أما الزبد فيذهب جفاء

? للخروج من عنق الزجاجة وإعادة بناء الدولة السودانية:
? يجب مغادرة مربع “الترترة” السياسية إلى مربع مواجهة الأسئلة الصعبة وحلها.
? الشعب ليس محتاج لفذلاكات “الانتلجنسيا” وتهويماتها الفكرية بقدر حاجته لفكرة بسيطة يفهمها الجميع ويتوافق عليها العامة.
? فترات الحكم الانتقالية القصيرة الماضية أخفقت في تمهيد طريق بناء ديمقراطيات معافاة ورشيدة.
? النعرة القبلية والجهوية ردة فعل بائسة على سياسات النظام الأكثر بؤسا وهي مدعاة لتعميق الأزمة وليس إيجاد الحلول.
? فكرة الفترة الانتقالية الطويلة هي الحل الآمن للازمة الوطنية إذا ما أردنا وطن موحد

(1)
بعد النظر والتمحيص في وثيقتي “البديل الديمقراطي” والفجر الجديد” نجد أن شقة الخلاف بينهما ضئيلة ويكاد يكون التطابق في أغلب بنود الوثيقتين هو السمة الغالبة ورغم هذا فقد وقعتا للأسف في فخ احتمال إعادة إنتاج الأزمة السودانية واحتمالية تكرار الحلقة الشريرة من جديد بعد التخلص من النظام الحاكم اليوم وذلك بسبب استجابة القوى الحديثة والديمقراطية – الساعية بحق لإيجاد معالجات حقيقية ومخرج نهائي من الأزمة التي تطاولت- لابتزاز القوى التقليدية الراغبة بقوة في المحافظة على وضعها القديم والوصول للسلطة في أسرع وقت وبأقصر الطرق ولو أدى ذلك لترك القضايا المصيرية معلقة بلا حلول تراوح مكانها متجاهلين حقيقة أن الوضع المأسوي الذي تعيشه البلاد كان نتاج مثل هذا التفكير الفطير وتلك الهرولة الغبية خلف المكاسب الشخصية والحزبية الضيقة.
لقد ظلت القضايا الكبرى المختلف عليها التي يحاول اليوم الموقعون على الوثيقتين مرة أخرى وضعها على الرف في انتظار انعقاد المؤتمر الدستوري المزمع عقده بعد الإطاحة بالنظام الحالي هي السبب المباشر في تعثر خطوات بناء واستقرار الدولة المدينة الديمقراطية في السودان بل وظلت السبب الأساسي في فتح الباب أمام الجنرالات المغامرين لانقلاب على الشرعية والتدخل في شؤون السياسة، هذا إذا ما أضفنا لهذا السبب الخطيئة الكبرى التي تكررت برعونة بعد ثورة أكتوبر 64م وانتفاضة إبريل 85م المتمثلة في إصرار قوى سياسية بعينها على أن تكون الفترة الانتقالية عجولة وقصيرة ومجمدة لا تستطيع معالجة القضايا سبب البلاء هذا النهج والترتيب الذي تصر عليه القوى التقليدية استعجالا للسلطة ومكاسبها قد أثبت خطله كما أثبت أنه أسلوب أناني لا يراعي مصالح القاعدة العريضة من الجماهير ولا يضع طموحاتها وآمالها المشروعة في إرساء نظام حكم راشد في الحسبان بل على العكس من ذلك يفقدها المكاسب الثورية التي يمكن أن تجنيها ثماراً مستحقة لكفاحها وتضحيتها إذا ما وضعت ترتيبات متأنية وغير متسرعة لفترة انتقالية طويلة تلي إسقاط النظام الشمولي.
