أخبار السودان

السودان.. تعويل على رد الفعل الدولي وترقب لحل الأزمة

أدت الأزمة السياسية الحادة التي تسبب فيها استيلاء العسكر على الحكم في السودان إلى ردود فعل مختلفة، وقد جاء رد الفعل الدولي الأهم من واشنطن حيث طالب الرئيس الأميركي جو بايدن السلطات العسكرية بالسماح للشعب السوداني بالاحتجاج وإعادة الحكومة المدنية.

أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش فقد دعا الجيش السوداني إلى “ضبط النفس”، خلال تظاهرات السبت “المليونية” المناهضة لحكم الجيش.

وفي هذه الأثناء قال الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إنه يمكن الإعلان عن رئيس وزراء من ذوي الكفاءات خلال أسبوع، فيما عرض رئيس الوزراء عبد الله حمدوك تشكيل حكومة مدنية جديدة شريطة أن يتراجع الجيش عن “انقلابه” ويفرج عن المعتقلين.

يقول رئيس تحرير صحيفة التيار، عثمان الميرغني، لموقع “الحرة”، إن ردود الأفعال الأميركية دائما ما تؤثر على صناعة القرار في السودان، باعتبار أن واشنطن واحدة من أكثر الدول اتصالا بالشأن السوداني، وأصبحت شريكا أساسيا واستراتيجيا للخرطوم بعد إطاحة الرئيس المخلوع عمر البشير في 2019.

وكانت الولايات المتحدة ألقت بثقلها وراء عملية الانتقال الديمقراطي في السودان، فرفعت اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقدمت دعما دبلوماسيا ساعد في تخفيف أعباء ديون بمليارات الدولارات. وفي إطار هذا الاتفاق وافق السودان على تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.

وقبل يومين من الاستيلاء العسكري على السلطة الذي وقع الاثنين الماضي، توجه مبعوث الرئيس الأميركي جو بايدن الخاص لمنطقة القرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، إلى الخرطوم، في محاولة للعمل على التهدئة.

ويتفق المحلل السياسي محمد عثمان الرضا مع ما طرحه الميرغني، قائلا إن “الولايات المتحدة تولي السودان أهمية خاصة، والدليل الجولات المكوكية لفيلتمان من أجل التوصل إلى تسوية سياسية بين الفرقاء السياسيين، وعلى ضوء ذلك التقى بالعديد من قيادات المكونين المدني والعسكري”.

وعلى مدار الأسابيع الماضية تزايدت الخلافات سواء بين المدنيين والعسكريين أو في صفوف الجيش نفسه، خصوصا بعدما قالت السلطات إنها أحبطت مؤامرة انقلابية عزتها إلى فصائل عسكرية متمردة وموالين للبشير.

وردت الولايات المتحدة على حركة الجيش الاستيلاء على السلطة بالإدانة، وبقرار لتجميد صرف 700 مليون دولار مساعدات اقتصادية للسودان.

وعلى النقيض من ذلك، يقول المحلل السياسي أُبي عز الدين إن “السودان لم يستفد شيئا من وقوف أميركا وبعض دول أوروبا معه طيلة أعوام حكم حمدوك الثلاثة الماضية، بل زاد عوَز المواطنين، وصارت الحياة متوقفة تماما”، على حد قوله.

وفي هذا الإطار نقلت رويترز عن مسؤول بالخارجية الأميركية أن ما طالب به السودان من تخفيف أعباء الديون، التي يبلغ حجمها عشرات المليارات من الدولارات، لن يحدث ما دام الجيش يحاول توجيه السودان بشكل منفرد.

ويشهد السودان أزمة اقتصادية بالفعل، حيث يواجه السكان نقصا في السلع الأساسية بما في ذلك الغذاء والدواء، ويحتاج ما يقرب من ثلث السكان إلى دعم إنساني عاجل.

وبحسب عز الدين فإن أميركا وبعض الدول الأوروبية صمتت أمام “ديكتاتورية نظام حمدوك وعدم التزامه بأي إعلان لمواعيد الانتخابات، بسبب رفض أحزاب قوى الحرية والتغيير، رغم إصرار المؤسسة العسكرية”، على حد قوله.

أما الكرملين، فقد رد على سيطرة الجيش بمطالبة جميع الأطراف بإبداء ضبط النفس، ودعوة السودانيين لحل الموقف بأنفسهم بأسرع ما يمكن ودون فقدان أي أرواح. لكنه لم يندد بما حدث.

