أخبار مختارة

آلية استعادة الأموال المنهوبة لخزينة الدولة بعد انتصار الثورة (2)

العقبات الخارجية والداخلية لاستعادة الأموال العامة المهربة للخارج

بالإضافة إلي الصعوبات المذكورة سابقا (اضغط هنا للأطلاع عليها) والتي تتعلق بصعوبة ملاحقة عمليات غسيل الأموال بالذات في مرحلتي التمويه والدمج المذكورتين سابقا فإن عملية استرداد الأموال العامة المهربة للخارج تواجه عقبات علي الصعيدين الدولي والمحلي نحاول فيما يلي التطرق لأهم هذه العقبات:

أولاً: العقبات على الصعيد الدولي:

1. تتطلب عملية استعادة الأموال المنهوبة دراية ومعرفة كاملة ودقيقة وقدرة علي الإستعانة بآليات التعاون القضائي الدولي ومتطلباتها وإجراءاتها، والاستفادة من الإتفاقيات الدولية والإقليمية كإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الصادرة عام 2003م، اتفاقية مجلس أوروبا لعام 1990م المتعلقة بغسل عائدات الجريمة وكشفها وضبطها ومصادرتها، اتفاقية مكافحة رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية الصادرة عن منظمة التعاون والتنمية عام 1997، اتفاقية اﻷمم المتحدة لعام 2000م لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، مبادرة ستار (Star) التي أطلقها البنك الدولى بالتعاون مع الأمم المتحدة عام 2007 لتسهيل عملية استعادة الأموال المنهوبة ومهربة لدول غنية في الخارج من قِبَل حُكَّام فاسدين في الدول النامية. وبموجب هذه المبادرة تسقط أي حصانات سياسية أو دبلوماسية يتمتع بها مهرِّب الأموال العامة، حتى لو كان لا يزال حاكما للدولة المنهوبة، وغيرها العديد من الاتفاقيات التي يمكن أن تستفيد منها الدولة في ملاحقة تلك الأموال واستعادتها. هذا بجانب أنها تتطلب معرفة واسعة بقوانين الدول الأخري ومعرفة إجراءات التقاضي. وعلي الرغم من أن السودان يذخر بخبرائه القانونيين في الداخل والخارج إلا أن هذه العقبة لا تكمن فقط في الجهود الجبَّارة المطلوبة في البحث والتقصي والإطلاع بدقة وعمق علي تلك الاتفاقيات الدولية وقوانين الدول الأخري خاصة الدول التي تم تهريب الأموال لها، وإنما في ارتباطها بالعقبتين المذكورتين في النقطتين الثانية والثالثة أدناهما علي التوالي.

2. قد تلجأ بعض الدول التي توجد بها الأموال المهربة تجميد ومصادرة تلك الأموال لصالحها تحت ذريعة أنها أموال ناتجة عن جرائم غسيل أموال. وقد تستغل في ذلك البيانات والمعلومات والأدلة المقدمة لها من الدول صاحبة الأموال نفسها علي طبق من ذهب. وتلجأ مثل هذه الدول لهذا الالتفاف علي ملفات ومطالبات قضايا استعادة الأموال المنهوبة خوفا من تراجع قيمة عملتها المحلية أواختلال موازين مدفوعاتها وتراجع إقتصادياتها في حالة خروج هذه الأموال واعادتها لبلدانها الأصلية. وعادة ما تلجأ لذلك الدول التي تعاني إقتصادياتها بعض الأزمات الحادة. فعلي سبيل المثال تصعب عملية استعادة الأموال المنهوبة ومهربة لدولة كاليونان يعاني إقتصادها أزمة ديون وسيولة وتراجع في قيمة العملة وارتفاع معدلات التضخم وتفشي الفساد.

