مقالات سياسية

الصحة و السياسة، مصطلح جديد أم متجدد‎‎

د. سارة ابراهيم عبد الجليل

ونحن نخطو نحو الدولة الديمقراطية المدنية السودانية وما زال امامنا العديد من العقبات التي تواجه هذا الانتقال ولعل من اهمها التحديات الاقتصادية والسياسية التي تحيل من تحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع.

ان اهم مرتكزات العدالة الاجتماعية هي توفر الخدمات الصحية الاساسية (وقائية، علاجية، تأهيلية، بحثية) ليس هذا فحسب بل ان مبدأ صحة الامة nation’s health او صحة المجتمعات هي عامل محوري لتحقيق النهضة والتنمية المستدامة ومحاربة الفقر. فان التردي في الخدمات الصحية وغياب التأهيل المهني وحماية حقوق العاملين بالحقل الصحي ادي الي هجرات داخلياً متمركزة في المدن التي تتوفر فيها خدمات صحية و فرص عمل وهجرات خارجياً للكوادر الصحية للتدريب و الدعم المالي والحصيلة النهائية لهذه الهجرات المتعددة اضعف الموارد البشرية السودانية المنتجة و القوة التنموية
لقد حققت الثورة السودانية التاريخية السلمية الهدف الاول من ازالة النظام الديكتاتوري العسكري ومحاربة الارهاب السياسي والاعتراف العالمي بالسودان الجديد؛ لكن ما زلنا نتعثر لإكمال الانتقال الديمقراطي واكمال عملية البناء والعمل.

ولعل المتابع للتجارب الافريقية والاقليمية الحديثة ملم بأهمية تحقيق اسس الحوكمة الفعالة والشاملة inclusive governance من اجل ضمان نجاح الانتقال واستدامة النظام المدني الديمقراطي. إن توفر الخدمات الصحية المؤهلة الآمنة الممتدة في جميع انحاء السودان هو من اوليات نجاح الانتقال الديمقراطي وتحقيق العدالة.

فعندما نتحدث عن الصحة والسياسة لابد لنا من ان نتحدث عن صحة المجتمعات بالمفهوم الشامل وعن سياسات الصحة التي تخاطب متطلبات المجتمع السوداني مع مراعاة الاحتياجات العاجلة في مناطق النزاعات والحروبات ومعسكرات النازحين. كذلك عندما نتحدث عن الصحة لابد لنا من ان نعزز من ان الصحة حق للجميع دون اي تمييز وهذا اعتمادا على نصوص حقوق الانسان العالمية التي تلتزم بها دولة السودان.
ان مفهوم الصحة والسياسة health politics انتقل من مفهوم تحليلي نظري الي مفهوم اشمل مؤسس للتدريب والدراسة والتطبيق في مجال دراسات الصحة لجميع الكوادر الصحية في العديد من الدول. للأسف الي الان لا توجد جامعة سودانية تضمن هذا المجال في المنهج التعليمي ويظل مفهوم health politics مطروح للنقاش والتحليل الفكري بين مجموعات محددة.

إذا انتقلنا الي مفهوم السياسة والمعني الحقيقي لذلك فان الدراسات الجامعية متعددة في هذا المجال political science والاهتمام بنظم الحكم المتعددة عالميا وتاريخيا تدرس على مدار سنوات. ولعل الطالب او طالبة العلوم الصحية تفتقر الي هذا الجانب تماما بل ان دوما ما يشاع انه السياسة تتعارض مع الصحة! لكن الحقيقة هي ان الصحة تعتمد وتعكس وتحدد نجاح وفشل الانظمة السياسية الحاكمة. وكما نظرنا الي مفهوم “الصحة” دعونا ايضا ننظر الي مفهوم “السياسة” فما هي المنظومة السياسية ومن هو المسؤول عن سياسة الدولة؟ تعارفت المجتمعات على ان السياسة هي انعكاسات لأحزاب تتبع منهج أيديولوجي محدد ينعكس في سياسيات خدمية للمجتمع. هذه الاحزاب السياسية في الدولة المدنية الديمقراطية تنفذ هذه السياسيات عبر الاقتراع الانتخابي ونيل الثقة الشعبية. ولكن في حقيقة الامر فان سياسة الدولة هي علاقة ديناميكية متوازنة بين العديد من القوي: الحزبية، المدنية، النقابية، الشعبية، الاهلية. عدم التوازن بين هذي القوي ينتج عنه دون شك دولة مدنية هشة تفتقر الي عوامل النهضة والتنمية المستدامة ويصعب فيها تحقيق المبادئ الاساسية للمواطنة والحريات والعدالة والسلام. فان الدولة المدنية الديمقراطية ذات الاسس الراسخة تعتمد على المشاركة الفعالة لمواطنيها وعلى قوة المجتمع المدني النشط المتفاعل مع تنمية البلاد.

