المنوعات

ابنه الأكبر يدرس الجيولوجيا ببريطانيا..(الراكوبة) تروي قصة المُتسوّل الصامت الشهير بالخرطوم

الخرطوم :امتنان الرضي

لم يدر يوما أن الظروف ستجعله في قارعة الطريق.. ما أن بلغ نصر الدين يعقوب منتصف العمر حتى وجد نفسه متسولا بعد أن فقد وظيفته الحكومية. يحكي المتسول الصامت وهو يمد يده دون أن ينطق بكلمة. جالسا القرفصاء امام مبنى بنك الخرطوم بشارع الجمهورية “فقدت بصر عيني الشمال وبعدها بإسبوعين غابت عني الرؤية تماما وأردف وانا في منتصف عمري.لم يفقد الخمسيني الأمل _ وهو المرهق نفسيا _ في أن يعود إليه بصره  فزار عددا من الأطباء بالسودان وحاول مُقربون له مساعدته فسافر إلى قاهرة المعز آملا الشفاء لكن دون جدوى.

ليس ليعقوب خيار غير تصديق ما حدث له. لكن هل يعني ذلك أنه استسلم? لا. أبدا. بل قرر أن يخوض تحدٍ مع نفسه بأن يُسافر إلى منطقة همشكوريب تخوم ولاية كسلا بشرق السودان دون رفقة أحد يقول في ذلك “عزمتُ أن أسافر وحدي وبالمواصلات لأتعود على الحركة دون مساعدة” وبالتالي التصالح مع كل التغييرات التي حدثت بعد ذلك في حياته..

طول المسافة مابين العاصمة الخرطوم وهمشكوريب قد يعاني منها حتى من يتمتع بنعمة البصر ـ اذن ما فعله يعقوب تحدٍ كبير كسب فيه الرهان مع نفسه بعد الرجوع إلى الخرطوم أيضا.

يرفع يدك فقط. دون ان تنطق بكلمة?

نعم. أحيانا الظروف قاهرة تجعل الإنسان يفعل ما لا يطيقه. ولأكثر من خمسة عشر عاما او ربما يزيد يجلس يعقوب قبالة بنك الخرطوم ـ وجد نفسه متسولا إذ فٓقْد البصر عاق حياته وانقطع مصدر رزقه. يرفع يده دون أن يتحدث إلى شخص فلسفته في ذلك اليقين “الانسان لو عندو قسمة بتجيهو” مردفا “انا مقتنع ومتوكلا على الله والعندو شيئ بلقاهو”. فيصمت ثم يقول الظروف أجبرتني على هذه “الشغلانية” أي التسول.

كسب كثيرا من الأصدقاء والأحباب وتحدث عن علاقته بطبيب “الطب الشرعي” عقيل سوار الدهب التي امتدت لسنوات إذ أنهما يسلكان “الطريقة السمانية”  والطريقة تعني الولاء عند أهل التصوف. وحاول الدهب أيضاً مساعدته كثيرا لزيارة بعض أطباء العيون.

 يسمع لمحمد وردي وكان يقرأ صحيفة الأيام ويشجع الهلال وحينما بدأ يتحدث لنا في السياسة لم يخف يعقوب إعجابه بالراحل الرئيس الأسبق  جعفر نميري وقال: ” النميري كان راجل قوي وحينما يصدر قرارا يأمر بتنفيذه في الحال سواءً صحيحا ام خطأ” ووصفه بالقائد الشجاع.

حكومة متعلمين:

وبالرغم من الحال الذي وصل إليه السودان خصوصا في الجانب الإقتصادي_ لكنه بدا متفائلا للغاية فإن الحكومة الحالية من يقودها متعلمون ومثقفون وأن من إقتلعوا نظام البشير أي “العهد البائد” هم الجيل الواعي مستكملا لكن بعد ان تنتهي فترة “العساكر” يقصد المكون العسكري سينصلح الحال كثيرا “العساكر ديل يمشوا. بنعيش كويس. مضيفا “والضيق دا اصلا موجود منذ زمن الصحابة”. 

طبيعة عمل يعقوب الذي لم يفصح عنه قبل أن يفقد بصره وجولاتة الكثيرة بين بقاع السودان المختلفة جعلته يعرف أسرارا كثيرة عن  قيادات بالعهد البائد منهم ابراهيم إيدام والرئيس المخلوع وقال انه التقى في يوم برئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان مردفا الانقلاب “دا كلام ساي” 

ويواصل حديثه في السياسة قائلا بيد أن الاحزاب الكبيرة لابد أن تثبت وجودها واشار الى حزب الامة والبعث والاتحادي والشيوعي.” الاحزاب التانية دي صغيرة. بينما يرى ان انضمام الحركات المسلحة ماهي الا حبر على ورق خاصة أنها تضم أعضاء غير متعلمين فمناوي لم يلتحق بالجامعة وكان مدرس بالمرحلة الابتدائية وعبد الواحد هو حقوقي ولكن لا يدرك السياسة اما ياسر عرمان فلا يريد إنجازا انما يطمح للمناصب وأضاف أن الدول الخارجية لا يهمها غير مصالحها حسب تعبير يعقوب.

ومع عدم وجود مجلس تشريعي يرى نحتاج لقرارات صارمة تسير الدولة ورقابة لمتابعتها يقول “تاني مافي خوف” الانتخابات هي قرار الشعب وعليه أن يتوحد.

ينحدر يعقوب من منطقة العمارة بشرق سنار ودرس حتى وصل الى المرحلة الثانوية وتمنى أن يلتحق بما تسمى بكلية  الحقوق في ذلك الوقت لكن ظروفه حالت دون ذلك . يقول: “نحن كانت النتيجة بنظام ال”boxig”

وفي إحدى رحلاته او عبر عنه بالإغتراب تزوج يعقوب من اثيوية انجبت له إثنين من الابناء وابنة واحدة. حقق ابناؤه ما كان يطمح إليه على المستوى التعليمي يقول: أولادي “شالوا روحهم براهم” أي اعتمدوا على أنفسهم لكن لسة ما اتركزوا” فإبنه الأكبر لا زال يدرس الجيلوجيا ببريطانيا بينما إبنه الاصغر لا زال في عتباته التعليمية الاولى اما ابنته مع والدتها التي انفصل عنها منذ سنوات وتنوي الالتحاق بكلية المختبرات الطبية بعد أن تزوجت..

وأخيرا..
نطق المتسول الصامت قصته. عادية تبدو للبعض وغير عادية للبعض الآخر. ولكن: “ما أصعب العيش لولا فسحة الأمل” كما يقول الشاعر. حتى وإن كان هذا الأمل نقطة صغيرة وسط عاصمة مكتظة بالسكان إسمها الخرطوم. ترى ماذا يُخبئ المستقبل له?!.

‫2 تعليقات

  1. مادة فطيرة وغير ذات قيمة لا تصلح للنشر الصحفي وفيها كثير من التشهير بابناءه والمنطقة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..