مقالات سياسية

والله مشتاقين يا عثمان مصطفي

صلاح الباشا

ونحن حين ودعنا الفنان الانسان المهذب والعالم الجليل في علم الاصوات الغنائية البروفيسور عثمان مصطفي إلي مثواه الاخير عصر الجمعة الماضية  الموافق ٧ نوفمبر ٢٠٢٠م إلي مثواه الاخير بمقابر الرميلة بالخرطوم وفي نفس الحي العريق الذي نشأ فيه بمثلما نشأ فيه والديه .. حيث كانت صرخة ميلاده في سنة الفيضان المشهور والذي يطلق عليه السودانيون فيضان ٤٦ أي في خريف العام ١٩٤٦ والذي اطاح بمعظم بيوتات اهل السودان التي تقع علي ضفاف نهر النيل حتي الشمال .
فإن شريط جميل من الذكريات العطرة مع هذا الانسان الجميل عثمان مصطفي تمر بخاطرنا بمثلما تمر بخواطر زملائه واصدقائه واهله واهل الموسيقي اجمعين .
عثمان مصطفي الذي اجمع اساتذة المعهد العالي للموسيقي من كوريين وسودانيين في حقبة سبعينات القرن الماضي حين كان طالبا بالمعهد بانه يمتاز بصوت قوي الملامح مع زخم عالي في التطريب يبدأ بالباص ويرتفع الي آفاق عالية عند الضرورة . فقد ابتعث الي ايطاليا للدراسات العليا لعامين في علم ( الصولفيج) عاد بعدها محاضرا بالمعهد..  وقد كانت وزارة الثقافة وقتذاك تهتم بابتعاث النابغين من خريجي معهد الموسيقي وتفتح لهم المنح الدراسية في شرق العالم وغربه وفي مصر حين كان الاقتصاد متوازنا وكان الاهتمام بالثقافة والفنون يجد معدلا عاليا من الدولة .. بعكس مااصاب البلاد لاحقا من تحول سلبي بمقدار مائة وثمانين درجة.
ظهر عثمان مصطفي في الساحة الفنية في العام ١٩٦٥م والذي شهد بروز العديد من الفنانين الشباب وقتها .. وفي ذلك قصة وهي انطلاقة عثمان القوية الاولي بأغنية ( مشتاقين ) وقد رواها لي شخصيا ثلاثه شخصيات لهم علاقة بالاغنية الاكثر شهرة من ناحية الكلمات واللحن والاداء  وهم الراحل الاستاذ الموسيقار محمد وردي والموسيقار وعازف الكمان الاكثر شهرة في الاوركسترا السودانية والذي توقف الان بسبب عامل السن وهو الاستاذ عبدالله حامد العربي والذي نطلق عليه مجازا (عربي) ومؤدي الاغنية نفسه وهو فقيدنا عثمان مصطفي.
وقصة الاغنية هي ان الشاعر الراحل اسماعيل حسن الذي كتب اشهر اغنيات وردي الاولي والراسخة في وجدان السودانيين حتي اللحظة .. دعا اسماعيل كل من وردي وعبدالله عربي والشاب عثمان مصطفي الي عزومة عشاء في بيته بالسجانة..  والحي لايبعد عن الرميلة حيث يسكن عثمان والخرطوم ٣ حيث منزل عربي و كان وردي وقتها يسكن في بري .
قال لي الاستاذ عربي انه واسماعيل حسن اتفقا علي ان يطلبا من وردي إهداء اللحن الجديد الذي لم يقم بغنائه او تسجيله بعد بالاذاعة وهي اغنية (مشتاقين) والمشهورة باسم والله مشتاقين .. والتنازل عن الاغنية للشاب الجديد الذي استمعا لصوته وهو يردد غناء الاخرين بمنطقة الخرطوم وهو عثمان مصطفي ليجيز به صوته ويسجل الاغنية بالاذاعة …
فعلا حضر ثلاثتهم الي دار اسماعيل حسن وقد كانت الخطة ان يطلبا من وردي غناء القصيدة بعد ان اكمل لحنها .. فتغني بها وردي وكان عثمان يرددها معه وعربي يعزف علي الكمان .. وهنا طلب عربي من وردي ان يهدي هذه الاغنية الي هذا الشاب ليقتحم بها الاذاعة .. فوافق وردي فورا وبلا تردد .
وقد ذكر لي عثمان مصطفي شخصيا بان وردي قد طلب منه في تلك السهرة ان يأتيه الي بيته في بري الساعة الثانية عشر ظهرا في اليوم التالي لتجويد بروفات الاغنية وحفظها .. فقال عثمان انه ذهب الي وردي مبكرا وظل واقفا تحت ظل شجرة من الساعة حداشر حتي اتي وقت الزيارة ثم طرق باب وردي فاحسن استقباله وبدأت بروفات الاغنية وقد اداها عثمان عدة مرات .. ثم قام وردي بالترتيب مع اوركسترا الاذاعة لتسجيلها بعد ان اجيز اللحن
وهنا حدثت طرفة جميلة وهي ان الموسيقار عبدالله عربي قد اشار الي عثمان مصطفي ممازحا بأن يسرع في تسجيلها حتي لايغير هذا (البربري) رأيه ويسجلها بصوته .. وقد قام بابلاغ وردي بتلك الطرفة.
وفي يوم التسجيل حسب رواية عثمان ان وردي قد اتي الي دار الاذاعة ليشرف بنفسه علي اداء الفرقة الموسيقية للاغنية. ما يدل علي اهتمام وردي بالتأكد من جودة موسيقي اللحن حتي وان لم يغنيها هو .
وبعدها … تمددت شهرة عثمان مصطفي في ساحة الغناء بالسودان منذ العام ١٩٦٥ م وبدأت الاغنيات الحسان تطرق ابوابه .. ثم كان نشيد الملحمة لهاشم صديق ومحمد الامين منطلقا آخر لتمدد شهرته من خلال المقاطع التي يؤديها في ذلك النشيد الاكتوبري الخالد  في احتفالات ذكري ثورة ٢١ اكتوبر في العام ١٩٦٨ م بالمسرح القومي وبحضور الزعيم اسماعيل الازهري رئيس مجلس السيادة وقتذاك تحت ظلال الحكم الديمقراطي كامل الدسم .
وهنا لا بد ان نشير الي ان عثمان مصطفي قد تم اختياره مبكرا كعضو فاعل في المجمع العربي للموسيقي التابع للجامعة العربية بالقاهرة كما تم اختياره من ضمن المنظمات العالمية الموسيقية التي تهتم بالصوت في الاداء .. ومن خلال تلك العضوية فقد شارك في مؤتمرات وفعاليات عديدة في شتي ارجاء العالم .. مما اكسبه خبرات لا يستهان بها .
رحم الله الفنان الانسان الجميل عثمان مصطفي وبارك الله في ابنه وابنته واسرته وفي اهل الفن اجمعين .
والله مشتاقين …

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..