محمود عبد العزيز ،،دورة حياتية مدهشة لمبدع حتى النخاع

في الاسابيع القليلة الماضية ظل الشعب السوداني – بكل اطيافه السياسية والفكرية والدينية والعرقية والاثنية والعمرية، شماله وجنوبه شرقه وغربه، داخل رقعة الوطن وعلى كامل الامتداد الجغرافي للكرة الارضية – منفعلين ومتابعين لتداعيات الوعكة الصحية التي المت بالفنان الشاب محمود عبد العزيز والعملية الجراحية التي خضع لها ورحلة الاردن واعلان وفاته دماغيا … ثم اعلان وفاته بشكل كامل وعودته في تابوت….. ومراسم تشييعه الاستثائية بكل المقاييس.
ليست لي علاقة بعالم الفن والاغاني وحقا بعيدة جدا عنه (لا افخر بذلك، ولا يعود السبب لتوجه ديني او فلسفي، الا انها قسمة ونصيب من الله تعالى) فمثلما يجعلك الله اصفرا أو اخدر …. كذلك الحال البعض منا يحب الغناء ويتابعه ويستمع اليه ولا يمضي يومه بدون اغاني وبالتالي يعرفون المغنين ويتابعون اخبارهم ويتعلقون بهم. لا ادري حجم الشريحة التي انتمي اليها وهي (الافراد المقلين في سماع الغناء ولكنهم يتذوقونه …. ليس لديهم اعتقاد جازم بجدواه وفائدته …. ولكنهم لايرفضونه…. يستعملونه كمدح مثل فلان يحب الغناء ويستعملونه كذم في سياق اخر .. فلان بتاع غناء) اتمنى الا تكون هذه الشريحة كبيرة ضمن السواد الاعظم السوداني ولا اعتقد.
بينما الشعب السوداني غارق في حزنه على محمود عبد العزيز اكتشفت انني لا اعرف الا النذر اليسير عنه، عاتبت نفسي على هذا التقصير والجهل، فمن نفض الغبار عن الاغنية السودانية وعطر سماواتها وضخ فيها دماءا جديدة ومن اثار رحيله هذا الحزن الدافق في النفوس ومن خرجت كل البلاد لتقدمه وتودعه الى مقره الاخير تشرفني محاولة التعرف اليه واستقراء حياته. فعكفت اقرا كل ما كتب عنه منذ بداياته الفنية وحتى الان وتابعت التغطية التلفزيونية والشخصيات التي تم استضافتها من فنانين وشعراء وصحفيين واصدقاء وزملاء واقارب وزوجات وابناء وجيران للراحل واستمعت الى الكثير من اغانيه ومدائحه وتعرفت على الكثير من تفاصيل حياته وشخصيته.
هذا الرجل نموذج مثالي لمبدع حقيقي وتمثل سيرة حياته نموذجا صادقا لسيرة حياة مبدع وتلتقي في تقاطعات كثيرة ومتشابهة مع مبدعين أخرين في مختلف المجالات، كثير من التشابه مع حياة العندليب الاسمر عبدالحليم حافظ (48 عاما) ومغني الريغي الجامايكي بوب مارلي (36عاما) ، ومن المجال الادبي مثل الشاعر ابو القاسم الشابي (25 عاما) والشاعر الانجليزي جون كيتس (26عاما)، فقد استمعت لصوته العارم المطواع وتاملت شخصيته الانسانية الجامحة المدهشة المتمردة وتفاصيل حياته الفوضوية المضطربة والقلب الطيب المملؤ بالحزن والخير والنفس الرهيفة والوجدان الشفيف وهذه كلها كانت تعكسها عيونه ? والعيون هي مراة الجسد والنفس ولذلك عندما تنظر اليه تحس انه يحمل كما من الحزن لا يتناسب مع عمره وجسده النحيل.
