مقالات سياسية

السودان و الحصانة السيادية

د. الصديق عبد الباقي

أولا: الحصانة السيادية  حق لكل دولة ذات سيادة يكفله  القانون الدولي للدولة و ممثليها بحيث لا يجوز مقاضاة الدولة أو من يمثلونها أمام محاكم البلد المضيف أو بلد آخر  سوى في حدود يرسمها القانون.

ومثلها مثل بقية الدول كانت الولايات المتحدة بموجب قانونها الصادر في 1976 بشأن الحصانات السيادية الأجنبية FSIA تلتزم بالقواعد الدولية المقررة . ولكن تم تعديل ذلك القانون لأول مرة في سنة 1996 حيث نص التعديل على إسقاط الحصانة عن الدولة إذا تم تصنيفها داعمة للإرهاب ومن ثمّ مقاضاة المشمولين بالحصانة أمام المحكمة الأمريكية  المناسبة. و بسبب تصدي المحاكم الأمريكية لهذا التعديل و تفسيره  باعتباره ينظم الاختصاص و غير منشيء لأسباب جديدة للدعوى أصدر الكونجرس تعديلا وافيا في 2008 يؤكد على نزع الحصانة و ينشيء للأمريكيين والعاملين في الجيش ومستخدمي الحكومة و مستخدمي متعهدي خدماتها و الوكلاء الشرعيين حقا لمقاضاة الدولة أو ممثليها للتعويض عما لحقهم من أضرار في النفس و المال و الأعمال  جراء عمليات إرهابية. و بذلك صار  حق الدعوى بموجب قانون الحصانات مستقلا بذاته و لا علاقة له بحق دعوى المسئولية المدنية الذي يضمنه قانون مكافحة الإرهاب ( Anti Terrorism Act (ATA 1992

و قد يتاح للمدعي الدعوى و التعويض بموجب القانونيين إذا وقع العمل الإرهابي  داخل الولايات المتحدة من دولة مدرجة على قائمة الإرهاب.

ثانيا: الفرق بين الدعوى بموجب القانونين: 

لا يشترط  في الدعوى بموجب قانون الحصانات  وقوع العمل الإرهابي داخل الولايات المتحدة. بل قد يقع في نيروبي (السفارة الأمريكية) أو دار السلام (السفارة الأمريكية أو البحر الأحمر(المدمرة كول)  أو داخل الخرطوم . و تختص رغم ذلك المحاكم الأمريكية بنظر الدعوى طالما أن الدولة المتهمة مدرجة ضمن الدول الداعمة للإرهاب.

و أما في حال قانون الإرهاب فإن اختصاص المحكمة الأمريكية  بنظر الدعوى ظل حتى سنة 2016 مقيدا على النحو الآتي:

١. أن يكون العمل الإرهابي وقع داخل الولايات المتحدة

٢.أن توجه الدعوى ضد الجناة الرئيسيين  ممن قاموا مباشرة بالعملية الإرهابية و ليس غيرهم.

٣. إن المحكمةً لا تقبل الاختصاص إذا كان المدعى عليه دولة أو تابعين لدولة تتمتع بالحصانةً وًغير مدرجة على قائمة الدول الداعمة للإرهاب.

ثالثا: الدعاوى ضد السودان بموجب قانون الحصانات؛

تم إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب في أغسطس 1993. و ظل السودان اعتبارا من تعديل قانون الحصانات في 1996 عاريا من الحصانة السيادية و هدفا سهلا  تنتاشه سهام الأدعياء في المحاكم الأمريكية . و يواجه السودان دعاوى بموجب قانون الحصانات عن أعمال إرهابية وقعت خارج الولايات المتحدة  تم الفصل النهائي في بعضها و تسوية بعضها . و هنالك قضايا أخرى بموجب ذلك القانون عن أعمال إرهابية وقعت في الأردن و إسرائيل أو الصومال   مقامة أو مزمعة من أشخاص لهم حق الدعوى سواء كانوا أمريكيين أو أجانب في خدمة الجيش أو الحكومة الأمريكية. و يعتبر قرار الولايات المتحدة باستعادة السودان للحصانة السيادية مانعا من قيد دعاوى جديدة بموجب ذلك القانون. و بالنسبة للدعاوى التي كانت قيد النظر و لم يصدر فيها قرار أو تسوية في أو قبل تاريخ استعادة الحصانة السيادية فإن  منح السودان الحصانة السيادية بأثر رجعي قد تقرر فيه المحاكم الأمريكية بخلاف ما يهوى السودان.

رابعا: الدعاوى ضد السودان بموجب قانون الإرهاب:

هذه الدعاوى نشأت عن عمليات تفجير استهدفت  مبنى التجارة و البنتاجون ومناطق أخرى في الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001. و توجهت فيها الدعوى ضمن آخرين  ضد بنوك تجارية و جهة سيادية سودانية. و كما هو معلوم فإن معظم الدعاوىً بموجب قانون الإرهاب ضد الجهات السودانية و الآخرين قد شطبتها المحاكم الأمريكية و أيدت شطبها المحكمة العليا الأمريكية بقرارها الصادر في 30 / 6 / 2014 . واستند الشطب على أسباب من بينها أن قانون الإرهاب يعاقب من قاموا مباشرة باقتحام مبنى التجارة و البنتاجون بالطائرات ولم يثبت للمحاكم أن البنوك والجهات الأخرى المدعى عليها قد قامت بفعل  إرهابي مادي على الأراضي الأمريكية.

