الاصلاح والتغيير في شمال دالرفور

كثر الحديث عن الإصلاح والتغيير في الدولة منذ أن رفع حزب المؤتمر الوطني الحاكم لواء الإصلاح والتغيير ولكن الواقع لم يتأثر بعد بهذا الإصلاح والتغيير ولم تظهر ملامح التغيير والإصلاح في الواقع المعاش إلا ما ندر وكون أن الإصلاح والتغيير يحتاج إلى بعض الوقت , خاصة في ظل الأنظمة التي ران عليها الفساد الإداري والمالي واستحكم حلقاتهما فالانتظار سيد الموقف…… نظام المؤتمر الوطني الممسك بتلابيب البلاد ومفاصلها منذ أكثر من ربع قرن يثقل عليه التغيير الايجابي, ولا ينسي المرء في ظل الأوضاع السائدة في البلاد والتي تزداد تدهورا يوما بعد يوم أن يشير إلى بعض الاشراقات التي تطل برأسها بين الحين والأخر هذه الاشراقات كاللبن الذي يخرج من بين فرث ودم , ولا يجرمننا شنأن نظام أن نظهر بعض هذه الاشرقات علي قلتها ذلك أقرب للتقوى وعدم كتمان الشهادة!!
في زيارتنا الأخيرة لحاضرة ولاية شمال دارفور الفاشر ونحن ثلة من المحامين الاخ الدكتور عادل عبد الغني والأخ الأستاذ الكبير كمال أسماعيل أبو نايب والاخ الاستاذ عمر سليمان البرلماني ورئيس لجنة الشباب بالبرلمان ذلك
في إطار متابعتنا لقضية مقتل عشرة من المواطنين الابرياء علي يد مسلحين يزعمون الانتماء للدفاع الشعبي وهي قضية من اختصاص مدعي عام جرائم دارفور فمنذ وصولنا الفاشر واستضافتنا في فندق درة الفاشر والذي افتتح قريبا وهو يضاهي أفخم الفنادق في الخرطوم وهذه بشارة وعلامة بأن التنمية والازدهار لا تتوقفان ولا تتعطلان مهما كانت الظروف الأمنية التي تحيط بولايات دارفور ، الجديد في الولاية أن مظاهر التغيير ولو شكليا لا تخطئها العين ، اختفت مظاهر التسلح الكثيرة وبدأ الانشراح علي وجوه الناس.
وعندما جلسنا للسيد/ المدعي العام مولانا طيفور لمسنا منه الجدية في تحقيق العدالة ومحاصرة الإفلات من العقاب وتحدث بإلمام عن تداعيات عدم تحقيق العدالة داخليا وخارجيا وأكد علي عزم وزارة العدل وكل وحداتها علي تطبيق القانون وإجراءاته بغض النظر عن صفة مرتكب الجريمة , ذات الروح التي كانت سائدة في عهد مولانا ياسر أحمد المدعي العام السابق ، ثم توالت لقاءاتنا بكل الأجهزة الأمنية المعنية بضبط المجرمين فقيادة الشرطة علي أتم الاستعداد لتنفيذ أي أمر يصدر من المدعي العام للقبض علي أي متهم وبالتعاون مع بقية الأجهزة وذات الأمر وجدناه لدي جهاز الأمن الوطني والقوات المسلحة ..الأعجب في الأمر أن مقابلة هؤلاء جميعا تمت بيسر بدون أي تعقيدات أو مراسم أو بروتوكولات … وختمنا اللقاءات بلقاء السيد الوالي / عبد الواحد يوسف والذي وصل الفاشر بذات الطائرة التي كنا فيها فقد استقبلنا الوالي بمنزله حتى دون مواعيد محددة فاستمع ألينا جيدا وكان رده بلسما شافيا , تحدث عن ضرورة تحقيق العدالة وإلا لذهبت البركة من أي عمل نقوم به وان الإفلات من العقاب والتزرع بحماية الدولة لبعض منتسبيها يجب أن يكون شيئا من الماضي ، مقررا بأن الظروف التي كانت تحول دون تمكن الاجهزة الامنية من ضبط المجرمين قد تغيرت فلا حصانة لأحد مهما علا كعبه وأن الحكومة وكل مؤسساتها بريئة من حماية من تطاله يد القانون من المثول أمام العدالة…والخلاصة أن روحا جديدة تسود الولاية ونتمنى أن تستمر هذه الروح .بالحكمة والهمة والجدية العالية والآ تخبو تحت ضربات الواقع المؤلم في دارفور!
