«محمد سعد» يفجر «محمد سعد»..«تك تاك بوم» من «فلول» الأفلام

القاهرة: طارق الشناوي
في عام 2002 كان القدر على ميعاد مع محمد سعد. كانت القمة الرقمية في إيرادات الأفلام ينفرد بها محمد هنيدي، حيث إنه كان قبلها بنحو 5 سنوات قد أطاح بعادل إمام، وصار هو الملك المتوج لما عرف وقتها باسم سينما المضحكين الجدد، إلا أن محمد سعد كان هو الحصان الأسود، واستطاع بفيلمه «اللمبي» أن يحقق رقما غير مسبوق، وظل يعتلي القمة على مدى أربع سنوات، ثم كرر نفسه، وفقد قدرته على إضحاك الجمهور.

وبدأ السينمائيون كعادتهم يبحثون عن البديل، ووجدوه في أحمد حلمي، وأحمد مكي.. ومن خسارة إلى خسارة ظل سهم سعد في انحدار رقمي، وهو يصر على أنه سوف يستطيع اعتلاء القمة مجددا، إلا أنه مجددا أيضا يحقق خسارة.. في كل مرة يبدأ فيها محمد سعد محاولة الصعود الجماهيري، نكتشف أنه يهبط أكثر وأكثر.. وحتى كتابة هذه السطور لم يستطع سعد أن يكتشف أن الفيلم السينمائي يساوي المخرج، الفيلم بالنسبة لسعد يساوي «سعد»، ولا شيء آخر بجوار «سعد». وهكذا مني بخسارة قاتلة في معركة أفلام العيد، وتفوق عليه بمقياس الأرقام «سعد» آخر.. أقصد سعد الصغير في فيلم «شارع الهرم».

على وجه السرعة التي تصل إلى حدود «السربعة» قرر سعد، ومعه الكاتبة والمنتجة إسعاد يونس، أن يلحقا بقطار الثورة المصرية سينمائيا، ويقدما فيلما يلعب على «تيمة» الثورة. والحقيقة أنك من الممكن تاريخيا أن تعتبر فيلم سعد «تك تاك بوم» أول فيلم تم كتابته وإنتاجه بعد ثورة 25 يناير، فالأفلام الأخرى مثل «صرخة نملة»، و«الفاجومى»، و«سامي أكسيد الكربون»، أخذت مجرد لون ثوري لأنها كتبت وصورت قبل الثورة، وأضيفت لها مشاهد وبعض جمل حوار متفرقة من أجل أن تشعر الجمهور أنه من بنات أفكار الثورة.

إنه نوع من الغش التجاري، وعلى الرغم من ذلك فأنا أعتبر أن فيلم «تك تك بوم» لا يمكن اعتباره فيلما عن الثورة، على الرغم من أنه كتب من أجلها. الفيلم لا علاقة له بالثورة، لو شاهدته قبلها أو بعدها لا يهم، لن تجد فرقا. الفيلم يؤكد المأساة التي يعيشها فنان موهوب مثل محمد سعد، وهو لا يدرك حتى الآن أنه مع كل اختيار له يعجل بإعلان نهايته.

في هذا الفيلم لم يكتف سعد بالتمثيل، ولكن بالكتابة أيضا، فهو صاحب السيناريو والحوار، بينما إسعاد يونس هي صاحبة الفكرة، على الرغم من أنني لم أجد حتى الآن تلك الفكرة. والحقيقة أن سعد دائما ما يشارك في كتابة أفلامه من الباطن، بل هو كثيرا ما يشارك في الإخراج من الباطن أيضا. وليس سعد فقط هو الذي يفعل ذلك، أغلب نجوم الكوميديا في السينما المصرية دائما ما يفرضون شروطهم وآراءهم مع اختلاف الدرجة!! الفيلم تبدأ أحداثه ونحن نتعرف على بطل الفيلم الذي يعمل في صناعة (البمب).. الفيلم يضبط إيقاعه على العيد، يريد أن يستحوذ على العيدية، ولهذا يقدم للأطفال الذين يشكلون القسط الوافر من جمهور الأعياد البمب على الشاشة، وبتلك الوفرة التي لا نشاهدها إلا في الأعياد.