لقد سبق تجريب الفترة الانتقالية القصيرة مرتين في تاريخ أمتنا القريب ونهج استعجال إجراء انتخابات ديمقراطية دون أن تكون الأحزاب قد استعدت لها الاستعداد الكافي فحسمت لصالح القوى التقليدية بالعددية الميكانيكية والولاء الطائفي الأعمى وأنتجت في ظل انعدام الوعي وتغيبه المقصود بالشعارات الدينية تارة وحماسة الانتماءات الطائفية تارة أخرى ? كما هو معلوم – برلمانات معطوبة وحكومات أكثر عطبا وضعفا وقد عانت جميع فترات الحكم الديمقراطي في السودان من خلل بنيوي وبرامجي حد من فعاليتها وأقعد من سلطتها وتركها عاجزة عن إيجاد الحلول للقضايا الوطنية الملحة التي يراد لها اليوم أيضا أن تظل معلقة كقنابل مؤقتة دون بذل أي مجهود من أجل التوافق على الحلول أو حتى مجرد الوصول لتقارب في وجهات النظر إسهاما في توفير الوقت وسرعة البت فيها داخل المؤتمر الدستوري الذي تقع عليه أعباء التخطيط الشاق لاستنهاض الوطن من كبوته.
(2)
وثقتي “البديل الديمقراطي والفجر الجديد” اللتان خرجتا بهما القوى المعارضة قد قدمتا بلا شك معالجات قيمة لمعظم القضايا المختلف عليها وقد مثلتا اختراقاً سياسياً مهما نحو حلول الأزمة الوطنية إلا أن الخوف والفزع الذي ظل ملازما للقيادات التاريخية من الخوض في قضايا بعينها أضعف بعض جوانب الطرح فيهما وقاد الجميع من جديد لفخ التسويف وإمكانية إعادة إنتاج الأزمة نتيجة الإصرار على التمسك بالمواقف الرمادية في قضايا هامة ومفصلية لا تقبل أنصاف الحلول مثل ” نظام الحكم / علاقة الدين بالدولة / مسألة القوميات وإشكال الهوية / المشاركة في السلطة وتوزيع الثروة” . وهي قضايا عاجلة وشائكة لا تحتمل التأجيل أو الوضع على الرف لحين إسقاط النظام الحاكم، لتكون ضربة البداية لنقاشها هو المؤتمر الدستوري دون التمهيد لذلك من الآن بحوار متصل تسهم فيه جميع الأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني من أجل الوصول لتفاهمات عميقة مسبقة وخلق أرضية مشتركة تسهل مهمة البت فيها وحسمها متى ما انعقد المؤتمر الدستوري.
هذا إذا ما أردنا اختصار الوقت والسير قدما في الطريق الصحيح دون إضاعة الفترة الانتقالية في “اللت والعجن” أما إذا ما أردنا لمؤتمرنا الدستوري أن يكون “سوق عكاظ” للخطب و”طق الحنك” واستعراض العضلات السياسية وتناسي قضايا التنمية وضنك العيش الذي يرزح ويئن تحت وطأته المواطن السوداني فعلينا تأجيل عمل اليوم إلى الغد وإتباع أسلوب الطالب الفاشل الذي يستذكر دروسه فقط عشية يوم الامتحان ويرسب وحينها لن تطيق الجماهير صبرا بعدما أرهقت من أمرها عسرا طوال ربع قرن.
