أخبار السودان

تم بالإجماع في الكونغرس: منح الحصانة للسودان.. فرحة منقوصة

الخرطوم- مريم أبشر

أمس حقّقت الحكومة الانتقالية، كسباً سياسياً ودبلوماسياً جديداً للسودان يُضاف للنجاحات والاختراقات الكبيرة التي حققتها في ملف العلاقات الخارجية، فبعد القرار الأمريكي التاريخي برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، أفلحت الجهود الدبلوماسية المضنية للوفد الحكومي المفاوض في أن ينال السودان الحصانة السيادية القضائية، بعد أن مرر الكونغرس الأمريكي بعد مخاض عسير مشروع القرار الذي عرضته ادارة ترمب عليه منذ اكثر من شهر، حيث تبنى الكونغرس في ختام  مفاوضات شائكة قانوناً يمنح السودان حصانة من أيّ ملاحقة قضائية جديدة في الولايات المتّحدة تتعلّق بهجمات سابقة، فيما يشكل آخر خطوة في اتفاق تاريخي أبرمه البلدان مؤخّراً. وينصّ القانون على إعادة الحصانة السيادية للسودان في الولايات المتحدة، باستثناء القضايا التي ما زالت عالقة أمام القضاء الفدرالي والمتعلّقة باعتداءات الحادي عشر من سبتمبر للعام  2001. وأدرجت الإدارة الأمريكية التشريع في إطار ملحق ضخم بالموازنة الأمريكية يشمل خطة جديدة لدعم الاقتصاد في مواجهة تداعيات جائحة كوفيد – 19. وأعلن السناتور الديمقراطي كريس كونز عقب تبني مشروع القرار أن القانون سيساعد السودان على العودة إلى الاقتصاد العالمي، بجانب تشجيع الاستثمار الأجنبي والنمو الاقتصادي في البلاد وكذلك الانتقال المدني إلى الديمقراطية، ويعد قانون منح الحصانة السيادية للسودان خطوة مهمة اخرى عقب شطب الولايات المتحدة الأسبوع الماضي اسم السودان من لائحتها للدول المتهمة بدعم الإرهاب التي تعني فرض عقوبات ووضع عقبات أمام الاستثمارات الدولية، بعد تمرير الكونغرس الاسبوع الماضي الأمر التنفيذي الذي اصدره الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب بموجب اتفاق ينص على أن تدفع الخرطوم 335 مليون دولار تعويضات لعائلات ضحايا التفجيرين اللذين نفّذهما تنظيم القاعدة في 1998 ضد سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، وهجوم ثالث نفّذه التنظيم الجهادي في 2000 واستهدف المدمّرة الأمريكية “كول” قبالة سواحل اليمن، حيث أسفرت تلك الهجمات عن مقتل أكثر من مئتي شخص. وحمّلت الولايات المتّحدة وقتها السودان المسؤولية الجزئية عن الهجمات بسبب ايوائه في ذلك الوقت زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وحسب المعلومات التي نشرتها وسائل الإعلام من الحكومة الانتقالية، فإن الخرطوم حوّلت مبلغ التعويضات إلى حساب مجمّد في الولايات المتّحدة وأن الإفراج عن الأموال مرهون بموجب الاتفاق بإقرار الكونغرس الأمريكي قانون إعادة الحصانة القضائية للسودان وهو ما تم بالامس.

ترس الحصانة

بعد شطب وزارة الخارجية الامريكية من قائمتها للدول الراعية للارهاب، وطرح مشروع القرار الخاص بمنح السودان الحصانة القضائية ضد أي ملاحقات قضائية اخرى، سعى كل من السناتور  تشاك شومر وبوب مينينديز اللذين يمثّلان على التوالي ولايتي نيويورك ونيوجيرسي المجاورتين حيث ينحدّر منهما عدد كبير من ضحايا اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001، إلى صيغة في التشريع تمنح ذوي ضحايا الهجمات الحق مقاضاة السودان، لجهة ايواء النظام البائد لزعيم تنظيم القاعدة ودعم التنظيم، غير أن إدارة الرئيس ترمب التي كانت تحسب الزمن وهي تطوي آخر صفحات فترتها الرئاسية، تسعى للتوصل إلى نص سريع وبذلت قدرا كبيرا من الجهد لتمرير مشروع القرار عبر الكونغرس وذلك لإبداء حُسن النوايا بدعمها الكامل للحكومة الانتقالية والتحول الديمقراطي في السودان، فضلاً عن قطع الطريق أمام أي محاولة من الخرطوم بإعادة النظر في الاعتراف التاريخي الذي أبدته في أكتوبر المنصرم بالدولة الإسرائيلية، خاصة وأن أي محاولة لعرقلة منح السودان الحصانة كما ترى إدارة ترمب، من شأنه أن يؤدي لتأخير تطبيق اتفاق التطبيع بين الخرطوم وتل ابيب، ومنح نص مشروع القرار الحكومة الانتقالية، الى جانب الحصانة منحة مساعدات انسانية واخرى لتسديد الديون المرتبة عليه على صندوق النقد الدولي.