3. قد تكون حكومات الدول التي تتواجد فيها الأموال المنهوبة موالية للحكام السابقين الذين قاموا بتهريب هذه الأموال خلال فترة حكمهم وهذا هو الأمر الأكثر شيوعا. فعادة ما يقوم الحُكَّام وكبار السياسيين بتهريب الأموال العامة المنهوبة لبلدان تربطهم بها علاقات قوية نتيجة تحالفات سابقة كتجربة الدكتاتور فرديناند ماركوس في الفلبين علي نحو ما سنبين لاحقا في هذه الورقة، أو نتيجة توجهات آيديولجية مشتركة، أو من خلال مصالح إقتصادية خاصة وشراكات تجارية مختلفة تنشأ بين المتنفذين في دولة منشأ الأموال المنهوبة والدولة التي توجد بها الأموال والتي يشكل فيها المتنفذين غِطاءا قانونيا للأموال المهربة وبالتالي تصبح ملاحقة هذه الأموال قانونيا في مثل هذه الدول أمر أكثر تعقيدا ويحتاج لجهود جبَّارة علي الصعيدين السياسي والقانوني ويتطلب أيضا معرفة كاملة غير منقوصة بقوانين مثل هذه الدول وبقدرة عالية جدا علي تقديم أدلة دامغة داخل هذه البلدان نفسها.

4. تنعدم أيضا أو تقل استمرارية إرادة الدول التي توجد بها الأموال المنهوبة في إرجاع الأموال المنهوبة لبلدانها الأصلية إذا كانت من الدول التي تشهد تحولات وتقلبات واضطرابات سياسية مستمرة، وخلال فترات قصيرة متتابعة خاصة في بعض الدول الإفريقية.

5. الإختلاف في الأنظمة القانونية وتعدد الجهات الرسمية التي تتعامل مع ملفات ومطالبات استعادة الأموال المنهوبة وتداخل الإختصاصات والصلاحيات بين هذه الجهات وخاصة في البلدان التي تنتشر فيها البيروقراطية الأمر الذي يؤخر ويعطل عملية استعادة الأموال المنهوبة، والذي يؤدّي بدوره إلى ملل الهيئات الدولية وتراخي تعاونها مع الدول الطالبة في ملاحقة تلك الأموال.

ثانياً: العقبات على الصعيد الداخلي:

1. أول العقبات التي تواجه عملية استعادة الأموال المنهوبة هي نشاط قوي الثورة المضادة بعد إسقاط الأنظمة الديكتاتورية والتي عادة تتشكل من بقايا النظام الديكتاتوري وآثاره المختلفة في كافات قطاعات الدولة ومؤسساتها وفي القطاعات الخاصة الطفيلية التي ارتبطت مصالحها بالديكتاتورية وكانت لها شريكا استراتيجيا في كافة جرائمها وانتفعت منها وراكمت ثرواتها وشاركت في نهب أموال الشعب. فمثل هذه البقايا موجودة في الأجهزة النظامية وفي الخدمة المدنية وفي القطاع المالي والمصرفي وفي مختلف الأجهزة العدلية وفي القطاعات الزراعية والصناعية والخدمية وأنها لن تختفي مباشرة بمجرد سقوط النظام الديكتاتوري وستسعي بكل السبل لإعادة انتاج النظام الديكتاتوري، ولحماية مصالحها وإخفاء ما نهبته من أموال الشعب واعدام كل ما يمكن لها من مستندات وأدلة تدينها في جرائمها المالية التي ارتكبتها مما يعيق عملية استعادة الأموال المنهوبة. وقد تجد من يدعمها من دول الجوار وبعض القوي الدولية. وعادة ما تسعي قوي الثورة المضادة لخلق إضطراب في الحياة السياسية وتأجيج الصراع السياسي الداخلي وشغل الناس بالقضايا الإنصرافية وتهويلها، وتغليب المصالح الخاصة الضيقة عن المصلحة العامة بهدف شغل القوي المهنية والسياسية الجديدة عن ملف الفساد وعملية إسترداد الأموال المنهوبة، وستسعي بكل ما تملك لتعطيل أي جهود تصب في هذا الإتجاه كما حدث في مصر القريبة حيث نجحت قوي الثورة المضادة في تعطيل جهود استعادة الأموال المنهوبة بعد أن قطعت شوطا طويلا وفي زمن وجيز جدا، بل ونجحت في الإفراج عن أغلبية من ارتكبوا جرائم مالية في حق الشعب المصري وصدرت في حقهم أحكام قضائية، وتمكنوا من إعادة انتاج نظام الديكتاتور حسني مبارك من جديد. وبالتالي فإن شعار التخلص من آثار حكم الرأسمالية الطفيلية الاسلامية في السودان يجب أن يكون من أولي المطالب وأكثرها حسما حتي لا يضيع ويتبخر كما تبخر شعار انتفاضة مارس/إبريل المطالب بكنس آثار مايو وذلك بفعل قوي الثورة المضادة التي رمت بكل شعارات الإنتفاضة عرض الحائط.