(3)
الأجدى لجميع البدء اليوم وليس غدا في طرح قضايا الاستشكال للنقاش والمداولة الجادة بتكوين ورش عمل تقوم بدراستها دراسة معمقة وبلورة رؤى مشتركة يناقشها المؤتمر الدستوري ويكمل النقص إن وجد ومن ثم يصادق عليها. إن تمهيد الطريق لمعالجة القضايا الخلافية وتقريب وجهات النظر حولها يجب أن يكون هاجساً فكرياً لجميع الأحزاب والقوى المعارضة ولا بد أن يكون لهذا الهاجس نفس أهمية هاجس إسقاط النظام ويتم بذل جهد متوازي لانجاز المهمتين معا بالتلازم وفي ذات الوقت فإسقاط النظام دون توافر أرضية مشتركة ورؤية مبصرة بين أطراف المعارضة حول القضايا الخلافية يعني ببساطة قتل الفترة الانتقالية وإفراغها من مضمونها وتركها نهبا لصراع الرؤى والأفكار التي ستنشط وتصطرع بخلو الساحة من المهدد الوجودي الذي يوفر اليوم الحد الأدنى من تعاضد شتات القوى المعارضة والذي يمثله النظام الباطش، ففي أجواء من الحرية والأمان ستعود حتما “حليمة لعادتها القديمة” ويحاول كل حزب من الأحزاب خاصة التقليدية من أن “يضري عيشه” استنادا على الأغلبية الميكانيكية التي ستنحاز كالعادة لمواقفه بالإشارة دون وعي ودراية لنعود ونتجرع من جديد علقم فشل تجربتي أكتوبر/64 وابريل/85 م.
التوصل لتوافق وقناعات مشتركة حول قضايا الاستشكال المصيرية سيكون أسهل في ظل الأجواء السياسية الحالية المكفهرة بممارسات النظام القمعية ومحاولاته الدائمة لشق الصف المعارض وإقصاء الرأي الآخر الشيء الذي يجعل تقارب ووحدة قوى المعارضة الواقعة جميعها تحت نير عذابه مسألة ضرورية وحيوية تقرب الشقة بين الأطراف المختلفة وتعزز روح التعاضد والتكاتف اللازمة لمقاومة طغيانه والوصول لمعالجات للقضايا المختلف عليها وهو مؤثر مهم يشد وثاق القوى بعضها ببعض، أما في حالة زوال هذا المؤثر قبل الوصول لتفاهمات عميقة ستشعر الأطراف المعارضة كافة بالراحة والأمان ويطغى الطمع والتشاكس السياسي بعد أن يستجمع كل طرف أنفاسه ويبدأ في البحث عن مصالحه الضيقة وينسى كالعادة مصالح وطموحات الأغلبية الساحقة من الجماهير، لقد حدث هذا الأمر بحذافيره من قبل مرتين ومن العبث بل الحمق أن نعيد في كل مرة تجريب المجرب.
(4)
إن التجارب القريبة الماثلة في أذهان الجميع في تاريخنا الحديث قد أثبتت بأن الفترة الانتقالية المتعجلة والقصيرة تكون وبالا ونكالا على مجمل التجربة الديمقراطية وقد وعت معظم الجماهير هذه الحقيقة وملت حالة تكرار الأخطاء والعجز عن اجتراح نماذج وأطروحات جديدة أكثر ابتكارا وثورية تعيد صياغة الحياة السياسية من أساسها وتضع شروط اللعبة من جديد. والمنطق السليم يدفع الجميع بقوة نحو الخروج من مصيدة التقليد والخوف من ابتداع نهج مختلف وسلك طرق غير مطروقة عوضا عن حالة اقتفاء الأثر الخرقاء التي أدمنها الساسة وقتلت روح الإبداع السياسي وحولت مفهوم السياسة من فن الممكن لعملية اجترار ورجع صدى بائس فقد جرب الوطن قصر وعجلة المراحل الانتقالية فاتت مخرجاتها تعيسة ومن الحكمة بعد هذا تجريب سبيل التأني الذي فيه السلامة ونحن نبحث عن مخرج مشرف من وحل الأزمة الوطنية وذلك بطرح فكرة مرحلة انتقالية طويلة يقود دفتها أصحاب الخبرة والكفاءة العلمية في كافة المجالات لتنفيذ برنامج إسعافي عاجل يوقف عجلة التدهور أولا ومن ثم يضع الخطط والبرامج لنهضة وطنية وتنمية مستدامة.
