قانون الاحتمالات وتحقيق النجاح

بسم الله الرحمن الرحيم

في لقاءٍ تلفزيوني مع الموسيقار ديفيد فوستر -أكبر منتجي الأغاني في العالم- قال له المذيع: يالك من رجل محظوظ! فأنت أكثر منتج نالت أغنياته المركز الأول في الولايات المتحدة الأمريكية، أجاب فوستر ضاحكاً: لستُ محظوظاً على الإطلاق، فأنا أنتج مئات الأغاني الفاشلة سنوياً، ولكن الناس لا ينظرون إلا إلى الأغنية الأولى فقط.
فإن لم يكن ديفيد فوستر ينتج كل هذا الكم من الأغاني لما تربَّع على المركز الأول، فهنالك قانون يسمى (قانون الاحتمالات)، وفحواه أنه كلما ازدادت نسبة محاولاتك ازدادت احتمالات نجاحك، فالأمر أشبه بالتدريب على الرماية، فإذا كان هنالك شخصان يريدان إصابة الهدف وقام الأول بمحاولة واحدة بينما قام الثاني بعشر محاولات فمن فيهما سيصيب الهدف أكثر؟ بالتأكيد صاحب العشر محاولات، ولكن أغلب الناس يكتفون بفشل المحاولات الأولى التي هي جزء من عملية النجاح، فقد قال توماس أديسون الذي اخترع المصباح الكهربائي بعد ألف تجربة فاشلة: “إنني لم أفشل أبداً فقد اخترعت المصباح في النهاية، لقد كانت عملية من ألف خطوة ولا بُدَّ من اجتيازها للوصول إلى ذلك”. وقال أيضاً: “لقد نجحت في اكتشاف 999 طريقة لا تؤدي إلى اختراع المصباح الكهربائي”.
ولذلك تجد أكثر الناس نجاحاً لا يكترثون بالفشل بل ينهضون ويواصلون حياتهم بسرعة، ففي تعلم قيادة الدراجة لا بُدَّ أن تسقط من المرة الأولى، ويَكْمُنُ الفرق بين الناجحين والفاشلين في أن الناجحين يعيدون المحاولة إلى أن يتمكنوا من قيادة الدراجة، أما الفاشلون فيكتفون بالصراخ والبكاء.
وكما يقول تريسي براين: “لاشيء ينجح من المرة الأولى، فكل شيء يبدأ صعباً ثم يصير سهلاً”
“Nothing works the first time. Everything is hard before is easy”
فهل سبق لك أن نجحت في أمر ما بعد أن ظننت أنه أمر في غاية الصعوبة؟ فمنذ عشر سنوات وأنا مداوم على ممارسة رياضة الجري على شارع النيل، وفي أيامي الأولى كنت أصاب بالتمزق العضلي وآلام المفاصل، ولكن الذين سبقوني نصحوني بالمواصلة لأنَّ هذه الآلام مسألة طبيعية للمبتدئين وأنها ستزول لا محالة، وبالفعل زالت الآلام وصرت أجري لشهور طوالٍ من غير أية معاناة، وخلال سنواتي في الجري شهدت مئات الناس يأتون بحماسٍ عالٍ للرياضة، وينخرطون في الجري لعدة أيام وبعدها يختفون من الشارع ولا يعودون أبداً، قلتُ لأحد أصدقائي مداعباً: لو علم الناس أنَّ هذه الآلام جزء من العملية لما وسعنا هذا الشارع!
فقد صدق المتنبئ حينما قال: تريدين لقيان المعالي رخيصة * * * فلابُدَّ دون الشهد من إبر النحل.
فإذا واجهتك صعوبة في المرة القادمة تذكر أنَّها جزء من عملية النجاح، وبفضل هذا المبدأ صرتُ أكسب أضعاف ما كنت أكسبه قبل عدة أشهر، فمع مطلع العام الدراسي الحالي بدأت عملي في تسويق الكتب للمدارس، وكنت أتعرض للرفض أربع مرات في كل خمس محاولات، المهم أنني درست كل صفقاتي الناجحة وعملتُ على زيادتها، والآن فإنني قادر على بيع كتبي في ثلاث من كل خمس مدارس أطرقها، وعندما أعلم أن الصفقة لن تنعقد صرت أبتسم وأستأذن بسرعة موقناً بنجاح المحاولة التالية”.
وأين أنا من ونتسون تشرشل الذي انهزم في كل الانتخابات التي خاضها، فقد سقط في الانتخابات البرلمانية 1922م، وخسر الانتخابات العامة 1945م، فهل يئس تشرشل من تحقيق هدفه؟ كلا بل خاض الانتخابات مرة أخرى وأصبح رئيساً لوزراء إنجلترا وعمره 77 سنة، وكيف لرجل مثل تشرشل أن ييأس وهو القائل: “النجاح هو القدرة على الانتقال من فشل إلى فشل من غير أن تفقد حماسك”.
فإذا أردت النجاح، فكِّر كما يفكر الناجحون، فالناجحون لا يخشون الفشل بل يفكِّرون في الفوز فقط ولا شيء غير الفوز، فقد قالت الملكة فكتوريا: “نحن لا نفكر في احتمالات الهزيمة بل في النصر” أمَّا البرت هوبارد فقد قال: “إنَّ أعظم خطأ يرتكبه الإنسان هو الخوف من الوقوع في الخطأ”.
لا تخشَ الوقوع في الخطأ، ولا تتهيب الفشل، اخرج الآن وافشل إلى أن تنجح، وتذكر دائماً أبيات أبي القاسم الشابي: ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر.
فيصل محمد فضل المولى

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. شكراً على هذا المقال الرائع الحقيق ان مشكلة الشباب انهم لا يصبرون على عمل او نشاط فهم يريدون الوصول بسرعة ولذلك يتخبطون بين الدروب قبل ان توتي ثمارها
    يقول تعالى (فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسرا) وهذه الآية أبلغ من حكمة تريسي براين كل شي يبدا صعبا ثم يصير سهلا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..