مقالات سياسية

ما بين الوطنية وعشق المحبوبة

بشير عبدالقادر

استمعت الى احد الشباب وهو يغني بحرقة وحزن محتضنا طنبوره وضاربا برجله على الارض ليشكل الايقاع ناشدا “قالوا لي خلق الله سيبو؛ قلت ليهم ما بهون. نارها حارقة جوفي بريدها لي حد الجنون مسجون انا في عيونها يا حلاة سجن العيون..” ثم اعاد تكرار البيتين ولم يستطيع تجاوزهما فأنفجر باكيا!!! 

وجدت في نفسي تعاطف كبير مع انفعاله الصادق؛ وتمنيت في نفسي ان يجمعه الله مع محبوبته في عش الزوجية بمباركة الاهل

لكني تسألت بيني وبين نفسي هل الحب الذي يملاء قلوب وكيانات كل شباب السودان لمحبوباتهم وخطيباتهم وزوجاتهم ؛ وبصورة اعم الحب الذي يملاء كل سكان السودان لاهلهم يمكن ان ينعكس عشق للوطن

يقول لي السيد بوليه هيرفي وهو في سنواته السبيعينية ومازال يعمل كمدير   للمعهد العالي لعلوم  الادارة العامة والسياسة بان كل من يكتب عن الوطن فإن دافعه عشق محبوب من ذلك البلد.وقد وجدت ان فكرته مصيبة في كثير من جوانبها؛ فعشق الوطن من عشق المحبوبة

اذن انعدام الوطنية وحب الوطن عند كل من يهمل الوطن يرجع لعدم صدق حبه لمحبوبه؛ او لعدم ملامسة الحب شغاف قلبه؛ فيظل انسانا لم يلامس الحب قلبه .قال الشاعر “تعصي الاله وانت تظهر حبه؛ ان المحب لمن يحب مطيع

لعل كل من مر على تاريخ السودان منذ بعانخي وقبله مرورا بالمهدي وعثمان دقنة وود حبوبة وعلي عبداللطيف وصولا الى ابو كدوك وغيره من الوطنيين يثبت ان حب الوطن من حب المحبوبة اما كانت او اخت او زوجة او خطيبة او اخا او زوجا او ابا او اما او خالا او عما او جدا او جارا او معلما او رمزا وطنيا أو غيرهم. 

اما اؤليك الخونة لاوطانهم فلم يعرف الحب طريقه الى قلوبهم .ولذلك يبقى ذلك القلب الخالي من السعادة مستعدا للخيانة بعيدا عن ايات الاخلاص .خلو القلب من الحب يؤدي لمحاولة ملئه بغيره وتعويض ذلك الحب المفقود بحب المال والسلطة والجاه والسمعة والرياء.اي ان ضعف حب المحبوبة والوطن يزيد هوى الاندماج بل السقوط والتعصب  لاطر اخرى ضيقة حزبية اوقبلية اوجهوية

و هنا يبدأ التدافع العكسي  بين الغيرة على الوطن وحماية المصلحة الخاصة التي تتم عبر حماية مصالح المجموعة المتأمرة على الوطن .فيبرز من ينادي بالجهوية ومن ينادي بالقبلية ومن ينادي بالاستبدادية العسكرية  والسطو على السلطة بإنقلاب عسكري وإن حملته حاضنة سياسية حزبية

جاء في القول المأثور “حب الوطن من الايمان”؛ وبمفهوم المخالفة يمكننا القول “عدم حب الوطن جزء من الكفر” ؛ ناهيك عن من يكرهون الوطن ويسعون لتفتيته وخيانته و لدماره . ماذا يمكن تسمية من يسعي حثيثا اوينفث فحيحا لبث سموم الفتن والفرقة والاحتراب. هل يملك من يشارك بالقلم او الكلمة في اشعال الحروب الاهلية والمجازر البشرية بل والابادات الجماعية والجرائم ضد البشرية قلب انساني ؛ هل يرتقي لبشر سوي له قلب يخفق ومشاعر تتدفق؛ ام هو شيطان كراهية في صورة انسان. وهو ما حدث منذ قديم الزمان من المجازر والحروب وليس انتهاء بمجازر البوسنة والهرسك حيث كانت تشقق بطون النساء الحوامل بسونكي البنادق لقتل الاجنة في ارحام امهاتهم

او الابادة الجماعية في رواندا حيث حرق النساء والأطفال احياء بعد قتل الرجال والشباب من القبيلة الاخرى.   

لكن يبقى الاصفياء مثل مانديلا يملكون حب للشعب وللوطن يملاء المحيطات ويفيض سماحا وأملا ومحبتا تدفع النفوس لبذل المهج لبناء الاوطان. حتى ان السود طووا صفحة التمييز العنصري الابارتايد وتعافوا وتصافوا مع البيض. فكان ان اصبحت دولة جنوب افريقيا من الدول الناهضة والواعدة. 

إرتياد ميادين الحب هو اول عتبة في سلم الوطنية، ولن يعرف الوطنية من لم يعرف العشق. 

أنشد الشاعر البروفسور معز بخيت  

“وحملت نجمتك الانيقة فبفؤادي 

ومشيت نحوك فانتهيت الى بلادي

ورسمت وجهك في جبين الحلم

في موج الورق

وغفوت في صدر الشفق

استقبل الميعاد منك فلم يعد

لي من سمائك غير اطياف الأرق 

***

ادنو وارنو في ربوعك انثني

وبصدر حلمك اقتني

عرش الكواكب علني

في سندس الآمال أغفو لا افي

جالية قلبي ليته

جالية ذاك الصبح يصدق وعده

يا ايها الوطن العشيق” 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..