مستقبل اقتصاد جنوب السودان بين النفط والاستثمار (1)

النفط هو أهم دعائم الكيان الاقتصادي حيث يشكل نسبة كبيرة من الدخل القومي للبلد المنتج له، وبالنظر لهذا الدور الكبير الذي تلعبه الصناعة النفطية فانه من الضروري أن يجري استثماره بشكل مباشر لتحقيق عوائد ثابتة ومضمونه، وعليه ففي مقدمة كل الإجراءات التي تضمن الاستغلال المباشر هو العمل على خلق واستكمال الأجهزة الفنية والإدارية وتطويرها ورفع كفاءتها عن طريق الدورات والبعثات إلى أقطار عديدة من العالم المتقدم إضافة إلى تأسيس مركز للتدريب المهني يؤمن الارتفاع بمستوى هذه الأجهزة بما يتماشى والتطور السريع لهذه الصناعة.
أن الصناعة النفطية لاتعتمد على إنتاج النفط وحده بل على تسويقه أيضاً، باتخاذ مختلف أشكال البيع بما في ذلك المقايضة لقاء عدد من المشاريع الهامة التي تدخل في ميدان صناعة النفط ومشاريع التنمية التي تحتاجها البلاد في نهضتها ولتسهيل عمليات التسويق لابد من تهيئة وسائل نقله، حيث يتطلب امتلاك ناقلات للنفط ذات الحمولات المختلفه . كما يلزم مد خطوط نقل الخام من الحقول إلى موانئ التصدير، ويلزم أيضاً إنشاء مستودعات خزن للنفط في هذه المواني، بالإضافة إلى ذلك من الضروري العمل على تطوير حقول النفط على امتداد الزمن بحيث تتناسب مع حجم الإنتاج، وتواصل أيضاً عمليات التحري بغية اكتشاف مناطق جديدة عن طريق المسوحات الجوية (الجيوفيزياوية) لجميع البلاد.
وبعد استكمال كل مايلزم لخلق نهضة في استكشاف واستخراج وتخزين وتسويق النفط من الضروري الانتقال إلى المرحلة الثانية وهي التقييم الأمثل للنفط الخام عن طريق تكريره لغرض الحصول على العديد من المشتقات وهي البنزين (بشكلية الخفيف والثقيل)، والنفط الأبيض، زيت الغاز، الدهون، الشحوم، والبيتوم والكوكس …الخ .
تدل الدراسات على إن النفط يشغل مركزاً بارزاً بين مصادر الطاقة المعروفة في العالم، وان الأسباب المؤدية إلى أن يلعب النفط مثل هذا الدور بين مصادر الطاقة المختلفة تعزى إلى عوامل متعددة من بينها تعدد الوظائف التي يؤديها النفط بعد تكريره، فهو يمدنا بالحرارة والضوء ويمدنا بالطاقة التي تحرك المحركات كما انه يمدنا بالزيت الذي يستخدم في طلي الأجسام الصلبه لغرض المحافظة على عدم تآكلها أو صداها، بالإضافة إلى ذلك فان انخفاض الكلفة على المستهلك يلعب دوراً هاماً في زيادة الطلب عليه، وأخيراً فان للنفط دوراً أساسياً في تهيئة الأموال الضرورية لإعداد وتنفيذ برامج الأعمار والتطوير الاقتصادي.