العدل توضح

وزارة العدل أوضحت في تعميم لها أن القانون الذي أجازه الكونغرس الأمريكي أمس أتى ضمن قانون الاعتمادات المالية للمؤسسات الفدرالية الأمريكية والتشريع الخاص باعتماد اتفاقية التسويات التي تم التوصل إليها بين حكومتي السودان والولايات المتحدة الأمريكية، فيما يتعلق بقضايا تفجيرات السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا والمدمرة كول، والتي تم بموجبها الاتفاق على دفع حكومة السودان مبلغ 335 مليون دولار، وذلك مُقابل حذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كخطوة أولى، يعقبها شطب الأحكام القضائية الصادرة ضد السودان في تلك القضايا، والتي قضت بدفع السودان أكثر من 10.2 مليار دولار، ومن ثم استرداد الحصانة السيادية للسودان بخصوص أي محاكمات مستقبلية تتعلق بالفترة التي كان مُدرجاً فيها على قائمة الدول الراعية للإرهاب. ولفتت وزارة العدل إلى أن النسخة الأولية التي تم تقديمها إلى الكونغرس الأمريكي كانت تقضي بشطب جميع القضايا المرفوعة ضد السودان تحت قانون الإرهاب وتحويل القضايا المرفوعة على السودان في أحداث 11 سبتمبر 2001 – والتي بدأ رفعها ضد السودان منذ العام 2003 -لتكون بموجب “قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب”، المعروف اختصاراً بـ”جاستا،”والذي يمكن بموجبه مقاضاة أي دولة بما في ذلك الدول غير المدرجة في قائمة الإرهاب، إلا أن ذلك الأمر اصطدم بمعارضة قوية من قبل اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ مدفوعين باعتراضات محامي أسر ضحايا 11 سبتمبر، الذين رفضوا تحويل قضاياهم المرفوعة سلفاً ضد السودان إلى قانون جاستا، وبسبب ذلك قضى التشريع الذي تمت إجازته الآن باستمرار هذه القضايا وفق قانون الإرهاب، وليس قانون جاستا، كما طلب السودان. وأضافت العدل في بيانها بالقول عدا هذه القضايا الخاصة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر (والتي يمكن مقاضاة أية دولة بشأنها بموجب قانون جاستا)، يوفر التشريع الذي تمت إجازته حمايةً شاملة للسودان ضد أية قضايا مستقبلية يمكن أن ترفع ضده بموجب قانون الإرهاب. كما أن مشروع القانون يشطب كل القضايا الأخرى المرفوعة ضد السودان، ومن بينها خمس قضايا رفعت هذا العام تتهم الحكومة السودانية المبادة بدعم حركة حماس في أعمال إرهابية تضرر منها مواطنون أمريكيون مقيمون في إسرائيل، فضلاً عن قضية أخرى قام برفعها في منتصف العام الحالي بحارة أمريكيون كانوا على متن المدمرة كول، ولكن لم يسبق لهم أن قاضوا السودان ويطالبون كذلك بتعويضات من حكومة السودان. وأكدت الوزارة بأن يكون الوضع القانوني للسودان بعد بدء سريان التشريع الذي تمت إجازته سيصبح دولة مكتملة الحصانة السيادية أمام أية محاولات مستقبلية للتقاضي ضده استناداً إلى وضعه السابق كدولة كانت مدرجة في قائمة الدول الراعية للإرهاب، فضلاً عن التشريع المجاز يتيح للسودان إبطال كل الأحكام التي حكمت بها المحاكم مسبقاً في قضية السفارتين والقاضية بتغريم السودان 10.2 مليار دولار، هذا فضلاً عن شطب كل القضايا الأخرى المرفوعة ضده حالياً، عدا الخاصة بأحداث 11 سبتمبر 2001، وأكدت وزارة العدل أن السودان ملتزمٌ بالظهور أمام المحاكم الأمريكية والدفاع عن نفسه في القضايا القائمة حالياً لإثبات عدم علاقته بأحداث 11 سبتمبر وبراءته من هذه الاتهامات غير المؤسسة، فضلاً عن أن استعادة السودان لحصانته السيادية، تم في إطار ذات قانون الاعتمادات المالية الذي بموجبه منح السودان مبلغ 931 مليون دولار كمساعدات اقتصادية ثنائية مباشرة لدعم اقتصاد السودان، منها 700 مليون دولار كمساهمة في تمويل برنامج الحكومة الخاص بتقديم الدعم المباشر للأسر وبرامج الرعاية الصحية، فضلاً عن مشروعات أخرى. وتضمنت المساعدات ايضا مبلغ 120 مليون دولار لدعم السودان في صندوق النقد الدولي وإعادة هيكلة مديونياته، بجانب 111 مليون دولار أخرى لمقابلة تكاليف إعادة هيكلة الديون السودانية، و150 مليون دولار كتعويضات للأفارقة الذين تضرروا في تفجيرات كينيا وتنزانيا، وأصبحوا الآن مواطنين أمريكيين، وكانوا يطالبون بتعويضات إضافية من السودان. وبذلك تبلغ جملة المساعدات المباشرة وغير المباشرة المجازة مع هذا التشريع لصالح السودان 1.1 مليار دولار، وهي مساعدات منفصلة عن مبلغ المليار دولار الذي التزمت الولايات المتحدة بدفعه للبنك الدولي لسداد متأخرات السودان المستحقة للبنك.