من هو المبدع ؟ ليس المبدع بالضرورة من هو على راس القائمة وليس هو المدير وليس هو الرئيس التنفيذي، انه شخص جدا عادي وبسيط حتى لا يستطيع الكثيرون تمييزه ، ربما له علاقة او شبه بالمجانين او الاغبياء او حتى الصعاليك ? وقديما قيل الفرق بين العبقرية والجنون شعرة – فهناك خيط رفيع يفصل بين الاثنين، وربما ايضا بين العبقرية والغباء والصعلكة. لعلنا كلنا في هذا المقام نتذكر الرسام الشهير (فان جوخ) الذي قام بقطع اذنه واهدائها الى المراة التي يحب!!! الامر الفارق في المبدع هو الموهبة وهذا امر لا يمكن قياسه مثل الذكاء ، انها شيء يمنحه الله عز وجل لبعض العباد، انها امر لا ندري حتى الان اين هو موجود في الانسان، هل هي في العقل ام النفس ام الروح ام الوجدان؟؟؟ (قام العلماء بتشريح دماغ انشتاين عالم الفيزياء وصاحب نظرية النسبية بعد وفاته ليعرفوا ما هو الشيء المختلف، لم يجدوا شيئا مختلفا ….انه مثل راس زيد او عبيد من الناس، خلص العلماء الى ان عبقرية وموهبة انشتاين موجودة في خياله !!!)، يظل الخيال خيالا ويظل تعريف الموهبة غامضا ونحن لا نعرف اصلا اين هي النفس واين الوجدان وبالطبع الروح ، ربما كل هذه الثلاثة هي في حقيقة الامر شيء واحد وربما مختلفة اختلاف الليل والنهار وربما بعضها غير موجود اصلا كالوجدان وربما نحن من اخترعناه وصدقناه.
يبقى الامر رماديا وعصيا بعض الشيء في ظل هذه المعطيات الهلامية، الامر الذي نستطيعه ونجزم به ان المبدعين يتشاركون الصفات والخصائص، بعض المبدعين يسيطرون على موهبتهم ويلجموا عقالها ويظلوا هادئيين وقورين تشابه حياتهم كثيرا سيرة حياة الانسان العادي وخير مثال على هذه الفئة من المبدعين هو الطيب صالح. بعض المبدعين يطلقون لموهبتهم العنان او تتهجم وتتغول هي على حيواتهم وتصيبها بالفوضى والارتباك، والمتامل لسيرة حياتهم يجدها تشبه لعبة الافعوانية، الفنان الراحل محمود عبد العزيز نموذج مثالي لهذه الفئة. بعض المبدعين يبقوا مبدعين لفترة بسيطة ثم يتخلون عنها بكامل ارادتهم او يطلقونها لانهم يكتشفون ان الحياة في معيتها صعبة تماما كصاحب البالين الكضاب فهم اما يبقوا مبدعين او يعودوا بشرا عاديين. اذكر انني قبل فترة ربما عشر سنوات خلت أو اكثر تابعت حلقة من برنامج (خليك بالبيت) الذي كان يقدمه الاعلامي اللبناني زاهي وهبي وكان يستضيف فيه اديبنا العالمي الطيب صالح، بعد انتهاء الحلقة كان من الواضح لي تماما ان الطيب صالح قد تخلى عن موهبته وقرر ان يكون شخصا عاديا. الكثير من المبدعين تصرعهم الموهبة في عمر مبكر واعتقد اذا ترافقت مع الذكاء، فانها تصير شيئا قاتلا ومدمراً وافضل مثال على هذا الشاعر الانجليزي جون كيتس (1795- 1821) الذي كان طالبا متفوقا ودرس الطب وصار طبيبا نابها ثم قرر ان يتحول الى شاعر فنبذ الطب واصبح شاعرا ….. يا للعجب ….. بل من اعظم ما انجبته بريطانيا من شاعر حتى الان واصبح رائدا في مدرسة الشعر الرومانتيكية ولا زالت الاغاني القصيرة التي كتبها تعد تحفا فنية وتدرس قصائده لكل طلاب الادب الانجليزي في كل اصقاع الكرة الارضية ، من المدهش ان هذا الطبيب عبقري الشعر توفى وهو في السادسة والعشرين من عمره مخلفا ارثا ضخما من الشعر. (سنوات تعد على اصابع اليد الواحدة بعدما ترك الطب وصار شاعرا حتى وفاته). كان يمتاز جسمه بالنحول الشديد والكم الهائل من الحزن في عينيه تماما مثل محمود عبد العزيز.