إن للنفط أهمية عظمى باعتباره المصدر الأهم للطاقة في العالم، ليس كوقود ومصدر للحرارة والدفء فحسب وإنما كمادة أولية في الصناعة الكيمياويه، وقد تطورت هذه الصناعة على أساس صناعة تصفية النفط فثمة عشرات المئات من المشتقات من صناعة البلاستيك والمطاط والصابون والاصباغ والأدوية والاصماغ وعدد هائل من المواد الكيمياويه الصناعية ولاسيما صناعة الأدوية وغيرها كلها معتمدة على النفط. كما هناك صناعة حديثة متطورة هي البتروكيمياوية الناشئة عن كيمياء النفط وتكمن أهمية المواد البتروكيمياوية في حقيقة إن صناعتها تؤلف اليوم (65%) تقريباً من قيمة إنتاج جميع المواد الكيمياويه الأساسية المستخدمة في الولايات المتحدة الأمريكية، وسيظل النفط لسنين طويله ضرورة لاغنى عنها للصناعة الجديدة في كل بلد من بلدان العالم ومصدر أساسي للدخل القومي . وبسبب أهمية النفط كمصدر للطاقة وكمادة أولية للصناعات الجديدة المتطورة المبنية على الكيمياء، أصبح النفط عامل أساسي في السياسة الدولية ولو القينا نظرة شامله على صناعة النفط الاستخراجية فهذه الصناعة بدأت عام 1859 في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية ونظراً لكون النفط المنتج مادة أوليه ذات محتوى عالي للطاقة وسهل النقل لكونه سائل ورخيص، فقد بدأت الشركات التي اكتسبت خبرة ودراية في هذا المجال بعد إن لمست فائدته النوعية والمادية تعمل على زيادة سيطرتها على الحقول النفطية فتوسعت داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية واتجهت إلى الخارج وخاصة الأقطار العربية وإيران واندونيسيا وفنزويلا والمكسيك …الخ متعاونة بذلك مع شركات تجارية عالمية احتكارية، ومع مرور الزمن حصلت الشركات الكبرى على امتيازات بشروط خاصة في معظم الدول والمناطق التي تتمتع باحتمالات نفطية عالية وانخفاض الاستثمارات اللازمة للبرميل المنتج وكلفة الإنتاج، وقد استمرت الحالة بهذه الصورة إلى إن بدأت الدول المالكة للنفط تشعر بالحقيقة نتيجة هذا الأسلوب في المعاملة من قبل الشركات الاحتكارية وفي بداية الستينات أخذت الدول المنتجة للنفط تجابه الشركات العالمية الاحتكارية بهدف انتزاع حقوقها الشرعية في الاستفادة من ثرواتها الطبيعية وعلى سبيل المثال عمد العراق إلى تحرير ثرواته فكانت البداية من خلال قانون رقم 80 لسنة1961 ومن ثم نجاح تجربة الاستثمار الوطني المباشر بعد عام 1968 لقسم من الأراضي (كحقل شمال الرميلة والحبيس ونهران عمر وجمبو …الخ) التي سبق وان استعادها من أيدي الشركات بموجب قانون رقم 80 وبعد ذلك جاء التأميم، كان قانون رقم 69 لسنة1972 في اليوم الأول من حزيران والنجاح في إدارة العمليات النفطية وطنياً ونجاح تسويق النفط المؤمم والتغلب على مناورات الشركات الاحتكارية الدولية، وبعد عام1972 (أي بعد نجاح التأميم في العراق) برزت أشكال وصيغ عديدة من العلاقات والتعامل التي عرضتها الشركات الاحتكارية على عدد من الأقطار المنتجة للبترول نحصرها بالنقاط التالية :
1. تطوير شروط العقود النفطية كعقود المشاركة وعقود الخدمة وعقود المقاولة في الأراضي والمناطق الجديدة .
2. تطوير بعض المكاسب المالية لعدد من الأقطار المنتجة للبترول عن طريق زيادة نسبة الضريبه مع احتفاظ الشركات بهامش ربح عال .
3. إشراك الأقطار المنتجة للبترول في عملياتها النفطية عن طريق المشاركة الجزئية 25% – 50% .
4. إتباع اسلوب الامتلاك .

ومما يجدر ذكره إن جميع هذه الصيغ والإشكال أريد بها لتكون البديل المقبول عن التأميم وضمنت حصول الشركات النفطية على :
1) تجهيزات كبيرة عن طريق تسويق حصة الحكومة.
2) خصميات في الأسعار.
3) تامين تجهيز النفط لفترات طويلة .
4) ضمان استمرار تلك الشركات بتزويد الخبرة والتقنلوجيا والاستشارات الفنية .
لقد جنت الشركات الاحتكارية إرباحاً طائلة في البلدان النامية بلغت مجموعها12-11 بليون دولار، وفي تحليل الديون المتزايدة التي تثقل كاهل البلدان النامية، بسبب سياسة الاستغلال الرأسمالي قالت مجلة (هوريزونت)( HORIZONT) الصادرة في برلين إن 32 بليون دولار أخرى ينبغي إضافتها إلى هذه الارباح الاسطورية بسبب مايترتب على الديون المذكورة من مدفوعات وفوائد مرتفعة .
إن البلدان النامية تزداد غرقاً في الديون والتبعية السياسية للدول الاستعمارية التي تعتبر من الأهداف الرئيسية لها المتاجرة بما يسمى بمساعدات التنمية، فلا غرابة والحالة هذه إن عدداً غير قليل من الحكومات المتأثره بعبأ الديون ترى إن القسم الأعظم من الاستثمارات المباشرة للشركات الاحتكارية قد استردت مبالغها منذ زمن طويل وان المصانع والمنشات المعنية يجب إن تؤول إلى هذه البلدان دون تأخير مع دفع تعويضات لما لحق باقتصادياتها من إضرار جراء تهريب الإرباح إلى الخارج.
إن قادة الدول المستغله غالباً مايزعمون إن هناك أكثر من 40بلداً نامياً، إن الغرض من ذلك هو الإيحاء باستمالة تقديم معونات كافية والتمويه على المشاكل الخطيرة التي تواجهها البلدان النامية والشركات التي كانت تمثل الكارتيل النفطي العالمي هي أسو، موبيل، ستاندراوبل أوف كاليفورنيا، الخليج، شل، الشركة البريطانية للبترول، الشركة الفرنسية، تكساكو .
إن الإرباح الأسطورية المتراكمة في حوزة الاحتكارات النفطية منذ استغلالها في العقد الثالث من القرن العشرين ولغاية الستينات مكنتها من السيطرة على سوق القروض العالمية والبنوك الرئيسية وشركات التامين وأوجدت لها ممثلين في وزارات المالية في العديد من بلدان العالم.

احمد يعقوب
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..