نشاهد سعد في البداية وهو يضع المقادير بنفسه لصناعة البمب؛ زلط وكمية من عنصر الكبريت. التترات مهدت لذلك، ولكن بإحساس فني تغيب عنه اللمسة الإبداعية. المشهد الأول تنفجر العبوة الناسفة، بينما أصحاب الدكاكين يعيدون البضاعة المضروبة. ونشاهد سعد وهو في أعلى السقف، وتتذكر أن سعد في قسط وافر من أفلامه قدم مشاهد مشابهة.

خيط الثورة يبدأ مع كلمة مكتوبة على شاشة الكومبيوتر لعدد من الشباب الذين يلتقيهم سعد. لا يدرك سعد ما هو المقصود بهذا التعبير، التخطيط لميدان التحرير، فقط يطلق عليهم تعبير شباب الـ«فيس بوك».. ولا يشبع المخرج مشاهد الثورة بمواقف، ولكنه ينتقل مباشرة إلى الحراسة الشعبية التي شاهدناها في الأحياء طوال أيام الثورة. ويقدم الكثير من المشاهد التي تعبر عن حالة الانفلات الأمني التي عاشتها مصر في أعقاب الثورة، ولا تزال تعاني من بعض تداعياتها، إلا أننا لا نرى حقيقة الثورة.

يسعى الفيلم إلى عقد مصالحة بين الشرطة والشعب، ولا بأس بالطبع من هذا. ويستعير محمد سعد شخصية الضابط «رياض المنفلوطي»، التي قدمها في فيلم «اللي بالي بالك». كان المنفلوطي في الفيلم السابق هو الضابط المسؤول عن السجن، بينما سعد يؤدي دور أحد المساجين.. «اللي بالي بالك» هو أنجح أفلام سعد على الإطلاق، أخرجه وائل إحسان قبل نحو 9 سنوات في عز نجومية سعد، وكان قد سبق أن أخرج له أول أفلامه كبطل «اللمبي»، والغريب أن مجرد استخدام شخصية درامية من عمل فني آخر يمنح الحق الأدبي للمؤلف الأصلي ليكتب اسمه في التترات ويتقاضى حقوقه المادية، والكاتبان اللذان تمت سرقتهما هما سامح سر الختم ونادر صلاح الدين.

الغريب أن محمد سعد أضاف عن طريق الماكياج والأداء، لمحات من وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، الذي تمت إدانته جنائيا، ولا تزال أمامه قضايا أخرى متهما فيها، على رأسها تعمد قتل المتظاهرين أثناء الثورة، ويشاركه في الاتهام حسني مبارك، الرئيس المخلوع، إلا أن المواقف تتعاطف مع هذا الضابط، ولا تعرف ما هي الحكمة في أن يتماهى سعد في أدائه للشخصية في ملامحه الخارجية لوزير داخلية مكروه شعبيا، وعلى الرغم من ذلك يبرئ ساحته دراميا.

الفيلم لا يقدم مثلا صورة مشرقة ومشرفة للمقاومة الشعبية، بقدر ما يتبقى في الذاكرة خناقات المصريين مع مصريين، بينما انتهاكات الشرطة للمواطنين، التي كانت واحدة من أكثر العوامل التي دفعت المصريين لتغيير النظام لم يقترب محمد سعد منها. إنه يقدم رؤية تصلح لمصر قبل 25 يناير وليس مصر الثورة.