دأبت العادة الا يبقى المبدعون في دنيانا طويلا، يصارعون موهبتهم فتصرعهم و يمضون الى عوالم اخرى ….. لعلها اصدق واجمل من دنيانا هذه التي وصفها خالقها عز وجل والعالم باسرارها وبداياتها ومنتهاها بانها لا تسوى عنده جناح بعوضة. في العادة يمضون تاركين ارثاً ضخما كل في مجاله لا تجد له تفسيرا منطقيا مقارنة باعمارهم القصيرة واسلوب حياتهم الفوضوي. المبدعون يولدون غالبا ابناء لاسر من الطبقة الفقيرة او المتوسطة، يعيشون بشكل فقير او متوسط على احسن تقدير ويوم يرحلون لا يتركون ثروات ولا ارصدة … لاشيء غير الارث الادبي …. والحزن في قلوب الناس. مات فان جوخ ? التشكيلي العبقري وعمره 37 عاما معدما، هزيلا، نحيلا، ليبدأ العالم تذكره وكتابة اسمه في قائمة الخالدين بأعمالهم .. الآن لوحاته لا تقدر بملايين الدولارات .. وهو كان يعيش أياما بأكملها على رغيف خبز واحد !! !
المبدع متواضع قريب من البسطاء والمهمشين والفقراء والايتام يحبهم ويعطف عليهم ويحس بهم، وكلنا سمعنا الكثير من القصص عن اليتامى والارامل والطلبة والفقراء الذين كان يصرف عليهم الراحل محمود عبد العزيز، كما سمعناها من قبل عن عبد الحليم حافظ، كما سمعناها عن الكثير ممن ينتمون الى هذه الفئة. المبدع لا تعنيه الحياة الفخمة وليست هي طموحه، مع ذلك له حضور قوي وكاريزما طاغية يحبه الناس بشكل خاص واستثنائي ويقلدونه في مظهره وملبسه وخاصة الشباب، ولازالت طاقية الراستا الشهيرة لبوب مارلي دارجة ويلبسها الشباب في كل الدنيا ولا زلنا نميز تسريحة (الفيس بريسلي ? ملك الروك اند رول) التي تختفي ثم تعاود الظهور بين الشباب في دورات متجددة من الموضة علما بانه رحل في سبعينات القرن الماضي وعمره 42 عاما. المبدع ليس بالضرورة شخصا (هدي ورضي)، في الغالب الاعم المبدع شخص مختلف… متطرف… فوضوي…. مشاكس…. متمرد، غير قادر على الالتزام بما يلتزم به الشخص العادي بسهولة، فالمبدع ليس ابنا جيدا ولا والدا جيدا وبكل تاكيد ليس زوجا جيداً، ربما يفلح في ان يكون صديقا وفيا، الا ان مؤسسات الاسرة والزواج تخضع لقوانين تقترب من القوانين العسكرية الصارمة وهذا امر لا يطيقونه ولا تحتمله نفسياتهم، فيتسربون منها او لا يخوضون غمارها اصلا.
عندما يرحل المبدع – رحيله المبكر ذاك – يكون قد ادى رسالته كاملة وانجز كل شيء ? رغم كل شيء، واذا تاملت سيرة حياة الفنان محمود عبد العزيز تصيبك الدهشة، فهو قد اكمل دورة حياتية مكتملة تماما لمبدع حقيقي، وما وعكته الصحية ورويال كير والاردن ووفاته ومراسم تشييعه الا فقرة الخاتمة، فقد استطاع أن يحفر اسمه في الذاكرة الجماعية لهذه الامة وفعل كل ما يجب فعله ليضمن لنفسه مكانا في سجل الخالدين في مسيرة الاغنية السودانية، فقد تجول بحرية تقترب من الجرأة في (حيشان) الاغنية السودانية واعاد توزيع وغناء العديد من الاغنيات لعدد من الفنانين الراسخين وفي مجمل الاحوال كان يؤديها اجمل. استمعت اليه مؤديا لاغنية (كيف يجهلوك) للمرحوم خضر بشير وهو المعروف بان صوته يرتاد طبقات عجائبية، ذهلت …. فقد ارتاد ذات الطبقات العجائبية وبسلاسة مطلقة، وفهمت معنى المقولة (سمح الغناء في خشم محمود). كما ترك رصيدا ضخما من اغانيه الخاصة التي تمتاز بالذوق السليم تماما والكلمات التي تخاطب الشباب وتعبر عن همومهم ومشاعرهم، والتي اعتقد انها نقلت الاغنية السودانية الى مستوى اخر تماما، كما ترك تسجيلات والبومات غنائية تقدر بالمئات، وبث الكثير من الفرح والتطريب والشجن في الوجدان السوداني وحاز على القاب كثيرة وقوية اشهرها الحوت، ثم الاسطورة والجان، وترك منظومة أو قبيلة ثقافية كاملة ممتدة من المعجبين الشباب يقدر تعدادها بالملايين تعرف باسم (الحواته)، لهم لغتهم ومرجعيتهم ولهم شعارهم الذي يستعملونه ربما للتعريف عنهم او ابداء الاعجاب او الايحاء بحالة مزاجية او نفسية معينة (الساعدين متصالبين واصبعي السبابة مرفوعين في وضعية لا اله الا الله محمد رسول الله).