تكمن فكرة الخروج الآمن من نفق الأزمة الوطنية الحالية ببساطة في توافق جميع الأحزاب والقوى المعارضة على مرحلة انتقالية تلي عملية إسقاط النظام مدتها خمسة عشر عاما بنظام حكم رئاسي فيدرالي تتعاقب على حكمها ثلاث حكومات مدة كل حكومة خمس سنوات على أن تقوم كل واحدة من الثلاث حكومات بتنفيذ برنامج محدد تحت رقابة جهاز تشريعي مدته أيضا خمس سنوات تشارك فيه جميع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بمناديب متفق على كفاءتها ووطنيتها يقوم بإعداد دستور يحكم الفترة الانتقالية ويتابع تنفيذ البرنامج المتفق عليه ويراقب ويحاسب السلطة التنفيذية – الرئيس وحكومته -.
تؤكل رئاسة الثلاث حكومات خلال الفترة الانتقالية لأبناء الجهات التي وقعت تاريخيا تحت الإقصاء والتهميش “الغرب / الشرق والنيل الأزرق” وبهذا نبدأ عهد من التسامح والتصالح مع الذات الوطنية نُزِيلُ من خلاله مسببات الصراع وذرائعه ونَسْتَعِيد الثقة التي فقدت في بعضنا البعض لتقوية اللحمة المجتمعية والشعور الوطني وهزيمة النعرة الجهوية والقبلية التي تتصدر المشهد السياسي اليوم.
أما وزراء الحكومات الثلاثة خلال الفترة الانتقالية فيتم اختيارهم بالتوافق بعد أن يقدم كل حزب من الأحزاب مرشحيه من “التكنوقراط” شرط أن يكون الفيصل في الاختيار والمفاضلة بين المرشحين هو الخبرة والكفاءة والأمانة فقط لا غير. توضع برامج وأهداف الحكومة الأولى تحت شعار “الانطلاقة والتنمية” والثانية تحت شعار ” الكفاية والعدل” أما الحكومة الثالثة والأخيرة فتوضع برامجها وأهدافها تحت شعار ” التقدم والازدهار” والتي بنهاياتها نكون بحق قد مهدنا الطريق لقيام نظام ديمقراطي راشد ومستقر وبناء على ذلك تقوم انتخابات ديمقراطية رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة تتنافس فيها جميع الأحزاب تنافساً شفافاً بطرح برامجها على الجماهير ومن ثم الاحتكام لصندوق الانتخابي والقبول بنتائجه.
(5)
الدمار الذي لحق بالبلاد خلال ربع القرن الأخير تحت حكم نظام “الإنقاذ” في كافة مناحي الحياة هائل وغير مسبوق الشيء الذي يدعم فكرة المرحلة الانتقالية الطويلة التي يشارك فيها جميع القوى السياسية ويجعلها منها الطريق الأكثر أمنا وسلامة للسير بتوافق نحو الخروج بالوطن من وهدته وإنجاح برامج المرحلة الانتقالية بعيدا عن أجواء المكايدة والغيرة السياسية وتسجيل النقاط على حساب الآخرين وهو الداء والمعوق الأساسي الذي عانت منه الفترات الديمقراطية السابقة وأدَّى لفشلها وإعطاء المشروعية لحدوث الانقلاب العسكرية المتتالية. إن طول الفترة الانتقالية سيوفر مناخاً صحياً للأجيال الحديثة التي تربت على ممارسة السياسة بأدوات غير سياسية ولا ديمقراطية تحت حكم النظم القمعية لإعادة تربية وتهذيب نفسها سياسيا ويتيح أمامها الفرصة لاكتساب مهارات وآداب العمل السياسي الديمقراطي وترسيخ مفاهيم التنافس الشريف والتداول السلمي للسلطة بعيدا عن مناخ الشحن والاستقطاب الانتخابي الحاد الذي عادة ما يسود الفترات الانتقالية القصيرة والعجولة.
