موقف قيادة الحزب الشيوعي من ميثاق الفجر الجديد

موقف قيادة الحزب الشيوعي من ميثاق الفجر الجديد

عبد الحميد الأمين
[email][email protected][/email]

في البيان الجماهيري الذي أصدره الحزب الشيوعي السوداني في تاريخ 8/12/2013 ،أعلنت قيادة الحزب رفضها لوثيقة الفجر الجديد وعللت ذلك بتجاوز وفد التحالف حدود صلاحياته بالتوقيع على مشروع ميثاق الفجر الجديد، كذلك انتقد البيان مشاركة أطراف غير مكلفة في لقاء وفد قوى الاجماع الوطني وتحالف كاودا وسماه تجاوزاً لأسس العمل الجبهوي الديمقراطي وحسب رأي الحزب أن ذلك التجاوز كان سببا في تضمين وثيقة الفجر الصادق قضايا غير متفق عليها في تحالف قوى الاجماع الوطني. ومن أسباب الرفض ايضاً أن وفد التحالف لم يعرض للتداول ما توصل اليه من مشروع اتفاق مع الجبهة الثورية على قيادة تحالف قوى الاجماع الوطني بل سارع لنشره كميثاق بدون موافقة قيادة التحالف.
لم نستطيع الامساك بأسباب مقنعة تبرر هذا الرفض الغير موفق للميثاق والاسباب الواردة في البيان تمثل تحفظات غير جوهرية لا يمكن التأسيس عليها لرفض وثيقة مهمة ولها القدرة على الدفع بقضايا التحول الديمقراطي في السودان الى الأمام. فهذه التحفظات رغم اهميتها فهي لا تضاهي أهمية أن يعرض الحزب موقفه من حزمة المبادي والأهداف والقضايا الاساسية التي طرحها الميثاق مثل تغيير النظام وآليات التغيير وشكل الدولة بعد سقوط النظام وعلاقة الدين بالدولة. يبدو أن الحزب سلك منعطفاً خاطئاً برفضه المستعجل و الصريح لميثاق الفجر الجديد وكان حرى به أن يتجاوز هذه الملاحظات الاجرائية بعد التأكيد على أهميتها ويدعم و بلا تردد مبادي وأهداف الميثاق الداعية الى “اقرار دستور ديمقراطي يرسخ دولة العدالة وقائم على فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة” وهو ما اقرته مبادئ وثيقة البديل الديمقراطي وخاصة في بنديها الرابع والخامس ومن ثم الاسراع بدعوة القوى الموقعة لحوار يستهدف تطوير الميثاق وحسم القضايا ذات الخلاف كالترتيبات الخاصة بالحكم الانتقالي وتشكيل الحكومة الإنتقالية ومدتها ومستويات الحكم والنظام الفدرالي ومستويات التشريع المختلفة والترتيبات الانتقالية الخاصة بالقوات المسلحة والاجهزة الامنية المختلفة بدون المساس بالمبادئ التي تحكم هذه الترتيبات فهذه المبادئ لا تتعارض مع وثيقة البديل الديمقراطي وتتوافق مع طرح الحزب.
قوى سياسية ذات علاقة بوثيقة البديل الديمقراطي وبلا تتطرق للإجراءات والترتيبات التنظيمية والتمثيل وبوضوح تام تحسد عليه رفضت الميثاق بما يتسق وتصوراتها الايدلوجية ورؤيتها حول مستقبل السودان. حيث ابدا المؤتمر الشعبي بعض التحفظات على الميثاق اهمها رفض الحزب لماسُمي بإعادة هيكلة الدولة السودانية وكذلك على ما ورد في الوثيقة تحت عنوان فصل المؤسسات الدينية عن الدولة، حزب الامة أكد أن “موقفه المبدئيي في العلاقة بين الدين والدولة يقوم على التوفيق بين تطلعات المؤمنين، والمساواة في المواطنة” وعدة تحفظات اخرى.

