الانفصال يطرق الأبواب..من النساء للانفصال الأكيد.. ماذا بعد؟ا

بسم الله الرحمن الرحيم

الانفصال يطرق الأبواب (1-2)

من النساء للانفصال الأكيد.. ماذا بعد؟

رباح الصادق
[email protected]

قالت الكاتبة الصحفية الأستاذة وداد كتمور إن الاستفتاء صار قضية من لا قضية له، لم توفق أستاذتنا برغم أسلوبها الكتابي السلس.. لدى كل كاتب في السودان الآن قضايا بعدد شعرات رأس كث. فقد بلغت القضايا كلها نهايات المدى سواء أكانت المعيشة والمعاناة أم المرأة والاضطهاد أم الطفل والاستغلال، أم الحريات والانزواء، وغيره، وغيره.. ولكن قضية الاستفتاء تماست مع وجع الوطن في فكرة أن يكون أو لا يكون.
اقرأ مثلا للحميراء التي نأخذ نصف حكمتنا منها: الأستاذة رشا عوض.. تيمم الآن شطر بقاع الوطن الأخرى، قلبت صفحة الوجع حول الجنوب الذي مضى إلى سبيله، وهنالك لاحقين ولاحقات.. تنظر للمثل “الجلفن خلهن أقرع الواقفات”!
كنا نود في البداية أن نكتب بعنوان (يا نساء السودان وفتياته المضطهدات.. اتحدن من أجل الوطن). كنا نود أن نعارض أنفسنا حينما في تبادل سابق مع أستاذنا الدكتور محمد المهدي بشرى والأستاذ يس حسن بشير لم نرض عن دعوتهما أن نترك كنساء قضية الختان التي تشغلنا ولنهتم بختان الفقر وختان الشمولية! يومها ثارت ثائرتنا وقمنا ولم نقعد وقلنا لهما إن قضايا حقوق الإنسان كلٌ لا يتجزأ، وإن معاداتنا للفقر وللشمولية هو من جنس معاداتنا لاضطهاد النساء، وإن أرادوا أن يشنوا معركة على الفقر وعلى الشمولية بدون استصحاب حقوق النساء فإننا نقول لهم مثلما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهبوا قاتلوا وحدكم إنا ههنا قاعدات، وكان بنو إسرائيل آثمين ولكنا محقات! ولكن اليوم أمر مختلف!
فما سيحدث في نهاية الفترة الانتقالية، وتحديدا في يوم الأحد التاسع من يناير 2011م ليس حدثا مساويا للفقر والشمولية ولحقوق النساء، بمعنى أن الفقر والشمولية وحقوق المرأة وغيرها من الملفات نحملها لنرتقي بوطننا من وهدته التي هو فيها، ونعتقد أن ذلك ممكن وحتى لو لم يكن ممكنا فإنه (ليس للإنسان إلا ما سعى).. أما ما يحدث في ذلك التاريخ فهو محطة غاية في الخطورة. إما وصلناها وقد استنزفنا الحكمة الوطنية في جعلها محطة تؤدي للوحدة وفق شروط جديدة عادلة أو لجوار أخوي (توأمة) بين جارتين حميمتين وهذا مطلب عزيز ولكنه وفق الوضع الحالي يبدو كلبن الطير أو كولوج الجمل من سم الخياط (بحسب التعبير القرآني)? من المستحيلات! أو أن الأمور تسير كما هي عليه الآن وذلك يعني أن يأتي الاستفتاء وهنالك هذا الاستقطاب البالغ بين شريكي الحكم، و”الدقسة” الوطنية العالية لدى كثيرين خاصة وسط الجماهير الذين يقيس كثير منهم الاستفتاء بمقاسات لا تدرك ما يعنيه حقيقة، ولهم ألف حق، فالإعلام الذي يبصّر الجماهير بالأحداث وبما وراءها مجذوب ?يا عيني عليه- في “حولية” الوحدة ائتمارا بإشارة المؤتمر الوطني أن حيّ على الطبول!
وعلا فوق صدى الطبل الكرير
كل جسم، جدول فيه خرير
ومشى في حلقة الذكر فتور
لحظة يذهل فيها الجسم والروح تنير
وعيون الشيخ أُغمضن على كون به حلم كبير
كان المجذوب رحمه الله يا له من شاعر مجيد يصف الذكر في حلقته ليلة المولد بميدان عبد المنعم وكان أولئك قوم يعبدون الله كما يعن لهم ثم يحلمون بوصال روحي، وقد شبهنا صورتهم بصورة إعلامنا اليوم وهو يحلم بالوحدة الجذبية ويدق نوبتها، ولكن بدون أن يكون هنالك أي سعي ملموس نحوها بإجراءات تعب في وصفها الواصفون، تعيد الثقة، وتشرك جميع أبناء الوطن، وتبصّر الجماهير في الشمال والجنوب بالحدث وبالمطلوب لاجتيازه بسلام وأمان! وبالتالي فإن الجسم وإن ذهل فإن الروح لن تنير!