لقد آن أوان لفظ نهج “الترترة السياسية” والسير قدما للخروج من مأزق الممارسات القديمة التي اعتمدت نهج تغيب وعي وصوت الكتلة الجماهيرية العظمى ويقني أن فكرة “الفترة الانتقالية الطويلة” رغم أهميتها لن تروق لساسة العهد القديم وخاصة قيادات الأحزاب التقليدية الذين يعلمون بأن هذه الفكرة تهدد سلطانهم وسلطتهم “البابوية” بما توفره من فرصة لم تتوفر من قبل لنشر الوعي وتبادل الخبرة والاحتكاك بين شباب الأحزاب التقليدية المتطلع للخروج من “جبة وقفطان” الآباء والقوى الديمقراطية الحديثة في ظل توافق يستبعد حساسية الاستقطاب الانتخابي الحاد الذي كان الحجاب الحاجز الذي تستخدمه تلك القيادات بخبث ليحول دون اتفاق شباب السودان من كافة الأحزاب حول برنامج نهضة وطنية.
(6)
لقد تشكل وعي سياسي جديد في أوساط شباب الأحزاب التقليدية، نمى وترعرع في مناخ التعسف والبطش تحت حكم النظام الحالي، الذي عمل بكافة الوسائل لتشويه الوعي والضمير الجمعي ومحاولة إعادة صياغة الفرد وفقا لمشروعه الفكري المدمر، وقد كان نصيب الشباب من هذا البلاء عظيماً ولكن قد أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، وأدت سياسات النظام القمعية إلى عكس مرتجياه حيث تبلور وعي ثوري جديد في بيئات كانت توصف بالتقليدية والرجعية، وهنا يكمن وجع النظام الفاشي ويستبين فشله المريع، فقد غدا معظم شباب الأحزاب التقليدية يتحلى بوعي جديد وفهم عميق لأسباب الأزمة الوطنية الحقيقية وأصبح أكثر نضجا سياسيا ورحابة صدر للاستماع للرأي الآخر دون أحكام مسبقة، وهو اليوم يتطلع بصدق للنهوض بالوطن من كبوته والخروج به من وهدته لبر الأمان، وقد ظهرت تلك الروح الجديدة بوضوح في تضامن الشباب من كافة الأحزاب والمشارب الفكرية، وإيمانه بوحدة المصير والهدف في انتفاضة يونيو/يوليو من العام الماضي.
على القوى الحديثة والديمقراطية أن تلتقط هذه اللحظة التاريخية الفارقة وتحسم خياراتها النضالية وتنفض يدها عن تكتيكات قوى اليمين المتبعة في مقارعة النظام بعد أن ثبت أنها عبارة عن “ترترة” فارغة، المقصود منها حفظ ماء الوجه ليس إلا، وضعيف الحجة والمنطق من يظن أن مصالح اليمين الإسلاموي الذي يمثله النظام تتناقض ومصالح اليمين الطائفي، وعلى قوى اليسار أن لا تحلم بذلك فمصالح قوى اليمين واحدة وهي تتصالح في نهاية الأمر مهما بدا اليوم تشاكسها، وعلى أصحاب الوجيعة الحقيقيين من القوي الديمقراطية ومجموعات الشباب الثائر المتطلع لغد أفضل أن تعي هذه الحقيقة جيدا وتضعها نصب عينيها وهي تخطط لتحالفاتها النضالية المستقبلية، وعلى قوى اليسار بالتحديد أن تكف عن تريد الأسطوانة المشروخة عن واقع الساحة السياسية السودانية الذي يجبرها على التخلي عن برامجها الثورية والانجرار خلف برامج اليمين المهادنة. فقوى اليمين تعمل وفقاً لمصالحها وتعلم أن استمرار وجودها على الساحة يفرض عليها ضرورة المحافظة على المعادلة السياسية العتيقة “قَدَمٌ في البر وَقَدَمٌ في الطوف” ومصالح قوى اليسار حتما مختلفة وليست هنا؛ بل هناك مع الأغلبية المسحوقة من الجماهير ومع شعوب الهامش التي تفترش الأرض وتلتحف السماء في معسكرات الشتات والنزوح في انتظار عون خالقها ومدد حزبها الطليعي السائر لدهشتها بغباء كالمنوم في ركاب من باعوه من قبل مرات بل وتأمروا على حله ونحره. ما لكم يا هؤلاء أين البصر والبصيرة؛ بل أين الذاكرة التوثيقية وأدوات التحليل العلمية من كل هذا؟؟ ولماذا كل هذه الحيرة والنهج الثوري بين وطريق الحق أبلج!!؟.
