أخبار السودان

بعد إعلان السودان عزمه “استعادة الأراضي”.. سد النهضة الإثيوبي من منظور ملف الحدود

ما زالت العلاقات السودانية الإثيوبية تعاني من توتر مستمر على أصعدة مختلفة، كان آخرها العمليات العسكرية السودانية في منطقة الفشقة المتنازع عليها مع أديس أبابا.

وأعلن السودان اقترابه من تحرير كامل أراضي منطقة الفشقة، بعدما سيطر سيطر على 95 بالمئة منها، وطرد المزارعين الإثيوبيين، الذين تقول الخرطوم أنهم مقاتلون في الأصل.

والأربعاء قال الجيش السوداني في بيان إنه يعتزم استعادة جميع الأراضي المتنازع عليها مع إثيوبيا “حسب حدود عام 1902”.

وكان السودان قد نشر في ديسمبر الماضي، تعزيزات عسكرية في الفشقة عقب اتهامه قوات إثيوبية “بنصب كمين لقوات سودانية” فيها، أدى إلى مقتل أربعة من جنوده.

وتأتي التوترات مع انتهاء المفاوضات بين الخرطوم وأديس أبابا حول ملف سد النهضة، دون أن تسفر عن شيء، فيما لا يظهر في الأفق أي حل للأزمة حتى الآن.

وعن الموقف السوداني الأخير في ملف الفشقة، قال المستشار الإعلامي لوزارة الخارجية السودانية، محمد الأمين عبد النبي، إن “الموقف الإثيوبي موقف عدائي لم يراع الروابط والمصالح المشتركة بين البلدين”.

وأضاف عبد النبي لموقع قناة “الحرة”، أن “موقف السودان بالتأكيد واضح، وهو ليس هناك تنازل عن شبر من أرضه، ولن يفرط في أمنه القومي، وسيسعى بكل الوسائل السلمية للحصول على حقه والمحافظة على مصالحه الوطنية”.

وأكد عبد النبي على أن “السودان مطمئن لموقفه القانوني في حالة الاحتكام للقانون الدولي سواء في الحدود أو بخصوص سد النهضة”.

“لن تعود كما كانت”

ويحاول السودان الفصل بين ملف الفشقة وسد النهضة عند التعامل مع إثيوبيا، كما يقول الكاتب والمحلل السوداني يوسف الجلال، الذي أكد أن العلاقات بين البلدين لن تعود إلى سابق عهدها.

وقال الجلال في تصريح لموقع “الحرة”، إن “الواقع الحالي يؤكد أن العلاقات لن تعود إلى ما كانت عليه قبل ديسمبر الماضي، خاصة في ضوء أن القومية المعتدية على الأراضي السوداني هي الأمهرة، الحليف الأساسي لرئيس الوزراء الإثيوبي”.

وتعاني إثيوبيا من انقسامات عرقية حادة. فإلى جانب إقليم تيغراي المشتعل بالمعارك بين القوات الحكومية الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي المعارضة، هناك مناوشات وصراعات بين أقاليم أخرى، مثل الأورومو والأمهرة، وإقليم عفار.

ولفت الجلال إلى أن من يقود الطرف الإثيوبي في المفاوضات حول مسألة الحدود مع السودان، هو وزير الخارجية الذي ينتمي لعرقية الأمهرة، مضيفا “بالتالي، لا يعقل أن من يتفاوض حول الحدود، ينتمي للعرقية المعتدية على الأراضي السودانية”.

ويرى الكاتب السوداني أن التطورات الأخيرة في ملف الفشقة، قد أثرت على المفاوضات بخصوص سد النهضة الإثيوبي التي لم تصل إلى شيء حتى الآن.

“والآن السودان يعلن موقفا مناهضا كليا للتحركات الإثيوبية، ولأي قرار أحادي لملء السد، وذلك على خلفية التداعيات الكارثية على الزراعة السودانية التي حدثت إثر الملء الأول للسد”، يقول الجلال.

وترفض مصر والسودان، قرار إثيوبيا بدء الملء الثاني لبحيرة سد النهضة، محذرين من تداعيات الملء الثاني الكبيرة على نظام النهر، بسبب احتجاز الجانب الإثيوبي كميات كبيرة عن المياه.

ومصر التي تعتمد على النيل لتوفير حوالي 97 بالمئة من مياه الري والشرب، ترى في السد تهديدا لوجودها.

ومنذ العام 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتّفاق حول ملء سدّ النهضة الذي تبنيه أديس أبابا وتخشى القاهرة والخرطوم آثاره عليهما. وأخفقت الدول الثلاث في التوصل إلى اتفاق.

