أخبار السودان

عقد الجلاد.. القصة المنسية (2-2)

الخرطوم – محمد غلامابي
هذه كتابة تمليها اللحظة التأريخية التي تمر بها بلادنا اليوم، وهي مساهمة مني لإدارة حوار عميق حول الفنون بأشكالها المختلفة، والأدوار المتوقعة منها في طريق ثورة السودانيات والسودانيين التي إبتدروها منذ وقت بعيد، ولم تنته بالحادي عشر من إبريل تأريخ إعلان سقوط الطاغية، بالتالي هي كتابة تعي أن نار الثورة ستظل متقدة، ليست كنيران الكبريت التي تضيء لمرة فتموت.
أعتقد _ دون زيف أو خيلاء_ أنني مؤهل للكتابة حول عقد الجلاد، بما لدي من معلومات، وشواهد، ومجايلات، وحوارات ابتدرتها هنا في هذا الإسفير، وفي الصحافة الورقية، الموقف من هذه الكتابة بالضرورة سيكون مكان اختلاف وجهات النظر، فالبشر ليسوا متفقين، لكن الراسخون في عقد الجلاد ستكون إضافاتهم نوعية بالضرورة.
حالة الوعي
عقد الجلاد ظلت تمثل حالة من الوعي التزمتها طوال مسيرتها، وذلك من خلال اتصالها بشعراء تمثل أشعارهم هذه الحالة بامتياز من أمثال محجوب شريف كما أسلفت، وحميد، وقدال، وعاطف خيري، ومجدي النور، وقاسم أبزيد، وقاسم أحمد، وعثمان بشرى، وعديد الأسماء، وهي أسماء يجب أن نعي أن مساهمتها كانت ولا تزال كبيرة جداً في مشروع عقد الجلاد، بل وتمثل ركيزة متينة من ركائزه الأخرى من ملحنين، ومؤدين، وجمهور ” أصدقاء” يشكلون جميعاً، ويخدمون فكرة الجماعية، الفلسفة التي قامت عليها المجموعة، حالة الوعي التي مثلتها وتمثلها عقد الجلاد تضعها كمساهم رئيس في ثورة ديسمبر العظيمة، بالنظر إلى أن هذه الثورة _ كما قلنا _ ويردد غيرنا هي ثورة وعي بامتياز، هي بنت الوعي وابنه معاً، لذلك يصعد سؤال هنا : هل انتهى دور عقد الجلاد بنهاية حقبة الديكتاتور عمر البشير؟ وإلا فلماذا توارت عن الساحة العامة منذ حفلها بميدان الاعتصام؟ ما الذي يقعد بها؟ كيف تفكر في المرحلة القادمة؟ هل تضع خطة لنهوضها الجماعي، أم أنها لا تزال تكابر وتغالط واقع الثورة السودانية الجديد، في إنو ” زمن الدسدسة والغتغيت انتهى”؟ .. غايتو العبارة دي عاجباني بشكل.. عموما ربما أضع في طي قادم الأحرف بعض إجابات.
مشروع غنائي متكامل
ولأن التاريخ يكون محايداً في كتابة الوقائع، فإن ماجرى داخل عقد الجلاد من مواقف ورؤى متباينة، ومختلفة أحياناً، ومتقاطعة في بعض الأحايين، لن تكون عرضة للتزييف، أو التزوير، أو التشويه، أو التبديل أبداً، وشهود التاريخ أحياء، مثلما المواقف تماماً، لذا تكون محاكمة كل ذلك بما اختطته والتزمته عقد الجلاد من مشروع غنائي لحمته وسداته هو التنوير، هو فعل المقاومة الباسل ضد كل قبيح وسائد، هو المعرفة التي تنهض مقابل الجهل وكل خرافة، هو التزام آمال وتطلعات وأحلام الشعب في حياة الكرامة، والأمن، والسلم، كل ذلك وأكثر بما حملته عقد الجلاد من شعر، دون تحميلها فوق طاقتها، فقصيدة مثل ” حاجة آمنة” لهلاوي، ودعوته لها بالصبر، يمكن عدها من شعر المقاومة.
مثلما كانت أشعار محجوب شريف وغيره هي دعوة للوحدة، والسلم، والأمن، والحياة الجديدة، فلماذا حملت عقد الجلاد مشروعاً كهذا، وهي تتلفت اليوم؟ أتكون امتدت إليها ” الأيادي المستبدة”، والعقول المستبدة كذلك؟ ألا تزال العقد تعيش في زمان الديكتاتور الذي ولى؟ أم ماذا؟
حضور متخفي
في ميدان الاعتصام العظيم كان حضور عقد الجلاد متخفياً، ربما لما جرت من أحداث شهدتها قبل الثورة، أعني أحداث حفل ” الاتحاد الوطني للشباب السوداني” أحد أذرع السلطة المدحورة، لذلك اقتصر الحضور اليومي لبعض أعضائها مثل الأمين، بهجة، وشمت، وآخرين، وكان بإمكانها أن تنصب خيمتها المنتصبة ما قبل الاعتصام في ساحة الاعتصام، ثم تماهت إدارة المجموعة مع الأوضاع التي تلت فض الاعتصام، وهي أوضاع أراد العسكر بنهاية المطاف خلق حواضن اجتماعية، وشعبية زائفة، خلاف حاضنة الشعب الحقيقية بالميدان، فكان مصيرها الفشل، ومصير المجموعة الصمت المريب.
تكريم لقامات فنية
كان محيراً بالنسبة لي في حفل توقيع الوثائق بين ” قحت” والمجلس العسكري في السابع عشر من أغسطس بساحة الحرية أن افتقد فناناً بقامة ” أبو عركي البخيت”، أو أغنيات الفنان مصطفى سيد أحمد، فهما من الأسماء الملتزمة بصرامة جانب الشعب، وأمنياته، وتطلعاته، كان حضورهما في ذلك المحفل بمثابة تكريم لهما، ووفاء لما قدماه، مثلما كان مأمولاً حضور عقد الجلاد، ولكن غياب هؤلاء جميعاً ترك عندي علامات استفهام لن تزيلها أي دفوعات هنا، أو في مواضع أخرى، فحضور تأريخ لعركي أو مصطفى، أو عقد الجلاد، لا يمكن مقارنته بتاريخ فنان مثل صلاح بن البادية بتاتاً.. فما الذي جرى، وكيف، ولماذا؟
الطريق الصحيح
الآن على عقد الجلاد أن تفيق من غفوتها، وأن تفتح عقلها وعينيها، لترى الطريق الجديد الذي اختطه شعبنا، وكان لها سهماً في رسم ملامح هذا الطريق، وإلا فإن الثورة السودانية غنية بأبنائها البررة، أولئك الأبناء الذين غنى لهم محجوب شريف.

 

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. عقد الجلاد ديل نموذج السوداني السياسي المتحور من اليسار لليمين ومن العلمانية للتطرف الديني، لما شافو الكيزان ماسكين كل شي قلبو مديح بعد ما كانو بيغنو اغاني جيفارا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..