وبعد مباحثات شاقة استمرت أياما، طالب مجلس الأمن الدولي، في بيان أصدره الخميس وأعدته بريطانيا وعمدت روسيا إلى التخفيف من وطأة مضمونه، بـ”عودة حكومة انتقالية يديرها مدنيون” مبديا “قلقه البالغ حيال الاستيلاء العسكري على السلطة”.

يقول الميرغني إن روسيا تحاول دائما توفير موطئ قدم في السودان، خصوصا على البحر الأحمر، حيث سبق وأن طالبت موسكو بإنشاء قاعدة بحرية “ورغم ذلك فتأثيرها في الداخل السوداني ضعيف”.

“الانقلاب” أم الحكومة؟

والجمعة، قال البرهان إنه يمكن الإعلان عن رئيس وزراء من ذوي الكفاءات خلال أسبوع، وترك الباب مفتوحا أمام حمدوك للعودة وتشكيل الحكومة الجديدة.

وردا على ذلك، نقلت رويترز عن مصادر التقت مع حمدوك، قوله إنه يرغب في الحوار لكن بشرط عودة الأمور إلى ما كانت عليه عشية خطوة الاثنين.

وفي هذا الصدد، يقول عثمان الرضا إن “الحكومة المدنية المستقلة المرتقبة التي لا تحمل أي انتماءات سياسية” يمكن أن تشكل مخرجا من الأزمة السياسية الخانقة التي تعاني منها البلاد.

ويقول عز الدين إنه “طالما أن الحاضنة السياسية لحمدوك، والمكونة من 4 أحزاب فقط، فشلت في إدارة كل ملفات الدولة، فسيتم توسيع التشاور مع جميع القوى المجتمعية، من أجل اختيار حكومة كفاءات غير حزبية، تتمكن فيها حكومة تكنوقراط من الوصول بالسودان للانتخابات بسلام”.

وعما إذا كانت عودة حمدوك للحكم ستحل الأزمة السودانية، يقول الميرغني: “المشكلة الأساسية الآن هي الانقلاب العسكري، وعدم إمكانية استمرار حكم العسكر في السودان بعد عدة تجارب”.

ومنذ الاستقلال عام 1956، كان الجيش في السودان لاعبا أساسيا في السلطة، ونفذ عدة انقلابات قضت على تجارب عابرة كانت السيطرة فيها للمدنيين.

ويلقي الميرغني باللوم على المكون المدني في وصول العسكر إلى السلطة وتنفيذ عدة انقلابات، مرجعا ذلك إلى “التراخي الشديد والخلافات بين المدنيين وسعيهم لمكاسب حزبية فوق المصلحة الوطنية، مما يؤدي لسهولة قفز العسكر إلى الحكم”.

وكان دبلوماسيون واثنان من مساعدي حمدوك قالوا لرويترز إن الجيش كان يأمل حتى اللحظة الأخيرة في إقناع الأخير بعزل أعضاء مجلس الوزراء حتى يمكنه تشديد قبضته على عملية الانتقال، دون استخدام القوة، وفي الوقت نفسه الإبقاء عليه في منصبه. ورفض حمدوك التعاون مع الجيش.

ويرى الميرغني أن الحل المؤقت الحالي هو العمل السلمي الجماهيري الذي يرغم العسكريين على التنازل عن الحكم، وعودة العمل بالوثيقة الدستورية التي تنص على الشراكة بين المكونين المدني والعسكري خلال الفترة الانتقالية.

أما على المدى الطويل، فيشدد رئيس تحرير صحيفة التيار على أهمية إيجاد صيغة تسمح للجيش بالمشاركة في الحكم، لكن دون أن يكون المسيطر الأوحد عليه، مضيفا “أعتقد أن ذلك قد يكف شر الانقلابات العسكرية”.

ويتظاهر السودانيون، السبت، للاحتجاج على خطوة العسكر، وإعادة البلاد إلى عملية التحول الديمقراطي، رغم القمع الدامي للتظاهرات خلال الأيام الخمسة الأخيرة.

ويراقب العالم رد فعل العسكريين على هذه التظاهرات التي وعد منظموها بأن تكون “مليونية”، حيث تم تحذير السلطات العسكرية من استخدام العنف ضد المتظاهرين.

ويتوقع الميرغني أن يوفر العسكريون الحماية لهذه المظاهرات ويحرصوا على سلميتها، قائلا: “أي نقطة دماء ستراق اليوم ستتسبب في عواقب مجهولة لا يعلم أحد مصيرها”.

لكن رئيس تحرير صحيفة التيار يشير إلى “طرف ثالث مختبئ في مكان ما، من مصلحته أن تعم الفوضى مسيرات اليوم”، قائلا إنهم “الموالون لنظام البشير”.

الحرة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..