ووصفت وزارة العدل ما تم بالحدث الكبير، هنأت بموجبه الشعب السوداني على  التطور التاريخي الكبير في علاقات السودان بالولايات المتحدة، واعتبرت الحدث يمثل انعتاقا فعليا للبلاد من تداعيات فترة  وصفتها بالحالكة في تاريخ علاقات السودان  مع الولايات المتحدة والعالم، فضلاً عن ان منح الحصانة يؤشر لعودة البلاد إلى وضعها الطبيعي كدولة ذات حصانة سيادية على قدم المساواة مع كل الدول الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، يفتح هذا التشريع من تاريخ سريانه فصاعداً المجال واسعاً وممتداً أمام السودان للتعاون الاقتصادي والمالي مع الولايات المتحدة والدول الأخرى بكل حرية وطمأنينة ودون خوف أو خشية من تعرض أمواله وممتلكاته للمصادرة أو الحجز بسبب الأحكام القضائية ذات الصلة بالإرهاب.

قرار تاريخي

أستاذ العلاقات الدولية والقيادي بالحرية والتغيير الدكتور صلاح الدومة، وصف منح السودان الحصانة السيادية بالقرار الجيد والكبير، وقلل الدومة في تصريح لـ(الصيحة) من أهمية الإبقاء على الجزئية المتعلقة بضحايا الحادي عشر من سبتمبر، وأكد أن المقصود ليس السودان وإنما دول أخرى أهمها المملكة العربية السعودية، ولفت إلى أن الولايات المتحدة وكل مؤسساتها السياسية على قناعة تامة بأن السودان برئ من تهمة التورط في تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر،  غير أن المجتمع الأمريكي والعقلية الامريكية تميل دائما نحو جمع المال، وأكد أن القرار من شأنه الإسهام في الإفراج عن أموال السودان المجمدة، فضلاً عن مساعدته في إعفاء ديون، وقطع بان السودان سيكسب قضية تعويضات الحادي عشر من سبتمبر من أول جلسة وسيتم شطب الملف، لجهة أن كل البينات والدلائل تؤكد أن السودان ليس له أي علاقة بالتفجيرات وأن المقصودين بالمقاضاة وفق قانون جاستا دول أخرى واشنطن على دراية، وأكد أن مصلحة واشنطن والخرطوم في أن تمضي علاقاتهما للامام وأن واشنطن حريصة جداً على رعاية الحكومة الانتقالية والحكومة التي تأتي بعدها.

عندما تنتقص الفرحة

الخبير والناطق الرسمي السابق بوزارة الخارجية جمال محمد إبراهيم،  يرى أن الخرطوم الآن تستقبل عهداً جديدا تودِّع فيه حِزَم العقوبات والمقاطعات والتضييق الاقتصادي، بعد إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ومنحه بالأمس الحصانة السيادية، بيد أن هذه الفرحة كانت منقوصة بسبب إصرار اثنين من النواب الديمقراطيين  يتبنيان دعوات لبعض أسر ضحايا أحداث 11 سبتمبر 2001 بأن يتضمّن مشروع قانون الحصانة حق أهل مقاضاة السودان بموجب قانون الإرهاب بحجة تورطه في استضافة القاعدة وزعيمها في السودان ابان العهد البائد، معتبراً ذلك فرية بينة، لجهة أنه ليس له أيّ صلة للسودان بتلك الحادثة. وأن المزاعم يقف وراءها جشع محامي الضحايا ورغم تقليل السفير جمال في حديثه لـ(الصيحة) في الثغرة التي تضمنها مشروع القرار الا انه يرى أنها تركت الباب مفتوحا لمقاضاة حكومة السودان ويعتقد ان الفرحة مع عظمتها تعد منقوصة وان ما تبقى يحتاج لتحرك آخر من قبل الحكومة لقفل الملف وشطب الادعاء نهائياً.

الصيحة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..