والصحة هي انعكاس لتوازن هذه المنظومة السياسية بتوفر سياسات صحية health policies تخدم الامة والمجتمعات وذلك بتوفر الدعم اقتصادي والضمان الاجتماعي وتوفر التعليم الاساسي والاعلام المستقل. كما نعلم جميعا فان الصحة هي عامل يتشابك مع العديد من العوامل المختلفة فان تهاوي اي من هذه العوامل أخل بالأخر ولعل انتشار وباء الكوليرا من الامثلة الحقيقية في السودان لان غياب البنية التحتية الاساسية انعكس سلبا على صحة البيئة الذي نتج عنه وباء بكتيري قاتل. فالسياسات الخدمية الشاملة تتقاطع وتعتمد على تواجد ونجاح الاخر.
حديثا انتبه العالم للعلاقة الطردية بين الصحة واقتصاد الدولة health economics وايضا على الرابط المحوري بين الصحة والخدمات الاجتماعية health sociology NHS national health services in UK lead by the department of health and social services))
لذلك لقد حان الوقت لان نسلط الضوء ونرفع الوعي بأهمية ترابط الصحة والسياسة فعلي المواطن او المواطنة السودانية الاهتمام برؤية ومفاهيم الخدمات الصحية المجتمعية بالتركيز مع المنظومة السياسية الكاملة. فما هو دور الدولة (النظام الحاكم) وايضا ما هو دور الاخرين لتحقيق صحة الامة.
واختم هذا المقال الذي يعبر عن رؤية شخصية بالرد على سؤال محوري قدم من مركز السودان للدراسات السودانية: هل يجب ان يكون ملف الصحة على طاولة كل وزير وهل الصحة هي شأن سياسي؟ بان اجيب: – نعم الصحة شأن سياسي يجب ان تكون على طاولة كل وزير وكل مسؤول وكل كادر صحة وكل من يعني بالعمل السياسي الوطني من اجل تحقيق صحة الامة السودانية.


المراجع:
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2652986/
https://academic.oup.com/heapro/article/20/2/187/827479
https://www.un.org/en/universal-declaration-human-rights/
https://www.who.int/health-topics/universal-health-coverage#tab=tab_1
https://sdgs.un.org/goals

سارة ابراهيم عبد الجليل استشارية طب الاطفال تعمل في النظام الصحي القومي البريطاني وحاصلة على ماجستير في صحة الطفولة والامراض الوبائية والاستوائية من جامعة ليفربول وزمالة الكلية الملكية البريطانية لطب الاطفال وهي عضو مؤسس لمنظمة برامج الحوكمة التي تعني برفع الوعي بأسس الحوكة الشاملة من اجل ضمان نجاح الانتقال الديمقراطي في السودان. twitter @sarajalilo
http://linkedin.com/in/sara-ibrahim-abdelgalil-6835311aa

Governance Programming Overseas (GPO)

Our vision:
Governance is the yardstick of sustainable democratic transition in Sudan.

http://www.governance-programming.org/
Twitter @GovernancePO


Governance Programming Overseas (GPO)

Our vision:
Governance is the yardstick of sustainable democratic transition in Sudan.

http://www.governance-programming.org/
Twitter @GovernancePO

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..