مقالات وآراء

رسالة خاصة في عيد المرأة

في هذه التاريخ دائما ما اذكر والدتي الأستاذة زكية مكي عثمان ازرق واتأمل سيرتها وهي رائدة التعليم والعمل الطوعي والكشفي و اذكر خالتي الحبيبة الاستاذة عزيزة مكي والتي كان لها الفضل في الدعوة لتكوين الاتحاد النسائي والذي انعقدت اولى اجتماعاته في منزل جدي لوالدتي السيد/ مكي عثمان ازرق بحي بيت المال بامدرمان.

كنت دائماً فخورة بقوتهن و ارادتهن وعزيمتهن الفاعلة والمؤثرة.
تربيت وانا أشاهد أمي وخالتي عزيزة وصديقاتهن الماجدات يجتمعن و يتحاورن و يتفاعلن مع القضايا العامة ؛ قضايا الوطن وقضايا النساء.. يعملن بجد و تفانٍ لينيرن الطريق لاجيال بعدهن و ها نحن الآن ننعم بالكثير مما اتى به جهدهن المبارك.
كن كالحمامات في ثيابهن البيضاء و قلوبهن الأكثر بياضاً حتى أنهن ربما يختلفن في النهج لكن تظل مودتهن و قلوبهن عامرة بالعطاء و بالطيبة.
اذكر للمرة الأولى حينما أتيت الى انجلترا و كان زوجي رحمه الله طريح الفراش الابيض اتانا اخ صديق وفي اثناء زيارته اتصلت به الاستاذة فاطمة أحمد ابراهيم والتي لم التقيها من قبل كمثل الأخريات من صديقات أمي ، اخبرها انه في زيارة خاصة و ذكر لها اسمي فسألته إن كنت ” أميرة بت مولانا عمر بخيت بت زكية مكي؟” فقال نعم
فطلبت منه ان يأتي اليها في الحال، وفي خلال اقل من ساعة كانت حاضرة تحتضنني بحنان الأم و بكت و ابكتني كما لم ابكي من قبل.
قالت لي “انتِ بت الحبيبة كيف ما تكلميني انك هنا و من اللحظة دي انا أمك هنا واي لحظة تجيني و انا معاك ”
و بدأت في سرد الحكاوي و القصص عن والدتي و خالتي و عن جدي وعن رحلتهن كنساء في زمان صعب و معقد.
ابكتني حنيتها واحتضانها و تلك السماحة فيها وانا التي لم اقابلها من قبل لكنه الوفاء لرفيقات دربها ونضالها الذي لم ينقطع.

كنت ولا زلت اتساءل كيف لهن أن يكن بتلك العظمة و القوة وبتلك الطيبة و ( الحنية) في ذات الوقت.
ترعرت بينهن فلم يكن في محيط والدتي صديقات الا هؤلاء الخالدات الطيبات فلم ارى لهن شراسة ولا بذاءة ولا تكبر و لا ادعاء.
كن رقيقات، مؤدبات، أصيلات و راقيات.

أما أمي فقد كانت كثيرة السفر لحضور المؤتمرات العالمية والدورات التدريبية. شاهدت لها الكثير من الصور في صحف عالمية في زياراتها للبيت الأبيض و قصر بيكنجهام و مع ملك اليونان و الدنمارك واسبانيا و رؤساء وقادة من كل العالم لكنها وبرغم ذلك لم تكن الا سيدة سودانية بسيطة ومتواضعة ومحترمة جداً.

أما خالتي الحبيبة عزيزة مكي فكنت من أشد المعجبين بها وبدقتها وقدرتها على التواصل مع العالمين. كنا نزورها في منزلها بحي المهندسين حين كانت تعمل في السفارة السودانية بالقاهرة . كنت حينها صغيرة ولكن وبرغم صغري لم تخطئ عيني رقيها ولطفها وثقافتها واناقتها المحترمة. كانت نشطة ومتفاعلة مع كل الاحداث وظلت كذلك بعد عودتها للسودان وحتى رحيلها من هذا العالم. كانت عادتي أن ابادر بزيارتها في أول يوم لوصولي للسودان واذكر جيداً عندما ذهبت اليها وكنت مشتاقة جداً لحرارة احتضانها و حنيتها التي افتقد فما كان منها الا أن اوصتني بالعمل الطوعي و ذكرت تحديداً احدى المبادرات وقالت لي لابد أن تحملي المشعل من بعدنا انا و والدتك و وصفت نشاطهن وكانت تلك آخر وصاياها لي ثم رحلت بعد يومين من ذلك اللقاء بعد أن اخبرتني وشقيقتي الكبرى بروفسير/ أمل أن معاش والدتي و معاشها موهوبان لتلك المبادرة الانسانية.

هكذا كن و هكذا كانت حياتهن مليئة بالجمال و الحيوية والعطاء. هكذا كن طيبات، كريمات ومحترمات.
لن تكفيني الكلمات في سرد القصص عن حياتهن و سلوكهن و اخلاصهن التام لمبادئهن لكنني أكتفي بأنهن كن خير النساء.

رسالة أخيرة لأمي:

لا ادري إن كنت قادرة يوماً ما أن اكون مثلك والماجدات من النساء،
فأنا ربما لا استطيع أن اصنع مجداً،
أو أشكل تاريخاً،
أو أكون من الخالدات
ولكن أوعدك وبكل ضعفي أن أكون امرأةً صادقةً، تغسل قلبها بالضوء، و تنير روحها بالحبِ، و تزرع الخير فيمن حولها وفي بناتها كما فعلتي و لا أكثر !

أميرة عمر بخيت

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..