الديمقراطية‮..‬

kcorp.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..