طرح النهج الثوري المقاوم لبطش النظام الحاكم بعد أن تمنع وسد جميع منافذ الحوار هو الحق الذي لا يجب أن يحيد عن طريقه ثائر، اطرحوا التكتيك الثوري الذي به قد عرفكم شعبكم وأعزكم شهداء أو مشاريع شهادة تسعى بين الناس لباسها كفن، ولينحاز من ينحاز ولينفض سامر كل من تخاذل، فالثورة لا ينجزها المتخاذلون ولو كانوا كثفاً كعباب البحر، الثورة ينجزها أولي المتاريس ملح الأرض الحفاة العراة أما الزبد فيذهب جفاء.
** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
تيسير حسن إدريس 8/03/2013م
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. صديقى لى الشرف ان اكون احد الذين اخترتهم وهذا يضع على عاتقى مسؤولية الحياد فى التناول
    اولا اتفق معك فى تلك الفروض وارى انك كررت البند الرابع فى السادس فالفترة السابقة للثورات شهدت فترات انتقالية قصيرة المدى فهنا اضيف بند اسس تكوين الحكومة الانتقالية و برامجها وادواتها ومراحها الزمنية واعتقد ان استخدام مدلولات فيصلية لمناقشة الفكرة قد اصبت الاختيار السليم بجانب ذلك فانك قمت بتفسير المشكلة ولكنها لم تعرفها لان التفسير استلب بعد النقاط الضرورية وخاصة عندما حددت مسالة الهامش وهنا اكون متجردا تماما ان المشكلة الاساسية فى السودان تكمن فى تشوه الانسان السودانى نتيجة لترعرعه فى نظم مشوه وثقافة مشوهة ومجتمع متناقض لا ينظر الى فضاءات الوطنية الا من منظوره الشخصى الضيق وهنا لا اتبنى تحليلات مدرسة السيوسيو ايكونوميك او فائض القيمة او هامش الارباح او الهامش والمركز بل ان ازمة الانسان فى السودان ازمة ذات وذات ازمة وهذه التشوهات تسلسلت منذ تلاشى حضارة السودان القديم و اندماج قوميته فى قوميات استعمارية لا هوية لها فسادت على الهوية ثم اضافت الديانات السماوية بعدا ظلاميا اخر لتصبح الثقة فى الذات معتمدة على المشيخة والقبيلة والعشيرة هذا التفتت نمى وترعرع فى ظل نظم قبلية و زوّر المؤرخين مصداقيتها حتى اتى الاتراك ثم المهدية والانكليز وقمة التشوه وبشكل منظم حتى تكون صيرورة وسيرورة شعب باكمله هندسها الانكليز فاسسوا نظم طائفية وقبلية وعشائرية اصلا لا يمكن لها ان تتفق بشكل يضمن تطور السودان (رجل افريقيا المريض) ومن عمق هذه الطائفية والقبلية جاء الابن الغير شرعى لها المتمثل فى الاسلاموية
    ان الاشكالية اننا لم نعمل على حل تلك العقدة الحرجة بل ظللنا نعيد انتاجها بشكل او باخر وحتى اننا لا نملك المقدرة على توجيه ما انتجناه من ازمة فالطائفية دوما تعيد انتاج سلوكها الضدى لمصالح الشعب ليتفق مع مصالحها الانية والمستقبلية فتارة تهادن وتارة اخرى تصالح ومن ثم تثتثمر فى ذلك .