مقالات سياسية

السودان و”كلك واري اللو”

بشير عبدالقادر

حزنت كحال كثير من السودانيين عندما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مقطع لما اسموه “مجنون مدني”؛ أحزنني واستدعى الى ذاكرتي قصة “هكذا صرخ المجنون” لإيهاب بابكر عدلان. هذا الكاتب الشاب الذي يعتقد البعض انه ايضا “كلك واري اللو” لأنه أصبح “متطرفا” في شطحاته بقصد او بدون قصد منه!!!

من ناحية أخرى، لفت نظري ايضا؛ تباين ردة الفعل من البعض عندما بدأت تتجمع بعض المعلومات عن “رماح” ما بين مدقق في اقواله وتعبيراته وما بين باحث عن أسباب هذيانه ومن يريد مساعدته في تلقي العلاج ومساعدة أسرته. واغلبها مواقف انسانية تنم عن رغبة في مد يد العون لمن يحتاجها!!! أسال الله الخير لرماح واسرته وللجميع.

أرجع لإيهاب عدلان وقصة “هكذا صرخ المجنون” وبغض النظر عن شخصية الكاتب المثيرة للجدل!!! وأراءه المزعجة، لكن المفيد في قصته هو وجود تباين في النظرة للواقع من حيث هو واقع؛ فبينما يعتاد الناس على الواقع ولا يستغربونه؛ يحاول مجنون ايهاب عدلان لفت نظر العامة والمسؤولين لأبعاد اخرى “الشربوت هو البديل المهذب اجتماعيا للخمور البلدية…”!!! اي التفكير خارج الصندوق وبذل الجهد لفهم الواقع واستيعاب كل جوانبه ولربما المساهمة في علاجه.

فمثلا تبرز تساؤلات، كيف اعتاد الناس على وجود الأوساخ مكدسة في الشارع!!! واعتادوا على تفشي الرشوة بينهم حتى صار اسمها تسهيلات او “رقعة”، واعتادوا على الفساد، ذكر المرحوم د. الترابي “بدأ الفساد يستشري لا في بعض الجهات فقط، ولكن انتشر جدا، تحت سمعي وبصري وعجزي طبعا”!!! بل وصل الإعتياد بالناس لمراحل خطيرة، واعتادوا على اختفاء شباب اخرين بعد اعتصام او مسيرة واعتبارهم مفقودين، -فص ملح وذاب- مع ضعف الأمل في العثور عليهم، واعتادوا على سقوط الشباب شهداء برصاص قوات مسلحة نظامية او غير نظامية، ثم اعتاد الناس على وجود جثث بالمئات متحللة في المشارح بل اعتادوا الناس على ان يصبح حلم الشباب ركوب “السمبك” رغم ان نسبة احتمال الغرق والتحول لوجبة لحيتان البحر هي أكثر من 75 %.

كل تلك التساؤلات، تقود الى سؤال أكبر، الا وهو هل يمكن ان يكون السودانيون أعداء أنفسهم، قبل ان يكونوا خصماء لبعضهم البعض، فبرغم علمهم بأن السودان يملك كل الخير فوق الارض وتحت الارض، وان العالم اجمع تقديرا يعلم كمية الخير في أرض السودان، ولكن أهل السودان لا يريدون ان يستثمرون ذلك الخير «كالعير يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول”!!! عبر العمل الجاد والإنتاج، شركات ومصانع ومزارع واكتفى من يعمل منهم بالوظائف الخدمية او الهامشية او التهريب.
بل تستشعر ان تدمير الاقتصاد هو عملية متعمدة من قبل سياسات بنك السودان والمصارف الخاصة؛ وبالطبع؛ إستعر جشع التجار بالمضاربة في العملة ؛ و تهريب الذهب والصمغ والسمسم والماشية بما فيها إناث الابل ؛ والمواد البترولية و التموينية ؛ كل ذلك في ظل تعمد وجود حالة من السيولة الامنية وانفراط الامن من قبل عناصر من أجهزة الامن والشرطة والاستخبارات التابعة الى لجنة البشير الأمنية !!! إطلاق الإشاعات الضارة وتداولها وترويجها لبث الرعب في النفوس. ويبقى هدف الحاقدين على الشعب والسودان هو انهيار الاقتصاد وسقوط الحكم المدني.

كتعويض للشعور بالذنب والتقصير في أداء الواجب نحو الوطن والمواطن، يقوم الجميع بالتحليل والتنظير السياسي وإلقاء اللوم على الحكومة والاخرين!!!

اصطلاح السودانيون مع أنفسهم يتطلب أن يعلموا ان (الجدل السياسي الفارغ من المحتوى الفكري لم يساعد على فهم الواقع وتشريحه لفك شفرته وتغييره للأفضل) ، وأن حالة التعاكس والتضاد بل والتخريب لجهود بعضهم البعض بحجة أختلاف الحزب او النقابة او المناطقية او القبلية لن يؤدي الا الى مزيد من الخراب ولن يكون هناك منتصر أبدا ولن يتقدم السودان؛ بل سيظل رغم كل إمكانياته دولة هشة متخلفة في كل المجالات من تعليم وصحة وبنية تحتية، بل وتزداد ديونه لانه لا ينتج شيء ليسدد فوائد الديون ناهيك عن الديون.

يجب الاقتناع بأن تولي السلطة هي مسؤولية يحاسب عليها العبد يوم القيامة ” فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، و ينسب الى الفاروق عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قول :” لَوْ مَاتَتْ شَاةٌ عَلَى شَطِّ الْفُرَاتِ ضَائِعَةً ، لَظَنَنْتُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى سَائِلِي عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ”، ثم إن تولي السلطة يجب ان يكون لخدمة الشعب وتقديم الأفضل له، وليس لخدمة الحزب او المنطقة او القبيلة، كذلك على أي مسؤول يفترض ان يقدم إبراء ذمة قبل تولي أي منصب وبعده، كذلك يجب اقتناع الجميع بفرضية التداول السلمي عبر العملية الانتخابية النزيهة.

واجب كل مواطن بذل كل الجهد لتقديم افضل ما عنده من إنتاج في مجاله، وليس واجبه الدخول في تنافسية أو صراع مع الاخرين للوصول هو او ايصال “جماعته” لكرسي السلطة.

إذا استمر التشاكس و التعنت بين الافراد والجماعات والأحزاب بحجة عدم صلاحية رؤية أو برنامج الأخر !!! وأنه لا يجب ان يترك الاخر لفترة دورة إنتخابية خوفاَ من أن يحقق بعض النجاح!!! بل يجب معاكسته وإفشال برنامجه الإصلاحي بل تخريبه وربما السعي للقضاء على شخوصه أنفسهم بالاغتيال المعنوي او القتل الحقيقي، فسيصبح جميع من يبقى حيا بالوطن “كلك واري اللو”!!!

انشد احد الشعراء
“حب الوطن ليس إدعاء
حب الوطن عمل ثقيل
ودليل حبي يا بلادي
سيشهد به الزمن الطويل
فأنا اجاهد صابرا
لاحقق الهدف النبيل”

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..