محمد سعد لم يدرك أن عليه منح مساحات للشخصيات الدرامية بجواره، ربما وبمجهود مضني، تمكن محمد لطفي، الذي أدى دور زعيم عصابة للبلطجية، من الاستحواذ على مساحة عنوة، بينما كل الشخصيات بجواره تبدو مهمشة.. «درة» مثلا هي الدور النسائي الوحيد، لكنها لا تفعل شيئا في المشاهد الضئيلة المتاحة أمامها، فهي تنتظر فقط ليلة دخلتها على سعد، وفي كل مرة يتفجر موقف يمنع اكتمال الليلة، وهذا الموقف يذكرنا بعشرات من الأفلام السينمائية المصرية والأجنبية وآخرها «ليلة البيبي دول»، الذي عرض قبل ثلاث سنوات.

محمد سعد صار هو العدو الرئيسي لمحمد سعد، لم يعد سعد مطلوبا مثلما كان في الماضي، حتى إنه يكرر أخطاءه نفسها.. فيلمه الأخير مثلا «اللمبي 8 جيجا»، الذي عرض قبل نحو عامين، لم يحقق الإيرادات التي تعيده للمنافسة على قمة نجوم الكوميديا، حتى صار يسبقه الآن أحمد حلمي، وأحمد مكي، حتى محمد هنيدي، الذي يعاني من الأفول الجماهيري، يحاول أن يتماسك، ولا يزال يسبق سعد في تحقيق الإيرادات، بينما سعد يعرض فيلمه في العيد منفردا، فلا يوجد بجواره أفلام يلعب بطولتها نجوم كوميديا، وعلى الرغم من ذلك فإن سعد لم يستطع حتى بمقياس الأرقام أن يتفوق، حيث فاز عليه سعد الصغير، والراقصة دينا بفيلمهما «شارع الهرم». المطلوب من سعد أن ينفتح أكثر على الأفكار الجديدة، أن يمنح الممثل بداخله الفرصة لكي يمثل فقط، وألا يحتل الشاشة كلها.. لو عدت لأفلامه سوف تكتشف أنه في أغلبها يمثل دورين أو ثلاثة، ووصل الأمر في بعضها إلى ستة شخصيات، فهو يبدو أن لديه قناعة أنه فقط القادر على إضحاك الناس، ولهذا لا يثق في أي فنان بجواره من الممكن أن يحصل على مساحة ويضحك الناس.

سعد لا يمتلك موهبة الكاتب الدرامي. إنه من الممكن أن يضيف (إيفيه)، ولكن الدراما ليست (إيفيه). ولو أعدت النظر للمشاهد التي كتبها في الفيلم سوف تكتشف أنها مجرد مشاهد متفرقة، ليست بينها رابطة موضوعية، ولكنها تنتقل من مشهد إلى آخر، بلا منطق، فقط ما يعني سعد أن المشهد يحتوي على إمكانية الضحك، بعيدا عن حتمية يفرضها قانون الدراما، وفي مجملها تبدو كأنها مسروقة من المحفوظات السينمائية العامة للأرشيف.. كما أنه يتعاون للمرة الثانية مع المخرج نفسه، أشرف فائق، الذي أخرج له آخر أفلامه «اللمبي 8 جيجا»، ولم يستطع الفيلم أن يحقق شيئا لمحمد سعد، وعلى الرغم من ذلك فإنه يعيد التجربة مع المخرج نفسه.

وتستطيع أن تدرك ببساطة أنه يبحث عن المخرج الذي ينفذ طلباته، فهو يتخيل دائما أن أي كادر سينمائي ينبغي أن نشاهد فيه سعد، وفي النهاية نرى فيلما تم تفصيله على سعد، بنفس مفردات ومقاييس سعد، التي تشبع منها الجمهور حتى أصبح عدو سعد الرئيسي هو سعد». إنه أول فيلم روائي بعد الثورة، كتب وفي يقين صناعه أنهم يتناولون الثورة، ولهذا تخللته أكثر من أغنية تتناول مواصفات الرئيس القادم، إلا أننا في نهاية الأمر نرى فيلما رجعيا كأنه «فِل» من فلول الأفلام.

الشرق الاوسط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..