أخبار السودان

حيرة أميركية بين المكونين العسكري والمدني في السودان

الدعم الأميركي ضروري لتصويب المسار

أكدت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن دعمها للتحول الديمقراطي في السودان، وهو ما يستوجب توفير دعم سخي للحكومة التي يرأسها عبدالله حمدوك، لتحقيق هدف يواجه عقبات كبيرة من قبل المكون العسكري في السلطة الانتقالية، حيث يهيمن الأخير على الكثير من الملفات الرئيسية، ولدى بعض قياداته طموحات سياسية تتعارض مع رؤية الولايات المتحدة لمستقبل السودان.

وأظهر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في اتصال هاتفي مع حمدوك، الثلاثاء، التزام بلاده الصارم بدعم التحول الديمقراطي في البلاد، والوفاء بكامل استحقاقاته، وتعزيز التعاون غير المشروط في جميع المجالات.

وأعرب حمدوك عن تطلعه للعمل مع الولايات المتحدة في مختلف القضايا ومواجهة التحديات المشتركة، بما يخدم مصالح البلدين ويؤدي إلى ترسيخ قيم السلام والاستقرار.

وأوحى تركيز بلينكن على مسألة الحكم المدني، بأن إدارة بايدن متمسكة بإرساء القيم الديمقراطية أولا في السودان، ما يمثل دعما سياسيا لحمدوك الذي يريد تثبيتها، ولن يتسنى له ذلك دون مساندة المجتمع الدولي كي لا يغري التدهور الحالي المكّون العسكري على المزيد من التمدد في مفاصل الحياة المدنية، اقتصاديا وسياسيا.

ويعزز تجديد إعلان الولايات المتحدة دعم التحوّل الناعم في السودان موقف القوى المدنية في مواجهة الشق العسكري، الذي لم يكن مرتاحا لوصول بعثة الأمم المتحدة للدعم السياسي (يونيتامس) في بداية فبراير، لأنها أداة تستقوي بها الحكومة للحصول على المزيد من الدعم الدولي، وتفريغ أي محاولات لتهميشها من مضمونها.

وتبدو الولايات المتحدة في موقف حرج حيال السودان، فهي تدعم الحكم المدني بينما مصالحها الرئيسية في حوزة المكون العسكري، لأنه الجهة الرئيسية التي تقبض على زمام أمور كثيرة، ودونه كان من الممكن انهيار الحكومة المدنية.

وتعايشت إدارات أميركية متعاقبة مع حكم عمر البشير العسكري، وتعاملت مع أزماته تارة بالشد وأخرى بالجذب، ولم تستجب لضجر القوى المدنية من حكمه في أوج إدارة الرئيس باراك أوباما الديمقراطية، وتركتها بلا غطاء أو دعم حقيقيين.

ويقول متابعون إن الجيش السوداني لديه تطلعات للعودة إلى حكم السودان منذ سقوط البشير، لكن الوثيقة الدستورية التي تحكم بموجبها الفترة الحالية تقيّد حركته السياسية، حيث تنص على تسليم السلطة إلى حكومة مدنية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.

وأعرب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبدالفتاح البرهان، عن التزامه بالوثيقة وما تنص عليه بشأن الحكم المدني، غير أن الواقع يسير في اتجاه آخر يشير إلى أن البرهان يسيطر على مفاتيح القرار السياسي، حيث قاد الانفتاح على إسرائيل، وأدار دفة ملف التطبيع معها خلال فترة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأعلنت إدارة بايدن تمسكها بالمضي في هذا الطريق أيضا.

وبعد أن خطت الخرطوم خطوات جادة في هذا الملف، رفعت الولايات المتحدة في 23 أكتوبر الماضي عقوبات اقتصادية وسياسية وتم حذف اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وظل قابعا فيها نحو 27 عاما، وأخذت تتجاوب مع الخرطوم لتطوير العلاقات العسكرية.

وزار السودان قبل نهاية يناير الماضي وفد أميركي بقيادة نائب قائد القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) للتعاون العسكري المدني السفير آندرو يونج، وأجرى لقاءات مع كل من البرهان وحمدوك، قيل وقتها إنها بداية لتعاون من نوع جديد.

الولايات المتحدة في موقف حرج حيال السودان، فهي تدعم الحكم المدني بينما مصالحها الرئيسية في حوزة المكون العسكري

وحملت الزيارة ملامح قوية على رغبة أميركية في تطوير التعاون العسكري والأمني، بعد أن ترددت معلومات عن إمكانية تشييد روسيا لقاعدة عسكرية في السودان، وفقا لاتفاق جرى توقيعه منذ حوالي ثلاثة أعوام في عهد البشير، بالحصول على نواة لقاعدة بحرية في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر.