نعم، يا وداد، مع هذا الحال الإعلامي الذاهل، كل قضية تثار الآن خلا الاستفتاء والانفصال والوطن ومآله مع الغفلة الرسمية والشعبية هي ليست قضيتنا!
هناك كتاب كثر ولجوا الساحة الآن لأن الوجع الوطني بلغ مبلغا لا يمكن السكوت عليه، مع ترقب المفاصلة الوطنية بهذه الطريقة التي تؤذن بنهاية بلاد السودان، ولجوا ساحة الكتابة ليبصروا أو ينصحوا أو حتى يتوجعوا.. هل كان ذلك هو السبب في دخول شخص كالسيد الشفيع خضر القيادي الشيوعي البارز لحقل الكتابة بشكل كثيف؟
وهناك ناشطون وناشطات كثر بعد أن صابهم وصابهن سهم الإحباط بعد انتخابات الزور وخرجن من دائرة الهم العام يلعقون أساهم، هبوا لأن الأمر لا يستحمل الاستسلام للإحباط، وهناك الكثير الذي يمكن عمله ويمكن قوله ليستيقظ الغافلون ويهب الجميع لنجدة الوطن.. ترى هل كان ذلك وراء هبة البروفسور بلقيس بدري مديرة معهد النوع والتنمية ثم تنظيمها لسمنار (تحديات المواطنة بعد الاستفتاء) في يوم 25/9/2010م؟ لقد لاقينا البروفسورة وهي في قمة غضبها من موقف الأحزاب السياسية التي انسحبت من الانتخابات وكانت محبطة منذرة بألا تهتم بالسياسة ولا بما يدور في أروقتها، ولكنها في غمرة ذلك الغضب لم تنس أن تشير للإمكانات أمام السودانيين والخيارات لجعل الانفصال حتى لو جرى فاتحة لوحدة لاحقة أو لعلاقات وروابط حيوية بين البلدين وشعبيهما. ثم ما لبثت أن وجهت الدعوة لذلك السمنار.. وهو خطوة ضمن خطوات خطاها آخرون في الجامعة الأهلية وفي مركز الخاتم عدلان للاستنارة لإلقاء الضوء حول الخيارات الممكنة التي تجعل محطة الاستفتاء سلسة، وتقلل من مخاوف الأهل في الشمال والجنوب بل تؤمن الخطوة باحترازات تشريعية وإجراءات كثيرة إعلامية واقتصادية وغيرها.
في سمنار الأحفاد المذكور أواخر سبتمبر الماضي تحدث الدكتور أكوك بادينقو من جامعة جوبا ومن اليونسيف. قال إن الجنوبيين لو سئلوا في استفتاء حول تقرير المصير بعد توقيع اتفاقية السلام في أديس أبابا 1972م فإنهم كانوا سيصوتون للوحدة. أكد إذن أن الانفصال طارئ على الشعب في الجنوب وهذا التغيير له أسبابه الموضوعية ولم يهبط الغول من السماء، بتعبير الدكتور عبد الله بولا!
قال الدكتور إن الشمال يطالب بالوحدة بأي ثمن وطريقة، والجنوب يريد الانفصال كذلك بأية طريقة، ثم تساءل عما يحدث للمواطنين العاديين؟ تحدث الدكتور عن أوضاع الناس العاديين: الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب وعما يمكن أن يلحق بهم جراء الانفصال. فالجنوبيون الذين جاءوا للشمال جراء الحرب جاءوا ينشدون الأمن ففي الشمال دولة، قال إنهم لم يجدوا كل الترحيب ولكنهم وجدوا الانسجام والاستقرار، لم يشعروا بأنهم جزء لا يتجزأ من مجتمع الشمال وهناك دائما مهددات تعتورهم، كثيرون منهم جاءوا باختيار لم يذهبوا لدول الجوار شرق الأفريقي لأنهم ذاقوا فيها وعانوا فهم اختاروا الشمال اختيارا. ما هو مصير هؤلاء؟ وتحدث عن الشماليين في الجنوب وعن مصيرهم كذلك. وعن مصير النازحين وأولئك الذين يرفضون العودة للجنوب؟ هذه الأسئلة صارت حيوية بالطبع بعد تصريحات مسئولين كثر كانت متضاربة بين من يقول بالتعامل الفظ وإنكار أي حقوق لهم ومن يقول بالتعامل الكريم. طالب الدكتور بادينقو بحقوق معينة: الحق في الحياة، والعمل، والمساواة أمام القانون، والتملك. وتساءل كذلك عن وضع القبائل الرعوية الشمالية التي تتجه للمراعي الجنوبية سنويا، وكرر ما قاله نائب رئيس الحركة الشعبية د. رياك مشار من أن الحدود لن تكون فاصلا. واهم ما ركز عليه أكوك هو حاجة الناس العاديين للعون القانوني. قال إن الطرفين تركا موضوع المواطنة للحظة الأخيرة، وبالتالي فإن المواطن العادي لا يعرف حقوقه في حال حدث الانفصال.. هذه القضايا القانونية يجب نقاشها ومعرفة الخيارات فيها ثم الوصول لمعادلة تكون معلومة للناخب الجنوبي وللمواطن من الشمال. قال: إني كمواطن سوداني إذا كنت أرغب في البقاء هنا يجب ألا يمنعني الانفصال من ذلك ومن يستطيع أخذ جنسيتي مني؟ يجب أن يسن قانون لمنع القسر، وألا يتم التمييز على أسس إثنية ودينية. وطالب أن تستقدم تجربة الحريات الأربعة مع مصر في الحالة بين شمال السودان وجنوبه (حرية العمل ، التملك ، التنقل ، الإقامة) والنص على أنه لا يمكن نزع جنسية المواطن الشمالي أو الجنوبي، وأخيرا نبذ ثقافة العنف.
إننا سنسوق كذلك ما جاء في الورقة الدسمة التي قدمها د. محمد عبد السلام أستاذ القانون بجامعة الخرطوم حول “تحديات قوانين الجنسية والمواطنة ما بعد الاستفتاء”، ولكننا قبل أن نفعل ذلك نحب أن نقف في هذه العتبة لسوق بعض الأفكار.
أولا: إنا ما بيننا والجنوب قطعا يفوق ما بيننا ومصر. لقد كنا وطنا واحدا بعهد المواطنة الطوعي لا بحق الفتح القسري كما كنا مع مصر. وبالتالي فإن الحريات الأربعة صيغة منقوصة لما ينبغي أن يكون حال حدوث الانفصال. يجب التفكير في صيغ أكثر تعبيرا عن خصوصية العلاقة، وأكثر تأمينا لحلم إعادة العودة في زمن لاحق تتحول فيه الظروف الطاردة.
ثانيا: ينبغي أن يتم الحديث وبقوة حول وسيلة لتكرار الاستفتاء في زمان آتٍ لا تكون فيه هذه الظروف الطاردة ماثلة.. وحتى لو لم تغير الاتفاقية للنص على ذلك، ينبغي أن يكون هذا الخيار مطلبا شعبيا ربما يأتي زمان يضغط باتجاهه كثيرون حتى داخل الجنوب نفسه.
ثالثا: مسألة العون القانوني هذه وضرورة تبصرة الناخب الجنوبي بمآلات خياراته كلها، وكذلك تبصير المواطن الشمالي، بالخيارات المتاحة. وأن تفتح مراكز للعون القانوني في كل مناطق الكثافة الجنوبية، حتى لا تضيع الحقوق بين أرجل تدهس بنظر أو بدون نظر، مثلما خاف النمل أن تدوسهم سنابك جيش سيدنا سليمان وهم لا يشعرون!
رابعا: ضرورة ضبط الخطاب بين الجانبين مسألة في غاية الأهمية، أنت تسمع الآن مسئولا كبيرا يقول إن الجنوبي لن يسمح له بالتملك والبيع والشراء.. إذا كان أهل الواغ الواغ الآن يملكون المباني والاستثمارات في الشمال فكيف لا يتاح ذلك للجنوبي؟ ثم..البيع والشراء يا أهل الله؟ هل حدث أن سافر الوزير “المنير؟” صاحب هذه الفكرة إلى أي بلاد في الدنيا وفي جيبه نقوده وقيل له لن تشتري لأنك أجنبي؟ والله لقد ذهبنا لبلاد كانت تعطيك البضائع بسعر فإذا ختمت على الفواتير وأنت مسافر وأرسلتها لهم أعادوا لك بعضا من المال الذي أخذ منك على أنه ضريبة والضرائب يدفعها المواطنون لا الأجانب.. لكن لم يحدث أبدا أن صد عنك بائع لأنك لست مواطنا! هو كلام لا يدخل عقل ولا طائل وراءه سوى بذر الكراهية.. فلماذا يسعى وزراء نحو زرع القلى والنفور، وهل تحصد من الشوك العنب؟
خامسا وهو الأهم.. ينبغي ألا يترك هذا الأمر هكذا يمضي بدون وقفة وطنية شاملة، ويدعى الجميع للتفاكر والتشاور وتقليب الخيارات والوصول لأفضل الوصفات.. لقد ناشد سمنار الأحفاد يومها طرفي الاتفاقية حول ضرورة فتح طاولة التشاور بشأن قضايا ما بعد الاستفتاء للجميع، للأحزاب السياسية وللمجتمع المدني، وما برحت الأصوات الوطنية تقول إن مصير الوطن في المحك فهو ليس مثل النفط الذي يقتسمه الشريكان وبرغم من أن القسمة له ثنائيا وهو ملك الوطن مسألة ظالمة إلا أنها لا تقصم ظهر الوطن! الآن ما يدور ومآلاته يقصم ظهر الوطن، فكيف يترك فقط للشريكين، وللقوى الأجنبية التي تأتي لتتوسط بينهما ولا تترك مصالحها في قارعة الطريق؟
نواصل بإذن الله،
وليبق ما بيننا

