
-1-
قد يتساءل أحدهم : لماذا كل هذا الحرص من أفراد شعبنا على أدق التفاصيل لقيام الحكومة؟ وقد يضيف: لماذا لا نوكل الأمر لرئيس الوزراء الذي جاء بتفويض شعبي – وفقاً للشرعية الثورية – تفويض ربما لا يحلم به رئيس منتخب في مقبل الزمن الديموقراطي الذي نسعى ليكون؟
الإجابة أنّ إعلان هذه الحكومة يعني أنّ الثورة السودانية بشعارها: حرية – سلام وعدالة – قد أنجزت أخيراً مشروعها التنفيذي الذي طالما حلم به الملايين. وبميلاد الحكومة اليوم أو غداً يكون شعبنا قد أنجز الحلم الذي ضحى لأجله شهداء الحرية بأرواحهم مذ جثم كابوس الإنقاذ على صدر شعبنا طيلة ثلاثين سنة. بقيام الجهاز التنفيذي تكون الثورة السودانية قد أعلنت للعالم أن شعباً من أنبل الشعوب صرع بصدور أبنائه وبناته العارية وحشاً مدججاً بالسلاح والمال وبإمبراطورية إعلامية همها الأوحد تزييف الحقائق ، وغسل أدمغة المواطنين وفق مشروعها الفاشي. إن ميلاد أول إدارة مدنية يعني وجودنا الرسمي في المحافل الدولية. كما إنه يعني لشعبنا رد الإعتبار ومشاركتنا مرفوعي الجبين في كل المحافل الدولية. إنّ ميلاد الحكومة بهذا التمحيص الدقيق والخوف يعني أن المزاج الشعبي يريدها إدارة نظيفة ومقتدرة لمرحلة جديدة في تاريخنا. وهو حرص لا يلام عليه فرد أوجماعة.
-2-
لكننا ونحن نعيش هذه الضجة التي صاحبت ترقب ميلاد أول حكومة للدولة المدنية ، علينا أن نفرق بين الحرص على المولود وطمع البعض في الهيمنة عليه. لقد تابع كاتب هذه السطور بحرص وإشفاق مثله مثل الملايين من أبناء وبنات شعبنا تكالب البعض (أحزاب وبيوتات وشلليات وأفراد)- تكالبهم دون خجل للفوز بأكبر نصيب من كيكة السلطة! ظهر ذلك جلياً في الصراع غير المعلن بين مكونات الحرية والتغيير منذ أعلانهم بأنهم يتحدثون باسم ثورة شعبنا. كنّا نعرف أنّ “الحرية والتغيير” جسد عريض لا يؤلف بين مكوناته إلا حسن النوايا في التوافق على الحد الأدنى. ولعبة السياسة في معناها البراغماتي عند البعض لا تعترف بحسن النوايا. نعرف أنّ ثلاثين سنة من الفشل الذي اتسمت به أطروحات الأحزاب السودانية في محاولة إزالة نظام الأخوان المسلمين قد كشف أنها لم تضف لموروثها السياسي منذ الإستقلال ما يجعلها أهلاً لقراءة ما حبل به الشارع من معطيات جديدة تصدّى لها جيل أكثر وعياً منهم لقراءة المستقبل. فبينما كان شبابنا يقودون الإنتفاضات الشعبية، ليسقط الشهيد تلو الشهيد (سبتمبر مثلا) وبورتسودان وكجبار، وبينما يمضي الكفاح المسلح بمقاومة أرهقت الآلة العسكرية للإنقاذ. بينما كان مئات الآلاف يقضون نحبهم في دار فور وتضيق بنسائهم وأطفالهم المعسكرات، وطائرات الأنتينوف تقصف أطفال الكراكير في جبال النوبة وقرى المزارعين في خور يابوس في النيل الأزرق. بينما كان الفقر يسجل أرقاماً قياسية في كل شبر بالسودان.. بينما كان كل هذا الوجع الفاسي يجري في بلادنا ،كانت بعض الأحزاب تكثر من الغزل خفية مع النظام ، وتجاهر تارة بأنها يمكن أن تهزم النظام في أنتخابات 2020 التي عرف شعبنا بثورته أن يجعلها نسياً منسياً. كنا نراقب كل هذا ونكتب شاجبين له ما استطعنا. ورغم أننا تغاضينا عن كل هفوات العمل السياسي الحزبي ووقفنا وما نزال نقف مناصرين لمكون الحرية والتغيير كجسد كبير يمثل رافداً من إرادة شعبنا في التغيير ، بل رضينا بقيادته، رغماً عن كل شيء فإن ما رشح من تهافت من بعض أحزاب هذا المكون حين لاحت لها طريدة الحكم أمر يدعو للخجل! كم هي الهفوات التي أرتكبها مكون الحرية والتغيير مذ أعطى الشرعية لمجلس أمن النظام (المجلس العسكري) ، وراح في حوارات عرف العسكر منها أنهم يسمعون جعجعة ولا يرون طحنا، فكانت مجزرة ساحة الإعتصام التي لم ينكر مجلس أمن النظام عيانا بأنهم خططوا لها ونفذوها. تلتها مجزرة مدينة الأبيض التي جاءت في أعقابها بزمن قصير. ولدهشتنا يصرح أحد قادة الحرية والتغيير لإحدى القنوات العربية بأن حادثة الأبيض لن توقف تفاوضهم مع المجلس العسكري!! قال هذا وشهداء مجزرة الأبيض ما دفنوا بعد. ونتساءل : ما سر كل هذا التهافت؟
أكتب ما أكتب ، ومن عنده مظلمة ضدي فليركب أكثر خيوله جموحاً ويقاضيني. فها نحن في زمن جديد مختلف. زمن وصفه أبناؤنا وبناتنا صانعو وصانعات الإنفجار الأخير لثورة شعبنا بأنه الزمن الذي خلا من (شغل الدسديس والغتغيت). نصيحتي لكم أن دعوا التهافت.. وإنصرفوا لما هو أجدى لشعبنا!