كان وقع قرار المحكمة العليا مزلزلا لضحايا تفجيرات 2001 و شركات التأمين . و قد نجح لوبي التعويضات و المستثمرون في صندوق الدعاوى من حمل الكونجرس على تعديل القانون وبأثر رجعي ضمانا لحماية حقوق الضحايا و تحصينها من السقوط بالتقادم. و بالفعل فقد وافق الكونجرس بتاريخ  27 / 9 / 2016 على قانون جاستا JASTA اختصارا لاسمه  قانون قضاء الدول الراعية للإرهاب. وبموجب ذلك القانون تم تعديل النقطتين (2) و(3) المشار إليهما أعلاه بحيث أصبحت المسئولية عن الضرر والتعويض تطال ، ليس فقط من قام بالتفجيرات بل أيضا من ساعد و حرّض وشارك و تآمر و تسبب . كما نزع القانون المذكور الحصانة السيادية عن الدول وتابعيها المتهمين في تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر    حتى و إن لم تكن مدرجة على قائمة الدول الإرهابية.

خامسا: موقف السودان من قضايا الإرهاب؛

نص قانون جاستا على حق ضحايا تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 بقيد الدعاوى والمطالبة بالتعويض بموجب قانون جاستا 2016  رغم صدور ذلك القانون بعد مضي خمسة عشرةً سنة من تاريخ التفجيرات . و يجدر ذكر أن مدة التقادم المسقط للدعوى بموجب قانون  الإرهاب هي عشرة سنوات.  وقد ظل الكونجرس يمدد أجل التقادم كل مرة كما فعل في واقع الأمر إلى 2012 ثم 2022  ثم إلي 2032.

و من ثم فيظل احتمال إقامة قضايا ضد السودان عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر  مفتوحا لسنوات قادمة . هذا بالإضافة إلى دعاوى ضد جهات سودانية  سبق قيدها منذ 2017.

سادسا: لا حصانة للسودان من المقاضاة بموجب قانون الإرهاب:

كما سبق القول فإن قانون جاستا نزع الحصانة عن أي دولة أو جهة سيادية يكون مدعى عليها بموجب قانون الإرهاب. و من ثم فإن استعادة حصانة السودان السيادية لا تسمن و لا تغني من طائلة قانون الإرهاب. و لكن أتاح القانون المذكور للدولة المتهمة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر الدخول في تسوية مرضية للضحايا مع وزارة العدل الأمريكية و عندئذ يمكن بموافقة وزارة العدل وقف إجراءات الدعوى مع احتفاظ الدولة بحصانتها لمدة مائة وثمانين يوما للوفاء بالتسوية و إلا فإن  ستر الحصانة السيادية مهتوك لا محالة. بقي أن تعلم عزيزي القاريء أن دعاوى الحادي عشر من سبتمبر لن تتوقف لأن المدعين فيها يشملون مئات شركات التأمين و إعادة التأمين متعددة الجنسيات و التي سبق أن قامت بدفع التعويضات لشركات الطيران و أسر الضحايا و مالكي برج التجارة و غيرهم ثم قامت الحلول محلهم لمقاضاة الإرهابيين و دولهم و من ساهم معهم. كما ينبغي التنويه أنه بسبب مضي الوقت و تراكم الأضرار ومنصرفات التقاضي فإن التعويضات المطلوبة في الدعاوى المقيدة بعد قانون جاستا في 2016  وصلت أرقاما فلكية تتراوح بين ترليون دولار ضد الأفراد و الكيانات الخاصة ومائة ترليون دولار ضد المدعى عليهم السياديين.

[email protected]

‫4 تعليقات

  1. ((لا يشترط في الدعوى بموجب قانون الحصانات وقوع العمل الإرهابي داخل الولايات المتحدة.))؟
    ولكن يا دكتور أمثلة السفارات التي ذكرتها لا تمثل هذا الشرط – أي شرط وقوع الجريمة خارج الولايات المتحدة! فالمعلوم أن سفارات الدول وسفنها وطائراتها تعتبر ضمن أراضيها وبالتالي تعتبر الجرائم التي ترتكب على أو ضد سفارات أمريكا وطائراتها وسفنها (المدمرة كول) جرائم وقعت داخل الولايات المتحدة، وبالتالي فلا فرق بين اختصاص المحاكم الأمريكية في حالة الدعوى بموجب فانون الحصانات الدولية وقانون مكافحة الإرهاب1992!

    1. التحية للبروف
      التعويض المدني بموجب ATA لا ينطبق على الأعمال الإرهابية خارج الولايات المتحدة و لو كانت سفارة أو سفينة ترفع العلم الأمريكي. و بالنسبة لقانون FSIA فإنه ينطبق على الدولة راعية الإرهاب و لو كان الهدف خارج الولايات المتحدة و يتبع لدولة أو شخص آخر طالما تضرر أمريكيون أو أشخاص ممن يحميهم القانون المذكور.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..