ورغم حضّ مصر والسودان إثيوبيا على تأجيل خططها لملء خزان السد حتى التوصل الى اتفاق شامل، أعلنت أديس أبابا في 21 يوليو 2020 أنها أنجزت المرحلة الأولى من ملء الخزان البالغة سعته 4,9 مليارات متر مكعب والتي تسمح باختبار أول مضختين في السد.

وقد حذّر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الشهر الماضي، من المساس بحصة مصر من مياه النيل، قائلا “نحن لا نهدد أحدا ولكن لا يستطيع أحد أخذ نقطة مياه من مصر.. وإلا ستشهد المنطقة حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد”.

ويرى الكاتب يوسف الجلال  أن “المواقف متباعدة الآن، والسودان سيتجه لمحكمة العدل الدولية الخاصة بحل هذه النزاعات، وربما يؤدي تحرك الجيش السوداني (في ملف الفشقة) إلى خلق مناخ قتالي أو جغرافيا قتالية قد يستفيد منها الأطراف التي ترفض قيام سد النهضة أو إدارته بصورة أحادية، وربما تمكنها (هذه الأطراف) من اللجوء لخيار الحل العسكري”.

من جانب آخر، يرى المحلل السياسي الإثيوبي، موسى شيخو، إن الخلافات الحدودية بين إثيوبيا والسودان أثرت مباشرة على مفاوضات سد النهضة، في ظل تطابق سوداني مع الموقف المصري، بخصوص السد.

ويرى شيخو أنه في حال توصل كل من السودان وإثيوبيا إلى تسوية ملف الحدود، سيحدث ذلك انفراجة في ملف سد النهضة، مضيفا “لكن، إثيوبيا تتحدث عن طرف ثالث، يريد أن يستمر الصراع بين إثيوبيا والسودان، وهذا فيه شيء من الحقيقة، فالسودانيون يتحدثون بلسان طرف ثالث وهو مصر”.

أصل الأزمة

ويقول شيخو أن أزمة الفشقة ناتجة عن أن “السودان يقول إنه بنى حدوده على اتفاقية 1902، وكان حينها تحت الاستعمار البريطاني، بينما تقول إثيوبيا إن الأمر حينها لم يتعد حاجز التفاهمات وليس اتفاقية ملزمة”.

واتفاقية 1902 أو اتفاقية أديس أبابا، وقعت بين بريطانيا وإثيوبيا، وبموجبها تم ترسيم الحدود بين إثيوبيا والسودان الذي كان خاضعا للاحتلال البريطاني آنذاك.

وتنص المعاهدة، على تعهد الإمبراطور الإثيوبي، منليك الثاني، بعدم تشييد أي عمل (سدود) على النيل الأزرق وبحيرة تانا أو نهر السوباط، يكون من شأنه منع جريان المياه إلى النيل إلا بالاتفاق مع الحكومة البريطانية وحكومة مصر بالسودان.

وهنا يقول الجلال، بأنه بينما السودان يطالب بأن تحتكم إثيوبيا للخرائط المعترف بها من قبل الاتحاد الأفريقي لحل أزمة الفشقة، “فإن إثيوبيا ترفضها، رغم أنها احتكمت إليها خلال خلافها مع إرتريا، وهي الوثائق المتروكة منذ الاستعمار”.

يذكر أن إثيوبيا أعلنت رفضها أكثر من مرة الاحتكام إلى المعاهدات الموقعة خلال حقبة الاحتلال البريطاني لمصر والسودان، بذريعة أن أديس أبابا، ترفض الاعتراف بأي معاهدة وقعت من قبل قوى استعمارية، بالرغم من استقلال إثيوبيا في ذلك الوقت.

من ناحيته، أكد عبد النبي أن معاهدة 1902 تمثل “الإطار القانوني الملزم للحدود بين السودان وإثيوبيا، وقد نصت على وضع العلامات (الحدودية)، وتم ذلك في 1903”.

وأشار عبد النبي إلى أن “المذكرات المتبادلة بين وزيري الخارجية في البلدين قد أكدت على نصوص الاتفاقية في 1972، وطيلة هذه السنوات لم يكن هناك أي نزاع على الحدود، كل الإشكال كان حول وضع العلامات على مستوى أقرب، وهذا ما عملت علي المفوضية المشتركة بين البلدين”.

وأضاف المستشار الإعلامي السوداني أن “إثيوبيا لا تريد الرجوع إلى معاهدة 1902، لأنها حسمت أمر الحدود، فهي تحاول تجاوزها للاستيلاء على حق ليس من حقها”.

الحرة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..