أكتشف الوفد [المحامين] من خلال اللقاءات أن العائق في مثول عدد من المتهمين أمام العدالة وخاصة في القضية التي نحن بصددها والتي تعود أحداثها إلي العام2012حيث قام عدد من المتهمين المنتسبين شكلا للدفاع الشعبي باغتيال عشرة مواطنين بدم بادر وحرق منازلهم وقتل بهائمهم بصورة لا أنسانية ولا تشبه أخلاق أهل دارفور فالعائق في القبض علي هؤلاء المتهمين هي القيادة السابقة للولاية كل الإشارات والتلميحات تذهب إلي ذلك بدون مواربة وهذا اعتراف من الأجهزة الأمنية بسوء إدارة الولاية في الفترة السابقة مما يستدعي المحاسبة بفتح الملفات التي درجت الحكومة علي سترها ليحي من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة فبعض الجرائم لا تسقط بالتقادم …..وعطفا علي ما ذكرنا فان الإصلاح والتغيير يجب أن يكون نهجا متبعا في كل مؤسسات الدولة ولكن الحاصل أن هذا الإصلاح والتغيير يسير سيرا بطيئا ولم ينداح بعد ليعم كل المؤسسات , فقط هنالك اجتهادات فردية لاشخاص أستوعبوا مسئولياتهم وتحملوا العبء لانفاذ الإصلاح والتغيير فبعض القيادات تتمتع بفهم عميق وواسع لدورها وبروح المسئولية فأمثال هؤلاء هم الذين يبيضون وجه النظام ويطيلون عمره ومثالنا في هذا المقام هو السيد مدير جهاز الأمن الوطني بولاية شمال دارفور[العميد معاوية] فهذا الرجل ومنذ أن وطئت أقدامنا أرض الفاشر استقبلنا بلطف بل أعاننا علي القيام بعملنا !! وعند جلوسنا إليه سمعنا منه كلاما عجبا …فهم عميق لدور الأمن خاصة في ولايات دارفور يتجاوز الفهم التقليدي للأمن فالرجل وبحكم عمله خارج السودان زمانا وبخبراته المتراكمة أدرك حقيقة دور الأمن في الاستقرار والتنمية , ونحن نتحدث إليه لم نحس برهبة الأمن وطغيانه ولا بزيف الكبرياء والغطرسة كما عند بعض منتسبي هذا الجهاز , كان بسيط المظهر عميق المخبر يعطيك الإحساس بالأمان.. هذا الرجل يختلف تماما عن كثير حتى من صغار ضباط الأمن الذين يتوهمون العظمة والخيلاء فيتعاملون مع الناس بالتعالي والكبرياء ، أمثال معاوية هم السبب في تجميل وجه النظام … لم يكتف معاوية بحسن استقبالنا ولا بإقناعنا بضرورة أن تسود العدالة والمساواة أمام القانون وأن الإفلات من العقاب جلب كثير من المتاعب للبلاد من المتربصين بها فضلا عن إنها تتنافي مع القيم التي تنادي بها الدولة , لم يكتف بهذا بل أراد أن يرسل رسالة واضحة للذين يتحدثون ويكتبون وينثرون الأكاذيب والأباطيل عن دارفور ومعسكرات الذل والهوان وهلمو جرا……
دعانا لزيارة معسكر أبو شوك وما أدراك ما معسكر أبو شوك وتناول طعام الغداء هناك ظننا أن الأمر مجرد مجاملة ولكن حديثه عن الشواء وكبدة الإبل كان جاذبا خاصة من الاستاذين عادل عبدالغني وكمال أبو نايب ورغما عن ذلك انتابني شيئا من الخوف لا سيما أن لون صاحبنا أبونايب يشبه لون الأجانب الذين يعملون في المنظمات الدولية فكم سمعنا عن اختطافات للأجانب والفدية وأشياء أخري …. ولكن حماس أبونايب نفسه
وعادل عبد الغني أجبرنا علي النزول والموافقة علي الذهاب وفي النفس شئي!.
صحيح أن معسكرات النزوح لا تسر و ستظل وصمة عار علينا وتطاردنا أينما كنا إلا إذا استطعنا أن ننهي المعاناة ويعود الناس إلي مضاربهم وقراهم آمنين متمتعين بكل الخدمات الضرورية ….هذا من ناحية ومن ناحية أخري فان واقع المعسكرات خاصة معسكر أبو شوك يختلف تماما عن فهم أمثالنا للمعسكرات فهذا المعسكر تحول إلي منطقة سكن واستقرار وان الحياة فيها تسير بصورة اعتيادية ، علما بأن المعسكر به عدد من المدارس بل به فرق رياضية تقوم بدورات رياضية تحت إشراف السلطات ، كنا نسمع أن المعسكرات مناطق معزولة لا تدخلها الحكومة ولكن الواقع يقول أن بالمعسكر مركز للشرطة ومؤسسات أخري والدليل علي ذلك أن مدير الأمن دخل المعسكر بعربته وبصحبته نائبه وجلسا معنا في مكان عام والكل يسلم عليهما عن معرفة , لا حراسات ولا يحزنون ….