اعتقد، لو بقى (الحوت) ما شاء الله له البقاء على ظهر الارض ما اضاف سطرا جديدا الى سيرة حياته …. فكل شيء مكتمل ….. وينبيء بالرحيل.
السمة الاخيرة للمبدعين انهم يبقون معنا ……. لا يرحلون رغم اعمارهم القصيرة غالبا ونسبيا فانهم يبقون ولا يخفت البريق والوهج، تفني اجيال وتاتي اجيال والمبدع معروف … علم على راسه نار ويتوالد حبه والاعجاب به في قلوب ووجدان الاجيال كما تتوالد وتتوالى امواج البحر في تناسق سرمدي. ذات يوم رايت ابني الشاب وهو يرتدي تي شيرت عليه صورة الثائر ارنستو تشي جيفارا الكوبي الارجنتيني الطبيب الذي قامت كل شخصيته على احساسه بوحدة امريكا الجنوبية والظلم الكبير الواقع من الامبرياليين على المزارع اللاتيني الفقير، فتبنى قضيتهم وتبناهم فاحبوه وصار ايقونة لكل مظاليم الارض والحالمين بالعدل والمساواة والخير والجمال والحب حتى غادر دنيانا قسرا وعمره (39) عاما في ستينات القرن الماضي. سالت ابني الشاب العشريني عن صورة الشخص على قميصه ? والشهادة لله لم اكن اتوقع منه اجابة أو على الاقل اجابة كاملة ( وهم جيل البي بي والهاشتاقات)، فؤجئت عندما نظر الى مندهشا : وسالني باستنكار: الا تعرفين جيفارا ؟ واسهب في الحديث عنه وحبه للخير والفقراء والنموذج الذي تركه خالدا لما يجب ان يكون عليه الرجل السياسي رغم حياته القصيرة واصابته بالربو !!!
يوم رحيل المبدعين ? لا ادري ماذا يحدث ? لكنه يكون يوما استثنائيا …..ربما بشكل فيزيائي قد تغلظ كثافة الهواء او تتقزم جزئيات الاكسجين او تتنافر الاقطاب المختلفة وتتجاذب المتشابهة فيحدث نوعا من الاضطراب الوجداني الكوني العارم وتثور طاقات الحزن الازلية الخامدة وتنفجر كالبراكين فيحزن البشر والشجر والطير والبحر والحجر، يكون تشيعههم اسطوريا والحزن اسطوريا……. الكثير يعرفهم ويحبهم والبعض الاخر ياكله الحزن على فراقهم وهو لم يعرفهم يوما…… ربما مثلما يلقي رب العزة والجلال في قلوبنا محبة من يحبه من عباده … تنادينا امنا الارض : لقد حزنت على فراق فلان فاحزنوا معي ! فلا نجد مهربا أو مناصا من الحزن … وكيف لنا ذلك ؟
نسال الله العلي القدير ان يرحم الفنان المبدع محمود عبد العزيز بواسع رحمته ويعفو عنه ويتقبله قبولا حسنا وجميع موتى المسلمين.
نرفع (طاقيتنا) الحمراء وننحني. تحية لهذا المقال . شكرا.
يا سلاااااااااام يا استاذة والله هذا اجمل ما قرات من مئات المقلات التى كتبت بحق الراحل الروح الاسطورة واعجوبة الفن والتطريب ولحن الخلود بحق وحقيقة محمود عبد العزيز الحوت …
ربنا يرحمة ويحسن الية وجعل قبرة روضة من رياض الجنة يارب
والله من أجمل ما كتب ..
