مقالات وآراء

ما بين تمكين الأربعة الطويلة وتمكين القبيلة

اسماعيل عبد الله

قال الزعيم الأفريقي الراحل معمّر القذافي :(من تحزّب خان) ، إنّ مدلول هذه الجملة الموجودة بصفحات الكتاب الاخضر للزعيم الليبي ، تكاد تتطابق معنوياً مع حال احزابنا السياسية القديمة والطويلة طول أمد بقاءها في المشهد المأزوم ، رغم نفاد مدة صلاحية المشاريع التي تقدمت بها في النصف الأخير من القرن العشرين الخاتم للألفية الثانية – الرسالة الثانية للاسلام ، الصحوة الاسلامية ، تجديد أصول الفقه ، الدستور الاسلامي ، اطروحة الانحياز لطبقة البوليتارية والرسالة الخالدة الممجدة للقومية العربية الواحدة – فالخيانة تجسدها تجارب هذه الاحزاب مع ممارسة السلطة والدور التمكيني الذي قامت به عبر الحقب والسنين ، فكل من تقلّد مقاليد الأمور الحكومية العامة انحاز لطائفته وتماهى مع حزبه السياسي ، وجعل الأولوية في تسنم المواقع القيادية في الحكومات القومية لقبيله الحزبي ، فليست الجبهة الاسلامية (القومية) هي الوحيدة السادرة في غي هذا المضمار ، فهناك الأمة والاتحادي والبعث والمؤتمر والشيوعي والجمهوري ، قد اتخذوا المسلك التمكيني بحكومة المحاصصات الحزبية والقبلية المسماة بالمؤقتة والانتقالية ، ولقد أهلك الذين من قبلهم الانشغال بالمغانم والمكاسب الحكومية الوظيفية والتكالب على المقاعد  الحركات المسلحة المنتزعة لحصّة سكان دارفور من كعكة الانتقال ، هي الأخرى اصيبت بداء (التكويش) ، فجيّرت مكاسب اتفاق سلام السودان الموقع عليه بعاصمة جمهورية جنوب السودان ، لعدد محدود من منسوبيها الذين تربط بينهم رابطة القبيلة، ففاقمت الشعور بالتذمر بين المكونات الاجتماعية المهمشة وظهرت اجسام مطلبية تنشد الحكم الذاتي ، حتى أن رئيس احدى الحركات المسلحة القادمة على صهوة حصان اتفاق السلام ، حجز لنفسه كرسي مفتاحي كبير ولأثنين من ذوي قرباه احتكر موقعين دستوريين مؤثرين ، دون الالتفات لنصوص الاتفاق المخاطب للناس كافة بهذه الجغرافيا التي امطرها الدكتاتور المخلوع بوابل قنابله البرميلية ، وزعيم كفاحي آخر وضع أصهاره وأحسابه وأنسابه على قائمة الضباط الكبار الذين سوف يدفع بهم الى لجنة محاصصات الترتيبات الأمينة القادمة ، والتي لن تكون بأي حال من الأحول بأفضل من المحاصصة العرقية الانتهازية التي صاحبت هذا الماراثون التحاصصي السياسي الغريب ، هذا فضلاً عن التكتل القبلي الواضح والماثل بقوات الدعم السريع التي لعب قائدها دوراً بارزاً في الإتيان بجوقة جوبا الى دواوين الحكم ، فالمسرح الانتقالي العام تفسّره المقولة الخالدة للسيد المسيح عليه السلام (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر) – خطيئة التحاصص الحزبي والقبلي .

من المعلوم أن الصراع حول النفوذ الحكومي بدأ باول حكومة (وطنية) بعد (الاستغلال) ، فحرم الجنوب والغرب والشرق من الحصول على كوتته المستحقة من السلطة والثروة ، فاندلعت حرب الجنوب التي افضت للأنفصال ، ومن سخريات الأقدار أن النخبة الحكومية الجنوبية مارست نفس الظُلم الذي مورس عليها من قبل الحكومات المركزية المتعاقبة ، عندما آلت اليها السلطة في موطنها الأصلي ، وبعدها انتقل فايروس التمرد المطلبي لغرب البلاد وجيء بالنافذين في الحراك المسلح لسدة الحكم ثلاث مرات، آخر مرة كانت عبر قطار جوبا ، فمارست النخبة الغربية ما كانت تناهضه من سطوة الاقلية المركزية الحاكمة ، ففعلت ما فعله اصحاب القبضة المتجبرة من ابناء (الشريط النيلي) ، فانحاز الفاعلون في حراك ابوجا والدوحة وجوبا للقبيل العشائري وتركوا البائسين في المخيمات في مأساتهم لكي يزداد ألمهم وحزنهم ، وبين ليلة وضحاها بدّل قادة المهمشين الجلباب البلدي وارتدوا الجاكيت الافرنجي وخلفوا رجل على رجل ، وطفقوا يخطبون الخطب الرنّانة أمام قاطني الكنابي بالجزيرة والقضارف ، ويسردوا ويعددوا لهم المظالم التاريخية التي حاقت بهم جراء الظلم المركزي تجاههم كونهم من (الهامش)، ضاربين بعرض الحائط المأساة الانسانية الكبرى التي حلّت بمعسكرات (ابو شوك) ، (كلمة) و(زمزم) .

المثل السوداني – أب سنينة يضحك على أب سنينتين – يجسد حال دعاة التمكين القبلي الأثني والتمكين الحزبي الطائفي الطويل الأمد ، وما بين هذا التمكين وذاك التمكين غاصت اقدام الشعب المسكين في الوحل والطين ، فلا منجد للمواطن إلا القبيل العشائري الحائز على السلطة الحكومية ، أو الحزب السياسي الواصل لطاولة الكعكة السلطوية انتهازاً وفهلوةً ، ويظل التساؤل غير المجاب عليه قيد المثول والشخوص والالحاح ، متى يصل المقاومون المدنيون المستقلون في مدن وارياف السودان للقصر؟، ومتى يجلسوا حول الطاولة الموضوع عليها التورتة؟، ومتى يمسكوا بالسكين القاطعة للكيكة بالقسطاس المبين؟، إنّ هؤلاء المقاومينالمدنيين هم (حُلم) – حراك لجان المقاومة ، الجسم الوحيد المخاطب لنبض الشارع ، والذي قدم اطروحة تحويله لكيان جامع أحد الصحفيين الشهيرين ، فهل يتحقق هذا (الحُلم) الكاسح والماسح للأجندة الحزبية الضيّقة، والكانس لأوهام الحالمين بعودة دولة القبيلة، والرامي بها في مزبلة التاريخ – هذا في حال قبلت المزبلة التاريخية.

[email protected]

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..