المفارقة ان ترفض قيادة الحزب ميثاق يتسق في جل محاوره مع البرنامج الوطني الديمقراطي المجاز في المؤتمر الخامس للحزب في يناير 2009 م خصوصاً في فصله الأول (الديمقراطية -مبدأ وحدة التنوع) فهذا الفصل من البرنامج يجسد الاساس النظري الذي استند اليه ميثاق الفجر الجديد في صياغة المبادئ والاهداف التي تحكم قضايا مثل (هوية الدولة،نظام الحكم،المواثيق الدولية،السلطة والثورة،التأكيد على “اهمية التعدد والتنوع كمكون عضوي لثقافتنا الوطنية”، ودعم “التمييز الايجابي لمهمشي الوطن كافة”… الخ). ليس الأساس النظري فحسب بل أنك تجد في بعض نصوصه تتطابقاً مع ميثاق الفجر الجديد حد الصياغة. فنظرة سريعة لصياغات واردة في برنامج الحزب (باب الديمقراطية ?الاصلاح الديمقراطي في جهاز الدولة والمجتمع) تكفي لتأكيد ذلك ، نذكر على سبيل المثال لا الحصر “التزام الدولة السودانية بالمواثيق والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ، “تحرير الخدمة المدنية من هيمنة الحزب الحاكم وتنظيمها على أسس قومية”، “قانون ديمقراطي للاحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والصحافة”، “قومية وسائل الأعلام”،حل المليشيات، قانون ديمقراطي للجامعات وحرية البحث العلمي والحريات الاكاديمية إعادة تنظيم القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى على اسس مهنية وقومية”، استقلال القضاء، قانون محاربة الفساد، المرأة،كذلك البند الرابع المتعلق بالعدالة الإنتقالية،
موقف القيادة الرافض للميثاق خلق ارتباكاً ليس داخل أطر الحزب فحسب بل شمل حتى القوى الديمقراطية وجماهير الحزب. وإزاء هذا الارتباك ليس بغريب أن تضرب الحيرة بأطنابها كل عضوية الحزب. فرحنا بالتوقيع على الميثاق وبعدها بساعات اعترانا غضب من تنصل الحزب من الميثاق. انتقال درامتيكي من حالة قبول عام ورضا بتوقيع الميثاق الى انقسام حاد بين مجموعة رافضة لتراجع الحزب وأخرى ممسكه بتلابيب الرأي الرسمي للقيادة والذي ذهب في اتجاه الرفض التام للميثاق رغم التأكيد على مواصلة التفاهم مع القوى الموقعة على الميثاق.
هذه الحيرة تعيد للاذهان الجدل المحتدم عقب اتفاق القاهرة والذي رافق مشاركة الحزب في برلمان السلطة الانقاذية بمكونها النيفاشي في أواخر 2005م ، حيث عبرت غالبية اعضاء الحزب عن رفضها لتلك الخطوة رغم المبررات التي سيقت ائنذاك ، لذا قبل الحوار مع الجبهة الثورية والسعي لتوحيد قوى المعارضة من المهم أن تعمل قيادة الحزب على تمليك عضوية الحزب حقيقة الموقف من وثيقة الفجر الجديد. فالحقوق الديمقراطية لعضوية الحزب لاتنتهي بانعقاد المؤتمر العام وانتخاب قيادة لتسير العمل السياسي والجماهيري والتنظيمي للحزب فالتنوير المسبق والنقاش والاستفتاءات التي تغطي كل الأطر الحزبية ما امكن لذلك سبيلا آليات مهمه لربط العضوية بخط حزبها وإشراكها في تحديد خيارات الحزب واتخاذ قراراته ومواقفه ولا سَيما المصيرية منها. لم يصدر الحزب بياناً او تنويراً يؤكد فيه نيته المشاركة في الحوار مع قوى الجبهة الثورية السودانية في اجتماع كمبالا كما لم يحدد اهدافه من تلك المشاركة ولم يحدد ممثلاً مستقلاً للحزب في ذلك الاجتماع. هكذا فعل حزب الأمه القومي حيث اكد في بيانه الجماهيري بتاريخ 1/1/2013 المنشور على موقع الحزب على ترحيبه وتأكيد حضوره لاجتماع الجبهة الثورية بمشاركة القوى المعارضة وحدد بوضوح تام موقفه من قضية التغيير والمتمثل في العمل السلمي المدني الجماهيري عبر اتفاق قومي شامل على قضايا التغيير في السودان.
رفض الميثاق بهذا الشكل لا يعبر عن نضوج سياسي، كان على قيادة الحزب بدلاً من الرفض المباشر والفوري الترحيب بالميثاق والقبول المبدئي به والدعوة الى حوار لخلق إجماع حول القضايا المختلف حولها بدلاً من المساهمة في عزل قوة سياسية مهمه كالجبهة الثورية والمكونات السياسية الأخرى الموقعة على الميثاق رضوخاً لرغبات المؤتمر الشعبي وحزب الأمة ولضغوطات السلطة الحاكمة. أفضل ما في ميثاق الفجر الجديد انه فضح عدم صدق وإلتزام بعض قوى الإجماع الوطني ببرنامج الحد الأدنى المعبر عنه في وثيقة البديل الديمقراطي، يكفى لتأكيد ذلك أن نشير الى لموقفها المتخاذل من قضايا مركزية في وثيقة البديل الديمقراطي كعلاقة الدين بالدولة وحقوق المرأة والتمييز الايجابي للمناطق المهمشة وكذلك موقفها من الأسس التي يجب أن يرتكز عليها مفهوم وحدة السودان وإعادة هيكلة الدولة السودانية وهي في مجملها ضرورية لإستعادة الوطن وإستدامة الديمقراطية. نختم بما قاله العميد عبد العزيز خالد “فالميثاق رغم ما يقال عليه فإنه معقول ومقبول. وهذه الحقيقة ستدركها الأحزاب المعارضة لاحقاً”.

تعليق واحد

  1. الحزب الشيوعى السودانى بتاريخه النضالى الطويل ومواقفه المشهودة ما كان له ولا ينبغى ولا يعقل ولا يجوز له ان يوقع فى وثيقة تدعو الى علمانية الدولة وفصل الدين عن الدولة

  2. التاريخ الصحيح لبيان الحزب الشيوعي السوداني هو 8/01/2013 وليس كما ورد في صدر المقال 8/12/2013 ، عذراً لكم جميعاً اعزائي على هذا الخطأ الغير متعمد.

  3. هذا الموقف الوطني يؤكد سودانية ووطنية الحزب الشيوعي فمهما كانت درجة الخلاف مع النظام القائم فلايمكن لأي مجموعة سودانية أن توافق علي ماجاء في هذه الوثيقة والتي نفقت وبحمدالله قبل أن تري النور.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..