وتشعر واشنطن بالقلق من الوجود الروسي في هذه المنطقة، وتحاول أن تقطع الطريق على طموحات موسكو، ولن تجد أمامها سوى تمتين العلاقة مع الجيش، ما يضطرها إلى عدم المبالغة في توفير المساندة للمكون المدني على حساب العسكري.

وتعرف الولايات المتحدة أهمية الجيش في بلد مثل السودان يعيش ظروفا أمنية قاسية في الهامش والأطراف، وتخشى أن يقود اقترابها منه إلى التشكيك في مصداقيتها لدى المجتمع المدني، ويفهم دعمها له على أنه “ضوء أخضر” ليواصل تغلغله، وتجد نفسها أمام واقع قد يؤدي إلى عودة الحكم إلى حضن المؤسسة العسكرية.

ووفّرت تجربة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نموذجا جيدا للجيش السوداني، فلم تعد فكرة الانقلاب العسكري المباشر مقبولة إقليميا ودوليا، وجرى تمرير الخطة في مصر بطريقة ناعمة، من خلال إجراء انتخابات توافرت فيها كل أشكال الديمقراطية، من ترشح عسكري بزي مدني (بعد تخلي السيسي عن منصبه كوزير للدفاع) ومنافسة ومراقبة.

وقد تواجه واشنطن سيناريو من هذا النوع في السودان، خاصة أن الجنرال البرهان يدير الأوضاع بطريقة رشيدة، يمكن أن تقود الأزمات المعقدة إلى اختياره كمرشح الضرورة، خوفا على انفراط عقد البلاد، أو دخول القوى المدنية في خلافات طاحنة.

ووفرت العثرات التي واجهتها إعادة تشكيل حكومة حمدوك أخيرا، معطيات عملية لحجم التباين بين القوى المدنية، والذي أدى إلى تعطيلها لنحو ثلاثة أشهر، وتم التشكيل في ظل أجواء تركت انطباعات بأن الأحزاب، تحالف قوى الحرية والتغيير تحديدا التي تمثل ظهيرا سياسيا للحكومة المدنية، منقسمة على نفسها، وإذا تركت الأمور لها يمكن أن تؤدي إلى فلتان سياسي وأمني كبيرين.

وهناك هواجس أخرى لدى المجتمع المدني نفسه تتعلق بعدم استبعاد أن يشجع الحضور السياسي لإدارة بايدن في السودان، الحركة الإسلامية وفلول نظام البشير على العودة إلى صدارة المشهد والاستفادة من الانفتاح العام، ما يزعج قوى مدنية لا تزال تصر على إزالة كل مظاهر تمكين النظام السابق.

وإذا استشعرت هذه القوى أن دعم إدارة بايدن لمبدأ التحول الديمقراطي سيفتح كوة أمام الحركة الإسلامية، سوف تكون مفارقة حادة يمكن أن تشعل غضبا ضد الولايات المتحدة. ويرى المتوجسون أن دعم المجتمع المدني ربما يفضي إلى عودة فلول البشير للسلطة من الباب الخلفي.

وتحتاج الإدارة الأميركية إلى قلب مفتوح لإدارة العلاقة مع السودان، يراعي مجموعة من المطبات، وترسم الطريقة التي ستدير بها هذا الملف شكل التوجهات التي يتبناها بايدن في تعامله مع قضايا منطقة مليئة بالتحديات، فهل يغلّب المصالح الاستراتيجية وينحاز للجيش السوداني، أم يتمسك بقيمه الديمقراطية ويستمر في دعم المجتمع المدني؟

وتحدد نوعية الإجابة، إلى حد بعيد، بوصلة وتصورات إدارة بايدن، التي جاءت محمّلة بأمنيات سياسية وردية، وسط واقع مليء بعواصف أمنية واقتصادية لا تستطيع التأقلم مع طموحات كبيرة أو إعادة إنتاج رؤى حالمة يلفظها الواقع في السودان.

العرب

‫2 تعليقات

  1. الكاتب إما من محور الشر وإما لديه ميول إخوانية عسكريةوإما يجهل طبيعة الوضع في السودان تجاهل بالكامل الشعب الذي فجر الثورة ووضعه موضع الشعب المصري الذي طبق عليه الآنقلاب واستسلم لكن في السودان الفرق كبير ومن المستحيلات انتخابات حرة نزيهة تدفع بعسكري سواء البرهان أو غيره لأسباب كثيرة ،معلومة لجميع الشعب السوداني

  2. هؤلاء هم الذين يزعجهم الحكم الديمقراطي في السودان وهي اقلام استخبارتية خارجية أو داخلية موجهة نحو اهداف معينة لتهيئة الجو لما بعد، لكن هيهات الوضع مختلف في السودان والظروف الحالية تختلف عن سابقاتها داخليا وخارجيا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..