يشهد الله .. لم ولمّا بعد أسطع أن أزاول حياتي العادية
بعد رحيل الجان .. حيث الإحساس الأكيد دوماً بأن هنالك شيء ناااااقص
مفقووووووووود ………… محمووووود
…
رحمك الله يا جان
أولا رغم خساره فقدان المبدع محمود الا انها أعطتنا كاتبة مثقفة من العيار الثقيل, فهذا المقال هو الثانى الذى أقراؤة لها, فارجو ان تصبحى من الكتاب المداومين, فمثل هذا القلم المبدع يمتلكة القليل من الصحفيين المحترفين.
ثانيا أتفق معك تماما ان روح المبدع ووجدانة و أحاسيسة لاتقوى على حملة أجسادهم فتفنى وان اختلفت الاسباب ونحن فى امس الحاجة اليهم ولا يفوتنى ان أذكر المغنية الانجليزية أمئ واين هاوس 26 عام , أدريس جماع ,التجانى يوسف بشير, المغنية الاثيوبية التى أصدرت البم واحد كسر الدنيا وتوفت بعدة, عازف الجيتار العالمى جيمى هاندركس 35 عام, مايكل جاكسون 50 عام, عبد العزيز العميرى, مصطفى سيد احمد, فمن الابداع ماقتل.
ثالثا هل كاتبة المقال شقيقة صديق الصبا عمر عبد الحفيظ محمد رحمة
(مدرسة بيت المال العامة)( أأسف للسؤال خارج الموضوع ولكن إجترار ذكرى الاصدقاء توقظ حفيظة الاستطلاع )
التنى
فقد استمعت لصوته العارم المطواع وتاملت شخصيته الانسانية الجامحة المدهشة المتمردة وتفاصيل حياته الفوضوية المضطربة والقلب الطيب المملؤ بالحزن والخير والنفس الرهيفة والوجدان الشفيف وهذه كلها كانت تعكسها عيونه ? والعيون هي مراة الجسد والنفس ولذلك عندما تنظر اليه تحس انه يحمل كما من الحزن لا يتناسب مع عمره وجسده النحيل.
من هو المبدع ؟ ليس المبدع بالضرورة من هو على راس القائمة وليس هو المدير وليس هو الرئيس التنفيذي، انه شخص جدا عادي وبسيط حتى لا يستطيع الكثيرون تمييزه
this a piece of art drawn by your pen , hat off for u
تااااااااانى ..!
احول الرد للمرة الثانية علي مقالك استاذتنا المجيدة واتمني ان تنجح المحاولة هذه المرة.
أجدك تحركتي بحرية كاتب محترف ما بين مفهوم الإبداع وماهية المبدع ثم الأمثلة الحقيقية التي عززتي بها طرحك وكنتي دائماً تعودي بانسيابية مدهشة لموضوع المقال وهو الراحل والفقد الكبير محمود عبد العزيز.
خطر بفكري آخرين تفضل صاحب الرد الثاني بذكر بعضهم ويمكن ان أضيف بعد اذن معاليكي مايكل جاكسون الذي أضاف مفهوم الغرض للأغنية الغربية و ابو القاسم الشابي الشاعر المجيد الذي قال ” اذا الشعب يوماً أراد الحياة…” والذي قال فأجاد القول ثم رحل عن عمر غض لا يتجاوز ال25 عاماً متاثراً بالربو، و هي ملاحظة اخري ان العديد منهم يصاب بالربو ثم يخسر صراعه معه سريعاً.
اذكر أني كنت عندما آري محمود عبد العزيز في السنوات الاخيرة انزعج لمظهره الذي كان يبدو فيه اقرب للموت منه للحياة وقد غاصت مظاهر الحياة من وجهه وبدا كانه هيكل علي راسه جمجمة، كنت اقول لبعض المهوسيين به “وانا اعرف منهم اسرة كاملة” كيف يترك هذا الشاب هكذا من الذين حوله حتي يبدو كانه سيموت فكانوا يقولوا لي انه صعب ولا يستمع ولا يجد الكثير من الامور التي نراها نحن مهمة اكثر من كونها امور جانبية وغير هامة علي الاطلاق. واذكر انني لم استطع مشاهدة اي من حلقات “مع محمود” لهذا السبب ولأنني احسست انهم أدركوا ما يحدق به من خطر فقرروا ان يوثقوا مسيرته الفنية واغنياته بدل ان يمدوا اليه اطواق النجاة. لست من معتنقي نظريات المؤامرة ولكني احس انه غاب عن هذه الدنيا “بفعل فاعل” !