الاحداث

تعليق واحد

  1. كان المجذوب رحمه الله يا له من شاعر مجيد يصف الذكر في حلقته ليلة المولد بميدان عبد المنعم وكان أولئك قوم يعبدون الله كما يعن لهم ثم يحلمون بوصال روحي،

    الاستاذة الفاضله رباح جانبك الصواب في الظن بأهل الله فهم لا يحلمون كما تدعين فعندما تغمض عيونهم يرون الوصال رأي العين وذلك عصي على الفهم بعقولنا.

  2. الوطن اصبح في مهب الريح ، اتحدث هنا عن الوطن الانسان في كل بقاع وطننا الحبيب ، كل اقاصي السودان تكاد تنقض ارجو الا ينسى الناس في اي عهد تمت هذه النقيضة عهد الانقاذ الحبيب و الى الآن الاقل حراكا هم رجالاتها و هم الاقل في حمل هموم هذا الوطن .. افلا يتيحون الفرصة لغيرهم المساعدة في الخروج من هذه المعضلة …. اثني كثيرا لى هذه السمنارات و الجهود التي تقام ..بادرة لسن قوانين تساعد على استباب الطمانينة و ارساء دعائم قوية لوحدة قادمة بأذن الله ..و اجتماعيا لنشر ثقافة التواد و نبذ العنصرية .. فنحن كلنا ابناء هذا الوطن لها ما لنا و تنتشر الحمى في اوصالنا اليوم ….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..