وقد تجاذبت أطراف الحديث مع عدد من مواطني المعسكر فأول من سألت امرأة في السوق فقلت لها أين معسكر أبو شوك فابتسمت وقالت أنت في المعسكر ولسان حالها يقول من أين أتيت الا تعرف المعسكر !!
ونحن نتناول الغداء دخل علينا عدد من الشيوخ فعلمنا أنهم من أئمة الجمعة كانوا في دورة للدعوة والارشاد في المعسكر والاعجب أن المشرف علي هذه الدورة هو الوزير بالسلطة الاقليمية محمد هريو والذي كان الي وقت قريب متمردا حاملا للسلاح سبحان الله مغير الاحوال , جلسنا جميعا نتناول طعام الغداء في مكان مفتوح …..وعدنا سالمين من المعسكر .
وبما أن في النفس شئ قلت لمدير الجهاز لعل هنالك ترتيبات مسبقة لهذه الزيارة لتبدو هكذا , ولكن الواقع أن تغيرا قد حدث في جهاز الأمن فقد تمكن من اختراق المعسكر بطريقة ايجابية وبني جسور للتواصل مع اللاجئين فهذا المعسكر لا يختلف كثيرا عن بعض أحياء الخرطوم الطرفية وبقليل من الترتيب والتنظيم تتحول المعسكرات الي مدن تتمتع بكل الخدمات اللازمة هذا العمل ينقصه الإعلام الواعي الذي يعكس واقع هذه المعسكرات ليس للتصدي للإعلام المعادي والدوائر الأجنبية ذات الأغراض الخبيثة فحسب ولكن ليعلم أهل السودان وضع هذه المعسكرات علي حقيقته ,وبالمرة علي الحكومة أن تفكر بجدية في تخطيط هذه المعسكرات وجعلها مدن أو قري نموذجية لقطع دابر كل من تسول له نفسه المتاجرة بالمعسكرات علي حساب الاستقرار في دارفور . علي أي حال لمسنا تغييرا فلابد من أن ينداح بمنهجية… علي كل المؤسسات فهذا هو الطريق الذي يخرج البلاد والعباد من عنق الزجاجة الذي نحن فيه , صبرا لاهل دارفور فأن موعدكم السلام الحقيقي .
بارود صندل رجب – المحامي
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. سبحان الله انت المحامي و تركن بهذه السهوله الي ضياع حقوق الناس؟؟ كنت تقول للمصلحين الجدد ابنوا القري و المدن المحروقة و وفروا الامن و التنميه لاهاليها ليعودوا اليها بدون مشاكل…..فبدلا من ذلك كمحامي اخر الزمان توصي بتحطيط و تثبيت المعسكرات. باي حق تركن الي تهدير الملايين من قراهم و توطينهم في المعسكرات؟
    واضح انكم اختفي فيكم عوامل التغيير حتي بعد مضي اكثر من عقدين الا تعقلون؟
    لا حول و لا قوة الا بالله …. الا تخبرني بالله عليك من انتم؟؟

  2. صحيح يا أبو خليل هذا المحامى الزغاوى منشن على وزارة وهذا دليل آخر على أن مشكلة دارفور اليوم يتمثل في مثل هؤلاء من أبناء الإقليم الذين يكسرون التلج للمؤتمر الوطنى وعيونهم على مناصب وإمتيازات والظاهر أن التجانى سيسى وعصابته في السلطة الإقليمية قد شبعوا من الفساد وجاء دور المنتظرين في الصف.

    إن أخطر ما يدور هذه الأيام هي فكرة توطين النازحين حيث هم فقد صرح والى جنوب دارفور قبل يومين بذلك وكرر التجانى سيسى ذلك قبل فترة بل يوم أمس صرح والى وسط دارفور بالشروع في بناء مدن نموذجية في ولايته لإستقرار الرحل ولم يتحدث هؤلاء كلهم عن قرى النازحين وتعميرها وقد إستنكر القطرى بن محمود خطة التجانى سيسى لإنشار مطارات وقاعات جامعية وكبارى ورصف شوراع المدن بينما أهمل النازحين حتى إنهم يشربون من مياه التمد،، إن خطة التجانى سيسى وجعفر عبدالحكم هو إخلاء حواكير وأراضى النازحين من أهلهم الفور وتوطين الجنجويد والمستوطنين الجدد فيها وما مقترح توطين النازحين حيث هم في معسكراتهم إلا بداية لذلك.

    الحقيقة التي يعرفها الكثير من أبناء دارفور بالخرطوم هي أن السيسى وعبدالحكم يطبقان خطة المؤتمر الوطنى لتغيير ديمغرافى كبير في دارفور لكن عبدالواحد ووراءه مليونان من النازحين سوف لن يتركوهم يعيثون فسادا أكثر مما إرتكبوه.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..