أخبار السودان

النساء في الصف الأمامي لاحتجاجات السودان

خلال السنوات الثلاثين الماضية، اعتمد نظام عمر البشير الإسلامي سياسة قمعية تجاه النساء. لكن موجة الاحتجاجات الأخيرة قلبت موازين القوى وغيرت الآفاق، حسب ما أوضحت لنا الناشطة دالية الروبي.

كان عمر دالية الروبي 10 أعوام عندما تولى عمر البشير السلطة في السودان سنة 1989 على إثر انقلاب عسكري على حكومة الصادق المهدي المنتخبة ديمقراطيا. وتتذكر دالية جليا التغييرات الجذرية التي طرأت على حياتها اليومية بعد أن زعزعت السلطة الجديدة النظام العام والقوانين.

تقول روبي “تبخرت طفولتي في ذلك الوقت، الأمر واضح. كنا في عمر الشباب وكنا نرتدي كل ما راق لنا من ثياب كمراهقات”. وتتابع “لكن بين عشية وضحاها، وجب تغيير كل شيء لا سيما طريقة اللباس، بما فيها الزي المدرسي. بالنسبة إلى بنات جيلي، كانت ضغوط المجتمع بعد أن تذوقنا الحرية تجربة غريبة. تحولنا إلى ’أشياء جنسية‘، فكانت أجسادنا وسط ميدان معركة ورهان سياسي”.

تبلغ دالية اليوم 41 عاما من العمر، وأصبحت ناشطة ومعارضة تنتمي لحزب المؤتمر السوداني. وعلى غرار آلاف النساء، شاركت بقوة في حركة الاحتجاجات التي هزت السودان بدءا من ديسمبر/كانون الأول 2018 وأدت إلى إطاحة الجيش بعمر البشير في 11 أبريل/نيسان 2019.

حاورتها فرانس24 وهي في قلب المظاهرات في الخرطوم فعبرت عن حماسها لرؤية النساء وهن يلعبن دورا جوهريا في التحرك الشعبي ضد الحكومة “النساء في الصف الأمامي. إنهن قيادات الاحتجاجات”. وتابعت “نحن بعيدون عن الفكرة النمطية عن النساء التي تقضي ببقائهن في الصفوف الخلفية لتحرك يقوده الرجال. النساء يصدحن بأغان احتجاجية ويراقبن ما يقال. فإذا تضمنت الكلمات عبارات تمييز نتدخل ونفسر دون عداء أوعنف. التحرش ممنوع هنا. إنه أمر استثنائي !”.

وجلب هذا الحضور النسائي أنظار العالم بأسره، لا سيما عندما توجهت الأضواء نحو الطالبة آلاء صلاح التي سحرت الجميع بوقفتها على ظهر سيارة، حيث خاطبت الحشود وغنت والمتظاهرون يرددون وراءها “ثورة”. وتحولت الطالبة ذات الـ22 ربيعا بثوبها الأبيض الطويل وقرطها الذهبي رمزا لهذه الاحتجاجات. ولا تمثل صلاح فقط دور النساء في هذا التحرك بل وتحيي، عبر صورة الملكة النوبية “كنداكة”، الثقافة السودانية التي طمسها نظام البشير المتأثر بإيديولوجيا الإخوان المسلمين.

نساء قويات

وتشبث العديد من المتظاهرين بالمطالبة بحكومة مدنية ورفض التيار الإسلامي، ولم يبارحوا الخميس شوارع الخرطوم على الرغم من فرض حظر التجول، وذك للتعبير عن تحفظهم تجاه المجلس العسكري الانتقالي الذي يترأسه وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف.

توضح دالية روبي “نحن مصممون على عدم القبول بانقلاب عسكري جديد” وتضيف “لا نريد حكومة إسلامية بوجه آخر”. فإبعاد البشير لا يضمن تأسيس حرية التعبير في السودان لكن داليا تبقى مليئة بالأمل “عندما أرى الشباب بنسائه ورجاله ينخرط في هذه الحركة في حين كانوا يجهلون ما كان عليه المجتمع قبل ثلاثين سنة ، أمتلئ أملا”.

منذ عدة أجيال، وحتى خلال العقود الثلاثة الماضية “كانت دائما توجد في مجتمعنا نساء قويات” وفق ما تؤكد دالية الروبي. وتضيف “من النادر جدا ألا تلتقي أمهات وجدات وأخوات وطالبات يملكن إرادة قوية. نحن نعرف كيف نكسب قوتنا بنفسنا، نعمل كثيرا ونطالب بالاحترام، إنها تقاليدنا”.

عنف النظام

على مدار ثلاثين عاما، اقترف النظام العنف بشتى أنواعه، فلجم أصوات المعارضة وأتاح الإبادة في دارفور وقمع المسيحيين في الجنوب حتى إعلان استقلاله في 2011. وكانت النساء أيضا ضحية القمع، إذ تقيد تحركاتهن قوانين أخلاقية صارمة لا سيما في الأماكن العامة، إذ تطالهن عقوبات جسدية واغتصاب خصوصا في حال اعتقلن. الناشطات، الحقوقيات والصحافيات اللاتي ناضلن من أجل حقوق المرأة كن محل مضايقات شديدة مارستها السلطات السودانية نددت بها هيومن رايتس ووتش في تقرير عام 2016.

في 2013، احتجزت دالية الروبي في السجن خلال حركة “التغيير الآن” التي انبثقت مع نفس ما أسمي بالـ”ربيع العربي” عام 2011. وكان وزير الإعلام حينها أحمد بلال عثمان قد أكد لوكالة الأنباء الفرنسية أن دالية روبي ونساء أخريات قد اعتقلن بسبب أقوالهن على الإنترنت “تطلبن من الناس الخروج للتظاهر وتقلن على فيس بوك أشياء غير صحيحة” على حد قوله.

وروت بعدها دالية الروبي كيف نجت من أسوأ شروط الاحتجاز (استجواب، جلد، تهديد) بفضل صفتها كموظفة في البنك العالمي. فتناولت حالتها وسائل الإعلام المهتمة بالأخبار الأفريقية. فتوضح دالية الروبي “أكثر من 200 شخص أعدموا في الخرطوم في وضح النهار. بقيت 8 أيام في السجن وظروف احتجازي لا تقارن أبدا بما عاشه الآخرون”.

وأكدت دالية الروبي أن السلطات أطلقت سراح العديد من السجينات في 8 مارس/آذار (اليوم العالمي لحقوق المرأة) في محاولة لإخماد تحركهن لكن “كنا على استعداد لملء سجون النظام. فالخوف يزول عندما كنا جميعا على استعداد لمواجهة السجن”.

وتؤكد الروبي أنها ونساء جيلها تقمن حوارا متواصلا مع الجيل الجديد ورغم بعض التباينات تؤكد الناشطة “كلنا متفقات على ضرورة تناول الكلمة في الفضاء العام، في العمل، وبتبوء مناصب قيادية. صوتنا قوي، ويسمع”.

ليلا جاسينتو / اقتباس: مها بن عبد العظيم
France24

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..