مقالات وآراء

ما هي العدالة الدولية

محمد مهاجر

في عام 1998 اقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة نظام روما الاساسى وهو القانون الذى اقيمت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية وقد اصبح القانون نافذا منذ عام 2001. وقد انضمت حتى الان 123 دولة الى نظام روما بعد ان وافقت سلطاتها المحلية على القانون الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية. وهنالك القليل من الدول التي وافقت على نظام روما ولم تنضم رسميا بعد. ونسبة للخلط الذى يقع فيه الكثيرين عن ماهية وصلاحيات العدالة الدولية فان من الواجب توضيح بعض الأشياء والمفاهيم الملتبسة.
هنالك محكمتان دوليتان في مدينة لاهاى الهولندية, الأولى هي محكمة العدل الدولية, والثانية هي المحكمة الجنائية الدولية. والمحكمة الأولى هي محكمة تابعة للأمم المتحدة ومجال اختصاصها هو اصدار الاحكام او التحكيم بشان النزاعات التي تنشأ بين الدول كالنزاعات حول الحدود والمياه والاراضى وغيرها, ومثال لذلك النزاع حول تبعية منطقة ابيى الذى حكم فيه لصالح جمهورية جنوب السودان. اما المحكمة الجنائية الدولية فهى محكمة تختص بالجرائم التي يرتكبها الافراد وهى جرائم يحددها نظام روما. واللافت ان الجنائية الدولية هي محكمة مستقلة تماما على الرغم من اتفاقيات التعاون التي تربطها بالأمم المتحدة ومجلس الامن. وكتعضيد لمبدأ الحياد فان المحكمة الجنائية الدولية لا تعتمد في تمويلها على الأمم المتحدة بل على اشتراكات الدول الأعضاء وتصدر قرارتها باستقلال كامل.
ان التعاون بين الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية ساهم في تسهيل اتهام وملاحقة مجرمى الحرب والابادة الجماعية ومرتكبى الجرائم ضد الإنسانية والعدوان. والاساس في عمل المحكمة الجنائية الدولية هو التعاون, فهى تتعاون من الدول الأعضاء في نظام روما, اى من دول المحكمة الجنائية, او تتعاون مع الدول غير الموقعة على نظام روما تعاونا طوعيا. وبالإضافة الى هذا فان الأمم المتحدة يمكن ان تبادر, بل بادرت عدة مرات وتعاونت مع الجنائية في فتح تحقيقيات في جرائم وقعت في دول ليست عضوا في نظام روما كما حدث في حالة السودان. ولان هنالك عدة ادلة ساهمت فى تصنيف الحرب في دارفور بانها حرب إبادة, فان المجتمع الدولى هرع الى مساندة قضية دارفور وقدم لها الدعم القانوني والسياسى والانسانى والدبلوماسى وغيره. وقد وجد البشير وحكومته وكبار المسؤولين انفسهم في مواجهة مع المجتمع الدولى. من هنا يتضح ان هنالك عدة طرق تؤدى الى تقديم الافراد الى العدالة الدولية وفقا لنظام روما.
يعتقد الفيلسوف الالمانى ايمانويل كانط بان دافع المرء الى تبنى موقف معين يجب ان يكون مبنيا على الشعور بالواجب, اى اعتقاد المرء بان ما يقوم به هو الواجب وبالتالي هو الفعل الصحيح. والسؤال هنا عن الذى يبرر اشتراكه في جرائم حرب بانه كان يشارك في حرب  من اجل الدفاع عن العقيدة والوطن؟ هنا يبرز التساؤل عما هو الاهم: وحدة الوطن ام حياة الانسا؟. والبديهى ان المحافظة على حياة الانسان يجب ان تكون اولوية. والأرض غير الماهولة بالسكان هي في الحقيقة ارض خارج التاريخ. وفى كل الاحوال فان حياة الانسان وحريته وكرامته هي اشياء مقدسة ولا يجوز ان تنتهك تحت اى ذريعة.
لقد اقتنعت الكثير من دول العالم بمزايا العدالة الدولية فصادقت 123 دولة على ميثاق روما وانضمت الى المحكمة الجنائية الدولية, وهنالك 34  دولة  لم تكمل إجراءات الانضمام بعد. ولان المحكمة نجحت في محاكمة وإصدار مذكرات في حق عدد من مجرمى الحرب والابادة والجرائم ضد الإنسانية,  فان تعاون دول العالم والأمم المتحدة معها اصبح يتزايد يوما بعد يوم. وقد نجحت المحكمة الجنائية في تسهيل إقامة محاكم خاصة لجرائم الحرب في جمهورية يوغسلافيا السابقة وسيراليون وغيرها, كما وجهت الاتهام الى عدد من الافراد من ضمنهم المخلوع البشير واحمد هارون وعلى كوشيب وعبد الرحيم محمد حسين وعبد الله بندة ومن ليبيا سيف الإسلام القذافى وغيرهم. ويجدر بالذكر ان المحكمة فشلت في توجيه اتهام الى احد زعماء المتمردين وهو الوزير السابق بحر ادريس أبو قردة فاطلقت سراحه بعد ان مثل امامها بطوع ارادته.
ان مزايا العدالة الدولية كثيرة فمنها المبدأ الذى ارسته وطبقته وهو عدم افلات اى مجرم من العدالة ومنها المساهمة في جبر ضرر الضحايا حيث أنشأت صندوقا للتعويضات ودعم الضحايا وجبر ضررهم وحماية الشهود وغيرها من المساعدات القانونية والإنسانية. كذلك شرعت بعض الحكومات في تنصيص بعض مبادئ وقيم العدالة الدولية وتضمينها في تشريعاتها المحلية. ان الحكومة السودانية تحتاج الى التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية, وهو تعاون لا ينتقص من سيادة الدولة ولا من قيمة العدالة المحلية.

[email protected]

تعليق واحد

  1. ملحوظة: تبعية ابيي لجنوب السودان لم تعترف بها حكومة البشير لكن اقرتها الاغلبية الساحقة من المقترعين بعد استفتاء من جانب واحد اجراه المواطنين المنحدرين من جنوب السودان الذين اختارت الاغلبية الساحقة منهم الانضمام لجنوب السودان. ولان الطعن فى الاستفتاء مسالة شكلية فان من المستحيل, او العسير جدا, تغيير واقع ما بعد الاستفتاء.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..