أرض خضابها طمي النيل…هوية السودان وليدة تمازج فريد

فيحاء العاقب:أرض كان خضابها طمي النيل، ذلك الشريان الذي سال ماؤه كشهد متدفق من بين شفتي عذراء، هي لؤلؤة مزجت في تكوينها بين الأصل والوافد، تدلت عناقيد العشق من أشجارها وترامت على أرضها وكأنها تقبل وجه القمر، الذي أغراه حسنه فتكسر روعة على مرآة النيل، وإن جال السؤال فى محراب ذهن القارئ عمن تكون تلك التي وقعتُ سبيّة حبها، فليعلم بأنها السودان.

تختلف حركة الحياه الثقافية في السودان، إذ نجدها ثقافة هجينه تجمع بيت السمات العربية والأفريقية، ولعل من أهم الأسباب في ذلك الموقع الجغرافي الذي يحتله هذا البلد، فعلى أرض السودان ترتسم العديد من الملامح الثقافية المركبة فهو متعدد الأعراق واللغات والنشاطات الاقتصادية وكذلك الديانات، ويتجلى ذلك في الأشكال المختلفة للمأثورات الشعبية التي وجدت نتيجة هذا التلاقح.

ومن جهة أخرى فإن توسط السودان مجموعة من الدول العربية والأفريقية جعله جسر عبور لكثير من هذه المأثورات الشعبية من وإلى السودان، حيث سمح له موقعه أن تقوم بين شعبه والشعوب الأخرى المجاورة روابط تاريخية منذ القدم نراها قد تمثلت في أشكال الحياه المختلفة أي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والجدير بالذكر أن السودان ظل يستقبل العديد من الهجرات الفردية والجماعية، حيث أدى تمازجها مع السكان المحليين ظهور هذه التركيبة الثقافية الفريدة.

بالحديث عن التركيبة السكانية في السودان بتفصيل أكثر نجدها تتكون في الأساس من عنصرين هما المحلي الأفريقي الزنجي، والعربي الوافد حيث ظل العنصران في حالة من التأثير والتأثر الأمر الذي جعل القومية السودانية لا تزال في طور التكوين حتى الآن، كما جعل تحديد الهوية السودانية في دائرة المباحثات.

ومن أهم الجوانب التى تلعب دورا كبيرا في السودان الجانب الديني، فالمجتمعات السودانية كغيرها من المجتمعات الأخرى التى اعتنقت الديانة الوثنية ? هناك بعض الجماعات التى تعتنق الوثنية حتى يومنا هذا – ونجد أن بعضها متصل بعبادة الملوك والبعض الآخر متصل ببعض الظوارهر الطبيعية والكائنات ويذكر أن الآلهة كانت خليطا من الجنسين أي ذكور وإناث، بالإضافة إلى الاعتقاد لدى بعض الجماعات بشخصيات قد لا تنتمي مثل الملوك، بل انه يتم اللجوء اليها للتوسط بين الآلهة وبينهم.
وبظهور المسيحية بدأت تلك الآثار والمعتقدات بالتلاشي رويدا رويدا، مع الاحتفاظ ببعضها كما سلف الذكر، وحلت محلها الديانة الجديدة "المسيحية"، خاصة في مجال العمارة الدينية المتمثلة وقتها في دور العبادة "الكنائس وملحقاتها".

وقد تم الاتفاق على ان أهم سمه اتسم بها الدين الإسلامي أن دخوله وانتشاره في السودان تم بصورة سلمية جدا، حيث تصالح مع تلك المعتقدات والعادات والتقاليد المحلية والتى لم تستطع المسيحية محوها، بل استوعب الاسلام الكثير واحتواها، وظلت تمارس تحت رايته.

وما يستوجب الإشاره اليه، أن هناك عنصرا مشتركا بين جميع الديانات الموجودة في السودان، وهو الاعتقاد في وجود القوة الالهية، بالإضافة إلى إلايمان الكامل بفكرة البعث والحياة الأبدية بعد الموت، شأنها في ذلك شأن الفراعنة -الذين ترجع أصولهم الى هذا البلد- وبعض شعوب العالم الأخرى، ويعتبر التعبير عن هذه الفكرة هو الأساس في تطور بعض المناطق الحضارية، من عمارة ونحت وتصوير وخزف وكتابة وغيرها، والتي تعد بمثابة السجل الحضاري لمنجزات سكان السودان في تلك الحقب التاريخية.

عن اللغة لدى سكان السودان كبلد "أفروعربي" نجد لها وضعا مميزاً حيث أن التمازج بين سكانه الأصليين والوافد من القبائل العربية سواء في فترتي قبل أو بعد الإسلام أوجد عدد من اللهجات المختلفة من منطقة إلى أخرى ويتوقف ذلك على مدى التمازج وطبيعته، بمعنى أن المسالة هنا مسألة نسبية تتوقف على عنصري التكوين، اي العربي والافريقي الأصلي، ولكن بشكل عام نجد أن العرب استطاعوا أن يفرضوا لغتهم وثقافتهم عن طريق الإستفادة من النظام السائد في ذلك الوقت فقد إعتلوا عرش الحكم عن طريق زواجهم من بنات الملوك وزعماء العشائر خاصة أن العرش كان يورث عن طريقهن.

في هذا السياق يمكننا تقسيم اللهجات السودانية إلى ثلاثة أقسام الاول يشمل المجموعات التى لم تختلط كثيرا بالقبائل الاصلية أي المحلية في السودان وحافظت على اللغة العربية، أما القسم الثاني فهو الذي يشمل المجموعات التي تركت لغتها الأصلية متجهه صوب العربية مع إدخال بعض المفردات من لغتها الأصلية، أما القسم الأخير فهو يتكون من المجموعات التى احتفظت بلغتها الأصلية الى جانب العربية وتتبادل المفردات بين اللغتين، إجمالا يمكننا القول إن اللغة العربية ساعدت في إثراء الثقافة السودانية بما أضافته اليها، وهذا شيء بديهي عندما تتمازج أكثر من ثقافة، فحتى الثقافة العربية هنا قد استقت من ثقافات الشعوب التى احتكت بها في طريق هجرتها إلى السودان.

وأخيرا نخلص من كل ما تم ذكره إلى أن التمايز والتمازج جعلا السودان تنفرد بسمات من الصعب أن توجد في أي دولة اخرى. وهذا كفيل بجعل تحديد الهوية السودانية من أصعب ما يكون.

العرب اونلاين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..