2. تردّد وتباطؤ النظام القضائي بعد انتصار الثورة في القبض علي المتهمين وعدم قدرته علي إيجاد الأدلّة الدامغة التي تدين هؤلاء المتهمين بالذات كبار المتنفذين في النظام وكبار المسئولين في أجهزة الدولة ومؤسساتها وفي كافة القطاعات والتحفظ عليهم تمهيدا لمحاكمتهم والتحقيق معهم الأمر الذي ينعكس سلباً على سمعة الدولة وبالتالي تفقد ثقتها وتتضعضع إرادتها وجهودها في إستعادة الأموال المنهوبة. فعملية إستعادة الأموال المنهوبة تتطلب أحكام قضائية قاطعة وحاسمة وأدلّة دامغة لا تحتمل التشكيك أو النفي كما سنبين لاحقا في هذه الورقة. ولعل المحاكمات التي تمت بعد انتفاضة مارس/إبريل 1985م لبعض رموز نظام السفَّاح نميري، كمحاكمة بهاء الدين محمد إدريس، والتي لم تنجح في استعادة الأموال التي تم نهبها النظام المايوي خلال 16 عاما من الحكم الديكتاتوري، هي أصدق دليل.

3. ضعف الخبرة والمعرفة القانونية وافتقار التجارب العملية في مكافحة غسيل الأموال وفي استعادة الأموال المنهوبة، وبآليات التعاون القضائي الدولي ومتطلباته، والتباطؤ والتراخي في تشكيل آلية عاجلة فعَّالة تضمن التنسيق بين كافة الأجهزة المختصة والمرتبطة بعملية ملاحقة الأموال المنهوبة واستعادتها.

4. عدم وجود رصد دقيق لحجم الأموال المنهوبة يشكل في حد ذاته أكبر العقبات التي تواجه عملية استعادتها وبالتالي لابد من الإسراع ليس فقط بعد انتصار الثورة، بل منذ الآن، في تشكيل آلية تكون أولي مهامها رصد هذه الأموال وتقدير حجمها وتجميع الأدلة التي تساعد علي استعادتها.

الهادي هباني

تعليق واحد

  1. مقال خطير وهام و غاية في الاهمية و التنبه و يدعو الي اليغظة ليس بخصوص الاموال المنهوبة فقط و أنما في محاولة أعادة انتاج الدكتاتور من خلال الثورة المضادة و التي تفضلتم بالاشارة الي النموذج المصري و هو الاقرب .. بالتالي لا بد من أيجاد هذه الالية الكابحة و الفاعلة بسرع ما يمكن و يفضل ان تكون عناصرها من الشرفاء القادرين و هل يكفي تجمع المهنيين أو غيره من مجموعات ؟؟ طالما الان هي منشغلة بالشارع و مقاومة النظام الذي يتمترس بالعسكر الذي يتمادي بانتهاك حرمة البيوت و ترويع الاسر و أخنطاف النساء و في ظاهرة خطيرة أخري و هي تغمس دور العسكر من قوي هي بالاصل مدنية داب النظام المجرم فيها حيث التبس الامر تي علي العسكر النظاميين و الشرفاء فهل هناك سبيل الي تطهير هذه القوات النظامية و الان ؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..