ربما كنت مخطئة باحساسي هذا وربما كان قد اكمل رسالته وجاء زمن رحيله فرحل.
و ربما يدرك المبدع اسرع منا انها حياة لا محالة ستنتهي وكل ما فيها الي زوال و انه لا يتعلق بعالم لا يجد نفسه منتمياً اليه ويزهد فيه ولذلك يتمرد حتي علي امور بديهية لدينا مثل الاهتمام بالصحة واعطاء جوانب الحياة الأخري بعض المساحة بحياته مع ما تنتجه روحه من ابداعات.
مقالة تصلح لان تكون وثائقية توثق لهذه الفترة و لذلك الألم العاصر الذي اعترانا لفقد مغني كان يقول الكلمة فتنفذ من فورها الي قلوبنا وتبقي تدندن هناك. ربما لم تكن لدينا المعرفة بقصة الإبداع كما ذكرتيها ولم نكن نعرف لماذا حزنا عليه كل هذا الحزن الذي لم نعرف كيف نعبر عنه بغير الدمع السخي.
و لي عودة
احول الرد للمرة الثانية علي مقالك استاذتنا المجيدة واتمني ان تنجح المحاولة هذه المرة.
أجدك تحركتي بحرية كاتب محترف ما بين مفهوم الإبداع وماهية المبدع ثم الأمثلة الحقيقية التي عززتي بها طرحك وكنتي دائماً تعودي بانسيابية مدهشة لموضوع المقال وهو الراحل والفقد الكبير محمود عبد العزيز.
خطر بفكري آخرين تفضل صاحب الرد الثاني بذكر بعضهم ويمكن ان أضيف بعد اذن معاليكي مايكل جاكسون الذي أضاف مفهوم الغرض للأغنية الغربية و ابو القاسم الشابي الشاعر المجيد الذي قال ” اذا الشعب يوماً أراد الحياة…” والذي قال فأجاد القول ثم رحل عن عمر غض لا يتجاوز ال25 عاماً متاثراً بالربو، و هي ملاحظة اخري ان العديد منهم يصاب بالربو ثم يخسر صراعه معه سريعاً.
اذكر أني كنت عندما آري محمود عبد العزيز في السنوات الاخيرة انزعج لمظهره الذي كان يبدو فيه اقرب للموت منه للحياة وقد غاصت مظاهر الحياة من وجهه وبدا كانه هيكل علي راسه جمجمة، كنت اقول لبعض المهوسيين به “وانا اعرف منهم اسرة كاملة” كيف يترك هذا الشاب هكذا من الذين حوله حتي يبدو كانه سيموت فكانوا يقولوا لي انه صعب ولا يستمع ولا يجد الكثير من الامور التي نراها نحن مهمة اكثر من كونها امور جانبية وغير هامة علي الاطلاق. واذكر انني لم استطع مشاهدة اي من حلقات “مع محمود” لهذا السبب ولأنني احسست انهم أدركوا ما يحدق به من خطر فقرروا ان يوثقوا مسيرته الفنية واغنياته بدل ان يمدوا اليه اطواق النجاة. لست من معتنقي نظريات المؤامرة ولكني احس انه غاب عن هذه الدنيا “بفعل فاعل” !
ربما كنت مخطئة باحساسي هذا وربما كان قد اكمل رسالته وجاء زمن رحيله فرحل.
و ربما يدرك المبدع اسرع منا انها حياة لا محالة ستنتهي وكل ما فيها الي زوال و انه لا يتعلق بعالم لا يجد نفسه منتمياً اليه ويزهد فيه ولذلك يتمرد حتي علي امور بديهية لدينا مثل الاهتمام بالصحة واعطاء جوانب الحياة الأخري بعض المساحة بحياته مع ما تنتجه روحه من ابداعات.
مقالة تصلح لان تكون وثائقية توثق لهذه الفترة و لذلك الألم العاصر الذي اعترانا لفقد مغني كان يقول الكلمة فتنفذ من فورها الي قلوبنا وتبقي تدندن هناك. ربما لم تكن لدينا المعرفة بقصة الإبداع كما ذكرتيها ولم نكن نعرف لماذا حزنا عليه كل هذا الحزن الذي لم نعرف كيف نعبر عنه بغير الدمع السخي.
و لي عودة