مقالات سياسية

التحّول الديمقراطي .. بين مخاوف العسكر وضعف المدنيين

 إبراهيم سليمان

يبدو للمراقب ، أنّ الشارع السياسي ، زهد في خيرٍ من الحكومة الانتقالية ، واكتفى بأشواق التحّول الديمقراطي ، وأنّ العسكر ، زهدوا في انقلابٍ يمكنهم من الانفراد بالسلطة ، واكتفوا بالمراوغة والمساومة للإفلات من تبعات خطيئة فض الاعتصام ، وهم مدركون أنّ والأخيرة هذه ، ستظل كابوس تؤرق مضاجعهم ، إن “دقسوا” في السماح بتأسيس ركائز التحول الديمقراطي ، أو غفلوا عن هندسة صناديق الاقتراع ، بحيث تظل الفُرقة الحالية مستعرة كما هي ، والشتات الماثل سيد الموقف إلى ما بعد الانتخابات ، التي تراها الحكومة الانتقالية ، سدرة منتهاها .

وإن كنا موضوعيّن ، فأنّ نيران المدنيين ذاتي الاشتعال ، بيد أنّ العسكر بمكرهم المعهود ، يزيدونا حطباً على حطب ، وإن خبأت عوارها ، ألقموها بمتفجرات ناسفة للوفاق ، غير متكثرين أنّ الشارع السياسي ، قد يجبرهم جميعا ، عسكر ومدنيين ، أن يتدفؤوا بلهيبها المستعر ، فالثورة مستمرة ، والردة مستحيلة .

في حوار معه مؤخراً ، أفاد مولانا عبد القادر محمد أحمد ، المعتذر عن تولي منصب رئيس القضاء ، فيما معناه أنّ التحول الديمقراطي ، كان يمكن تحصينه مبكرا بتشكيل المؤسسات الدستورية للفترة الانتقالية ، فهي الحامية من الجدل الدستوري الدائر الآن ، والرادعة للطامحين والمشاغبين دستورياً . بكل وضوح ما يتكّشف الآن ، أنّ (قحت) قد أضاعت فرصة اغتنام صحتها ليوم مرضها ، وليس بمقدور أكثر المتفائلين خيراً ، أن يتوقع إمكانية تشكيل كافة المؤسسات الدستورية الضرورية للتحول الديمقراطي ، فيما تبقّى من عمد الفترة الانتقالية ، من مجلس تشريعي ، ولجنة الدستور الدائم، ومفوضية العدالة الانتقالية ، انتهاءً بمفوضية الانتخابات .

بنظرة حصيفة ، يمكننا القول ، ما تلوح في الآفاق المستقبلية للبلاد ، أنّ ضمان نزاهة الانتخابات المرتقبة ، يعتبر التحدي الأعظم للعبور ، وأنّ إمكانية “خج” الصناديق الانتخابية ، لهو أشدّ خطراً من تهديدات العسكر بالإنقلاب على الوثيقة الدستورية ، سيما في ظل شفافية نائب رئيس المجلس السيادي الفريق حميدتي ، بأنهم لن يسلموا مقاليد جهازيّ الشرطة والمخابرات العامة إلاً لسطلة منتخبة ، يقول ذلك ، ونسيَ نفسه أنه ليس منتخباً .

يساورنا مخاوف مشروعة ، في ظل الصمت المطبقّ للشق المدني في الوقت الراهن ، أنّ التزوير المتوقع سيكون محروساً “سيادياً” لضمان التوازن المحّصِن لهم (بكسر الصاد) من المساءلة عن خطيئة فض الاعتصام ، وخطايا أُخر قد تطال تبعاتها جنرالات العسكر وقيادات ثورية نافذة ، ركبوا مؤخراً في سرج العسكر ، متى ما توفرت العدالة المستقلة .

كأننا نرى من الآن ، ساحات “خجّ” الصناديق الانتخابية ، وملامح خرائط الدوائر الانتخابية المفصّلة لضمان فوز رموز فلولية بعينها عشائرياً ، وكأننا نرى رأي العين ، تدفقات ثروات الفلول ، وإيرادات الذهب لتعزيز وتكثيف الحملات الانتخابية ، ومنافذ علنية لبيع لشراء أصوات الناخبين ، وكأننا نسمع بأم آذاننا التصريحات الابتزازية للغلابة بتبعات خسارة الحزب الفلاني ، وكساد حصيلة الحركة الثوربة الفلانية .

هناك من يأمل أنّ تسّرع أيلولة رئاسة السيادي للمدنيين ، إنجاز استحقاقات دستورية يعرقلها رئاسة العسكر، لكن يبدو أنّ هذا الأمر واهن ، مالم تفلح الحكومة الانتقالية في تفعيل صلاحياتها الدستورية ، التي تخلّت عنها بعدم الشعور بالمسئولية للعسكر، على رأسها رئاسة جهازي الشرطة والمخابرات العامة ، وإبعاد العسكر والفلول عن أسوار الجهاز القضائي والنيابة العامة .

ولدينا مخاوف مشروعية ، أنّ حصيلة اتفاق جوبا للسلام، سيما مسار دارفور، توّلد شمولية ثورية ، فقد ظهرت أشراطها باكراً ، الأمر الذي يجعل من التبادل السلمي للسلطة الإقليمية ، أمر بالغ التعقيد، إن لم يكن مستحيلا ، والله “يكّضب” الشينة .

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..