-3-
.. الآن قد وصلنا آخر الشوط لقيام حكومة دولتنا المدنية، وبعد شد وجذب في مكون الحرية والتغيير جاءت إرادة شعبنا بواحد من أبنائه لا يختلف إثنان في كقاءته العلمية وخبراته ووعيه بما يجري في الساحة. كل ما نرجوه من قوى الحرية والتغيير – من كان ضد وصول الدكتور حمدوك لسدة الحكم ومن كان معه – أن يعرفوا أننا جميعاً في مركب يبحر بآمال شعبنا نحو عهد جديد، أشرقت شمسه من وراء الأفق. وأن يعلموا جيداً بأن أبالسة النظام المباد ما زالوا في أوكارهم يحلمون بهدم المعبد علي الجميع. إنّ نظاماً دمر الزرع والضرع وآباد وشرد الملايين، ما يزال يعد العدة لإجهاض الثورة ، وما يزال يدير أنصاره اسطوانتهم المشروخة حول حكم الدين والشريعة. إن نظاماً كهذا يحتاج تعاوننا جميعا مع الجهاز التنفيذي الجديد حتى نطوي صفحة مريرة من تاريخنا ونصنع وطناً يكون مفخرة بين الأمم. إنّ شعبنا جدير بتحقيق هذا الحلم. هذا الشعب الذي أينما توجهت في بلاد الله الواسعة وجدت أبناءه وبناته مضرب المثل في الأمانة وعفة اليد واللسان. دعونا نقف متسلحين بالوعي والوحدة لتفويت الفرصة على اعداء الحرية. يقول الكاتب والقس الأنجليكاني ، البروفيسور بجامعة كيمبريدج وليام رالف إنغ (1860-1954) يقول في أعداء الحرية: “أعداء الحرية لا يجادلون، بل يصرخون ويطلقون النار.”
فضيلي جمّاع
لندن – 29/08/2019
[email protected]
نصيحة غالية جدا للاحزاب.بما انك تقر بان الثورة ثورة شعب لكنك عزلت الاحزاب من هذا الشعب والحقيقة ان الشعب لا ينفصل عن الاحزاب ولا الاحزاب تنفصل عن الاحزاب. والاحزاب مهما تكون في مجرد قنوات لتمثيل الشعب.والشباب الثاءر هو اما جزء من الاحزاب او جزء من الشعب كقاعدة عريضة فتقسيم الشعب الى احزاب وشباب وغيره لا يجوز. المهم مخاطبة الشعب ليحسن الاختيار لمن يمثله وان يعجل محاسبته لمن يخفق في مهمته.الاحزاب ظلت تدفع ثمن نضالها نيابة عن الشعب خلال ثلاثون عاما وهذا واضح وحقيقة لا ينكرها احد وعندما وصلت حد طاقتها من المقاومة تولى الشعب المهمة واعانهم على اسقاط النظام. اذن المسالة مسالة ادوار كل طرف قام بما يليه من مهمة وانجز. والانجاز الثوري يحسب لكل فءات الشعب المناضلة بالكلمة وبالمظاهرات وبالقلم والبندقية. التحية لك.
ديل فلول النظام في الخدمة المدنية يريدون استباق وزير العدل الجديد بمقرراتهم ومرجعياتهم اتفاقات النظام السابق المفروضة على مغفلي بعض حركات التمرد التي أصبح زعماؤها جزءا من النظام وبقيت المشاكل موضوع الاتفاقية بدون حل ومازالت معسكرات النازحين واللاجئين إلى اليوم في حماية الأمم المتحدة نظريا أو بدون حماية واقعا ولم ترد الحقوق إلى أصحابها أو تمكينهم من العودة إلى قراهم ومزارعهم ومراعيهم بل يعتدون عليهم وهم داخل المعسكرات وخارجها إذا أخرجت نساءهم ضرورة الحصول على خشب الوقود وهذا كله ما سيكون برنامج حكومة حمدوك لمعالجته وهؤلاء يريدون استباقها بمرئياتهم التي تمثل رؤية النظام السابق في التعامل مع هذه المشاكل التي تسبب فيها ولم يفلح في حلها بل يرد ذلك بنظرته الاستعلائية وسلاحه ضد العزل.
صدقوني هذه الأحزاب و الحركات هي اس البلاء في السودان ..هل يعقل في بلد واحد أكثر من 300 حزب و أكثر من 100 حركة مسلحة و الآن نسوا أمر الوطن و يتهافتون علي المناصب و التي هي حقا تكليف و ليس تشريف ..كان الله في عونك يا حمدوك