أخبار السودان

القطاع الصحي السوداني .. تدهور الخدمات وتبعثر المسؤوليات

الخرطوم – ندى رمضان

على الرغم من مرور أكثر من عامين على تسلم الحكومة الانتقالية السلطة، ما زالت لعنة التردي والتدهور تلاحق القطاع الصحي في السودان، حيث شهد القطاع الصحي حقبة مظلمة جراء سياسات النظام السابق، ما أدى لهشاشته بصورة شاملة، وتم تفكيك المستشفيات الاتحادية التعليمية، وتعاملت إدارة القطاع الصحي معه باعتباره ملفاً أمنياً بسبب تصدي الأطباء والعاملين في الحقل لممارسات النظام.

في الوقت الحالي، يعقد المواطنون آمالاً عريضة على حدوث تغييرات إيجابية، لكن ما حدث كان دون الطموح -حسب أطباء، حيث شهدت الفترة الماضية تعاقباً مستمراً لوزراء الصحة، ما اعتبره مراقبون سبباً أساسياً لتراجع الواقع الصحي وتعدد السياسات، فضلاً عن شح الميزانيات المرصودة، واستمرار لامركزية الخدمات الصحية، بجانب تفشي جائحة كورونا التي فضخت الأنظمة الصحية في كافة دول العالم.

ويقول استشاري التخدير والخبير في مجال الصحة، د. سيد قنات، إن الظروف الاقتصادية التي تشهدها البلاد ألقت بظلال سالبة على النظام الصحي، بالإضافة إلى الوبائيات التي ضربت البلاد طوال العام، بداية من انتشار الأمراض المتوطنة كالكوليرا، وإلى تفشى فايروس كورونا، ما خلق أعباء إضافية على الخدمات الصحية.

ونوه قنات إلى ضرورة وضع رؤية واضحة لأزمات الصحة، مع تصنيف الدولة بند الصحة كأول بند من أولوياتها. وأكد أن المشكلة الرئيسية في النظام الصحي هي غياب مراكز الرعاية الأولية في المناطق الريفية، كما في أطراف ولاية الخرطوم، مبيناً أنه ما لم تهتم الدولة بتجهيز تلك المراكز على مستوى الولايات والمحليات، فإن المشكلة لن تحل، وأشار لاكتظاظ مستشفيات الخرطوم بالمرضى، مطالباً بتوفير مركز صحي في كل منطقة، مع عدم نقل المرضى إلى الخرطوم والمدن الكبرى إلاّ في حالات الطوارئ القصوى والعمليات الدقيقة.

وأشار قنات إلى مشكلة نقص الكوادر الطبية، واستشهد باختصاصيي التخدير، وأضاف: “لا يتوفر في كلّ أنحاء السودان إلاّ (380 -400) اختصاصي تخدير، بينما هاجر البقية إلى دول الخليج وغيرها في السنوات الماضية، بحثاً عن فرص عمل أفضل” . منوهاً إلى أنّه قبل خمس سنوات لم يكن في ولاية شمال دارفور سوى طبيب أسنان واحد. وشدد على ضرورة بروز دور أكبر لكليات الطب في كل الولايات.

ولفت إلى أهمية انشاء مستشفى تعليمي لكل كلية طب بما يخدم طلابها ويعطيهم فرصة التدريب العملي في مسارهم المهني، ويخدم في الوقت نفسه أهالي المناطق التي توجد فيها تلك الكليات. ورأى ان تحسين شروط التأمين الصحي وتوسيع مظلته يساهم بقدر كبير في رفع المعاناة عن كاهل المواطن.

من جانبه، اشار المهتم بالشأن الصحي، د. بندر نوري، إلى أن النظام الصحي يعاني ترهلاً إدارياً ولا مركزية قابضة، ونبه إلى أن كل وزارة صحة تتخذ سياسات بمعزل عن الولايات الأخرى، مضيفاً أن النظام الصحي في السودان شهد تطبيق عدة أشكال من اللامركزية، كما شهد كذلك تعديلات جذرية ساهمت في خلق هذا الواقع الذي وصفه بالمختل.

ونوه إلى أنه تم تحويل السلطة على المرافق الصحية الثانوية والثالثية وحوكمتها من المستوى الاتحادي بأيلولتها إلى المستوى الولائي، علاوة على ذلك تم نقل المستشفيات الاتحادية الكبيرة على المستوى الثالث مثل مستشفى الخرطوم التعليمي، ومستشفى جعفر ابنعوف الواقعين في وسط الخرطوم، إلى أصغر المستشفيات الثانوية بالمحلية، مثل مستشفى إبراهيم مالك، والتي تقع في الجزء الجنوبي من الخرطوم، معتبراً أن ذلك يمثل أس المشكلة.

وأضاف بندر: “بعد تطببق اللامركزية للخدمات الصحية خفضت الميزانيات المخصصة للخدمات الصحية، وأدى ذلك إلى الإنفاذ الفوري لفرض رسوم على المستخدم بغرض استرداد التكلفة، كما أ نقل الخدمات التي يقدمها مستشفى الخرطوم التعليمي ومستشفى جعفر ابنعوف إلى مستشفيات طرفية ذات قدرات أقل؛ ساهمت في إضعاف خدمات الصحة العامة، وفتحت الباب أمام الاستثمار في المؤسسات الصحية الخاصة”. ونبه إلى وجود مؤشرات قوية على وجود استقطاعات من ميزانية الرعاية الصحية وخصخصة نظام الإمداد الدوائي، ودلل على ذلك بتركيز صيدليات المستشفيات الداخلية على جني الأرباح وإلغاء برامج العلاج المجاني للمجموعات الضعيفة.

وأكد المهتم بالشأن الصحي، أن الميزانية والعجز فيها أدى إلى تدهور الجودة وقدرات المستشفيات التي طبقت بها اللامركزية، وبالتالي تسهل عملية الخصخصة. وحذر نوري من تبني الخصخصة من قبل حزم برامج التفّيكك الهيكلي، ونوه إلى أن فهم العوامل السياقية المؤثرة يعتبر حاسماً في عملية تطبيق اللامركزية لتحقيق الآثار المباشرة لهذه السياسة، مشدداً على ضرورة التحليل المتعمق للسياسات والبراهين لقيادة أي إصلاح للقطاع الصحي في السودان.

مداميك

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..