هذا السلوك المتكرر كان لا بد ان يخلق تكنوقراط انتهازيين يسعون الى امتلاك الجاه والثروة والسلطة وبالتالى هم على استعداد للتخلى عن اى شئ مقابل تحقيق امامنيهم الضيقة واذا تتبعنا مرحلة الكيزان الحاليين فانهم كان يتسلقون حزب الامة ثم النميرى ثم العساكر فحققوا ما ارادوا وليضمنوا استمراريتهم استندوا فى بداياتهم على مثقفى الطرف الهامش ومكنوهم فى المناصب القيادية والسيادية واوكلوا لهم مهام حيوية وقد استفاد هؤلاء واصبح معظم مثقفى الهامش قواعد جماهيرية لهذا النظام فمنهم من طلع عاليا فوقع ومنهم من لا يزال عاليا ولكن اعتماد النظام على طرف واحد يثير ضده باقى الاطراف فانتقل الى اخرين وهكذا وكل الذين تخلى عنهم النظام فيما بعد حملوا السلاح ضده وحتى هؤلاء انفسهم اصبحوا غير قادرين على توحيد جهودهم فاستغل النظام تلك الوضعية فيعقد صلح هنا ومهادنة هناك ويؤلب هذا على ذاك فاشتعلت دارفور وفصل الجنوب وانتحرت جبال النوبة واغتيلت النيل الازرق وخدّر الشرق فكل مجموعة ليست دات وعد ففى اى وقت يمكن ان تفاوض من دون شركاوها
    اذا هذا الوضع كما اشرت بفرضياتك يحتاج الى دراسة واقع كاملة نعرف المشكلة ونحدد مسبباتها ووسائل وادوات تلك المسببات ثم نعترف بكل اخطاؤنا ونوضح لماذا كانت تلك الاخطاء وما هو هدفها ثم بعد ذلك نتمكن من صياغة اهداف تغطى جميع تلك الطموحات التى قادتنا فى فترات سابقة ان نخظئ وبعد ذلك نحدد ما هى الاليات التى تتبع كسلوك علمى وعملى فى صياغة تلك الطموحات وتوجيهها نحو غايات عامة تمهد لتحقيق الغايات الخاصة وهذا بالطبع يعتمد على تشكيل حكومة قومية تمثل كافة شرائح المجتمع تمثيلا حقيقيا ثم نبعد العروبية والافريقانية ونعتمد السودانية ونبنى عليها تربيتنا الوطنية وهذه الحكومة تكون ذات اهداف عامة تخدم الانسان والوطن لا اشخاص بعينهم واهم مهامها عقد المؤتمر الدستورى على اساس السودانية الهوية – الانقاذ الاقتصادى والاجتماعى والثقافى والسياسى وعلاقات التبادل الدولية والسياسة الخارجية على ان لا يتم تهميش شريحة بعينها حتى لا تشكل فيما بعد اعادة انتاج مشكلة مثلا جهاز الامن حله يضر اكثر من ينفع وهناك تجربة الانتفاضة فانا اقر بوحشيته وهيمنة النظام عليه الا ان الاستغناء عنه فوريا مشكلة فهو يملك ملفات تفيد فى القصاص فى القبض على المجرمين هذا بجانب ملفات امنية اخرى ليست سياسية ثم بعد ذلك يتم اصلاحه وفق قوانين معدة مسبقا بمعنى اعادة هيكلة لكل الاجهزة الامنية والاجهزة الاخرى المدنية مع العلم ان الكيزان منتشرون فى هذه الاجهزة وهم يشكلون عالبها وان التخلص المباشر يؤدى الى عواقب قد تعيدنا الى مربع الاستبداد مرة اخرى ومن خلال مسمى اخر
    وخلاصة يجب التصرف بعقلانية لا انفعالية ولا من منطلق كره وحقد شخصى او عنصرى او تمييزى لان السودان ملك لصالحنا وطالحنا فسياساتنا السوية هى التى تقينا اعادة انتاج ازمتنا
    ودمت – المجد للشيوعية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..